عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-04-2020, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,093
الدولة : Egypt
افتراضي مسيرة علامة الهند الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في الشعر العربي

مسيرة علامة الهند الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في الشعر العربي


بلال أحمد شاه










التاريخ الإسلامي الهندي حافل بشخصيات فذة لها فضل في بقاء الإسلام و نشره في هذه البقعة المعروفة بشبه القارة الهندية، انهم رفعوا رأية الإسلام في هذه القارة و احتفظوا بلغة الإسلام والقرآن. ومن المعلوم أن حضارة أي أمة لا تبقي إلا بلغتها فإن الإسلام حينما دخل الهند إنما دخل بلغته حينما كان قد تمهد السبيل للصلة اللسانية بين شبه القارة الهندية و العرب بواسطة العرب المتواجدين في جنوب الهند منذ فجر الإسلام.

لكن الذي لعب دورا هاما في انتشار اللغة العربية و رواج علومها في هذه البلاد هو الغز و الإسلامي العربي الذي قاده محمد بن قاسم الثقفي (المتوفي 96 ه). وبعد ما تم توطيد قواعده في مناطق السند و الهند من ديبل إلى تخوم كشمير ارتفعت موجته حتي عمت جميع نواحيها فحدثت نهضة علمية و ظهرت ثمارها و انتجت الهند رجالا لهم سهم كبير في ترسيخ دعائم اللغة العربية و نشر آدابها الإسلامية في هذه المنطقة.

لقد اعتني علماء هذه المنطقة و فضلائها بآداب اللغة العربية منذ انتشار الإسلام فيها. وكانت العلوم الدينية مثل القرآن و الأحاديث النبوية و الفقه و الأصول و غيرها محور عنايتهم الخاص. و تناولوا التأليف و التصنيف و الشرح و التفسير و العلوم الأخري من النحو و الصرف و البلاغة و الشعر و الأدب و ما إليها التي تعتبر اساسية لفهم و تفهيم العلوم الشرعية و أنشأوا معاهد دينية في انحاء البلاد التي قامت بدور كبير في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية.

ومن أولئك العباقرة الذين يرجع إليهم الفضل في رفع رأية اللغة العربية و نشر الثقافة الإسلامية في شبه القارة الهندية الشيخ محمد انور شاه الكاشميري (1875-1923). كان الشيخ محمد انور شاه الكاشميري من العباقرة القلائل الذين انجبتهم هذه المنطقة بل العالم كله. كان لعبقريته عديد الجوانب، حيث لم تكن مقصورة على فرع خاص للعلوم الإسلامية، فاشتهر بدقة نظره و اصالة رأيه و عمق تفكيره في الحديث و الفقه و التفسير وقريحته المبدعة في الشعر.

و نظرا إلى مساهمته فإنه يستحق كل الاحترام و التقدير، ويجب أن ينوه بذكره في كل بقاء العالم بكونه عبقريا من عباقر الإسلام، و قد صنف بعض المؤلفين كتبا عن حياته العظيمة و اهتموا فيها بأحوال حياته العامة و شمائله الطيبة و لم يولوا عناية كافية بمساهمته في مجال اللغة العربية، فقد الف كتبا كثيرة في اللغة العربية و قرض اشعارا في هذه اللغة رغم انه ولد ونشأ بعيدا عن العالم العربيِ. ولكن مع ذالك ولد في أسرة علمية دينية في يوم السبت السابع والعشرون من الشوال سنة 1292ه الموافق 1875م بقرية “دودهوان” في الوادي المخضر المسمي بلولاب مديرية كفواره بناحية شمالية من كشمير.

