عرض مشاركة واحدة
  #81  
قديم 19-02-2020, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,388
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



الحديث السادس

132- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما فرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر".

قال البخاري: باب فضل الجمعة [19] وذكر الحديث.

قال الحافظ: ومناسبته للترجمة من جهة ما اقتضاه الحديث من مساواة المبادر إلي الجمعة للمتقرب بالمال فكأنه جمع بين عبادتين بدنية ومالية، وهذه خصوصية للجمعة لم تثبت لغيرها من الصلوات.

قوله: (من اغتسل يوم الجمعة) وفي رواية من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وعبد الرزاق "فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة".

قال الحافظ: (وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر، وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة، والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شيء يراه، وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم، وعليه حمل قائل ذلك حديث: "من غسل واغتسل" المخرج في السنن على رواية من روى غسل بالتشديد)[20].

قوله: (ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة) أي تصدق بها متقربا إلي الله، وفي رواية "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد ويكتبون الأول فالأول فمثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنه ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي كبشا ثم كالذي يهدي دجاجة ثم كالذي يهدي بيضة فإذا خرج الأمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر، والمراد بالبدنة البقر ذكرا كان أم أنثى.

وقال الأزهري: البدنة لا تكون إلا من الإبل، وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم، وقال إمام الحرمين: البدنة من الإبل، ثم الشرع قد يقيم مقامها البقرة وسبعا من الغنم.

وقوله: (راح) أي ذهب وسار وفي رواية عند عبد الرزاق غدا، وفي رواية المتعجل إلي الجمعة كالمهدي بدنة ولأبي داود من حديث علي مرفوعًا: "إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلي الأسواق، وتغدو الملائكة فتجلس على باب المسجد فتكتب الرجل من ساعة والرجل من ساعتين" الحديث.

قال الحافظ: فدل مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب، وقيل: النكتة في التعبير بالرواح الإشارة إلي أن الفعل المقصود إنما يكون بعد الزوال، فيسمى الذاهب إلي الجمعة رائحا وإن لم يجيء وقت الرواح، كما سمي القاصد إلي مكة حاجا. وقد اشتد إنكار أحمد وابن حبيب من المالكية ما نقل عن مالك من كراهية التبكير إلي الجمعة وقال أحمد: هذا خلاف حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. انتهى.

قوله: (في الساعة الأولي) قيل: إن أول التبكير يكون من ارتفاع النهار وهو أول الضحى وقيل أول التبكير طلوع الشمس.

والمراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول والقصر فالنهار اثنتا عثرة ساعة لكن يزيد كل منها وينقص والليل كذلك، وهذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات وهي غير الساعات التعديلية المعروفة الآن.

قال الحافظ: (وقد روى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعًا: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة" وهذا وإن لم يرد في حديث التبكير فيستأنس به في المراد بالساعات، وقيل المراد بالساعات بيان مراتب المبكرين من أول النهار إلي الزوال وأنها تنقسم إلي خمس، وقال أيضا ليس في شيء من طرق هذا الحديث ذكر الإتيان من أول النهار، فلعل الساعة الأولى منه جعلت للتأهب بالاغتسال وغيره، ويكون مبدأ المجيء من أول الثانية فهي أولى بالنسبة للمجيء ثانية بالنسبة للنهار، وعلى هذا فآخر الخامسة أول الزوال فيرتفع الإشكال) ا هـ.

وقد وقع في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي من طريق الليث عنه زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور.

قوله: (إذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) والمراد به ما في الخطبة من المواعظ وغيرها ولمسلم فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤا يستمعون الذكر.

قال الحافظ: (ووقع في حديث ابن عمر صفة الصحف المذكورة أخرجه أبو نعيم في الحليلة مرفوعًا بلفظ: "إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور وأقلام من نور" الحديث، وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة، والمراد بطي الصحف طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلي الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعا، ورقع في رواية ابن عيينة عن الزهري في آخر حديثه عند ابن ماجه: "فمن جاء بعد ذلك فإنما يجيء لحق الصلاة" قال وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله، وفضل التبكير إليه، وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما، وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم، وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع، وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق في الهدي، واختلف في الضحايا والجمهور على أنها كذلك)[21]. انتهى.

