الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 376 الى صــــــــ386
الحلقة (57)
[الصلاة وراء المخالف في المذاهب]
من شروط الإمامة أن تكون صلاة الإمام صحيحة في مذهب المأموم، فلو صلى حنفي خلف شافعي وسال منه دم ولم يتوضأ بعده، أو صلى شافعي خلف حنفي لمس امرأة مثلاً، فصلاة المأموم باطلة، لأنه يرى بطلان صلاة إمامه، باتفاق الحنفية، والشافعية، وخالف المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
[تقدم المأموم على إمامه وتمكن المأموم من ضبط أفعال الإمام]
ومن شروط صحة الإمامة أن لا يتقدم المأموم على إمامه، فإذا تقدم المأموم بطلت الإمامة والصلاة، وهذا الحكم متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، على أن الذين اشترطوا عدم تقدم المأموم على إمامه استثنوا من هذا الحكم الصلاة حول الكعبة،
فقالوا: إن تقدم المأموم على إمامه جائز فيها، إلا أن الشافعية لهم في الصلاة حول الكعبة،
فقالوا: إن تقدم المأموم على إمامه جائز فيها، إلا أن الشافعية لهم في هذا تفصيل مذكور تحت الخط (3) ثم إن كانت الصلاة من قيام، فالعبرة في حصة صلاة المقتدي بأن لا يتقدم مؤخر قدمه على مؤخر قدم الإمام، وإن كانت من جلوس. فالعبرة بعدم تقدم عجزه على عجز الإمام فإن تقدم المأموم في ذلك لم تصح صلاته؛ أما إذا حاذاه فصلاته صحيحة بلا كراهة، عند الأئمة الثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ؛ ومنها تمكن المأموم منضبط أفعال إمامه برؤية أو سماع،
ولو بمبلغ فمتى تمكن المأموم من ضبط أفعال إمامه صحت صلاته: إلا إذا اختلف مكانهما، فإن صلاته تبطل على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (5) .
[نية المأموم الاقتداء، ونية الإمام الإمامة]
ومن شروط صحة الإمامة: نية المأموم الاقتداء بإمامه في جميع الصلوات، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، وتكون النية من أول صلاته بحيث تقارن تكبيرة الإحرام من المأموم حقيقة أو حكماً، على ما تقدم في بحث "النية" فلو شرع في الصلاة بنية الانفراد، ثم وجد إماماً في أثنائها فنوى متابعته، فلا تصح صلاته لعدم وجود النية من أول الصلاة، فالمنفرد لا يجوز انتقاله للجماعة، كما لا يجوز لمن بدأ صلاته في جماعة أن ينتقل للانفراد، بأن ينوي مفارقة الإمام إلا لضورة، كأن أطال عليه الإمام، وهذا كله متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) .
أما نية الإمام الإمامة، كأن ينوي صلاة الظهر أو العصر إماماً، فإنها ليست بشرط في الإمامة، إلا في أحوال مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (8) .
[اقتداء المفترض بالمتنفل]
ومن شروط الإمامة أن لا يكون الإمام أدنى حالاً من المأموم، فلا يصح اقتداء مفترض بمتنفل، إلا عند الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) ، وكذا لا يجوز اقتداء قادر على الركوع مثلاً بالعاجز عنه، ولا كاس بعار لم يجد ما يستتر به، باتفاق الحنفية، والحنابلة، وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (10) ، لا متطهر بمتنجس عجز عن الطهارة، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (11) ، وكذا لا يجوز اقتداء القارئ بالأمي، كما تقدم، نعم يصح اقتداء القائم بالقاعد الذي عجز عن القيام، على تفصيل في المذاهب.
[متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصلاة]
ومن شروط الإمامة متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصلاة، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (12)
(1) المالكية، والحنابلة قالوا: ما كان شرطاً في صحة الصلاة، فالعبرة فيه بمذهب الإمام فقط، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي بحنفي أو شافعي لم يمسح جميع الرأس في الوضوء فصلاته صحيحة لصحة صلاة الإمام في مذهبه، وأما ما كان شرطاً في سحة الاقتداء، فالعبرة فيه بمذهب المأموم، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي في صلاة فرض بشافعي يصلي نفلاً فصلاته باطلة، لأن شرط الاقتداء اتحاد صلاة الإمام والمأموم
(2) المالكية قالوا: لا يشترط في الاقتداء عدم تقدم المأموم على الإمام، فلو تقدم المأموم على إمامه - ولو كان المتقدم جميع المأمومين - صحت الصلاة على المعتمد على أنه يكره التقدم لغير ضرورة
(3) الشافعية قالوا: لا يصح تقدم المأموم على الإمام حول الكعبة إذا كانا في جهة واحدة؛ أما إذا كان المأموم في غير جهة إمامه، فإنه يصح تقدمه عليه؛ ويكره التقدم لغير ضرورة، كضيق المسجد، وإلا فلا كراهة
(4) الشافعية قالوا: تكره محاذاة المأموم لإمامه
(5) الشافعية قالوا: إذا كان الإمام والمأموم في المسجد فهما في مكان واحد غير مختل، سواء كانت المسافة بين الإمام والمأموم تزيد على ثلاثمائة ذراع أو لا، فلو صلى الإمام في آخر المسجد والمأموم في أوله صح الاقتداء، بشرط أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل يمنع وصول المأموم إليه - كباب مسمر - قبل دخوله في الصلاة، فلو سدت الطريق بينهما في أثناء الصلاة لا يضر، كما لا يضر الباب المغلق بينهما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون إمكان وصول المأموم إلى الإمام مستقبلاً أو مستديراً للقبلة، وفي حكم المسجد رحبته ونحوها. أما إذا كانت صلاتهما خارج المسجد، فإن كانت المسافة بينهما لا تزيد على ثلاثمائة ذراع الآدمي صحت الصلاة، ولو كان بينهما فاصل: كنهر تجري فيه السفن، أو طريق يكثر مرور الناس فيه على المعتمد، بشرط أن لا يكون بينهما حائل يمنع المأموم من الوصول إلى الإمام لو أراد ذلك، بحيث يمكنه الوصول إليه غير مستدبر للقبلة، ولا منحرف، ولا فرق في الحائل الضارّ بين أن يكون باباً مسمراً أو مغلقاً أو غير ذلك، فإن كان أحدهما في المسجد والآخر خارجه، فإن كانت المسافة بين من كان خارجاً عن المسجد وبين طرف المسجد الذي يليه أكثر من ثلاثمائة ذراع بطل الاقتداء، وإلا فيصح بشرط أن لا يكون بينهما الحائل الذي مر ذكره في صلاتهما خارج المسجد.
الحنفية قالوا: اختلاف المكان بين الإمام والمأموم مفسد للإقتداء، سواء اشتبه على المأموم حال إمامه أو لم يشتبه على الصحيح، فلو اقتدى رجل في داره بإمام المسجد، وكانت داره منفصلة عن المسجد بطريق ونحوه، فإن الاقتداء لا يصح لاختلاف المكان، أما إذا كانت ملاصقة للمسجد بحيث لم يفصل بينهما إلا حائط المسجد، فإن صلاة المقتدي تصح إذا لم يشتبه عليه حال الإمام، ومثل ذلك ما إذا صلى المقتدي على سطح داره الملاصق لسطح المسجد، لأنه في هاتين الحالتين لا يكون المكان مختلفاً، فإن اتحد المكان وكان واسعاً، كالمساجد الكبيرة، فإن الاقتداء يكون به صحيحاً لما دام لا يشتبه على المأموم حال إمامه إما بسماعه أو بسماع المبلغ أو برؤيته أو برؤية المقتدين يه، إلا أنه لا يصح اتباع المبلغ إذا قصد بتكبيرة الإحرام مجرد التبليغ، لأن صلاته تكون باطلة حينئذ، فتبطل صلاة من يقتدي بتبليغه، وإنما يصح الاقتداء في المسجد الواسع إذا لم يفصل بين الإمام وبين المقتدي طريق نافذ تمر فيه العجلة - العربة - أو نهر يسع زورقاً يمر فيه. فإن فصل بينهما ذلك لم يصح الاقتداء، أما الصحراء فإن الاقتداء فيها لا يصح إذا كان بين الإمام والمأموم خلاء يسع صفين، ومثل الصحراء المساجد الكبيرة جداً، كبيت المقدس.
