
21-05-2020, 04:07 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة :
|
|
رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان
والصِّدق يؤدِّي إلى الخير، ويدلُّ على الخير، وعاقبتُه خير؛ قال تعالى: ï´؟ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ï´¾ [محمد: 21]، والعاقل اللبيب هو مَن يصْدُق في حاله ومقاله؛ لأنَّه يعلم أنَّ الله بكلِّ شيء عليم، يعلم ما يُخفيه وما يبديه، فباطِنه وسرُّه عندَ الله علانية؛ لهذا أمَر الله بالصِّدق بعدَ الأمر بالتقوى؛ لأنَّ مَن اتَّقى الله صَدَق، ولأنَّ الصِّدق ينبثق من التقوَى وينبُع منها.الصدق يا بن الإسلام هو الذي ينفعك ويرْفعك يومَ القِيامة؛ قال تعالى: ï´؟ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ï´¾ [المائدة: 119]، وبالصدق تحلُّ البَركة، وبالكذِب تُمحق البركة وتُمحَى؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه البخاري: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقَا، فإنْ صدَقَا وبيَّنَا بُورِك لهما في بيعهما، وإنْ كتَمَا وكذَبَا مُحِقتْ بركةُ بيعهما)).وبالصِّدق تُكتب في السماء صدِّيقًا؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ï´¾ [الحديد: 19]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((عليكم بالصِّدق؛ فإنَّ الصِّدق يَهدي إلى البِر، وإنَّ البِر يَهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرجلُ يصدُق ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكتبَ عندَ الله صدِّيقًا))، وعندما تصدُق نيَّتك مع الله، فإنَّك تنال ثوابَ العمل وإنْ لم تعملْه، وتحصِّل أجْره وإن لم تنفذه؛ قال تعالى: ï´؟ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ï´¾ [محمد: 21]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الصحيح في سنن النَّسائي: ((إنْ تَصْدُقِ الله يصدقْك))، وسبَق معنا حديث مسلم: ((مَن سأل اللهَ الشهادةَ بصِدق، بلَّغه الله منازلَ الشهداء وإنْ مات على فِراشه))، فيا بن الإسلام: الصِّدقَ الصدقَ، اصدقِ الله يصدقْك.2 - الحلم والأناة: الحلم هو: مزجُ الصبر بالرِّضا؛ فيحصُل منه سكونُ القلْب، وعدم الاستعجال، واعلم - رحِمك الله - أنَّ التؤدة في كلِّ عملٍ خيرٌ إلا في عملِ الآخِرة، والحليم حبيبٌ إلى الله حبيبٌ إلى خلْقه، كما في حديثِ أشجِّ عبدالقيس: ((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله ورسوله: الحِلم والأناة))، وقد سبق.وأشرفُ الخلْق وأكرمهم وأعقلهم مَن تحلَّى بالحِلم، فصار الحلم له حالاً دائمًا؛ ولذا وصَف الله - تعالى - خليله إبراهيم - عليه السلام - بهذا الوصفِ الكريم: ï´؟ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ï´¾ [هود: 75]، وذلك نفْس وصف رسولِنا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ولا يَجزي بالسيِّئة السيِّئةَ، ولكن يعْفو ويصْفَح))، كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - الصحيح في التِّرمذي، بل إنَّه ما كانت تَزِيدُه شدَّةُ الجهل عليه إلا حلمًا - صلَّى الله عليه وسلَّم.وبهذا الحِلم تألَّف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلوبَ أصحابه، بل وقلوب أعدائه؛ قال تعالى: ï´؟ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ï´¾ [آل عمران: 159].قال ابنُ حِبَّان - رحمه الله -: ما ضُمَّ شيءٌ إلى شيءٍ هو أحسن مِن حلم إلى عِلم، وما عُدِم شيءٌ في شيء هو أقبح مِن عدم الحِلم في العِلم.لذلك - يا بن الإسلام - أقولُ لك: ما كان الحِلم والرِّفق في شيء قطُّ إلا جمَّله وزانه، وما نُزع من شيء قط إلا عابَه وشانَه، فكن حليمًا رفيقًا، واحذر الاستعجال، واعلم أنَّ الحلم بالتحلُّم، والعِلم بالتعلُّم، والعاقِل مَن نظر في عواقب الأمور، وعلم بأنَّ كل شيءٍ مقدور، وأنَّ اختيار الله لعبده خيرٌ له في جميع الأمور.