عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 27-02-2020, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نعم، البخاريُّ ليس إلهًا...

نعم، البخاريُّ ليس إلهًا
يحيى صالح



- ومنهم من اتخذها لغرض دنيوي بحت لينال من حطام الدنيا الفانية، وهذا أيضًا جاهل يبيع دينه بعرض من الدنيا.
- ومنهم الزاهد العابد الصالح الذي فيه غفلة الصالحين ولا يعلم الصحيح من غيره.
- ومنهم أشكال وأصناف لا يعلمها إلا الله، فما لنا ولهم؟
"تلك أمةٌ قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تُسألون عمَّا كانوا يعملون"
ولقد قام العلماء قديمًا وحديثًا بالتصنيف للرد على مزاعم هؤلاء وتفنيدها وبيان عدم صحة أحاديثهم؛ من هؤلاء العلماء الأفذاذ:
شعبة بن الحجاج ويحيى بن معين وعليُّ بن المديني وأحمد ابن حنبل والبخاري والدارقطني والحاكم والبيهقي وابن تيمية وغيرهم...
ثم إنَّ بعض العلماء أفردوا مصنفاتٍ بأكملها لبيان هذه الأباطيل وبيان بطلانها بالتفصيل؛ منهم: محمد بن طاهر المقدسي 507هـ (تذكرة الموضوعات)، الحسين بن إبراهيم الجوزقاني 543 هـ(الموضوعات من الأحاديث المرفوعة)، أبو الفرج ابن الجوزي 597هـ(الموضوعات)، ضياء الدين عمر بن بدر الموصلي 622هـ(المغني عن حفظ الكتاب بقولهم: لم يصح شيء في هذا الباب)، ابن القيم 751هـ(المنار المنيف في الصحيح والضعيف)، السيوطي 911هـ(اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة)، الحافظ ابن عرَّاق 963هـ(تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة)، المحدث علي القاري الهروي 1014هـ (المصنوع في معرفة الحديث الموضوع)، الإمام الشوكاني 1255هـ (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة)، ثم خاتمة السلسلة المباركة محدث الديار الشامية الإمام الألباني (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة).
وبالجملة فلم يترك الأئمة على مرِّ العصور والأزمنة حديثًا مكذوبًا أو غير صحيح إلا وتناولوه بالبحث والتمحيص، غير أنَّ ثمة أحاديث اختلف العلماء في توثيقها وتضعيفها بناءً على توثيقهم وتضعيفهم راويها؛ وهي أحاديث قليلة العدد بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه من توثيق وتضعيف، فهم القوم لا يشقى بهم جليسُهم، ومَن اتَّبع خطاهم فقد رشد ومَن جانب طريقهم فقد ضلَّ وغوى.
وكون الخطباء والوعَّاظ يستشهدون بها فليس العيب إلا فيهم لكونهم لم يأتوا البيوت من أبوابها، فليس العيب في الإمام البخاري يا صاحب العقل!
أمَّا قولك إنها لم يقف لها أحدٌ على أصلٍ ثابت، فمَن هو هذا الذي تعنيه بأنه لم يقف لها.. الخ كلامك؟
هل هو العالم المتخصص أم العاقل من أمثالك؟
أمَّا العالم فقد أوردنا عددًا من العلماء كتبوا فيها ما علموه منها، وأمَّا غيرهم من أدعياء العقل فلا حاجة للدين بهم أصلاً، ولا ضير علينا إن وقفوا عليها أو قعدوا...
أمَّا مسألة بعض الأقاويل التي أتت على لسان أناسٍ ليسوا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم وهي منكورة ولا تثبت وباطلة من جميع جهاتها، فالرد من أوجه:
- هل العقل هو الذي قادك لتقول إنهم ليسوا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أم النقل عن أمثال الإمام البخاري وغيره ممن لا ترضى عن متابعتهم وتوجب –بعقلك المريض- مجافاتهم ونبذ كتبهم؟!
- ثم قولك إنها باطلة من كل وجه؛ فهذا قمنا بالرد عليه فيما سبق من بيان أسماء بعض الكتب المصنفة فيها.
- أمَّا كونها باطلة من كل وجه ولا يصح أن ترد على لسان عاقلٍ، فليس كل حديث صحيح يمكن أن تقبله العقول المريضة؛ بل الشرع موجه لكل ذي عقل سليم وليس المريض، لأنَّ البعض قدح في أحاديث صحيح رأى بعقله المريض أنها تخالف العقل ومن ثَمَّ طعن في صحتها بدلاً من أن يسأل أهل العلم؛ وغيرها كـحديث الذبابة إذا وقعت في الطعام وغيره...
بل إن البعض رفض التسليم بآيات قرآنية لأنها لا توافق العقل بزعمه، فهل نطعن في القرآن أيضًا لأنَّ بعض عديمي العقول لا يرونه موافقًا لعقلهم المفقود؟!
وكيف لنا –بالعقل- يا صاحب العقل التفرقة بين الزواج الصحيح وبين الزنا لمجرد أنَّ الأول به أركان حددها الشرع والثاني افتقد هذه الأركـــان، أ بالعقل أم بالشرع؟
ومن أين لنا –بالعقل- يا صاحب العقل إيجاب الغسل بخروج المني (الطاهر) وإيجاب الوضوء فقط من خروج البول (النجس) إلا بالشرع؟
ثم –من وجه آخر- نفرق بين عدم صحة الحديث وبين الأخذ بمعناه، فليس معنى ضعف الحديث أن نترك معناه إذا كان معناه يوافق مقاصد شرعية أو قواعد كليَّة جاء بها الشرع.
قال: وحتى الصحابة ليسوا أنبياء ولا آلهة ولا مُنزَّهين عن السَّهو والخطأ أو الجهلِ بالشيءِ، بدليل أن أبا بكر الصديق، لم يفقه القول الإلهي (وفاكهة وأبَّا).