تتمة:
عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا آتاه إياها، والتمسوها آخر ساعة بعد العصر". رواه النسائي وأبو داود.

وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول في ساعة الجمعة: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة" رواه مسلم وأبو داود.

فال أحمد: أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى لها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر ويرجي بعد زوال الشمس.

وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره" رواه أحمد والترمذي وصححه.

وعن وهب بن حذيفة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "الرجل أحق بمجلسه وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه" رواه أحمد والترمذي وصححه. وبالله التوفيق.

الحديث السابع

133- عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- وكان من أصحاب الشجرة- قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به.

وفي لفظ: كنا نجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع فنتتبع الفيء.

قوله: (عن سلمة بن الأكوع: وكان من أصحاب الشجرة- رضي الله عنه-)، أورده البخاري في باب غزوة الحديبية ولفظه: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الجمعة، ثم ننصرف. وليس للحيطان ظل نستظل به.

وقال البخاري: باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس[22]، وكذلك يروى عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث - رضي الله عنه- وذكر حديث عائشة- رضي الله عنها- كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلي الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم، وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه- "أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس".

قال الحافظ: (باب وقت الجمعة أي أوله إذا زالت الشمس، جزم بهذه المسألة مع وقوع الخلاف فيها لضعف دليل المخالف عنده، قال واستدل البخاري بقوله: "راحوا" على أن ذلك كان بعد الزوال لأنه حقيقة الرواح ولا يعارض هذا ما تقدم عن الأزهري أن المراد بالرواح في قوله: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح " الذهاب مطلقا لأنه إما أن يكون مجازا أو مشتركا، وعلى كل من التقديرين فالقرينة مخصصه وهي في قوله: "من راح في الساعة الأولى" قائمة في إرادة مطلق الذهاب، وفي هذا قائمة في الذهاب بعد الزوال لما جاء في حديث عائشة المذكور حيث قالت: "يصيبهم الغبار والعرق" لأن ذلك غالبا إنما يكون بعد ما يشتد الحر، وهذا في حال مجيئهم من العوالي، فالظاهر أنهم لا يصلون إلي المسجد إلا حين الزوال أو قريبا من ذلك، وعرف بهذا توجيه إيراد حديث عائشة في هذا الباب- إلى أن قال- قوله: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس" فيه إشعار بمواظبته - صلى الله عليه وسلم- على صلاة الجمعة إذا زالت الشص. أما رواية حميد التي بعد هذا عن أنس "كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة" فظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار، لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض، وقد تقرر فيما تقدم أن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا، والمعنى أنهم كانوا يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإيراد [23] انتهى.

وقال البخاري أيضاً: باب قول الله تعالى: ï´؟ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ï´¾ [الجمعة: 10] وذكر حديث سهل بن سعد قال كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها فتكون أصول السلق عرقه وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك " وفي رواية" ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة[24].

قال الحافظ: (واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وترجم عليه ابن أبي شيبة: "باب من كان يقول الجمعة أول النهار" وأورد فيه حديث سهل هذا وحديث أنس وعن ابن عمر مثله وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود مثله من قولهم.

قال الحافظ: وتعقب بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال، بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقائلة بالتهيؤ للجمعة ثم بالصلاة، ثم ينصرفون فيتداركون ذلك. بل ادعى الزين بن المنير أنه يؤخذ منه أن الجمعة تكون بعد الزوال لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلون بالتهيؤ للجمعة عن القائلة ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة)[25].

قال النووي: (قوله في حديث جابر: (كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم نرجع فنريح نواضحنا) وفسر الوقت بزوال الشمس. وفي الرواية الأخرى: (حين تزول الشمس)، وفي حديث سهل: (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) وفي حديث سلمة: (كنا نجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء) وفي رواية: (ما نجد للحيطان فيئا نستظل به). هذه الأحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة، وقد قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق، فجوزاها قبل الزوال، قال القاضي: وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شيء إلا ما عليه الجمهور، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلي ما بعد صلاة الجمعة، لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها. فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها.