فكن حليمًا يملأ الله قلبَك بالرِّضا؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سُنن الترمذي: ((مَن كظَم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه، دعاه الله يومَ القِيامة على رُؤوس الخلائِق حتى يخيِّرَه في أي الحور شاء))، فاغنمِ الرِّضا بالحِلم.3 - الشجاعة: عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسنَ الناس وأشجعَ الناس.اعلم - وفَّقك الله لما يحبُّه ويرْضاه - أنَّ الشجاع يحبُّه كل أحدٍ حتى عدوُّه، والشجاعة هي: قوَّة القلْب في مواجهة المخاطر، وحقيقتها القلبيَّة: مَلَكة يقتدر بها العبدُ على قهْر خَصْمه.وأولى الناس بالشَّجاعة هم المؤمنون؛ لأنَّهم يَعرِفون الله - تعالى - وأنَّ كلَّ شيء في الكون يجري بقضائِه وقدَره، وأنَّ كلَّ ما قدَّره ربُّهم سيكون؛ ولذلك كان أشجعُ الناس الأنبياء، فتجِد النبيَّ يقِف وهو فرد وحْده ليتحدَّى قومه جميعًا بحدِّهم وحديدهم؛ لأنَّه واثقٌ من موعود ربِّه، راجِع مثلاً وقوف هُود - عليه السلام - أمامَ قومه عاد بقوَّتهم التي لم يخلق مثلها في البِلاد، ووقوف موسى - عليه السلام - أمامَ فِرعون في قصرِه وبين جنوده وجيشِه، ويُرغم أنفه ويذل كبرياءَه.بل راجِع وقوفَ السَّحَرة - رحمهم الله - أمامَ فرعون بشجاعةٍ عجيبة، وقولهم: ï´؟ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ï´¾ [طه: 72]، لعَمر الله هذه هي الشجاعة التي تَنال الإعجاب، وهي الشجاعة وثبات القلْب في المواقِف، سبحان الله! كم عُمر هؤلاء السَّحرة في هذا الدِّين؟! إنها لحظاتٌ ثم ينطقون بهذا الكلام القوي الذي يخرُج من قلوب عرَفَتِ الحق وآثرتْه، كذلك الإيمان إذا خالطتْ بشاشتُه القلوب.في صحيح البخاريِّ عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسنَ الناس وأشجعَ الناس، ولقد فزِع أهلُ المدينة ليلةً فخَرَجوا نحوَ الصوت فاستقبلهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقدِ استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طَلحة عُرْيٍ وفي عنقه السيف، وهو يقول: ((لم تراعوا لم تراعوا))، ثم قال: ((وجدْناه بحرًا))! إنَّها الشجاعة التي تنبض بها القلوبُ الواثِقة بوعْد ربِّها، المؤمِنة بقضائِه وقدَره، فما الذي يحمِل الإنسان على الجُبن والخور؟! وما الذي يدفعه إلى الانقِماع والانزواء في خَندق الخزي بعيدًا عن المواجهة؟! فهذا لن يزداد إلاَّ خزيًا وذلاًّ، ويجترِئ عليه كلُّ سفيه، ويطمع في ضرِّه كلُّ وضيع، فُكن شجاعًا تَمُت شجاعًا؛وَمَنْ لَمْ يَمُتْ بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ
تَعَدَّدَتِ الْأَسْبَابُ وَالْمَوْتُ وَاحِدُ
وإنك أنْ تلقَ الله وأنت تحمل الراية خيرٌ من أن تلقاه وأنت مولٍّ فارٌّ من الزحف، فكُن مع الحق بالحق، فاتِّخذ الشجاعة زادًا لك، فلن يصيبك إلا ما كتَب الله لك.قال ربُّك - وهو حسبك ووكيلك -: ï´؟ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ï´¾ [آل عمران: 174 - 173]، ومن هنا تتعلَّم الشجاعة باعتقادك أنَّك تأوي إلى رُكن شديد، إنْ كنتَ لله وليًّا، فتقول حقًّا: ï´؟ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ï´¾ [الأعراف: 195 - 196].4 - المروءة:المروءة كمالُ الرُّجولة، وهي: قوَّة للنفس تصدُر منها الأفعال الحميدة، وتَمنع من فعل كلِّ خلُق قبيح؛ قال ابن القيِّم - رحمه الله -: وحقيقة المروءة تجنُّب الدَّنايا والرذائل مِن الأقوال والأخلاق والأعْمال.