الموضوع: عقدة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25-06-2020, 02:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,707
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عقدة البقرة

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وليُّ الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد: ففي العالم اليوم أطروحة تسمى: أطروحة التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وهذه الأطروحة تدعو إلى نبذ الأديان التي تعمل على التفرقة بين البشر بسبب اختلاف الدين. قالوا: إن سبب النزاع والصراع بين الناس هو الدين، فيجب نبذه والتخلص منه؛ ليعيش الناس في محبة وسلام تحت مظلة الإنسانية التي تجمع الناس جميعاً بزعمهم.

وهذه هي مبادئ الماسونية، وهي في صورتها تعمل على نبذ جميع الأديان لتنتشر المحبة بين الناس، ولكن في حقيقتها دعوة خاصة ليتخلى المسلم عن عقيدته، ويتبرَّأ من انتمائه للإسلام، فبينما صدَّق كثير من المنتسبين للإسلام هذه الدعوى، نجد أن الأمر على النقيض من ذلك بين أصحاب الديانات الأخرى، فاليهود يحاولون الرجوع إلى أصولهم المحرَّفة، والنصارى في عودة مستمرة إلى دينهم الباطل، والمسلمون ينتظرون حلول مشاكلهم بتطبيق النظام العالمي الجديد!! ويستسلمون لقوى البغي والعدوان بدعوى التعايش السلمي المزعوم.

والله عزَّ وجلَّ يحذِّرنا بعد قصة البقرة من هذا الخداع، ويقطع علينا خطَّ الرجعة حتى لا نطمع في بني إسرائيل، فاليهود هم اليهود في كل عصر ومصر.
إِنَّ الْعَصَا مِنْ هَذِهِ الْعُصَيَّهْ ♦♦♦ لا تَلِدُ الحَيَّةُ إِلاَّ حَيَّهْ

ولو نسيت الكلاب نباحها، والخيول صهيلها، والغنم غثاءها، والحمام هديره، ما نسي اليهودي عداءَه للرسول صلى الله عليه وسلم، فالخيانة مكنونة في دمائهم، والحقد والحسد أصل من أصولهم، وعداؤهم لـ: لا إله إلا الله طبع من طباعهم، يتشربونه في طفولتهم، وفي مدارسهم وجامعاتهم ومنتدياتهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: ï´؟ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ï´¾ [البقرة: 75] ï´؟ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ ï´¾ [البقرة: 75] أتظنون أنهم سوف يسالمونكم، ويؤمنون لمبادئكم ويكونون إخوةً لكم ï´؟ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ ï´¾ [البقرة: 75]؟ لا، لا تطمعوا في ذلك، فهي قلوب قست، وأفئدة أظلمت، وأبصار عميت، وآذان أصابها الوقر، وعقولٌ خراب: ï´؟ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ï´¾ [البقرة: 74]. والقلب الذي هو كالحجارة، أو أشد قسوة لا يُطمع في إخباته، ولا يرجى إيمانه!!

إن الله عز وجل قد أنعم على بني إسرائيل بنعم لا تحصى، أطعمهم المنَّ والسلوى، وأنقذهم من فرعون الطاغية، وأراهم الآيات، وأرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، فماذا قالوا: ï´؟ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ï´¾ [المائدة: 64].

وقالوا: ï´؟ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء ï´¾ [آل عمران: 181].

فقابلوا النعمة بالجحود والكفران، فضربت عليهم الذلة أينما ثُقفوا، وأصابتهم اللعنة أينما حَلّوا: ï´؟ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ï´¾ [المائدة: 78 - 79].

أيها الناس: وفي قصة البقرة لطائف أذكرها للاستملاح كما ذكرها أهل العلم، وكما نبَّه عليها المفسرون:
الأولى: قالوا لإمام أهل السُّنَّة والجماعة أبي عبد الله أحمد بن حنبل: أتذبح البقرة أم تُنحر ما السنة في ذلك؟ فقال الإمام أحمد: بل تذبح: قالوا وما الدليل؟ قال: قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ï´¾ [البقرة: 67]، وقد بوَّب الإمام البخاري في "الصحيح" في كتاب الحج، قال: باب ذبح الرجل البقر[14].

