تعريف البيع ومشروعيته وأركانه
د. مثنى النعيمي
الركن الثالث: المعقود عليه:
يشترط في المعقود عليه، ثمنًا كان أو مثمنًا، شروط، منها:
أ - أن يكون طاهرًا، فلا يصح أن يكون النجس مبيعًا ولا ثمنًا، فإذا باع شيئًا نجسًا أو متنجسًا لا يمكن تطهيره، فإن بيعه لا ينعقد، وكذلك لا يصح أن يكون النجس أو المتنجس الذي لا يمكن تطهيره ثمنًا، فإذا اشترى أحد عينًا طاهرة، وجعل ثمنها خمرًا أو خنزيرًا مثلًا، فإن بيعه لا ينعقد.
ب - أن يكون منتفعًا به انتفاعًا شرعيًّا، فلا ينعقد بيع الحشرات التي لا نفع فيها.
ج - أن يكون المبيع مملوكًا للبائع حال البيع، فلا ينعقد بيع ما ليس مملوكًا إلا في السَّلَم، فإنه ينعقد بيع العين التي ستملك بعد.
د - أن يكون مقدورًا على تسليمه، فلا ينعقد بيع المغصوب؛ لأنه وإن كان مملوكًا للمغصوب منه، فإنه ليس قادرًا على تسليمه، إلا إذا كان المشتري قادرًا على نزعه من الغاصب، وإلا صح، وأيضًا لا يصح أن يبيعه الغاصب؛ لأنه ليس مملوكًا.
هـ - أن يكون المبيع معلومًا والثمن معلومًا علمًا يمنع من المنازعة، فبيع المجهول جهالة تفضي إلى المنازعة غير صحيح، كما إذا قال للمشتري: اشترِ شاة من قطيع الغنم التي أملكها، أو اشترِ مني هذا الشيء بقيمته، أو اشترِ مني هذه السلعة بالثمن الذي يحكم به فلان، فإن البيع في كل هذا لا يصح.
و - ألا يكون مؤقتًا، كأن يقول له: بعتك هذا البعير بكذا لمدة سنة[8].
ومن الجدير بالملاحظة أنه في النظام الاقتصادي الإسلامي تخضع أركان وشروط عقد البيع في تنظيمها لقواعد الفقه الإسلامي المتعلق بالمعاملات.
وعند تطبيق هذه العقود لدى البنوك الإسلامية في عمليات التمويل، فإن هذه العقود تخضع كذلك في تنظيمها للقواعد العامة للقانون الوضعي في الدولة التي يتم فيها التعاقد.
المطلب الثالث: أنواع البيوع:
أولًا: تقسيم البيع باعتبار المبيع:
ينقسم البيع باعتبار موضوع المبادلة فيه إلى أربعة أقسام:
1 - البيع المطلق: هو مبادلة العين بالنقد، وهو أشهر الأنواع، ويتيح للإنسان المبادلة بنقوده على كل ما يحتاج إليه من الأعيان، وينصرف إليه البيع عند الإطلاق، فلا يحتاج كغيره إلى تقييد.
2 - بيع السَّلَم: ويسمى السَّلَف، هو مبادلة الدين بالعين، أو بيع شيء مؤجل بثمن معجل.
3 - بيع الصرف: وهو بيع جنس الأثمان بعضه ببعض، وعرف بأنه بيع النقد بالنقد جنسًا بجنس، أو بغير جنس؛ أي: بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وكذلك بيع أحدهما بالآخر.
وإنما يسمى صرفًا: لوجوب دفع ما في يد كل واحد من المتعاقدين إلى صاحبه في المجلس.
وشروطه أربعة:
أ - التقابض قبل الافتراق بالأبدان بين المتعاقدين؛ منعًا من الوقوع في ربا النسيئة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب مِثلًا بمثل، يدًا بيد، والفضة بالفضة مِثلًا بمثل، يدًا بيد)).
ب - التماثل عند اتحاد الجنس: إذا بِيع الجنس بالجنس، كفضة بفضة أو ذهب بذهب، فلا بد فيه من التماثل؛ أي: التساوي في الوزن والمقدار دون النظر إلى الجودة والصياغة.
ج - أن يكون العقد باتًّا، وألا يكون فيه خيار الشرط؛ لأن القبض في هذا العقد شرط، وخيار الشرط يمنع ثبوت الملك أو تمامه، كما عرفنا.
د - التنجيز في العقد، وألا يكون فيه أجل؛ لأن قبض البدلين مستحق قبل الافتراق، والأجل يؤخر القبض.
فإذا اختل شرط من هذه الشروط، فسد الصرف.
4 - بيع المقايضة: وهو مبادلة مال بمال سوى النقدين، ويشترط لصحته التساوي في التقابض إن اتفقا جنسًا وقدرًا، فيجوز بيع لحم بشاة حية؛ لأنه بيع موزون بما ليس بموزون، وخبز بدقيق متفاضلًا؛ لأنه بيع مكيل بموزون.
ولا يجوز بيع التين الرطب بالتين اليابس إلا تماثلًا، ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق أو البرغل مطلقًا ولو متساويين؛ لانكباس الأخيرين في المكيال أكثر من الأول، أما إذا بيع موزونًا فالتماثل واجب[9].
ثانيًا: تقسيم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن:
ينقسم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن إلى ثلاثة أنواع:
1 - بيع المساومة: هو البيع الذي لا يظهر فيه رأس ماله؛ أي: البيع بدون ذكر ثمنه الأول.