أخي يا بن الإسلام، إنَّ المروءة هي الترفُّع عن دنَسِ الخطايا، والتنزُّه عن قذَر المعاصي، والتحليق في آفاقِ الطُّهر والنقاء، فصاحِب المروءة لا تذلُّه معصية، ولا تأسِرُه شهوة، ولا يسيطر عليه هوًى، بل هو نقِي القلْب، طاهِر النفس؛ لأنَّ المعاصي للإيمان كالمرَض؛ ولذلك قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى -: لو علمتُ أنَّ الماء البارد يثلم مروءتي لما شربتُه، وقال معاوية - رضي الله عنه -: المروءة ترْك الشهوات وعصيان الهوى، وقال ابنُ القيِّم - رحمه الله تعالى -: إنَّ أغزرَ الناس مروءةً أشدُّهم مخالفةً لهواه، وقال بعضُ الحُكماء: أقلُّ ما يجبُ للمنعم بحقِّ نِعمته ألا يتوصَّل بها إلى معصيته، وسُئل الفُضيل - رحمه الله - عن الرَّجل التام الكامِل المروءة، فقال: الكامل مَن بَرَّ والديه، ووصَل رحِمَه، وأكرم إخوانه، وحسن خلُقه، وأحرز دِينه، وأصلح مالَه، وأنفق مِن فضْله، وحسن لسانه، ولَزِم بيته.تلك المروءة لا يتَّصف بها إلا رجلٌ غُرِست في الرجولة أصولُه، فأثمرت تلك المروءة، والمروءة ثياب كرَم يَرتديها أهلُ الفضل والبِر، فتُضفي عليهم جلالةَ الإيمان، وتُبديهم للناس في رَوعة المهابة والإكبار، فتَرَى النفس لهم موقِّرة، منهم مستحيية، وبهم معجَبة؛ لأنَّ بواطنَهم ظهرتْ على وجوههم؛ فلمَع برق القلْب على الوجْه؛ فكسر أبصار الناظِرين، وأسكتَ ألْسِنة المتكلِّمين، إلا بالمدْح لهم والثَّناء عليهم.فالمروءة مراعاةُ أدقِّ التفاصيل في جمال الخُلُق ومراقبة الربِّ - جل وعلا - فمروءة اللسان: حلاوته وطِيبه ولِينه، واجتناء الثمار منه بسهولة ويُسر، ومروءة الخلُق: سَعته وبسطه للحبيب والبغيض، ومروءة المال: الإصابة ببَذْلِه مواقعه المحمودة عقلاً وعرفًا وشرعًا، ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه، ومروءة الإحسان: تعجيله وتيسيره وتوفيره، وعدم رؤيته حالَ وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه، فهذه مروءة البذْل.وأمَّا مروءة الترْك: فترك الخِصام، والمعاتبة، والمطالبة والمماراة، والإغضاء عن عيب ما يأخُذه من حقِّك، وترْك الاستقصاء في طلبه، والتغافُل عن عثرات الناس، وإشعارهم أنَّك لا تعلم لأحدٍ منهم عثرة، والتوقير للكبير، وحِفظ حُرْمة النظير، ورِعاية أدَب الصغير.5 - الصبر: الصبر نِصف الإيمان؛ فالإيمان: نِصف صبر، ونِصف شُكر، وهو حبس النفس عما لا يَنبغي، وهو ثلاثة أنواع: صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي المحرَّمة، وصبر على أقدار الله مِن مِحن وابتلاءات.لذلك فالصابر حبيب إلى الله؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 146]، والصبر طريق للإمامة في الدِّين، فبالصبر واليقين تُنال تلك الإمامة؛ قال تعالى: ï´؟ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ï´¾ [السجدة: 24]، والصبر خيرٌ كله إذا كان ابتغاءَ وجه الله، فالصابر في معيَّة ربه، عليه مِن الله صلواتٌ ورحمة؛ قال تعالى: ï´؟ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ï´¾[البقرة: 155 - 157].أخي يا بن الإسلام، عاقِبة الصبر الجميل جميلة؛ لذلك كان خير عطاءٍ وأوسع خير يناله العبدُ الصَّبر؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِن الصبر)) فلا تستعجل؛ فمن تعجَّل شيئًا قبل أوانه، عُوقِب بفواته وحرمانه، واصبر صبرَ الكِرام، قبل أن تضطرَّ لصبر اللئام، والمصاب حقًّا مَن حُرم الثواب، فاحتسب أجْرك، واطلب من ربِّك تسعدْ في الدنيا ويوم الدِّين؛ قال عمر - رضي الله عنه -: وجدْنا خير عيشنا بالصبر.فالصبر - يا بن الإسلام - طريقك إلى الجنَّة؛ ففي الحديث الحسَن عند ابن ماجه يقول الله تعالى: ((ابنَ آدم، إنْ صبرتَ واحتسبتَ عندَ الصَّدْمة الأولى، لم أرْضَ لك ثوابًا دون الجنة))، فالصَّبرَ الصبرَ يا بن الإسلام، ومن يتصبَّر يصبِّرْه الله، صبرًا قليلاً يؤتِك الله تعالى الثواب الجزيل.6 - الوفاء: الوفاء خُلُق الصالحين والأنبياء؛ مدَح الله - تعالى - خليلَه - عليه السلام - فقال: ï´؟ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ï´¾ [النجم: 37]، وهو علامة الصادقين، وسِمة المتقين، وشِعار المؤمنين الذين ذاقتْ قلوبهم حقيقةَ الإيمان؛ قال تعالى: ï´؟ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ï´¾ [الإسراء: 34]، وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ï´¾ [المائدة: 1]، ومَن وفَّى بعهد الله وفَّى الله له بوعْده، قال الشافعي - رحمه الله -: الحرُّ مَن راعى ودادَ لحظة، ولم ينسَ جميلَ مَن أفاده لفْظة.ولأنَّ الوفاء ضد الخيانة والغَدر والخديعة؛ فإنَّ هذه المعاني الخبيثة لا يَستطيع أن يتَّصف بها المؤمن، ليس له إلا أن يتَّصف بالوفاء، ويتحلَّى به في كلِّ أحيانه، وعلَّمنا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا الخلُق بقوله وفِعله وحاله؛ ففي صحيح البخاري: ((مَن أخَذ أموال الناس يُريد أداءها، أدَّى الله عنه، ومَن أخذَها يُريد إتلافَها، أتلفه الله))، بل كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفيًّا غاية الوفاء لعمِّه أبي طالب، وهو حريصٌ على هدايته وهو في سَكَرات الموت، ويدْعوه ويلحُّ عليه أن ينطقَ بكلمة الإسلام، اجتمعتْ فيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - معاني الوفاء كله، فتجده يُوفي حتى لمن آذاه ووقَع في عِرضه؛ لعبدالله بن أُبي بن سَلول، الذي هو رأس المنافقين، ويَدفنه في ثوبه؛ لأنَّه كسا العبَّاس - رضي الله عنه - عمَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثوبًا لما جاءَ المدينة أسيرًا، فصلَّى الله وسلَّم على سيِّد الأوفياء، الذي علَّم الدنيا معنى الوفاء. فيا بن الإسلام، لك في رسولك أُسوة، فعش بالوفاء ومتْ به، فمَن وفَّى وُفِّي له.7 - العفة: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح البُخاري: ((ومَن يستعفِفْ يعفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنه الله، ومَن يتصبَّر يُصبِّره الله)).فيا بن الإسلام، مَن اتَّصف بالعفَّة جاءتِ العفة بما سواها مِن الفضائل، وفتحت له باب الوصول إلى جميع المحاسِن، والعفَّة هي: الكفُّ عمَّا لا يحل ولا يجمل، وعماد العفَّة: ألا تُطلق جوارحَك إلا فيما يقرُّه الشرع والعقْل، واجتناب ما يُزيِّنه الهوى والشهوة، وهي وصيةُ الله وأمْره؛ قال تعالى: ï´؟ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ï´¾ [النور: 33]، ومَن استعفَّ أعفَّه الله وملأ قلبه بالاستعفاف: ((ومَن يستعفِفْ يعفَّه الله))، ومَن غلبته شهوته وتحكَّم فيه هواه، صار ذليلاً مهينًا؛ ولهذا قيل: عبْد الشهوة أذلُّ مِن عبْد الرِّق.قال بعض السلف: ركَّب الله في الإنسان عقلَ ملَك وشهوة حيوان، فمَن غلب عقله شهوتَه، فهو خيرٌ عند الله من ملَك، ومَن غلبت شهوتُه عقلَه، فهو أخسُّ عند الله مِن الحيوان.والعفَّة طريق إلى ظلِّ عرْش الرحمن يومَ القيامة؛ ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله: ((ورجلٌ دعتْه امرأة ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخاف الله)).تلك - والله - هي البُطولة الحقيقيَّة؛ كسر شهوة النفْس ابتغاءَ وجه الله - عزَّ وجلَّ - وخوفًا من عقابه.يقول ابن القيِّم - رحمه الله -: وللعِفَّة لذَّةٌ لا تعادلها أبدًا لذَّة قضاء الوطر، وكذلك تكون عفَّة النفْس عن المال الحرام، وعن التطلُّع والنظر إلى ما في أيدي الناس، فالعفَّة تملأ القلب بالرِّضا والاطمئنان والإيمان.فالزمِ العفَّةَ يا بن الإسلام تكُنْ كريمَ النفس، زكيَّ الفؤاد، طاهِر القلب، الزم العفَّة يصفُ لك قلبُك، ويزدَدْ إيمانك واطمئنانك، أخي: كن عفيفًا، تلقَ الله كريمًا نظيفًا.