والمقصود من ذلك هو بيان فقه أئمتنا وعلمائنا، وهذه العقول المدركة، والآذان الواعية والقلوب النَّيرة التي رفعت مستوى الثقافة والإدراك والفهم عند المسلمين، حتى صار المسلمون أمة مرهوبة الجانب، قوية الأركان، صلبة المراس، فشرفُنا أحمد بن حنبل، وتاريخُنا ابن تيمية، ومجدُنا مالك، وفخرُنا الشافعي، وسؤددنا أبو حنيفة، هذا ميراثنا، علمٌ نافعٌ موصولٌ بمشكاة النبوة: ï´؟ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ ï´¾ [النور: 35].

أما ميراثُ العملاء، أما تاريخ الخونة، أما مجد المنافقين والعلمانين، إما وَتَرٌ، أو بلوت، أو موسيقى حالمة، أو ضياع، أو مجون، ï´؟ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ï´¾ [النور: 40].

الثانية: جواز بيع السَّلَم: وانظر إلى عقل الإمام مالك كيف حلّق به في سماء الاستنباط، فاستنتج من قصة البقرة أن من باع غرضاً بصفة كصفة بقرة بني إسرائيل جاز بيعه بصفة معلومة؛ لأن هذه البقرة وصفت لهم من الله عز وجل فبحثوا عنها فوجدوها.

الثالثة: أنه لا ينبغي للمسلم أن يتشدد، أو يتعنت أمام المسائل الشرعية، ولا ينبغي أيضاً أن يسأل العلماء على وجه التعنت والإفحام، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغَلوطات[15]. بل ينبغي على طالب العلم أن يكون سؤاله للعلم لا للترف الذهني، قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ ï´¾ [المائدة: 101 - 102].

الرابعة: ويؤخذ من هذه القصة أيضاً أن الدين يسر، وأن الله إذا أمر بمر فينبغي أن يؤخذ على ظاهره حتى يثبت خلاف ذلك، فعلى المسلم أن يسارع إلى تنفيذ هذا الأمر دون جدال أو تنطع.

الخامسة: ويستفاد من هذه القصة أيضاً أن مَنْ سارع في تنفيذ الأمر في أول وقته هو المأجور، فمن صلى الصلاة في أول وقتها كان أجره أعظم من الذي أخَّرها عن وقتها، قال ابن مسعود: يا رسول الله أي العمل خير؟ قال: ((الصلاةُ على وقتها))، هذه عند البخاري[16]، وعند مسلم[17]: ((الصلاة لوقتها))، وعند الترمذي[18]: ((الصلاة على مواقيتها)).

وكذلك من حج في أول عمره، ومن تاب في أول عمره، أفضل ممن ترك الحج أو التوبة حتى بلغ الستين، أو السبعين.
تَفِرُّ مِنَ الْهَجِيرُ وتَتَّقِيهِ
فَهَلاَّ مِنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَرَرْتَا

وَتُشْفِقُ للمُصِرِّ على الخَطَايَا
وتَرْحَمُهُ ونَفَسُكَ مَا رَحِمْتَا

وَيَقْبُحُ بالفتى فِعْلُ التَّصَابِي
وأَقْبَحُ مِنْهُ شيخٌ قَدْ تَفَتَّا


ولذلك فإن من أخَّر التوبة، وسوَّف بها، وفعل الأفعال الشنيعة، فإنه قد أساء إساءتين؛ إساءة المعصية، وإساءة عدم الإعذار من الله، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((ثلاثة لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) وذكر منهم: ((الشيخ الزاني))[19].