وقد أودع الله في شخصيته موهبات عجيبية من خصوية العقل و قوة الذاكرة و الذكاء المتوقد. كان لا يسمع كلمة إلا و يحفظها و لا يقرأ رأيا أو حديثا إلا ويقيده في ذهنه. كان من أفذاذ عصره في قوة الحفظ و سعة الإطلاع على كتب المتقدمين و التضلع من الفقه و الأصول و الرسوخ في العلوم الدينية و العربية و العلوم العقلية. كانت له مقدرة فائقة على قرض الشعر . كان ينظم الشعر إرتجالا بالعربية و أسلوبه في الشعر هو أسلوب فحول الشعراء من العصر الجاهلي و الإسلامي. و كان يحفظ من قصائد شعراء العرب ما يربو على خمسين ألف بيت. و نجد في شعره حسن السبك و النسج و بديع الانسجام و نصاعة الألفاظ و فصاحة الكلمات ، يخلو من تقعيد لفظي و معنوي. و لتبحره و تعمقه في العلوم الإسلامية نجد عنده معاني دقيقة و مفاهيم فلسفية و احيانا يستعمل كلمات قليلة الاستعمال و لكنها لا تكون ركيكة و ضعيفة.

أغراض شعره


نشأ الشيخ رحمه الله في بيت علم و شعر. كان والده شاعرا مجيدا للفارسية و كان أخوه الأكبر أشعر أهل بلده بالعربية والفارسية .فكان الشعر خلط بلحمه و وسيط بدمه. نشأ في مهد الشعر ثم إرتوي بلبانه فليس من الغريب أن تكون الملكة الشعرية راسخة فيه. كانت له مقدرة فائقة على قرض الشعر بالعربية . كان ينظم الشعر إرتجالا بالعربية وكان يحفظ من قصائد شعراء العرب ما يربو على خمسين ألف بيت.

والموضوعات التي تناولها في قصائده هي الحمد والمدح (وفي مقدمتها المدائح النبوية و لعل ذالك بسبب ما كان لديه من إعتناء شديد بالأحاديث النبوية ) و الوعظ و الترحيب والتهنئة و الرثاء وكذالك نظم بعض الأبيات في بعض أحكام الفقه الحنفي في شكل الأراجيز[1] . وقرض القصائد أيضا في بعض معارف الحديث و في مسائل العلوم العقلية المختلفة. و أما الغزل بمعناه المعروف فشتان ما بينه و بين الشيخ فلا نجد في شعره من ألوان المجنون و الانحلال الخلقي . لا يصف ثقل الأرادف و الثدي النواهد . و عندما يبدأ قصائده بالتشبيب فالمقصود عنه اتباع الشعراء المتقدمين و تحسين الكلام فقط . وله قصيدة بديعة في إثبات حدوث الكون و التي تشتمل على أربع مائة بيت و ذالك كاف لإثبات مقدرته الفائقة على قرض الشعر بالعربية.

و قد أنشأ الشيخ محمد إعزاز على جمعية أدبية في دار العلوم بديوبند عام 1307ه وكانت هذه الجمعية تجتمع أسبوعيا في كل يوم الخميس و كان يحضر جلساتها عدة من أساتذة دار العلوم و كان يحدد بيتا معينا لكي ينظم كل من كانت عنده ملكة شعرية قصائد في نفس البحر و القافية و الرديف فكان الشيخ الكشميري يرأس هذه الجمعية و ينشد في جلساتها أبياته بأسلوبه الخاص . كما قرض قصائد كثيرة بالعربية يبلغ عدد أبياته 155 بيتا التي تفيض عذوبة و رقة و بلاغة و يشم القارئ فيها رائحة الأدب الجاهلي.

نماذج من قصائده في الموضوعات المختلفة

قصائد الشيخ الكشميري في مدح النبوي صلي الله عليه و سلم:

يقول في مدح الرسول صلي الله عليه و سلم ويبدأ قصيدته بالتشبيب مثل شعراء العهد الجاهلي و الشعراء المخضرمين و هي من بحر الكامل :

