
30-04-2020, 07:00 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة :
|
|
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد

رمضان والقرآن
محمد حسين يعقوب
(7)
تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن
وأما الآداب الباطنة:
وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله -عز وجل- كذكرهم لله -عز وجل- ولدًا وصاحبة -تعالى الله عن ذلك- يغض الصوت وينكسر في باطنه حياءً من قبح مقالتهم، وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها.
وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفًا منها، ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود: "اقرأ علي" قال: فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، رأيت عينيه تذرفان بالدمع؛ فقال لي: "حسبك الآن" (1)؛ وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية - صلى الله عليه
وسلم -.
ولقد كان من الخائفين من خَرَّ مغشيًا عليه عند آيات الوعيد، ومنهم من مات في سماع الآيات.
فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكيًا في كلامه، فإذا قال: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15]، ولم يكن خائفًا كان حاكيًا.
وإذا قال: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: 4]، ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكيا.
وإذا قال: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} [إبراهيم: 12]، فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة.
فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات؛ كان حظه من التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن علي نفسه في قوله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]، وقال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:

3]، وقال -عز وجل-: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]، إلى غير ذلك من الآيات ..
وكان داخلًا في معنى قوله -عز وجل-: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78]، يعني التلاوة المجردة، وقوله -عز وجل-: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105]؛ لأن القرآن هو المبين لتلك الآيات في السموات والأرض، ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضًا عنها؛ ولذلك قيل: إن من لم يكن متصفًا بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله تعالى: مالكَ ولكلامي وأنت معرضٌ عني، دع عنك كلامي إن لم تتب إليَّ.
ومثال ذلك: العاصي إذا قرأ القرآن وكرره، مثال من يكرر كتاب الملك كل يوم مرات، وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو مشغول بتخريبها ومقتصرٌ على دراسة كتابه؛ فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق المقت.

ولذلك قال يوسف بن أسباط: إني لأَهُمُّ بالقرآن فإذا ذكرتُ ما فيه خشيت المقت فأعدل إلى التسبيح والاستغفار.
والمعرض عن العمل به أريد بقوله -عز وجل-: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187] ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه" (1)، وفي بعض الروايات "فإذا اختلفتم فقوموا عنه"، قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحسن الناس صوتًا بالقرآن إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله تعالى" (1).
وقال بعض القراء: قرأت القرآن على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانيًا فانتهرني وقال: جعلتَ القرآن عليَّ عملًا، اذهب فاقرأ على الله -عز وجل-، فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك.

لهذا كان شغل الصحابة - رضي الله عنهم - في الأحوال والأعمال، فمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عشرين ألفًا من الصحابة، لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة اختلف في اثنين منهم، وكان أكثرهم يحفظ السورة والسورتين، وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من علمائهم، ولما جاء واحدٌ ليتعلم القرآن فانتهى إلى قوله -عز وجل-: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]، قال: يكفي هذا وانصرف، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "انصرف الرجل وهو فقيه" (2)، وأنما العزيز مثلُ تلك الحالة التي مَنَّ الله -عز وجل- بها على قلب المؤمن عقيب فهم الآية.
فأما مجرد حركة اللسان فقليل الجدوى، بل التالي باللسان المعرض عن العمل جدير بأن يكون هو المراد بقول الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، وبقوله -عز وجل-: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 126]، أىِ تركتها ولم تنظر إليها ولم تعبأ بها، فإن المقصر في الأمر يقال: إنه نسى

الأمر، وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثير بالانزجار والائتمار، فاللسان يرتل، والعمل يترجم، والقلب يتعظ.
(9) الترقي:
وأعني به أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله -عز وجل- لا من نفسه، فدرجات القرآن ثلاث. أدناها: أن يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله -عز وجل- واقفًا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه، فيكون حاله عند هذا التقدير: السؤال والتملق والتضرع والابتهال.
الثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله -عز وجل- يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه بإنعامه وإحسانه، فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم.

الثالثة: أن يرى في الكلام المتكلم، وفي الكلمات الصفات فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته، ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه مُنْعمْ عليه، بل يكون مقصورَ الهم على المتكلم، موقوف الفكر عليه، كأنه مستغرقٌ بمشاهدة المتكلم عن غيره، وهذه درجة المقربين، وما قبله درجة أصحاب اليمين، وما خرج عن هذا؛ فهو من الغافلين.
(10) التبري:
وأعني به أن يتبرأ العبد من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بعين الرضا والتزكية، فإذا تلا بآيات الوعيد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك؛ بل يشهد الموقنين والصديقين فيها، ويتشوق إلى أن يلحقه الله -عز وجل- بهم، وإذا تلا آيات المقتوذم العصاة والمقصرين؛ شهد على نفسه هناك، وقدَّرَ أنه المخاطب خوفًا وإشفاقًا.
ولذلك كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: أستغفرك لظلمي وكفري، فقيل له: هذا الظلم، فما بال الكفر؟، فتلا قوله -عز وجل-: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
وقيل ليوسف بن أسباط: إذا قرأت القرآن بماذا تدعو؟، قال: أستغفر الله -عز وجل- من تقصيري سبعين مرة.

فإذا رأى نفسه بصورة التقصير في القراءة كانت رؤيتُه تقصيره سببَ قربه، فإن من شهد البعد في القرب لُطِف به في الخوف، حتى يسوقه الخوف إلى درجة أخرى في القرب وراءها، ومن شهد القرب في البعد مُكِرَ به في الأمن، الذي يفضيه إلى درجة أخرى في البعد أسفل مما هو فيه.
ومهما كان مشاهدًا نفسه بعين الرضا صار محجوبًا بنفسه عن الله" انتهى كلام الغزالي - رحمه الله -.
هذه هي المراتب العشرة لتحصيل لذة تلاوة القرآن أيها الحبيب، ولن تستطيع فهمها بمجرد مرور نظرك عليها لأول مرة؛ بل تحتاج إلى تأمل ومذاكرة مع غيرك من إخوانك أو مشايخك لتلقيح الأفكار وتفتيح الأفهام، ثم العمل.
ولن يفتح لك من أول مرة إدراك ما ذكرت لك، لكن الأمر يحتاج إلى مجاهدة وصبر نأنٍ لكي يحصل لك.
__________
(1) البخاري (4763).
(1) متفق عليه، البخاري (4773)، مسلم (2667).
(1) أخرجه ابن ماجه (1339)، وصححه الألباني (110) في "صحيح ابن ماجه".
(2) قال الهيثمي في "المجمع" (7/ 141): رجاله رجال الصحيح.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|