نقول: لم يصح هذا عن أبي بكر؛ وإنما صحَّ عن عمر بن الخطاب، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره:

(وهذا محمولٌ على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلاَّ فهو وكلُّ مَن قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض).

وإذا كان عمر بن الخطاب لم يعلم هذا المسؤول عنه فلا ضير عليه؛ إذ لا يعلم كلَّ شيء إلا خالقه...


قال الإمام ابن القيم: والذين حُفِظَتْ عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله مائة ونيف وثلاثون نفسًا ، ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة؛ عمر بن الخطاب وعليُّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر.


وإذا أمكننا أن نطعن في عمر لجهله بهذا المعنى ونترك فتواه وكلامه ومنقوله كلَّه عن النبي-وكذا كل الصحابة مثله- فمَن ذا الذي يروي لنا عن النبي وهو ثقة عندك يا صاحب العقل؟


هل نذهب بأنفسنا ونسمع من النبي أم نترك السنة بالكامل؟

قال: فهل من المعقول أن يروى عبدالله بن عباس «ولد سنة 618 أو 619 ميلادية، وتوفى سنة 68 هـ- 687 ميلادية بالطائف»، حوالى ألفيْ حديث، كلها وردت في صحيحيْ البخاري ومسْلِم، والذى كان عمره عشر سنوات أو أزيد قليلا عندما مات النبي، «يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة»، وهو المولود قبل هجرة الرسول بعامين. مثل هذا وغيره هل يُعدُّ مصدر ثقة لي، إذ لم ير الرسول سوى مرات معدودات؟

نقول: عبد الله بن عباس التشكيك فيه هو تشكيك في كلِّ أصحاب النبي الذين ارتضاهم الله تعالى لصحبة نبيه، وقد قال رسول الله: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، فقد سبق لك التشكيك في علم وفقه عمر بن الخطاب، وها أنت ذا تشكك في عبد الله ابن عباس، ويأتي في كلامك التشكيك في أبي هريرة!


مَن مِن أصحاب النبي ترى أنه ثقة ثم مَن من التابعين تراه يصلح للنقل عن هذا الصحابي الثقة ولماذا هذا الاختيار؟ ثم اخترْ لنا ممن يليهم حتى نصل عصرنا هذا بحديث يخلو من اعتراضٍ عقليٍّ منك يا ذا العقل!


ثم الكلام عن عبد الله بن عباس نقول فيه:


ألـم تعـلم دعـاء النـبي له أن يعـلمه الله التـأويل ويفقهه في الدين؟

ثم نأتي إلى جزئية هامة تكون قاعدة لنا فيما بعد إن شاء الله تعالى؛ وهي:

ليس معنى كلمة (حديث) أن يقول الراوي: حدثنا فلان عن فلان...الخ فقط، ولكنَّ الحديث هو هذا القول بهذا الإسناد عن هؤلاء الرواة ثم يأتي الراوي نفسه فيروي نفس الحديث –بألفاظه أو بمعناه- عن رواة آخرين إلى منتهاه؛ بمعنى أن تتعدد طرق –يعني: أسانيد- الحديث الواحد فتكون اثنين أو أكثر ويكون بهذه الطريقة عدة أحاديث عن نفس الراوي (الصحابي)، وأيضًا ليس لفظ (الحديث) مقتصرًا على وروده النبي وإنما أيضًا يشمل ما يرد عن الصحابة من أقوالهم وأفعالهم، وبهذا يمكن القول إنه صحَّ عن النبي كذا ألف حديث بينما إذا حذفنا المكرر فلن يصل العدد إلى ربع هذا العدد...

وبهذا يمكن فهم كيف أنَّ (صحيح البخاري) به 7275 حديثًا بالمكرر، وبحذف المكرر يكون به 4000 حديثًا.

هذا نقوله للباحث عن الحق، أمَّا الطاعن في أصحاب النبي فلا حاجة لنا بالكلام معهم.