يا مهيمن يا مقتدر، نسألك عِفَّة الغِنى، هبْ لنا منك عفَّةً في قلوبنا حتى لا تشتهي شيئًا غير ما قسمتَه لنا، وعِفَّة في أعيننا حتى لا تتطلَّع إلى ما لم تقدِّرْه لنا، وعفَّة في عقولنا حتى لا نشتغلَ بغير الفِكر فيما يرضيك عنا، وعفَّة في حياتنا كلها، يا ربَّ العالمين.8 - العدل: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((إنَّ المقسطين عندَ الله على منابرَ مِن نور عن يمينِ الرحمن - عزَّ وجلَّ - وكِلتا يديه يمين، الذين يَعدلون في حُكمهم وأهليهم وما وَلُوا))، وفي حديثِ السبعة الذين يُظلُّهم الله: ((إمام عادِل)).العدْل طريق موصلٌ إلى الجنة، وبه يدوم المُلْك، ويتحقَّق لصاحبه الأمنُ في الدنيا والآخِرة، وبه ينال العبدُ رِضا الخالق قبل رِضا المخلوقين، وبالعدل قامتِ السموات والأرْض، والعدل أمرُ الله لعبده في الغضَب والرِّضا؛ قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ï´¾ [الأنعام: 152]، وقال: ï´؟ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ï´¾ [المائدة: 8]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثلاث مُهلِكات: شُحٌّ مُطاع، وهوًى متَّبع، وإعجاب المرءِ بنفْسه مِن الخيلاء، وثلاث منجيات: العدْل في الرِّضا والغضَب، والقَصد في الغِنى والفاقة، ومخافة الله في السرِّ والعلانية))؛ رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني.يا بن الإسلام، بالعدْل تجلس في الجنَّة على مِنبر من نور عن يمين الرحمن، ومن مدرسة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - تُخرج قبسات مِن نور لقِيم للعدل منارًا ساطعًا، وتُبدي العدل في دياجير الدنيا نورًا لامعًا، وهكذا فليكُنِ العدل، وعلى العدل وبالعدل بايَع الصحابةُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.وتتضاءَل الكلمات، وتستحي العبارات، وتعجِز الفصاحة عن تصويرِ هذا الموقِف العجيب الذي بقِي مسطورًا على جبين الزمان، هذا الموقف والمشهد الرائع للعدْل عندما يقِف رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيقول: ((يا أيُّها الناس، إنَّما ضلَّ مَن قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرَق الشريفُ ترَكوه، وإذا سرَق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وايمُ الله لو أنَّ فاطمةَ بنت محمَّد سرقتْ لقطَع محمَّدٌ يدها))؛ والحديث في صحيح البخاري.قال شيخ الإسلام: العدْل نِظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمْر الدنيا بالعدْل قامت، وقال ابن القيِّم: التوحيد والعدْل جماعُ صفات الكمال.فهذا هو العدل يا بن الإسلام؛ منهج الإسلام وأساسه، فاستمسك به، ولا تُعرِض عنه فتهلِك، وعكسه الظلم؛ فإيَّاك والظلمَ لأي أحدٍ بشرًا كان أو حيوانًا أو جمادًا؛ فإنَّ الظلم ظلمات يومَ القيامة.9 - الحياء: الحياءُ كله خير، ولا يأتي الحياء إلا بخير، وهو خلُق الإسلام، وقرين الإيمان؛ في صحيح البخاري أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - سمِع رجلاً يعِظ أخاه في الحياء فقال: ((دَعْهُ؛ فإنَّ الحياء مِن الإيمان))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمدُ والترمذي وصحَّحه الألباني: ((الحياء مِن الإيمان، والإيمان في الجَنَّة، والبَذاء مِن الجفاء، والجفاء في النار))، وأخرج ابنُ أبي شَيبةَ في مصنَّفه والبخاري في الأدَب المفرد - وصحَّحه الألباني - عن ابن عمرَ أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الحياءَ والإيمان قُرِنَا جميعًا، فإذا رُفِع أحدهما رُفِع الآخَر)).والحياء يا بن الإسلام خُلُق يبعث على فِعل الجميل واجتناب القبيح، ويَمنع من التفريط والتقصير في حقِّ ذي الحق، وهو صِفة مِن صفات ربِّنا - تعالى - وخُلُق من خُلُق نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - ففي الحديثِ الصحيح في سُنن أبي داود: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - حييٌّ ستِّير يحبُّ الحياء والسِّتْر)).