عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-02-2020, 05:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,789
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المرجئة شبهات وردود





وأمَّا حديث جابر، فأخرجه مسلِمٌ من طريق قيْس بن سُليم العنبري، حدَّثني يزيد الفقير، ثنا جابر، قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ قومًا يَخرجون من النار يحترقون فيها إلا داراتِ الوجوه، حتى يدخلونَ الجنة))[54].








وقد أخرج مسلم قبْلَه من طريق أبي الزُّبَير عن جابر، ولفظه: ((ثم تحلُّ الشفاعة ويشفعون، حتى يخرج مِن النار مَن قال: لا إله إلا الله، وكان في قلْبِه مِن الخير ما يزن شعيرةً، فيُجعلون بفِناء الجنة، ويَجْعل أهلُ الجنة يرشُّون عليهم الماء، حتى ينبتوا نباتَ الشيء في السَّيْل...)).







فحديث أبي هريرة، وحديث جابر مما يُفسِّر حديثَ أبي سعيد، وأنَّ هؤلاء الذين يخرجون مِن النار ممن يُصلُّون؛ لأنهم يُعرَفون بآثار السجود، ودارات الوجوه، وهو موضعُ السجود؛ ولذلك قال ابن نصر المروزي في كتاب "الصلاة" (2/1009): "أفلا ترى أنَّ تارك الصلاة ليس مِن أهل مِلَّة الإسلام، الذين يُرجَى لهم الخروجُ من النار ودخول الجنة بشفاعة الشافعين؟".







وبهذا الحديث استدلَّ ابنُ أبي حمزة أيضًا على أنَّ تارك الصلاة لا يخرج من النار؛ إذ لا علامةَ له - كما في "الفتح" (11/457).








وقال أبو الفَرَج ابنُ رجب في "فتح الباري" (7/ 241): "واستدلَّ بذلك بعضُ من يقول: إنَّ تارك الصلاة كافِر تأكله النار كلَّه، فلا يبقى على حاله حال عُصاةِ الموحِّدين، وهذا فيمَن لم يصلِّ لله صلاة قطُّ ظاهرًا"؛ ا.هـ.




إذ هؤلاء معهم بعضُ العمل؛ لأنَّ الصلاة أعظمُ الأعمال بعد التوحيد.







ومما يفسِّر ما تقدَّم ما جاء في حديث أبي سعيد نفسِه في قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فيكشف عن ساقٍ، فلا يَبْقى مَن كان يسجد لله مِن تلقاء نفسه إلا أَذِن الله له بالسُّجود، ولا يَبْقى من كان يسجد اتقاءً ورِياءً إلا جَعَل الله ظهره طبقةً واحدة، كلَّما أراد أن يسجدَ خرَّ على قفاه)).








وهذا يدلُّ على أنَّ مَن كان لا يسجد لله في الدنيا، لا يستطيع السُّجودَ لله يوم القيامة.







قال العماد ابنُ كثير في تفسير ما سبَق (8/200)؛ أي: قوله - تعالى -: ï´؟يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَï´¾ [القلم: 42]: "أي: في الدار الآخرة بإجْرامهم وتكبُّرهم في الدنيا، فعُوقِبوا بنقيض ما كانوا عليه، ولما دُعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه، مع صِحَّتهم وسلامتهم، كذلك عُوقِبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة، إذا تجلَّى الربُّ - عزَّ وجلَّ - فسجد له المؤمنون، ولا يستطيع أحدٌ من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد؛ بل يعود ظهرُ أحدهم طبقًا واحدًا، كلَّما أراد أحدُهم أن يسجد خرَّ لقفاه، عكس السجود، كما كانوا في الدنيا بخِلاف ما عليه المؤمنون" ا.هـ.








ومما يُفسِّر حديثَ أبي سعيد السابقَ ما رواه البخاري ومسلم مِن حديث نعيم بن عبدالله عن أبي هريرة، قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ أمَّتي يأتون يومَ القيامة غرًّا محجَّلين من أثَر الوضوء، فمَن استطاع منكم أن يُطيلَ غُرَّته فليفعل))[55].








وفي لفظٍ عند مسلم من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة: فقالوا: يا نبيَّ الله أتعرِفُنا؟ قال: ((نعم، لكم سِيما ليستْ لأحد غيركم؛ تَرِدُون عليَّ غرًّا محجَّلين مِن آثار الوضوء))[56].