فإن مثل هذا يأتي يوم القيامة ولا حجة له. قال عليه الصلاة والسلام: ((أعذر الله إلى امرئ بلَّغه ستين سنة))[20]. ومعنى الحديث أن الله عز وجل قد قطع عليه الحجة والعذر فلا حجة له ولا عذر عنده، قال تعالى:
ï´؟ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ ï´¾ [فاطر: 37].

قال ابن عباس: النذير الشيب والمقصود: البدار البدار، لا نصبح كبني إسرائيل نسمع الموعظة فلا نتأثَّر، ولا نُلقي لها بالاً، وإن تأثَّر البعض فتأثر وقتي سرعان ما يزول.

إن المطلوب هو الإسراع في صعود سفينة النجاة، ومخالفة أصحاب الجحيم من اليهود والنصارى وسائر ملل الكفر، وقد أمرنا الله عز وجل أن نتبرأ منهم ونستعيذ من طريقتهم في كل ركعة من أي صلاة فنقول: ï´؟ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 6 - 7].

والمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى.

قال سفيان بن عيينة رحمه الله: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبَّادنا ففيه شبه من النصارى، والأمة اليوم فيها مدرسة تشابه مدرسة اليهود والنصارى؛ في أفكارها، والتوائها، ومحاربتها لدين الله عز وجل يظهر ذلك في أطروحاتها المقدمة، وفي أقلامها العملية التي تهدم الأخلاق وتحارب الفضيلة وتعمل على تنحية الهوية الإسلامية لهذه الأمة واستبدالها بغيرها من آراء وأفكار اليهود والنصارى.

نسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يجنبنا جميعاً صراط المغضوب عليهم والضالين.

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ï´¾ [الأحزاب: 56]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً))[21].

[1] ((تفسير الطبري)) (1/ 389).
[2] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 239).
[3] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 239).
[4] ((تفسير الطبري)) (1/ 390).
[5] أخرجه البخاري (1/ 49) ومسلم (1/ 214) رقم (26).
[6] وهلي: ظني واعتقادي.
[7] هجر: مدينة معروفة، وهي قاعدة البحرين.
[8] يثرب: هو اسمها في الجاهلية فسماها الله تعالى: المدينة، وسمَّاها الرسول صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة.
[9] قال النووي: قد جاء في غير مسلم زيادة في هذا الحديث: ((ورأيت بقراً تنحر))، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا بما ذكر، فنحر البقرة هو قتل الصحابة - رضي الله عنهم - الذين قتلوا بأحد.
[10] أخرجه البخاري (4/ 183) كتاب المناقب، ومسلم (4/ 1779) كتاب الرؤيا، رقم (2272).
[11] كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير.
[12] أخرجه مسلم (3/ 1510) كتاب الإمارة، رقم (1091).
[13] ذكره السيوطي في ((الدر المنثور)) (5/ 615)، وعزاه لابن جرير، والبارودي في ((معرفة الصحابة)) وابن عساكر.
[14] انظر: (صحيح البخاري) (4/ 184) كتاب الحج، باب (115).
[15] أخرجه أبو داود (3/ 321) كتاب العلم رقم (3656)، وأحمد (5/ 435) والغلوطات: بفتح الغين المعجمة وضم اللام، وهي المسائل التي يغالط بها العلماء ليزلوا بها فيحصل بذلك شرٌّ وفتنة. وقال الأوزاعي: هي شداد المسائل وصعابها.
[16] (صحيح البخاري)) (1/ 134) كتاب المواقيت، باب (5).
[17] ((صحيح مسلم)) (1/ 88) كتاب الإيمان رقم (135).
[18] ((سنن الترمذي)) (1/ 326) رقم (173)، وقال الترمذي: حسن صحيح.
[19] أخرجه مسلم (1/ 103) كتاب الإيمان رقم (172).
[20] أخرجه البخاري (7/ 171) كتاب الرقاق.
[21] أخرجه مسلم (1/ 288) رقم (384).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]