وفي الصحيحين مِن حديث شُعَب الإيمان: ((والحياء شُعْبة من الإيمان))، وعند ابن ماجه وصحَّحه الألباني: ((إنَّ لكلِّ دِين خلُقًا، وخُلق الإسلام الحياء)).قالوا: الحياء أن تتفتَّح في قلبك عينٌ ترَى بها أنَّك قائم بيْن يدي الله - تعالى - فتستحي منه، فكُن حييًّا يحبَّك ربُّك، وتنلْ رحمته وعفوه، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أشدَّ حياءً مِن العذراء في خِدرها؛ يقول ابن القيِّم - رحمه الله -: وقِلَّة الحياء مِن موت القلب والرُّوح، فكلَّما كان القلب أَحيا كان الحياء أتَمَّ.والحياء - يا بن الإسلام - يكون مِن أوجه ثلاثة: أولاً: حياء المرْء مِن خالقه - تعالى - وهذه أسْمَى منازل الحياء؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سُنن الترمذي: ((استحيوا مِن الله حقَّ الحياء))، قالوا: يا رسولَ الله؛ إنَّا نستحي والحمد لله، قال: ((ليس ذاك، ولكن الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء أن تَحفظَ الرأس وما وعَى، والبطنَ وما حوَى، ولتذكُر الموت والبِلَى، ومَن أراد الآخرة ترَك زِينةَ الدنيا، فمَن فعَل ذلك فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء)).قال القرطبي: "فمَن كثر مِن الله حياؤه، انقضتْ نفسه عن مجاهرتِه بالعِصيان؛ إذ عِلمه معه في كلِّ مكان، فمَن عصاه فقد جاهَره، ثم مهما أفشَى معصيته في الخلْق فعلاً وقولاً فقد أعْظَم المجاهرة؛ إذ مَن لا يستحي مِن الناس لا يستحي مِن الله؛ ولذلك كان الحياء الغريزي محمودًا في العبْد؛ لكونه منقبضًا به عن مجاهرة الخلْق فيما يُنكرونه من الفعل"، ومن اشتدَّ حياؤه مِن الله - تعالى - فإن ذلك لا يقِف به عند ترْك المحرَّمات وفقط، بل يبلغ به ألا يقَع في المكروهات، وألا يُقصِّر في المندوبات والواجبات.وروى الإمام أحمدُ في الزُّهد مِن حديث سعيد بن زَيد - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال للرجل الذي استوصاه: ((أُوصيك أن تَستحيي مِن الله كما تَستحيي مِن الرَّجل الصالح مِن قومك))، والحديث رَواه أيضًا الطبراني في الكبير، وصحَّحه الألباني.ثانيًا: حياؤك مِن الناس بكفِّ الأذَى عنهم، وترْك المجاهرة بالقبيح خجلاً مِن أن يُؤثَر عنك سوءٌ؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ مما أدرك الناسُ مِن كلام النبوَّة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئت))، وقال حذيفة - رضي الله عنه -: لا خيرَ فيمَن لا يَستحي من الناس، وقال مُطرِّف بن عبدالله - رضي الله عنه - لبعض إخوانه: يا أبا فلان؛ إذا كانتْ لك حاجةٌ فلا تُكلِّمني، واكتبْها في رُقعة؛ فإنِّي أكْره أن أَرَى في وجهك ذلَّ السؤال.ثالثًا: حياؤك مِن نفْسك في الخلوات؛ وهو حياء النُّفوس الشريفة العزيزة الرفيعة، قال بعضُ السَّلَف: مَن عمِل في السرِّ عملاً يستحي منه في العلانية، فليس لنفْسه عنده قدر.قال القاضي عياض: "قدْ يكون الحياء تخلُّقًا واكتسابًا كسائر أعمال البِر، وقد يكون غريزةً، ولكن استعماله على قانون الشَّرْع يحتاج إلى اكتساب، ونيَّة، وعلم، فهو مِن الإيمان بهذا، ولكونه باعثًا على أفعال البر، ومانعًا من المعاصي".* الحياء الغريزي "الجبلي الفطري": كحياء الإنسان مِن التكشُّف، وفي الحديث الذي صحَّحه الألباني أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لأشجِّ عبدالقيس: ((إنَّ فيك لخلَّتين يحبُّهما الله))، فقال: ما هما؟ قال: ((الحِلم والحياء))، قال: قلت: قديمًا كانتْ فيَّ أم حديثًا؟ قال: ((قديمًا))، قال: الحمدُ لله الذي جبَلني على خلَّتَين يحبُّهما الله.