عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 15-05-2020, 06:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رقائق قلبية بعد صلاة التراويح ---- يوميا فى رمضان



كيف تعيش رمضان؟
محمد حسين يعقوب
22

أيها الأحبة في الله ..
مشاهد العبودية في الصيام
إخوتاه ..

الاعتك
اف
حين يخلو كل حبيب بحبيبه
وفرحة اعتكاف رمضان لمن أراد أن يغتنمها فرصةُ الفرص ..
فإنه يخص العشر الأواخر من رمضان جوٌّ إيمانيٌّ عَبِق .. جوٌّ روحانيٌّ طَلْق .. فيها هدايا .. وفرائد وفوائد .. ونِعَم لا تحصى تحتاج إلى شكر ..
ولك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوةٌ؛ فإن هذه الخَلوة فترة إعداد وتهيئة وتدريب لأحد عشر شهرًا قادمة.
قال بعض أصحاب التفاسير عند الكلام على خَلوة النبي - صلى
الله عليه وسلم - في غار حراء كلامًا نفيسًا أنقله هنا بنصه تتأمله وتستفيد ما يمس قلبك منه قال رحمه الله:

"وكان اختياره - صلى الله عليه وسلم - لهذه العزلة طرفًا من تدبير الله له؛ ليُعِدَّه لما ينتظره من الأمر العظيم. ففي هذه العزلة كان يخلو إلى نفسه، وَيخْلُصَ من زحمة الحياة وشواغلها الصغيرة، ويُفَرَّغ لموحيات الكون، ودلائل الإبداع؛ وتسبح روحه مع روح الوجود؛ وتتعانق مع هذا الجمال وهذا الكمال؛ وتتعامل مع الحقيقة الكبرى، وتُمَرَّن على التعامل معها في إدراك وفَهْم.
ولابد لأيِّ روح يُراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهةً أخرى
.. لابد لهذا الروح من خَلوة وعزلة بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الأرض، وضجة الحياة، وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة.
لابد من فترة للتأمل والتدبر والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه الطليقة.
فالاستغراق في واقع الحياة يجعل النفس تألفه وتستنيم له، فلا تحاول تغييره.

أما الانخلاع منه فترة، والانعزال عنه، والحياة في طلاقة كاملة من أسر الواقع الصغير، ومن الشواغل التافهة؛ فهو الذي يؤهل الروح الكبير لرؤية ما هو أكبر، ويدربه على الشعور بتكاهل ذاته بدون حاجة إلى عرف الناس، والاستمداد من مصدر آخر غير هذا العرف الشائع!
وهكذا دَبَّرَ -الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهو يعده لحمل الأمانة
الكبرى، وتغيير وجه الأرض، وتعديل خط التاريخ .. دَبَّرَ له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات. ينطلق في هذه العزلة شهرًا من الزمان، مع روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما وراء الوجود من غيبٍ مكنون، حتى يحين موعد التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن الله" اهـ.
أيها الإخوة ..

لقد كان محور حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرئيسي عبادة الل
ه -عز وجل-، فهو خير من عبد الله -عز وجل- في هذا الكون، فكانت له عباداته اليومية التي كان يواظب عليها من فروض ونوافل، من أداء الصلوات الخمس، وأداء للرواتب، وصلاة الضحى، وقيام الليل، وعيادة مريض، وتجهيز غاز، وقضاء حوائج الناس، وغير ذلك من سلوكه اليومي.
وقد كانت له عبادات أسبوعية، مثل: صيام الاثنين والخميس، وصلاة الجمعة.
وعبادات حولية، مثل: صيام شهر رمضان، وقيامه، واعتكافه في العشر الأواخر منه.
وكل هذه الأمور التعبدية التي كان يحيا بها - صلى الله عليه وسلم
- لها توجيهاتها التربوية في حياة الإنسان المسلم، لذلك كان لزامًا على المسلم معرفة التوجيهات التربوية في عبادات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتنوعة، حتى يستطيع العمل على نهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه القدوة في كل أمورنا على حد سواء وهذا هو الاتباع بإحسان.
والاعتكاف عبادة ليست كغيرها من العبادات، فهي تعني الانقطاع إلى
الله -عز وجل- بالكلية، وهجر ملذات الدنيا، التي تعترض عادة السمو الروحي للإنسان، والصلة المتكاملة بالله -عز وجل- من أجل تحقيق الصفاء الروحي في علاقة الإنسان المسلم بالله -عز وجل-.
فالجانب الروحي في الشر وظيفته الرئيسية إيجاد صلة مستمرة بين العبد وخالقه -عز وجل- من خلال دائرة العبادة الواسعة، التي