المالكية قالوا: اختلاف مكان الإمام والمأموم لا يمنع صحة الاقتداء، فإذا حال بين الإمام والمأموم نهر أو طريق أو جدار فصلاة المأموم صحيحة متى كان متمكناً من ضبط أفعال الإمام، ولو بمن يسمعه، نعم لو صلى المأموم الجمعة في بيت مجاور للمسجد، مقتدياً بإمامه، فصلاته باطلة، لأن الجامع شرط في الجمعة، كما تقدم,
الحنابلة قالوا: اختلاف مكان الإمام والمأموم يمنع صحة الاقتداء على التفصيل الآتي، وهو إن حال بين الإمام والمأموم نهر تجري فيه السفن بطلت صلاة المأموم، وتبطل صلاة الإمام أيضاً، لأنه ربط صلاته بصلاة من لا يصح الاقتداء به، وإن حال بينهما طريق، فإن كانت الصلاة مما لا تصح في الطريق عند الزحمة لم يصح الاقتداء، ولو اتصلت الصفوف بالطريق، وإن كانت الصلاة مما لا تصح في الطريق عند الزحمة، كالجمعة ونحوها، مما يكثر فيه الاجتماع، فإن اتصلت الصفوف بالطريق صح الاقتداء مع الفصل بين الإمام والمأموم، وإن لم تتصل الصفوف فلا يصح الاقتداء، وإن كان الإمام والمأموم بالمسجد صح الاقتداء، ولو كان بينهما حائل متى سمع تكبيرة الإحرام، أما إذا كان خارج المسجد أو المأموم خارجه والإمام فيه، فيصح الاقتداء بشرط أن يرى المأموم الإمام، أو يرى من وراءه ولو في بعض الصلاة، أو من شباك، ومتى تحققت الرؤية المذكورة صح الاقتداء، ولو كان بينهما أكثر من ثلاثمائة ذراع
(6) الحنفية قالوا: نية الاقتداء شرط في غير الجمعة والعيد على المختار، لأن الجماعة شرط في صحتهما، فلا حاجة إلى نية الاقتداء
(7) الشافعية قالوا: لا تشترط نية الاقتداء في أول الصلاة، فلو نوى الاقتداء في أثناء صلاته صحت مع الكراهة إلا في الجمعة ونحوها مما تشترط فيه الجماعة، فإنه لا بد فيها من نية الاقتداء من أول الصلاة، بحيث تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام، وكذا يصح للمأموم أن ينوي مفارقة إمامه ولو من غير عذر، لكن يكره إن لم يكن هناك عذر، ويستثنى من ذلك الصلاة التي تشترط فيها الجماعة كالجمعة، فلا تصح نية المفارقة في الركعة الأولى منها ومثلها الصلاة التي يريد إعادتها جماعة؛ فلا تصح نية المفارقة في شيء منها، وكذا الصلاة المجموعة تقديماً ونحوها.
الحنفية قالوا: تبطل الصلاة بانتقال المأموم للانفراد، إلا إذا جلس مع إمام الجلوس الأخير بقدر التشهد، ثم عرضت ضرورة، فإنه يسلم ويتركه، وإذا تركه بدون عذر صحت الصلاة مع الإثم، كما سيأتي في مبحث "أحوال المقتدي"
(8) الحنابلة قالوا: يشترط في صحة الاقتداء نية الإمام الإمامة في كل صلاة، فلا تصح صلاة المأموم إذا لم ينو الإمام الإمامة.
الشافعية قالوا: يشترط في صحة الاقتداء أن ينوي نية الإمام الجماعة في الصلوات التي تتوقف صحتها على الجماعة، كالجمعة، والمجموعة للمطر، والمعادة.
الحنفية قالوا: نية الإمامة شرط لصحة صلاة المأموم إذا كان إماماً لنساء، فتفسد صلاة النساء إذا لم ينو إمامهن الإمامة، وأما صلاته هو فصحيحة، ولو حاذته امرأة، كما تقدم في المحاذاة.
المالكية قالوا: نية الإمامة ليست بشرط في صحة المأموم، ولا في صحة صلاة الإمام إلا في مواضع: أولاً: صلاة الجمعة، فإذا لم ينو الإمامة بطلت صلاته، وصلاة المأموم؛ ثانياً: الجمع ليلة المطر، ولا بد من نية الإمامة في افتتاح كل من الصلاتين، فإذا تركت في واحدة منهما بطلت على الإمام والمأموم لاشتراط الجماعة فيها، وصحت ما نوى فيها الإمامة، إلا إذا ترك النية في الأولى، فتبطل الثانية أيضاً تبعاً لها، ولو نوى الإمامة؛ وقال بعض المالكية: إن الأولى لا تبطل على أي حال، لأنها وقعت في محلها؛ ثالثها: صلاة الخوف على الكيفية الآتية:
وهي أن يقسم الإمام الجيش نصفين، يصلي بكل قسم جزءاً من الصلاة، فإذا ترك الإمام الإمامة بطلت الصلاة على الطائفة الأولى فقط، وصحت للإمام والطائفة الثانية، رابعاً المستخلف الذي قام مقام الإمام لعذر، فيشترط في صحة صلاة من اقتدى به أن ينوي هو الإمامة، فإذا لم ينوه فصلاة من اقتدى به باطلة، وأما صلاته هو فصحيحة، ولا تشترط نية الإمامة لحصول فضل الجماعة على المعتمد، فلو أم شخص قوماً، ولم ينو الإمامة حصل له فضل الجماعة؛ والمراد بكون نية الإمام شرطاً في المواضع السابقة أن لا ينوي الانفراد
(9) الشافعية قالوا: يصح اقتداء المفترض بالمتنفل مع الكراهة
(10) الشافعية قالوا: يصح اقتداء الكاسي بالعاري الذي لم يجد ما يستتر به، إلا أن المالكية قالوا: إنه يكره، والشافعية لم يقولوا بالكراهة
يتبع