عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18-02-2020, 02:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك


باب الذكر عقب الصلاة


الحديث الأول

121- عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رفع الصوت بالذكر، حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله.

قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.

وفي لفظ: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير.

قال البخاري: باب الذكر بعد الصلاة[1].

قال الحافظ: أورد فيه أولاً حديث ابن عباس من وجهين.

قوله: (أن رفع الصوت بالذكر، حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

قال الحافظ: فيه أن مثل هذا عند البخاري يحكم له بالرفع خلافا لمن شذ ومع ذلك، وقد وافقه مسلم والجمهور على ذلك، وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة.

قوله: (قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) أي: كنت أعلم بسماع الذكر انصرافهم.

قال الحافظ: فيه إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظن الغالب.

وفي لفظ: (ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالتكبير) وفي رواية: "كنت أعرف انقضاء صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير".

قال الحافظ: واختلف في كون ابن عباس قال ذلك.

فقال عياض: الظاهر أنه لم يكن يحضر الجماعة لأنه كان صغيرا ممن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به، فكان يعرف انقضاء الصلاة بما ذكر.

وقال غيره: يحتمل أن يكون حاضرا في أواخر الصفوف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير.

وقال ابن دقيق العيد: يؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد). انتهي.

وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أنصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". رواه مسلم.

عن عبدالله بن الزبير- رضي الله عنهما - أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن دبر كل صلاة. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي)[2]. وبالله التوفيق.


الحديث الثاني

122- عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة من كتاب إلى معاوية: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شربك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" ثم وفدت بعد ذلك على معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك.

وفي لفظ: "كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال وكان ينهى عن عقوق الأمهات ووأد البنات، ومن وهات".

قوله: (أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية) وفي رواية قال: "كتب معاوية إلى المغيرة أكتب إلي ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول خلف الصلاة".

قال الحافظ: (كان المغيرة إذ ذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية، قال واستدل به على العمل بالمكاتبة وإجرائها مجرى السماع في الرواية ولو لم تقترن بالإجازة. وعلى الاعتماد على خبر الشخص الواحد.

قوله: (له الملك وله الحمد) زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة: "يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير- إلى- قدير" ورواته موثقون.

قوله: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد" قال الخطابي: الجد الغني، ويقال: الحظ، وفي الصحاح: معنى "منك" هنا عندك، أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه، إنما ينفعه العمل الصالح.

والجد مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم.

قال النووي: الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه بالفتح وهو الحظ في الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان، والمعنى لا ينجيه حظه منك، وإنما ينجيه فضلك برحمتك.

قال الحافظ: وفي الحديث استحباب هذا الذكر عقب الصلوات لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد ونسبة الأفعال إلا الله والمنع والإعطاء وتمام القدرة، وفيه المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها.


فائدة:
اشتهر على الألسنة في الذكر المذكور زيادة: "ولا راد لما قضيت" وهي في مسند عبد بن حميد من رواية معمر عن عبد الملك بن عمير بهذا الإسناد، لكن حذف قوله: "ولا معطي لما منعت" ووقع عند الطبراني تاما من وجه آخر ووقع عند أحمد والنسائي وابن خزيمة من طريق هشيم عن عبد الملك أنه كان يقول الذكر المذكور أو لا ثلاث مرات)[3] انتهي.

قوله: (وفي لفظ: كان ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال) وفي رواية: وكره[4].

أشار ابن دقيق العيد إلي ترجيح الأول.

فائدة:
وقال المحب الطبري: في قيل وقال ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهما مصدران للقول، تقول قلت قولا وقيلا وقالا والمراد في الأحاديث الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام لأنها تؤول إلي الخطأ، قال: وإنما كرره للمبالغة في الزجر عنه.

ثانيها: إرادة حكاية أقاويل الناس والبحث عنها ليخبر عنها فيقول: قال فلان كذا وقيل كذا، والنهي عنه إما للزجر عن الاستكثار منه، وإما لشيء مخصوص منه وهو ما يكرهه المحكي عنه.

ثالثها: أن ذلك في حكاية الاختلاف في أمور الدين كقوله: قال فلان كذا وقال فلان كذا، ومحل كراهة ذلك أن يكثر من ذلك بحيث لا يؤمن مع الإكثار من الزلل وهو مخصوص بمن ينقل ذلك من غير تثبت، ولكن يقلد من سمعه ولا يحتاط له.

قلت: ويؤيد ذلك الحديث الصحيح "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع" أخرجه مسلم.

قوله: (وإضاعة المال) حمله الأكثر على الإسراف في الإنفاق، وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام.

قال الحافظ: (والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعا سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياما لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح، إما في حق مضيعها وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقا أخرويا أهم منه.

والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه:
الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعا فلا شك في منعمة والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعا فلا شك في كونه مطلوبا بالشرط المذكور، والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس، فهذا ينقسم إلي قسمين: أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله، فهذا ليس بإسراف. والثاني: ما لا يليق به عرفا، وهو ينقسم أيضا إلي قسمين: أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة فهذا ليس بإسراف، والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك فالجمهور على أنه إسراف، إلا أن قال والذي يترجح أنه ليس مذموما لذاته، لكنه يفضي غالبا إلي ارتكاب المحذور كسؤال الناس، وما أدى إلى المحذور فهو محذور، وقال التصدق بجميع المال وإن ذلك يجوز لمن عرف من نفسه الصبر على المضايقة، وجزم الباجي من المالكية بمنع استيعاب جميع المال بالصدقة قال: ويكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا، ولا بأس به إذا وقع نادرا لحادث يحدث كضيف أو عيد أو وليمة. ومما لا خلاف في كراهته مجاوزة الحد في الإنفاق على البناء زيادة على قدر الحاجة، ولاسيما إن أضاف إلي ذلك المبالغة في الزخرفة ومنه احتمال الغبن الفاحش في البياعات بغير سبب. وأما إضاعة المال في المعصية فلا يختص بارتكاب الفواحش، بل يدخل فيها سوء القيام على الرقيق والبهائم حتى يهلكوا، ودفع مال من لم يؤنس منه الرشد إليه، وقسمه مالا ينتفع بجزئه كالجوهرة النفيسة. وقال السبكي الكبير في "الحلبيات": الضابط في إضاعة المال أن لا يكون لغرض ديني ولا دنيوي، فإن انتفيا حرم قطعا، وإن وجد أحدهما وجودا له بال وكان الإنفاق لائقا بالحال ولا معصية فيه جاز قطعا. وبين الرتبتين وسائط كثيرة لا تدخل تحت ضابط. فعلى المفتي أن يرى فيما تيسر منها رأيه، وأما ما لا يتيسر فقد تعرض له. فالإنفاق في المعصية حرام كله، ولا نظر إلى ما يحصل في مطلوبة من قضاء شهوة ولذة حسنة، وأما إنفاقه في الملاذ المباحة فهو موضع الاختلاف، فظاهر قوله تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ï´¾ [الفرقان: 67]، أن الزائد الذي لا يليق بحال المنفق إسراف. ثم قال: ومن بذل مالا كثيرا في غرض يسير تافه عده العقلاء مضيعا، بخلاف عكسه"[5] والله أعلم.

قوله: (وكثرة السؤال) أي سؤال المال أو السؤال عن المشكلات والمعضلات أو أعم من ذلك.

قال الحافظ: (والأولى حمله على العموم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكره المسئول غالبا. وقد ثبت النهي عن الأغلوطات أخرجه أبو داود من حديث معاوية. وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ)[6].

قوله: (وكان ينهى عن عقوق الأمهات ووأد البنات ومن وهات).

ذكره البخاري في باب عقوق الوالدين من الكبائر ولفظه: عن مراد عن المغيرة بن شعبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" وحكمة اختصاص الأم بالذكر، إظهاراً لعظم حقها والعقوق محرم في حق الوالدين جميعا[7].

وفي الحديث المتفق عليه: أن رجلا قال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك".

قال ابن بطال: (مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، قال: وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية. وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ï´؟ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ï´¾ [لقمان: 14]، فسوى بينهما في الوصاية وخص الأم بالأمور الثلاثة)[8].

قوله: (ووأد البنات).

قال الحافظ: (هو دفن البنات بالحياة، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن، ويقال إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي، وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها، فآلي قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية، فتبعه العرب في ذلك، وكان من العرب فريق ثان يقتلون أولادهم مطلقا، إما نفاسة منه على ما ينقصه من ماله، وإما من عدم ما ينفقه عليه، وقد ذكر الله أمرهم في القرآن في عدة آيات، وكان صعصعة بن ناجية التميمي أيضا وهو جد الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة أول من فدى الموءودة، وذلك أنه كان يعمد إلى من يريد أن يفعل ذلك فيفدي الولد منه بمال يتفقان عليه، وإلى ذلك أشار الفرزدق بقوله:
وجدي الذي منع الوائدات
وأحيا الوئيد فلم يوأد


وهذا محمول على الفريق الثاني، وقد بقي كل من قيس وصعصعة إلى أن أدركا الإسلام ولهما صحبة، وإنما خص البنات بالذكر لأنه كان الغالب من فعلهم، لأن الذكور مظنة القدرة على الاكتساب. وكانوا في صفة الوأد على طريقين: أحدهما أن يأمر امرأته إذا قرب وضعها أن تطلق بجانب حفيرة، فإذا وضعت ذكرا أبقته وإذا وضعت أنثى طرحتها في الحفيرة، وهذا أليق بالفريق الأول. ومنهم من كان إذا صارت البنت سداسية قال لأمها: طيبيها وزينيها لأزور بها أقاربها، ثم يبعد بها في الصحراء حتى يأتي البئر فيقول لها انظري فيها ويدفعها من خلفها ويطمها، وهذا اللائق بالفريق الثاني)[9] والله أعلم.

وقوله: (ومنع وهات).

قال الخليل: أصل هات آت فقلبت الألف هاء. والحاصل من النهي منع ما أمر بإعطائه وطلب ما لا يستحق أخذه، قال الطيبي: هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة)[10] وبالله التوفيق.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]