* الحياء الكَسْبي: ويكون مكتسبًا مِن معرفة الله - تعالى - وقُرْبه من عبادِه، وإحاطته بهم، وعِلمه خائنة الأعين وما تُخفي الصُّدور، فهذا هو الحياء الإيماني، والذي يمنَع المؤمن مِن ارْتكاب المعاصي خوفًا من الله تعالى، وعلى هذا فيَنبغي أن يستعملَ الحياء على النحو الذي يحبُّه الله ويرْضاه؛ ليكونَ قربةً لصاحبه وعبادةً لله تعالى، وفي تقديم الحياء مِن الله - تعالى - على الحياء مِن الناس يقول القرطبيُّ - رحمه الله تعالى -: "وقدْ كان المصطفَى - صلَّى الله عليه وسلَّم - يأخُذ نفسه بالحياء، ويأمُر به، ويحثُّ عليه، ومع ذلك فلا يمْنَعه الحياء من حقٍّ يقوله، أو أمْر دِيني يفعله، تمسُّكًا بقوله تعالى: ï´؟ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ï´¾ [الأحزاب: 53]، وهذا هو نهايةُ الحياء وكماله، وحُسْنه واعتداله؛ فإنَّ مِن فرط عليه الحياء حتى منَعَه من الحقِّ، فقد ترَك الحياء مِن الخالق، واستحيا من الخلق، ومَن كان هكذا حُرِم منافع الحياء، واتَّصف بالنِّفاق والرِّياء، والحياء مِن الله هو الأصل والأساس، فإنَّ الله أحقُّ أن يُستحيا منه، فليحفظ هذا الأصْل؛ فإنَّه نافع".يا بن الإسلام، إنَّ الحياء يأخُذ بيدك إلى كلِّ خير، ويدلُّك على كلِّ فضْل؛ قال بعض الحُكماء: مَن كان الحياء ثوبَه، لم يرَ الناسُ عيبَه، فالحياء حياةُ قلبك وحياتك في الجنَّة، وذَهاب الحياء عنك موتُ القلب، وشَقاء الدُّنيا والآخِرة، ومَن استحيا مِن الله استحيا منه الصالِحون، ومَن استحيا مِن الناس أقْبَل عليه بالحبِّ المؤمنون، ومَن استحيا مِن نفْسه حجزها عن كلِّ عيب يشين، فكُن حييًّا تسعدْ وتُفلح، كن حييًّا تربحْ وتنجح، كن حييًّا؛ فالحياء خيرٌ كلُّه.10 - التواضع: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضَعوا حتى لا يَبغي أحدٌ على أحد، ولا يفخرَ أحدٌ على أحد)).التواضُع - يا بن الإسلام - ألاَّ ترى لك حقًّا، ولا تشهد لنفسك فضلاً، ولا تجعل لنفسك قيمة، فمَن رأى لنفْسه قيمةً فليس له في التواضُع نصيب؛ قال عطاء - رحمه الله -: هو قَبول الحقِّ ممَّن كان.والعزُّ في التواضُع، فمَن طلبه في الكِبر فهو كطالب الماء مِن النار، ومِن صفات عباد الرحمن أنهم: ï´؟ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ï´¾ [الفرقان: 63]؛ أي: ساكنين متواضعين لله - تعالى - والخَلْق.قال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -: هذه صِفات المؤمنين الكُمَّل؛ أن يكون أحدُهم متواضعًا لأخيه ووليِّه، متعزِّزًا على خصْمه وعدوِّه، وقد وصف الله عبادَه الذين هداهم للإيمان فقال: ï´؟ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ï´¾ [المائدة: 54].والتواضُع سُلَّم للعزَّة والرفعة، وسبيل للقُرب من الله تعالى؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((وما تواضَع أحدٌ لله إلا رفَعَه الله))، وبقدْر تواضعك وذُلِّك لله تنال المكانة والمنزلة عندَه، وإذا تكبَّرْتَ ولو بقدْر ذرَّة حُرمت جنة الله، وحاق بك عذابُه وعقابه؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((لا يدخُلُ الجَنَّةَ مَن كان في قلْبه مثقال ذرَّة مِن كِبر)).قال ابن الحاج: ومَن أراد الرفعة فليتواضع لله تعالى؛ فإنَّ العزة لا تُقدَّر إلا بقدر النزول، ألاَ ترى أنَّ الماء لما نزل إلى أصلِ الشجرة صعِد إلى أعلاها، فكأنَّ سائلاً سأله: ما صعِد بك إلى هنا؟ أعني: في رأس الشجرة وأنت تحتَ أصلها؟ فكان لسان حاله يقول: مَن تواضع لله رفعَه!قال الأحنفُ بن قيس - رضي الله عنه -: عجبتُ لِمَن خرَج من مجرى البول مرَّتين كيف يتكبَّر؟! وقال مُصعَبُ بن الزُّبَير - رضي الله عنه -: التواضُع مصائدُ الشرف، وقيل في منثور الحِكم: مَن دام تواضعُه كثُر صديقه.فيا بن الإسلام، إيَّاك والكِبر، فما يتكبَّر إلا غبي، فهو لا يَدري بماذا يتكبَّر؟! أليس كلُّ ما فيه مِن نعم محض فضل مِن الله؟! قال تعالى: ï´؟ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ï´¾ [النحل: 53]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح البخاري: ((ألاَ أُخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلٍّ جَوَّاظ مستكبِر)).التواضع - يا بن الإسلام - خُلُق نبيِّك، فتخلَّق به تكُنْ معه في الجنة وتسعَدْ بحبِّه وقُربه؛ كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يمرُّ على الصِّبيان ويسلِّم عليهم، وكان يخصِف نعلَه، ويرقِّع ثوبه، ويحلب الشاةَ لأهله، ويعلف البعير، ويأكُل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ مَن لقيه بالسلام، ويُجيب دعوةَ مَن دعاه ولو إلى أيسرِ شيء، كان يعود المريضَ، ويشهد الجنازة، ويركَب الحمار، ويُجيب دعوةَ العبد، ذلكم هو نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتِلْكُم هي أخلاقه، فهل تبغي بها بدلاً؟!على قدْر عِلمك بالله يكُون تواضعك، وعلى قدْر عِلمك بنفسك يكُون تواضعك، والسنبلة الفارغة هي التي تنتفش واقفة، أمَّا السنبلة الملأى فإنها تنحني متواضعة، فإذا تكبَّرْتَ فاعلم أنَّ ذلك بقلَّة عملك، وسوء أدبك، وشدَّة جهلك، وإذا تواضعتَ فهذا ببركة عمل صالح غرَس في القلب تقوى، فتواضع يعزَّك الله ويرفعك.11 - الجود والإيثار: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سُنن الترمذي: ((إنَّ الله طيِّب يحب الطيِّب، نظيف يحبُّ النظافة، كريم يحبُّ الكَرَم، جوَاد يحب الجُود))، الجواد الكريم كريم على الله، حبيبٌ إليه، كريمٌ على الناس حبيبٌ إليهم، وخيرُ الناس أكرمُهم؛ ألم ترَ إلى إبراهيم - عليه السلام - عندما جاء إلى الضيفان قدَّم لهم عجلاً سمينًا؟! ألم ترَ أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقر، وأعطى رجلاً غنمًا بين جبلين، وكان يُعطي الرجل مائةً من الإبل!ويدلُّك ذلك على أنَّ الإيمان هو وقودُ الكرَم، ومحرِّك الجود؛ يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلْقاه جبريلُ - عليه السلام - فإذا لقِيَه جبريل - عليه السلام - كان أجودَ بالخير من الرِّيح المرسَلة؛ والحديث في البخاري.ولا يَسكُن البخلُ والشحُّ إلا قلبًا خوَّارًا، فارغًا ضعيفًا، ومَن وُقي شرَّ الشح كان مِن المفلحين، ومَن آثر إخوانه بالخير على نفْسه كان عندَ الله مِن الفائزين؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ï´¾ [الحشر: 9].سبحان الملك! كان أويسٌ القرني - رحمه الله - إذا أمْسى تصدَّق بما في بيته من الفضل مِن الطعام والشراب، ثم يقول: اللهمَّ مَن مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومَن مات عريًا فلا تؤاخذني به؛ فإنَّك سبحانك تعلم أنِّي لا أملك إلا ما في بطْني! وقال بعضُ الحكماء: جودُ الرجل يحبِّبه إلى أضداده، وبُخله يبغضه إلى أولادِه.أخي - يا بن الإسلام -: الإيثار على درجات ثلاث:أولها: أن تؤثِر الخلْق على نفسك بما لا يُفسد عليك دِينَك ووقتَك.وثانيها: إيثار رِضا الله - تعالى - على رِضا غيره، وإن عظُمت في ذلك المِحن.وثالثها: إيثارك الإيثارَ لله - تعالى - فتعلم أنَّ إيثارك ليس منك، بل مِنَّة الله عليك، وهذه قِمَّة الأخلاق، ودستور حُسن الخُلُق، ويتم ويكمل بها الرَّجلُ الكامل.ولا تعجب؛ فإنَّ عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - اشتهَر جدًّا من حاله أنَّه بات في فِراش النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفديه ويؤثِره بالحياة، أرأيتَ - يا بن الإسلام - كيف يكونُ الإيثار بالحياة؟!فأنبِّهك بهذا على الإيثار بما هو أقلُّ وأدْنى، فآثِر إخوانك تنلْ حبَّهم وودَّهم، آثِر إخوانك تنلْ رِضا الله تعالى، واحذر البُخل؛ فإنَّ البخل ممقوتٌ مبغوض عندَ الله وعند خلْقه، وكلَّما زاد كرمُك زاد إكرامُ الله تعالى لك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|