
كيف تعيش رمضان؟
مجمد حسين يعقوب
(18)
مشاهد العبودية في الصيام
إخوتاه ..
قيام رمضان
أخي .. وحبيبي:

إذا قمت .. أيقظ أهلك:
إن عباد الرحمن لا يكفيهم أنهم يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا فحسب، بل ويرجون ذريةً تسير على نهجهم، وأن تكون لهم أزواجٌ من نوعيتهم فتقر بهم أعينهم، وتطمئن لهم قلوبهم. قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21].
وتأمل معي قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: "من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعًا، كتبا من الذاكرين الله

كثيرًا والذاكرات" (1).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء" (2)، وهذا النضح من باب المداعبة بين الرجل وزوجته، فهما متعاونان على طاعة الله تعالى، ولا يحب أحدهما أن ينفرد بالخير دون الآخر.
لِمَ كُلَّ هذا الاهتمام بالليل؟

لخمسة أمور:
الأول: أن الإنسان عندما يقوم الليل يكون هذا أخلص لربه جل وعلا؛ لأنه يكون في وقت سر لا يطلع عليه أحد.
الثاني: أنه أشق على النفس ولذلك يكون الأجر أكثر، فالأجر على قدر المشقة.
الثالث: مع خلو البال من مشاغل الحياة وسكون الليل والفراغ من الدنيا والكد فيها يكون القلب أكثر مواطأة وموافقة للسان في الذكر.
الرابع: أن الليل موطن لتنزل الرحمات ولنزول رب الأرض والسموات، فعظمت العبادة فيه.
الخامس: أن قيام الليل عبادة جامعة لطهارة القلب.

وقد قال قتادة: "كان يقال: سَهِرَ الليلَ منافق" يعني في قيام الليل.
ما يعين على التهجد:
الأسباب الظاهرة:
(1) قلة الطعام وعدم الإكثار منه:
فكما قلت لك سابقًا -أخي الحبيب- حاول أن تقلل من كمية الطعام، فقلة الطعام سحاب، وإذا قل الأكل مُطِرَ القلبُ الحكمةَ، فالواجب على الناصح لنفسه ألا يكثر الأكل، فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام، أما يرعبك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقصر من جُشائك, فإن أكثر الناس شَبعًا في الدنيا أكثرهم جوعًا في الآخرة" (1).
رأى معقل بن حبيب قومًا يأكلون كثيرًا فقال: ما نرى أصحابنا يريدون يصلون الليلة.

وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام.
وقال أبو سليمان الدارانى: من شبع دخلت عليه ست آفات: فقد حلاوة المناجاة، وتعذر عليه حفظ الحكمة، وحرمان الشفقة على الخلق، وثقل العبادة، وزيادة الشهوات، وإن سائر المؤمنين يدورون حول المساجد، والشباعون يدورون حول المزابل.
(2) الاقتصاد في الكد نهارًا:
لا تتعب نفسك بالنهار في الأعمال التي تعيا بها الجوارح، وتضعف بها الأعصاب، فإن ذلك مجلبة للنوم، وعليك بالقصد في هذه الأعمال،

وأن تتجنب فضول الكلام، وفضول المخالطة التي تشتت القلب.
(3) الاستعانة بالقيلولة نهارًا:
فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قِيلوا فإن الشياطين لا تقيل" (1).
(4) ترك المعاصي:
لا تحتقب الأوزار بالنهار فتُفْسِد عليك صيامك، وتُقَسِّي قلبك، وتحول بينك وبين قيام الليل.
قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إني أبيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعد طهوري؛ فما بالي لا أقوم؟، فقال: ذنوبك قيدتك.

وقال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته, قيل: وما هو؟ , قال: رأيت رجلًا يبكي فقلت في نفسي: هذا مراء ..
رحمهم الله قَلَّت ذنوبهم فعلموا من أين أُتوا, ونحن كثرت ذنوبنا فلم ندر من أين أتينا.
وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار؛ فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك.
(5) طِيب المطعم:
قال بعض العلماء: إذا صمت يا مسكين, فانظر عند من تفطر, وعلى أي شيء تفطر, فإن العبد ليأكل أكلة فينقلب قلبه عما كان عليه ولا يعود إلى حالته الأولى, فالذنوب كلها تورث قساوة القلب, وتمنع من قيام الليل, وأَخَصُّهُ بالتأثير تناول الحرام.
ولذلك قال بعضهم: كم من أكلة منعت قيام ليلة, وإن العبد ليأكل أكلة فيحرم قيام الليل سنة.
(6) عدم المبالغة في حشو الفراش:

فإن مما يعين على قيام الليل عدم المبالغة في حشو الفراش؛ لأنه سبب لكثرة النوم والغفلة, ومجلبة للكسل والدعة, ولقد كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحصير الذي خَطَّ في جنبه, وكانت وسادته التي ينام عليها بالليل من أَدَم حشوها ليف.
فلا تتدثر بالبطاطين, وتضع المدفأة إلى جوارك, على سرير وثير مريح, فأنت بذلك تستعد لنوم طويل لن تستطيع الاستيقاظ منه أبدًا, تعمد أن يكون نومك غير مريح حتى تستطيع القيام بسهولة.
(7) النوم على الجانب الأيمن, والوضوء والتسوك قبل النوم وأذكار النوم هذه سنه النبي - صلى الله عليه وسلم - والأحاديث فيها محفوظة مشهورة فأعمل ولا تكسل.
(1) أخرجه أبو داود (1451)، وصححه الألباني (1288) في "صحيح أبي داود".
(2) أخرجه أحمد (2/ 250)، وصححه الألباني (3494) في "صحيح الجامع".
(1) أخرجه الحاكم (4/ 135)، وحسنه الألباني (1179) في "صحيح الجامع".
(1) أخرجه الطبراني (1/ 13) في "الأوسط"، وحسنه الألباني (1647) في "السلسلة الصحيحة".