قال: فما يوافق عقلي وروحي وعرفي، ولا أراه من الخرافات والأساطير والمبالغات، سأعمل به وآخذه، أمَّا ما يُخالف ذلك، فسأعرض عنه، وقد ثبت بالفعل أنه غير صحيح، ولم يقل به أو يتبناه.
نقول: وهل تعريف (المسلم) هو أن يأخذ ما يوافق عقله وروحه وعرفه؟ أين نحن من قوله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله، إنَّ الله شديد العقاب"؟!
هل قال لنا: اعرضوه على عقولكم وأرواحكم وأعرافكم؟
فكيف وقد علمنا بالضرورة اختلاف هذه العقول والأرواح والأعراف من شخص لشخص ومن زمن لزمن ومن مكان لآخر؟
فبأيِّ عقل وروح وعرف نأخذ؟
ولماذا نختار عقلاً على عقل أو روحًا على روح أو عرفًا على عرفٍ؟
مـا هي المقـاييـس التي نجــدها في القرآن، ولا نعلم من السنة شيئًا يصح؟!
أم يتحكم كل صاحب عقل في الآخرين بدعوى أن عقله هو الأفضل وكذا صاحب الروح والعرف؟!
أين تكون منَّا إذن سنة الرسول المأمورين بالأخذ بها، وما هو مقياسنا في الأخذ والرد منها؟
وما هو مقياسك يا صاحب العقل في المبالغات والخرافات؟ لا أراه يتفق مع مقياسي أو مقياس غيري، فالذي تراه مبالغًا فيه أراه عين العقل.
وأيُّ عقل يقول لي إنني أعيش في الجنة خالدًا فيها والكافر يعيش في النار خالدًا فيها بينما نعلم علم اليقين أنَّ الفناء نراه بأعيننا يوميًّا؟
وأيُّ عقـل يخبــرني بصفات الله الواجبة الإثبات والصفات الواجبة النفي؟
وأيُّ عقل يخبرني بالملائكة وصفاتهم وكذا سائر المغيبات؟
قال: إذ لم أعتد في حياتي تقديس شخصٍ مثلي يخطئ، ويصيب، حتى إذا قيل إنه فقيهٌ أو إمامٌ.
نقول: ما معنى كلمة (تقديس)؟
إذا كانت بمعنى (تنزيه عن الخطأ)، فهذا لا يكون إلا للأنبياء فقط وليس لغيرهم من البشر تقديس، وإذا كانت بمعنى (الانقياد فيما تخصص فيه وعدم مناقشته) فهذا معنى مطلوب بالضرورة في حياتنا ونراه يوميًّا في كل مناحي الحياة:
ألا ترى أنك تذهب للطبيب وتخضع له في كل ما يقوله وتقوم بتنفيذ أوامره بكل حذافيرها؟
ألا ترى إذا أردت بناء شقة –أو بيتٍ- تحضر مهندسًا متخصصًا وتقوم بتنفيذ كلامه حرفيًّا؟
لا يصلح أصلاً أن يتخصص شخص في شيء ثم يناقشه كلُّ فرد يتعامل معه أو يقول له: اقنعني أو يقول إنَّ كلامه لا فائدة منه وأنا أتحكم مكانه بعقلي، وهذا واضح وضوح الشمس، وإلا فلتتكرم بعلاج نفسك والبناء لنفسك وحياكة ملابسك بنفسك والخبز بنفسك، وهذا لا يمكنك حتى لو كان لديك الوقت والآلات والمواد، وإلا فأنت معاند ومخالف للواقع، وإلا فأيُّ فارق بين التخصص الديني والتخصص الدنيوي، إلا أنَّ التخصص الديني أفضل وأكرم عند الله لأنَّ الخطأ في الدنيا مؤداه على أقصى حدٍّ التسبب في الوفاة التي هي نهاية كل البشر، والخطأ في الدين يمكن بحسب خطورته التسبب في الخلود في النار .

قال: فهل يعقل أن يروي شخص واحد؛ هو أبو هريرة 19 «ق. هـ/ 599 م- 57 هـ/ 676 م» 5374 حديثا، وهو لم يرَ الرسول إلا 11 شهرًا؟


نقول: إنَّ أبا هريرة لم يكن ذا تجارة تشغله ولا صناعة ولا حرفة ولا أرض، وإنما كان من أصحاب الصُّفَّةِ الذين يبيتون في المسجد ويقتاتون مما تجود به أنفس الأكارم من أصحاب النبي عليهم.


وكان سريع الحفظ قويَّ الذاكرة لا تتفلت منه شاردة ولا واردة إلا وعاها، ولم يكن يفارق النبي في سفر ولا حضر.

نعم، لم يكن يكتب وكان اعتماده في الحفظ على ذاكرته تلك التي وهبه الله إياها، والذاكرة القوية أمرٌ يهبه الله مَن شاء من عباده، وعلى مرِّ السنين رأينا وسمعنا العجب العجاب عن أصحاب الذاكرة القوية سواء من أئمة المسلمين أو من أفرادهم أو من الكفار، فالذاكرة القوية هي هبة من الله وهي أيضًا ابتلاء واختبار مثل الصحة والمال والرئاسة وغيرها من أعراض الدنيا.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.36%)]