وقوله: (نتبع الفيء)، إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر حيطانه، وفيه تصريح بأنه كان قد صار فيء يسير، وقوله: وما نجد فيئا نستظل به، موافق لهذا فإنه لم ينف الفيء من أصله وإنما نفى ما يستظل به وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به [26] انتهى.

قال الموفق: (مسالة: وإذا زالت الشمس يوم الجمعة صعد الإمام المنبر.
مسألة: قال: وإذا زالت الشمس يوم الجمعة صعد الإمام المنبر.

المستحب إقامة الجمعة بعد الزوال لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك قال سلمة بن الأكوع: "كنا نجمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفيء" متفق عليه وعن أنس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس" أخرجه البخاري.

ولأن في ذلك خروجا عن الخلاف فإن علماء الأمة اتفقوا على أن ما بعد الزوال وقت للجمعة وإنما الخلاف فيما قبله ولا فرق في استحباب إقامتها نقيب الزوال بين شدة الحر وبين غيره فإن الجمعة يجتمع لها الناس فلو انتظروا الإيراد شق عليهم، وكذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يفعلها إذا زالت الشمس في الشتاء والصيف على ميقات واحد)[27].

قال في الاختيارات: (وتجب الجمعة على من أقام في غير بناء كالخيام وبيوت الشعر ونحوها وهو أحد قولي الشافعي وحكاه الأزجي رواية عن أحمد ونقل ابن النظر العجلي عن أحمد ليس على أهل البادية جمعة لأنهم ينتقلون فأسقطها عنهم وعلل بأنهم غير مستوطنين.

وقال أبو العباس في موضع آخر: يشترط مع إقامتهم في الخيام ونحوها أن يكونوا يزرعون كما يزرع أهل القرية ويحتمل أن تلزم الجمعة مسافرا له القصر تبعا للمقيمين، وتنعقد الجمعة بثلاثة: واحد يخطب واثنان يستمعان وهو إحدى الروايات عن أحمد وقول طائفة من العلماء وقد يقال بوجوبها على الأربعين لأنه لم يثبت وجوبها على من دونهم، وتصح ممن دونهم لأنه انتقال إلي أعلى الفرضين: كالمريض بخلاف المسافر فإن فرضه ركعتان، ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود ويجب في الخطبة أن يشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوجب أبو العباس في موضع آخر الشهادتين وتردد في وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم- في الخطبة.

وقال في موضع آخر: ويحتمل وهو الأشبه أن تجب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم- فيها ولا تجب مفردة لقول عمر وعلي: الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك - صلى الله عليه وسلم- وتقدم الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم- على الدعاء لوجوب تقديمه على النفس، وأما الأمر بتقوى الله فواجب، أما معنى ذلك وهو الأشبه من أن يقال الواجب لفظ التقوى، ومن أوجب لفظ التقوى فقد يحتج بأنها جاءت بهذا اللفظ في قوله تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ï´¾ [النساء: 131] وليست كلمة أجمع لما أمر الله من كلمة التقوى، قال الإمام أحمد في قوله تعالى: ï´؟ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 204] أجمع الناس أنها نزلت في الصلاة.

وقد قيل في الخطبة: والصحيح أنها نزلت في ذلك كله، وظاهر كلام أبي العباس أنها تدل على وجوب الاستماع، وصرح بأنها تدل على وجوب القراءة في الخطبة لأن كلمة إذا إنما تقولها العرب فيما لا بد من وقوعه لا فيما يحتمل الوقوع وعدمه لأن إذا ظرف لما يستقبل من الزمان يتضمن معنى الشرط غالبا والظرف للفعل لابد أن يشتمل على الفعل وإلا لم يكن ظرفا.

وقال: رفع الصوت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم- قدام بعض الخطباء مكروه أو محرم اتفاقا لكن منهم من يقول: يصلي عليه سرا، ومنهم من يقول: يسكت، ودعاء الإمام بعد صعوده لا أصل له، ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة وهو أصح الوجهين لأصحابنا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما كان يشير بأصبعه إذا ودعا وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استشفى على المنبر.