تشمل حياة هذا الإنسان بكليته؛ مبتغيًا بذلك مرضاة الله -عز وجل-، متبعًا فيه شريعة الحق تبارك وتعالى، وتنقطع هذه الصلة الروحية عند انحراف هذا الإنسان عن ابتغاء مرضاة الله -عز وجل-، وتطبيق شرعه القويم، وتعود بعودة الإنسان إليها.
وفي الاعتكاف فرصة كبيرة لتحقيق هذه الصلة المستمرة بين العبد وربه -عز وجلَّ-، وذلك لِتَوَفر بُغْيَة مرضاة الله -عز وجل-، واتباع شرعه تبارك وتعالى بصورة مستمرة أثناء الاعتكاف، والجوانب التربوية لسنة الا
عتكاف لا تنحصر في تربية النفس على تحري ليلة القدر، أو في تربية الجانب الروحي في حياة الإنسان المسلم، وإنما هناك جوانب تربوية متعددة تمكننا أن نقول: إن الاعتكاف يعتبر بحق مدرسة

إسلامية تنعقد بصورة سنوية.
وعندما تعمل التربية الإِسلامية على الوصول بالإنسان المسلم إلى
درجة {أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، كان لا بد وأن تُعيرَها السُّنَّةُ جُلَّ اهتمامها، وتعمل على ترسم خطا النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحواله كما كان يفعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، فكانوا نماذج بشرية عالية الهمم، أمثال: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم - رضي الله عنهم - وعن الصحابة أجمعين، كانوا يعملون باستمرار في اتباعه - صلى الله عليه وسلم - في جميع أموره حتى وإن لم يعرفوا الحِكْمَة في سلوكه - صلى الله عليه وسلم - في أي موقف من مواقف حياته.

ولا أدل على ذلك من أنه قد ورد عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ "، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقين
ا نعالنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذًى فليمسحه وليصلِّ فيهما" (1).
فكانت تلك المبادرة الفورية التلقائية لمتابعة سلوك الرسول - صلى الله عليه وسلم - ألقى نعله فألقوا نعالهم وهكذا دومًا في كل الأحداث، ونتج عن ذلك بطبيعة الحال الاستسلام الكلي لشرع الله -عز وج
ل-، الذي كان أساسه ارتفاع درجة الإيمان بالله في تلك النفوس.

وعندما بدأ نور الإيمان يخفت، وتدنت مؤشراته في نفوس كثيرٍ من المسلمين -إلا من رحم ربي- بدأ التفلت من دائرة الشريعة الإِسلامية، وخاصة سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وقد نبتت نابتة شَرٍّ باعتبار أن كثيرًا مما جاء في حياته - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة، ولا بأس من تركها!!
ترى بعض العلماء والمتفقهين من أهل عصرنا، ممن عُرِفَ بالتساهل في التمسك بالسنن، إذا قيل له في تركه بعض السنن، قال: هي سنة، وهي جائزة الترك، وينسى أو يُغفِل المعنى الإيجابي لحب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو المقتضي للاتباع والاقتداء، واللائق بالمسلم الحصيف غير هذا، فقد كان السلف الأُول يفعلون كل مطلوب شرعًا -ولو كان رغيبة أو فضيلة- ودون تمييز بين ما يطلب على سبيل الفرض أو الواجب، وبين ما يطلب ع
لى سبيل الترغيب أو الندب.
فالسُّنَّةُ المندوبة حِصنٌ للفرائض الواجبة، وبابٌ لزيادة الحسنات والأنوار على المتسنن بها، وعنوان الحب والاتباع لهدي الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في شأنه كله
__________
(1) أخرجه أبو داود (650)، وصححه الألباني (13) في "مشكاة المصابيح".





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]