برق تألق موهنا بالوادي

فاعتاد قلبي طائفَ الأنجادِ

أسفا على عهد الحمي و عهادُه

تولى على الإبراق والإرعادِ

رُهمٌ تناوخُ تارةً ديمٌ لها

حتي غدا الأيامُ كالأعيادِ

هبَ النسيمُ على الربا فتُضاحكت

بشرى العميد عرارُها و الجادي

هذه القصيدة دليل باهر على قدرته على اللغة العربية و تذوقه الأدب العربي الرفيع و استخدام الكلمات و التراكيب للمعاني و الأحاسيس التي أراد الافصاح عنها فجاءت القصيدة صورة حية للحب و الوفاء لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم و هو صادق التعبير في المديح و النسيب دقيق في التصوير و الشعر عامر الأبيات متين القافية و الوزن مختار اللفظ يغلب فيه الفصاحة و البلاغة و الموسيقى تجذب إليها القلوب و تصغى إليها الأذان مع السذاجة الفطرية الحلوة تفوق القصيدة في بسلسلة لألفاظ و عذوبة الكلام و متانة الأسلوب.

وبعد هذه الأبيات في التشبيب و النسيب ينتقل إلى مدح الصحابة و ذكرى محاسن النبي صلي الله عليه و سلم و صفاته الكريمة و قد استطاع وصف اسمائه و سبكها في قالب الشعر ببراعة و جمال. و يقول :

لله درُ صحابةٍ ألفيتهُم

دِيمُ الندى للمجتدي و الجادي

أنا في أمان من بَوآدي حيَرةٍ

ولي اهتداءٌ بالنبي الهادي

شمسُ الضحي بدر الدجى صدر العُلى

عَلم الهُدى هو قُدوةٌ للقادِ ي

مولي الوري و بشيرهم و شفيعهم

و خطيبهم في مُشهد الأشهاد

(نفحة العنبر –ص، 181-179، محمد يوسف البنوري)

و ذكر صفات النبي صلى الله عليه و سلم في أبيات كلها من بحر المتقارب، منها :

شفيعٌ مُطاعٌ نبيٌ كريمٌ

قسيمٌ جسيمٌ نسيمٌ وسيمٌ

صبيحٌ مليحٌ مَطِيبُ التَميمْ

مَفاضُ الجبينِ كبدرٍ مبينْ

و خيرُ البَرايا بِفضلٍ جسيمْ

وعَزَّ عزيزٌ حياةٌ قويمْ

وأَسرَ ى به ربُّه في السماء

كنورٍ تجلَّى بليلٍ بَهِيم

(نقش دوام ، محمد انظر شاه المسعودي، ص 252 (بالأردية).

قصائده في مدح شخصيات بارزة

وله بعض القصائد في مدح شخصيات بارزة من شيوخه و منه رجال العلوم و الفنون[2]. و فيما يلي بعض أبيات إخترت من قصيدته في مدح شيخه مولانا رشيد أحمد الكنكوهي رحمه الله (1827-1905م) التي تحتوي على 30 بيتا و هي من بحر الوافر .و نذكر هنا بعض الأبيات بإختصار .

قِفا يا صَاحبيَّ عن السِّفارِ

بمَرأىَّ مِن عَرارٍ أو بَهارٍ

يسيرُ بنشرها نفَحاتُ أُنس

ورَيَّا عند مُحيٍ من قَطارٍ

يفيض لروحها رشحاتُ قُدْسٍ

حياةٌ للبراريْ و القفارِ

و قد عادتْ صباها من رباها

بأنفاسٍ يطيب بها الصًّحارَى .

و له قصيدة في مآثر محمد قاسم النانوتوي رحمه الله (1833-1879م) مؤسس الجامعة الإسلامية، دار العلوم بديوبند و هي من بحر الوافر ، و منها بعض الأبيات التالي :

قفا يا صاحبيَّ على الدِّيار

فمِن دأْبِ الشجي و هُو إزديارِ

و عُوجا بالرِّباعِ رباعُ أُنسٍ

ففي المرَأي لَشيئٌ كلهم كاُصطبارٍ

وذالك قاسمٌ البركات طُراً

يُنيرُ بذكره نالٍ و قاري


(محمد أنور شاه الكشميري ، صدع النقاب عن جساسة الفنجاب ص 2)
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]