ويقرأ في أولى فجر الجمعة آلم السجدة وفي الثانية ï´؟ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ï´¾ [الإنسان: 1] ويكره مداومته عليهما وهو منصوص أحمد وغيره، ويكره تحري سجدة غيرها والسنة إكمال السجدة وï´؟ هَلْ أَتَى ï´¾ وصلاة الركعتين قبل الجمعة حسنة مشروعة ولا يداوم عليها إلا لمصلحة ويحرم تخطي رقاب الناس.

وقال أبو العباس في موضع آخر: ليس لأحد أن يتخطى الناس ليدخل في الصف إذا لم يكن بين يديه فرجة لا يوم الجمعة ولا غيره لأن هذا من الظلم والتعدي لحدود الله تعالى، وإذا فرش مصلى ولم يجلس عليه ليس له ذلك ولغيره رفعه في أظهر قولي العلماء وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزى بالعيد وصلى ظهرا جاز إلا للإمام، وهو مذهب أحمد.

وأما القصاص الذين يقومون على رؤوس الناس ثم يسألون فهؤلاء منعهم من أهم الأمور فإنهم يكذبون ويتخطون الناس ويشغلون الناس يشغلون عما يشرع في الصلاة والقراءة والدعاء لاسيما إن قصوا أو سألوا والإمام يخطب فإن هذا من المنكرات الشنيعة التي ينبغي إزالتها باتفاق الأئمة، ينبغي لولاة الأمور أن يمنعوا من هذه المنكرات كلها فإنهم متصدون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)[28].

تكملة:
وروي البيهقي من طريق الوليد بن مسلم سألت الليث بن سعد فقال: كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة، فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة. وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب عليهم.

وعن طارق بن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض". رواه أبو داود وقال طارق بن شهاب قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يسمع منه شيئا[29].

قال الموفق في "المقنع": ولا تجب على مسافر ولا عبد ولا امرأة ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به ولم يجز له أن يؤم فيها.

وقال: (وقال أبو حنيفة والشافعي يجوز أن يكون العبد والمسافر إماما فيها ووافقهم مالك في المسافر، وحكي عن أبي حنيفة أن الجمعة تصح بالعبيد والمسافرين لأنهم رجال تصح منهم الجمعة)[30].

وقال ابن مفلح: (وتجوز في أكثر من موضع لحاجة كخوف فتنة أو بعد أو ضيق لئلا تفوت حكمة تجميع الخلق الكثير دائما.

وقال أيضاً: وأن غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيه الجمعة فنص أحمد يجوز اتباعهم قاله ابن عقيل)[31] انتهى.

تنبيه:
محل ذلك إذا أمن وقوع المفسدة من تشاحن وتباغض، وغير ذلك.

الحديث الثامن

134- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: ï´؟ آلم * تنزيل ï´¾ والسجدة، وï´؟ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ï´¾.

قال البخاري: باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة وذكر الحديث وفي رواية عند مسلم لم تنزيل في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية هل أتى على الإنسان[32].

قال الحافظ: (وفيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته - صلى الله عليه وسلم- على ذلك أو إكثاره منه، بل ورد من حديث ابن مسعود التصريح بمداومته - صلى الله عليه وسلم- على ذلك، يديم ذلك، وكأن ابن دقيق العيد لم يقف عليه فقال في الكلام على حديث الباب: ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائما اقتضاء قويا، وهو كما قال بالنسبة لحديث الباب، فإن الصيغة ليست نصا في المداومة لكن الزيادة التي ذكرناها نص في ذلك إلى أن قال وقد اختلف تعليل المالكية بكراهة قراءة السجدة في الصلاة، فقيل لكونها تشتمل على زيادة سجود في الفرض، قال القرطبي: وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث. وقيل لخشية التخليط على المصلين، ومن ثم فرق بعضهم بين الجهرية والسرية لأن الجهرية يؤمن معها التخليط، لكن صح من حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم- قرأ سورة فيها سجدة في صلاة الظهر فسجد بهم فيها، أخرجه أبو داود والحاكم، فبطلت التفرقة. ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض، قال ابن دقيق العيد: أما القول بالكراهة مطلقا فيأباه الحديث، لكن إذا انتهى الحال إلي وقوع هذه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانا لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات، وقيل: إن الحكمة في هاتين السورتين الإشارة إلي ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة، لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة)[33].

