الموضوع: رمضان والتفكر
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30-04-2020, 11:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضان والتفكر

أيها الصائمون:

ألا تفكرنا في نعم الله علينا، وسوابغ آلائه فينا، خلقنا فأحسن خلقنا، ومنَّ علينا بالهداية إلى الإسلام وأكرمنا، ورزقنا وسخر ما في الكون لنا.




قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 6 - 8].




وقال: ï´؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ï´¾ [يس: 71 - 73].




معشر الصائمين:

هلا وقفنا وقفة تفكر صادقة، ونظرنا إلى هذه الدنيا التي نعيش فيها، وتأملنا في حقارتها وقلتها، وسرعة زوالها وتحولها، وكدر عيشها وتغير ما فيها، ماذا أخذ منها من دخلها حينما فارقها؟! ألم يأن للسكرى بشهواتها وهواها أن يصحوا ليعرفوا الحقيقة.




قال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ï´¾ [يونس: 24].




عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه و سلم وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال: يا رسول الله، لو اتخذت فراشا أوثر من هذا؟ فقال: (يا عمر، مالي وللدنيا، وما للدنيا ولي، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها) [3].




بكى عمر بن عبد العزيز رحمه الله يوماً بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: "فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إن فيها مواعظ لمن ادكر".




قال بعض الشعراء:



إني رأيت عواقب الدنيا

فتركت ما أهوى لما أخشى




فكرت في الدنيا وعالمها

فإذا جميع أمورها تفنى




وبلوت أكثر أهلها فإذا

كل امرئ في شأنه يسعى




أسنى منازلها وأرفعها

في العز أقربها من المهوى




تعفو مساويها محاسنها

لا فرق بين النعي والبشرى




ولقد مررت على القبور فما

ميزت بين العبد والمولى




أتراك تدري كم رأيت من ال

أحياء ثم رأيتهم موتى؟









وفي مقابل ذلك أما تفكرنا في الآخرة الدار الباقية، وتأملنا في دوامها وخلودها، وراحتها وسعودها، واستمرار طيبها ولذائذها، وذهاب الأحزان والعناء عند دخولها، ï´؟ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ï´¾ [فاطر: 34].




خيرها متصل، وعيشها مستقر، ï´؟ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ï´¾ [الزخرف: 71].




وقال تعالى: ï´؟ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ï´¾ [العنكبوت: 64].




وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه. ثم ينادي يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه فيذبح. ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ: ï´؟ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ï´¾ - وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا - ï´؟ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ï´¾) [4].




ثم تفكر - أيها المسلم - في بضاعتك التي ستقدم بها على الله تعالى، ماذا عملت، وكيف عملت؟ قال تعالى: ï´؟ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ï´¾ [البقرة: 197].




وقال تعالى: ï´؟ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ï´¾ [الشعراء: 88، 89].




أيها المسلمون:

إن عبادة التفكر تدل المتفكر على طريق الجنة فيعمل لها قبل مفاجأة الموت. وقد لِيمَ لقمانُ رحمه الله تعالى على الوحدة فقال للائمه: "إن طول الوحدة أفهم للفكر، وطول الفكر دليل على طريق الجنة".




وحينما يتفكر الإنسان يدعوه ذلك إلى فعل الخيرات وترك المنكرات؛ لأنه علمَ بذلك أنه خلق لغاية فلا بد من سعيه لها.




كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: "اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما يفنى - وإن كان كثيرا - يعدل ما يبقى، وإن كان طلبه عزيزا، واحتمال المئونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مئونة باقية".




ألا رحم الله امرئ تفكر قبل أن يُقبر، فساقه تفكره إلى إحسان العمل، وإصلاح الخلل، قبل حضور الأجل.




وتفكر في دنياه فلم يركن إليها، ولم يشغل قلبه بها، وتفكر في آخرته فأعد زاد النجاة، وبعث قلبه إليها فعاش في الدنيا غريباً بين أهلها؛ لأن دار أُنسه الحقيقية هي دار السلام بجوار الرب السلام.




أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية


الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.




أما بعد:

أيها الصائمون الفضلاء، فما زالت أيام رمضان ولياليه تتسارع وتتسابق، وأنفاس الصائمين الصادقين، والقائمين الخاشعين، والتالين المتدبرين تتصاعد وتتلاحق؛ خوف الفوات والفراق.




ولكن تلك الأزمان الشريفة لا يزيدها مرور الوقت إلا شرفاً وحلاوة، فكلما تتقدم ازدادت حسناً وبهاء.