وكل ما تقدَّم مما يُفسِّر حديثَ أبي سعيد ويُبيِّنه ويقيِّده، لكن قد يُقال: على ماذا يحمل حديث أبي سعيد الخدري؟








فأقول - وبالله التوفيق -:




قال أبو بكر بن خُزَيمة: "هذه اللفظة: ((لم يعملوا خيرًا قطُّ)) من الجِنس الذي يقول العرب يَنفي الاسمَ عن الشيء؛ لنقصه عن الكمال والتمام، فمَعْنى هذه اللفظة على هذا الأصْل: لم يعملوا خيرًا قطُّ على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به"[57] ا.هـ.







"وأنا أذهب إلى ما ذَهَب إليه أبو بكر بن خزيمة إذا كان يقصِد بالكمال هو الكمال الواجب الذي يُذمُّ تاركه، ويستحق العقوبة عليه.








ويشهد لِمَا تقدَّم "الرجل الذي كان في بني إسرائيل وقتَل تسعةً وتسعين نفسًا إلى أن كمَّل المائة، ثم تاب وهاجر إلى أرض فيها أناس يعبدون الله تعالى، فماتَ في الطريق، فاختصمتْ فيه ملائكةُ الرحمة وملائكةُ العذاب، فقالتْ ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مُقبِلاً بقلبه، وقالتْ ملائكة العذاب: إنَّه لم يعملْ خيرًا قطُّ"[58].







والشاهِد من هذا الحديث: أنَّ هذا الرجل لم يتمكَّنْ من عمل غير التوبة وهجرته، ولا شكَّ أنَّ هذه أعمال عظيمة، وهذا يشهد لكلامِ ابن خزيمة السابق أنَّ العرب تَنفي الاسمَ عن الشيء لنقصِه عن الكمال والتمام"[59].








ولقد سُئِل ابن عثيمين - رحمه الله -:




(س297) ما معنى قوله: ((لم يعملوا خيرًا قطُّ))؟



فأجاب - رحمه الله -: "معنى قوله: ((لم يعملوا خيرًا قط)): أنهم ما عمِلوا أعمالاً صالحة، لكن الإيمان قد وقَر في قلوبهم، فإمَّا أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبلَ التمكُّنِ من العمل، وحينئذٍ يصدق عليهم أنَّهم لم يعملوا خيرًا قط.







وإما أن يكون هذا الحديث مقيدًا بمِثْل الأحاديث الدالَّة على أن بعض الأعمال الصالحة ترْكُها كفر كالصلاة مثلاً، فإنَّ من لا يصلِّي فهو كافر، ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله، والكافِر لا تنفعه شفاعةُ الشافعين يومَ القيامة، وهو خالدٌ مخلَّد في النار أبدَ الآبدين - والعياذ بالله.







فالمهم: أنَّ هذا الحديث: إما أن يكون في قوم آمَنوا ولم يتمكَّنوا من العمل، فماتوا فورَ إيمانهم، فما عملوا خيرًا قط، وإما أن يكون هذا عامًّا، لكنَّه يُستثنى منه ما دلَّتِ النصوص الشرعية على أنه لا بدَّ أن يعملَ كالصلاة، فمن لم يصلِّ فهو كافر لا تنفعه الشفاعة، ولا يخرج من النار"[60] ا.هـ.








وباختصار فإنَّ أوجه حمل الحديث هي:




1- أنَّ الحديث مقيَّد برواية أبي هريرة - رضي الله عنه - ((إلا آثار السجود))، ورواية جابر - رضي الله عنه -: ((إلا داراتِ الوجوه))، ويكون لفظ ((لم يعملوا)) لنفي الكمال الواجب.



2- أن يُحمل الحديث على مَن لم يتمكَّنْ من العمل الصالح، لكنَّه قد عمل عملاً مفسِّقًا.







قال صاحب كتاب "توحيد الخلاق في جواب أهل العراق": "وأمَّا إخراج الله مِن النار من لم يعمل خيرًا قط، بل كفى عن العمل وجودُ أدْنى إيمان في قلْبه، وإقرار بالشهادتين في لسانه، فهو إما لعدم تمكُّنِه من أداء ما افترض عليه مِن أرْكان الإسلام؛ بل بمجرَّد أدْنَى إيمان في قلبه، وشهادة بلِسانه خرمتْه المنية، لكنَّه قد عمل عملاً مفسقًا به لوجود ما صدَر منه عالِمًا به، فاستحق دخولَ النار عليه"[61].اهـ.








وأصحُّ الأوجه هو الوجه الأول؛ لأنَّه به تتَّسق النصوص وتتعاضَد ولا تتعارض.








يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]