كما في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.

وعن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يقولون قد بليت، قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. رواه الخمسة إلا الترمذي.

وعن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح ألم تنزيل وهل أتى على الإنسان وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.

عن النعمان بن بشير قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة ï´؟ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ï´¾ [الأعلى: 1] ï´؟ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ï´¾ [الغاشية: 1] قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين. رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه.

تتمة:
قال في الاختيارات: (قال أبو العباس: والذي تبين لي أن سجود التلاوة واجب مطلقا في الصلاة وغيرها وهو رواية عن أحمد ومذهب طائفة من العلماء ولا يشرع فيه تحريم ولا تحليل هذا هو السنة المعروفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعليها عامة السلف. وعلى هذا فليس هو صلاة فلا يشترط له شروط الصلاة بل يجوز على غير طهارة كما كان ابن عمر يسجد على غير طهارة واختاره البخاري لكن السجود بشروط الصلاة أفضل ولا ينبغي أن يخل بذلك إلا لعذر فالسجود بلا طهارة خير من الإخلال به لكن قد يقال أنه لا يجب في هذه الحال.

كما لا يجب على السامع ولا على من لم يسجد قارئة، وإن كان ذلك السجود جائزا عند جمهور العلماء، والأفضل أن يسجد عن قيام وقاله طائفة من أصحاب أحمد والشافعي.

وسجود الشكر لا يفتقر إلي طهارة: كسجود التلاوة ووافق أبو العباس على سجود السهو في اشتراط الطهارة.

ولو أراد الإنسان الدعاء فعفر وجهه لله في التراب وسجد له ليدعوه فهذا سجود لأجل الدعاء ولا شيء يمنعه وابن عباس سجد سجودا مجردا لما جاء نعي بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال - صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم آية فاسجدوا" وهذا يدل على أن السجود يشرع عند الآيات فالمكروه هو السجود بلا سبب ومن البدع أن من صلى الصبح أو غيرها من الصلوات سجد بعد فراغه منها وقبل الأرض وذكر غير واحد من العلماء أن هذا السجود من المنكرات، وأما تقبيل الأرض ونحو ذلك مما فيه السجود مما يفعل قدام بعض الشيوخ وبعض الملوك فلا يجوز بل لا يجوز الانحناء كالركوع أما إذا أكره على ذلك بحيث أنه لو لم يفعله يحصل له ضرر فلا بأس وأما إن فعله لنيل الرياسة والمال فحرام)[34] انتهى والله الموفق.


[1] فتح الباري: (2/ 399).

[2] فتح الباري: (2/ 486).

[3] فتح الباري: (1/ 487).

[4] فتح الباري: (2/ 399).

[5] المغني: (3/ 453).

[6] فتح الباري: (2/ 356).

[7] فتح الباري: (2/ 357).

[8] فتح الباري: (2/ 358، 361).

[9] فتح الباري: (2/ 407، 408).

[10] فتح الباري: (2/ 411، 412).

[11] فتح الباري: (2/ 401).

[12] إحكام الأحكام: (1/ 334).

[13] فتح الباري: (2/401).

[14] شرح النووي على مسلم: (6/149).

[15] إحكام الأحكام: (1/ 334).

[16] فتح الباري: (2/ 406).

[17] فتح الباري: (2/ 413).

[18] فتح الباري: (3/ 346).

[19] فتح الباري: (2/ 366).

[20] فتح الباري: (2/ 366).

[21] فتح الباري: (2/368).

[22] فتح الباري: (2/ 386).

[23] فتح الباري: (2/ 387).

[24] فتح الباري: (2/ 327).

[25] فتح الباري: (2/ 428).

[26] شرح النووي على مسلم: (3/230).

[27] المغني: (2/144).

[28] الفتاوى الكبرى: (5/ 354).

[29] سنن أبى داود: (1/ 412).

[30] المغني: (2/195).

[31] الفروع: (2/82).


[32] فتح الباري: (2/ 377).

[33] فتح الباري: (3/ 295).

[34] الفتاوى الكبرى: (5/ 340).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]