2 - بيع المزايدة: هو أن يعرض البائع سلعته في السوق، ويتزايد المشترون فيها، فتباع لمن يدفع الثمن أكثر.
ويقارب المزايدة الشراء بالمناقصة، وهي أن يعرض المشتري شراء سلعة موصوفة بأوصاف معينة، فيتنافس الباعة في عرض البيع بثمن أقل، ويرسو البيع على من رضي بأقل سعر، ولم يتحدث الفقهاء قديمًا عن مثل هذا البيع، ولكنه يسري عليه ما يسري على المزايدة مع مراعاة التقابل.
3 - بيوع الأمانة: هي التي يحدد فيها الثمن بمثل رأس المال، أو أزيد أو أنقص، وسميت بيوع الأمانة؛ لأنه يؤمن فيها البائع في إخباره برأس المال، وهي ثلاثة أنواع:
أ - بيع المرابحة: وهو بيع السلعة بمثل الثمن الأول الذي اشتراها البائع، مع زيادة ربح معلوم متفق عليه.
ب - بيع التولية: وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به، من غير نقص ولا زيادة.
ج - بيع الوضيعة: وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به، مع وضع (حط) مبلغ معلوم من الثمن؛ أي: بخسارة محددة.
هذا، وفي حالة كون البيع يتم لجزء من المبيع، فإنه يسمى بيع (الاشتراك)، وهو لا يخرج عن الأنواع المتقدمة المذكورة من البيوع[10].
ثالثًا: تقسيم البيع باعتبار طريقة تسليم الثمن:
1 - بيع منجز الثمن: وهو ما يشترط فيه تعجيل الثمن، ويسمى بيع النقد، أو البيع بالثمن الحال.
2 - بيع مؤجل الثمن: وهو ما يشترك فيه تأجيل الثمن.
3 - بيع مؤجل المثمن: وهو مثل بيع السَّلم وبيع الاستصناع.
4 - بيع مؤجل العِوضين: أي بيع الدَّين بالدَّين، وهو ممنوع في الجملة[11].
رابعًا: تقسيم البيع باعتبار الحكم الشرعي:
ينقسم البيع باعتبار الحكم الشرعي إلى أنواع كثيرة، منها:
1 - البيع المنعقد، ويقابله البيع الباطل.
2 - البيع الصحيح، ويقابله البيع الفاسد.
3 - البيع النافذ، ويقابله البيع الموقوف.
4 - البيع اللازم، ويقابله البيع غير اللازم، (ويسمى الجائز أو المخير).
أ - فالبيع اللازم: هو البيع الذي يقع باتًّا إذا عري عن الخيارات، كـ: بعتك هذا الثوب بعشرة قروش، وقبِل المشتري.
ب - والبيع غير اللازم: وهو ما كان فيه إحدى الخيارات، كـ: بعتك هذا الثوب بعشرة قروش، فقال المشتري: قبلت على أني بالخيار ثلاثة أيام.
ج - والبيع الموقوف: ما تعلق به حق الغير؛ كبيع إنسان مال غيره بغير إذنه.
د - أما البيع الصحيح النافذ اللازم: فهو ما كان مشروعًا بأصله ووصفه، ولم يتعلق به حق الغير، ولا خيار فيه، وحكمه أنه يثبت أثره في الحال.
هـ - أما البيع الباطل: فهو ما اختل ركنه أو محله، أو لا يكون مشروعًا بأصله، ولا بوصفه، وحكمه أنه لا يعتبر منعقدًا فعلًا.
و - والبيع الفاسد: هو ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه، كمن عرض له أمر أو وصف غير مشروع، مثل بيع المجهول جهالة تؤدي للنزاع؛ كبيع دار من الدور، أو سيارة من السيارات المملوكة لشخص دون تعيين، وكإبرام صفقتين في صفقة، وحكمه أنه يثبت فيه الملك بالقبض بإذن المالك، صراحة أو دلالة.
الضابط الذي يميز الفاسد عن الباطل:
1 - إذا كان الفساد يرجع للمبيع، فالبيع باطل.
2 - أما إذا كان الفساد يرجع للثمن، فإن البيع يكون فاسدًا؛ أي: إنه ينعقد بقيمة المبيع.
أنواع البيع الباطل:
وهي ستة أنواع كالآتي:
1 - بيع المعدوم.
2 - بيع معجوز التسليم.
3 - بيع الغرر.
4 - بيع النجس والمتنجس.
5 - بيع العربون.
6 - بيع الماء[12].
[1] عبدالرحمن بن محمد عوض الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، دار ابن الهيثم، القاهرة ص 491.
[2] عبدالرحمن بن محمد عوض الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، ص 495.
[3] العلامة علي حيدر، درر الحكام في شرح مجلة الأحكام، دار الجليل بيروت، المجلد الثالث، ص 101.
[4] عبدالرحمن بن محمد عوض الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، ص 495.
[5] العلامة علي حيدر، درر الحكام في شرح مجلة الأحكام، المجلد الثالث، ص 101.
[6] القانون المدني الأردني ( م 465).
[7] عبدالرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، ص 20.
[8] عبدالرحمن بن محمد عوض الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، ص 495 - 501.
[9] عمر عبدالله كامل، القواعد الفقهية الكبرى وأثرها في المعاملات المالية، دار الكتب، القاهرة 2000، ص 365 - 367.
[10] العلامة علي حيدر، درر الحكام في شرح الأحكام، دار الجليل، بيروت ص 101 - 131.
[11] عمر عبدالله كامل، القواعد الفقهية الكبرى وأثرها في المعاملات المالية، ص 369.
[12] عبدالرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، ص 533 - 543.