وإنا مع تسارع هذه اللحظات السعيدة قد أصبحنا على مشارف خير زمان في رمضان، وأسعد لحظات يعيشها الصائم القائم في شهر البركة والغفران، بل لعلها أبهى لحظات تمر عليه في العام.




وبهذا المضي يزداد الشهر ألقاً، ويفتح أمام الصائم المجدِّ من الخير والفضل أبواباً كثيرة. تمضي أيام رمضان كالفجر الذي يخرج كبصيص ضعيف ثم يكبر ويكبر حتى ينير الآفاق والدروب. من هذا التجدد الزمني المشرق يفيد الإنسانُ منه الجدَّ؛ فإنه كلما كبر صغر عمره، وقرب أجله، وضاقت مهلة حياته، ومن كان كذلك فليقصر الأمل، وليحسن العمل مع تقدم الزمن ومروره.




أيها الصائمون:

في ختام شهر رمضان ليالٍ مباركة هي العشر الأخيرة من رمضان، التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعد له استعداداً خاصاً، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر [5].




وقد تميزت على العشرين السابقة بمزايا وخصائص تجعلها محل اهتمام المسلم الحريص على الخير والسبق إلى الفضل.




فمن فضائلها: مشروعية الاعتكاف في المساجد الجامعة؛ ليتفرغ فيها العبد الصائم لروحه وقلبه، بعيداً عن مشاغل الدنيا واهتماماتها.




وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده؛ لنيل هذا الخير العظيم.




إن المعتكف يتأمل في هذه المدة اليسيرة في حاله ماذا قدم، وماذا سيقدم من الأعمال، فيتفكر في سالف أيامه: فإن كان محسناً يزد في إحسانه، ويعترف بتقصيره تجاه ربه.




وإن كان مسيئاً تضرع إلى الله تعالى ودعاه بغفران ذنبه، وستر عيبه، مع ندم صادق على زمان انقضى في التضييع والعصيان.




ويتفكر في مستقبل أيامه التي يكتنفها المجهول، فيعزم على الجد وترك التفريط والفتور، ويدعو الله تعالى بالتوفيق والسداد في القول والعمل.




فالاعتكاف فرصة للمراجعة والمحاسبة، وفرصة للتزود وشحذ الهمة الإيمانية، وطلب الصواب في قابل الأيام.




والاعتكاف فرصة لتعويض ما ضيع الصائم في أيام رمضان الأولى، فإن كان جرح صومه بمخالطة الناس فلم يسلم صومه من غيبة أو تعدٍّ فالاعتكاف مكان للسلامة والمداواة.




وإن كان فاته القيام فيما مضى فالاعتكاف يعينه على المحافظة على القيام فيما بقي.




وإن كان قد شُغل عن كثرة قراءة القرآن وتدبره فالاعتكاف ظرف كريم لما فاته من ذلك.




أيها الصائمون، ومن مزايا هذه العشر الأخيرة وفضائلها: أن فيها ليلة شريفة القدر عظيمة الفضل، لا يُلقى خيرها إلا ذو حظ عظيم من الصبر والجد والاجتهاد.




هذه الليلة ليلة أنزل الله فيها القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.




في هذه الليلة تقدر الآجال، وتقسم الأرزاق للعام القابل، ويضاعف فيها العمل الصالح، وتنزل فيها ملائكة السماء إلى الأرض؛ لكثرة خير هذه الليلة وبركتها.




هذه الليلة هي ليلة القدر قال تعالى: ï´؟ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ï´¾ [الدخان: 1 - 6].




وقال تعالى: ï´؟ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ï´¾ [القدر: 1 - 5].




هذه الليلة غير معروفة الزمن تحديداً؛ حتى يجتهد الناس في العبادة. غير أنها في العشر الأواخر أقرب، وفي أوتارها أقرب، وفي السبع الأواخر أقرب.




قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى )[6].




ويستحب تحري هذه الليلة بكثرة العبادة، وتخصيصها بالدعاء الوارد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: (تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) [7].




فيا أيها الصائمون، هذا منهل عذبٌ فأين ورّاده، وزاد نافع أين أهله وقصاده، فيا سعدَ من ظفر بخيره، وغنم فضله، فصار من الفائزين، نسأل الله أن يجعلنا منهم.




هذا وصلوا وسلموا على خير البرية.....





[1] ألقيت في مسجد ابن تيمية، إب، يوم 18/ رمضان/ 1429هـ، 18/ 9/ 2008م.




[2] رواه ابن حبان، وإسناده صحيح.




[3] رواه ابن حبان وأحمد، وهو صحيح.




[4] متفق عليه.




[5] متفق عليه.




[6] متفق عليه.




[7] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي والحاكم، وهو صحيح.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]