عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 17-02-2020, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,100
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية

حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (5/6)
محمد بن عبدالله السريِّع



• وتناقش الأدلة بما يلي:
1- أن الحديث وإن لم يثبت مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن قول الصحابي محتجٌّ به -كما سبق-.

2- أنه يمكن الإجابة على معارضة حديث عائشة -رضي الله عنها- بما سبقت الإجابة عليه في مناقشة أدلة القول الثاني.

3- ونوقش القياس بوجهين:
أحدهما: أنه مصادم للنص[46].

ثانيهما: ((أن تحريم النساء والطيب واللباس أمرٌ يختص بالإحرام؛ لا يتعلق بالضحية، وأما تقليم الظفر وأخذ الشعر؛ فإنه من تمام التعبد بالأضحية...))[47].

ويجاب عن الوجه الأول: بعدم ثبوت النص المخالف للقياس مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

الترجيح:
يظهر من العرض السابق سعة الخلاف في المسألة، وتقارُب أقوالها وأدلتها.

إلا أنه يترجح -والله تعالى أعلم- القول الأول، وهو تحريم الأخذ من الشعر والأظفار في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي.

وسبب ذلك: ثبوت النهي منسوبًا إلى الصحابة -رضي الله عنهم-، ونُصَّ منهم على أم سلمة -رضي الله عنها-، وسلامة ذلك من المعارِض.

ولا يؤثر فيه التعارض -في الظاهر- بينه وبين حديث عائشة -رضي الله عنها-؛ فإنه يُجمع بينهما بالوجه السالم من الاعتراض من أوجه الجمع، وهو: أن حديث عائشة -رضي الله عنها- عام، وحديث أم سلمة -رضي الله عنها- خاص.

وإنما أرادت عائشة -رضي الله عنها- نفيَ كون باعث الهدي مُحرِمًا؛ يَحرُم عليه ما يَحرُم على المُحرِمين؛ من الجماع والطيب واللباس ونحوِ ذلك من محظورات الإحرام الظاهرة، وذلك أن سبب الحديث: أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة -رضي الله عنها-: إن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: ((من أهدى هديًا حَرُم عليه ما يَحرُم على الحاج، حتى يُنحَر هديُه))، فقالت عائشة: ((ليس كما قال ابن عباس؛ أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديه، ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ أحله الله له حتى نُحِرَ الهدي))[48].

وهذا ما تضمَّنه قول ابن التين حين أجاب بأن ((عائشة إنما أنكرت أن يصير مَنْ يبعث هديَه مُحرِمًا بمجرد بَعثه، ولم تتعرض على ما يستحب في العشر خاصةً من اجتناب إزالة الشعر والظفر))؛ نقله وقال بمعناه ابن حجر[49].

وقال ابن القيم: ((وأما حديث عائشة؛ فهو إنما يدلُّ على أن مَنْ بعث بهديه وأقام في أهله؛ فإنه يُقيم حلالاً، ولا يكون مُحرِمًا بإرسال الهدي، ردًّا على مَنْ قال مِن السلف: (يكون بذلك مُحرمًا)، ولهذا رَوَت عائشة لما حُكي لها هذا الحديثَ))[50].

وقول أم سلمة يخصِّص عموم نفي عائشة -رضي الله عنهما-، ويبيِّن أنه يُستثنى منه: حلق الشعر، وقص الأظفار، ومن ثم يتوافق المُحرِم ومريد الأضحية في ذلك.

هذا مع أنه يحتمل أن عائشة أرادت ما يباشرها النبي -صلى الله عليه وسلم- به، وما يفعله دائمًا، كاللباس والطيب، دون ما يفعله نادرًا؛ كقص الشعر، وقلم الأظفار، مما لا يفعله في الأيام إلا مرة، وقد سبق هذا في الإجابة عن أدلة القول الثاني.

ولا يسلم للقولَين الآخرين دليلٌ قوي، والله أعلم.

تنبيه:
اشترط بعض القائلين بالاستحباب للحكم بذلك: شراء الأضحية وتعيينها.

وهو قول يحيى بن يعمر -كما سبق في رواية قتادة عن سعيد بن المسيب-، وبعض الشافعية[51].

وعليه: فإنه يترك شعره وأظفاره في العشر إن اشترى الأضحية قبلها، وفي بقية العشر إن اشتراها بعدما مضى بعضُها، ولا يلزمه الترك في العشر حتى يشتري الأضحية.

وقد ورد هذا الشرط في روايتين للحديث عن سعيد بن المسيب:
إحداهما: رواية قتادة عنه، وهي الموقوفة عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الرواية كان الأصل فيها حكاية قول يحيى بن يعمر، ووافق سعيد بن المسيب على ذلك، وعزاه إلى الصحابة، إلا أنه يحتمل أن سعيدًا أراد جملة الحكم، دون دقيق تفاصيله، وهذا يدل عليه رواياته الأخرى للحديث وأقواله التي لا يذكر فيها التسمية والتعيين.

الرواية الثانية: رواية عبدالله بن محمد بن عقيل عن سعيد، وقد سبق بيان ضعفها.

والأصح: عدم اشتراط ما سبق؛ لعدم وروده في طرق الحديث الصحيحة، وإنما صحَّ تعليق الحكم بإرادة التضحية فقط، قال ابن رشد: ((وفي حديث أم سلمة المنعُ من حلق الشعر وقص الأظفار لمن أراد أن يضحي في العشر؛ اشترى أضحيةً أو لم يشترها، وكان واجدًا لها))[52].

وأبعد من اشتراط شراء الأضحية: القول بأن ترك الأخذ من الشعر والأظفار لا يجب عليه إلا بشراء الأضحية في عشر ذي الحجة منذ اشتراها، وإن اشتراها قبل ذي الحجة لم يكن به بأس.

وهو قول الأوزاعي[53]، ولا يظهر أن الأدلة تؤيده.

والله أعلم.



يتلوه -إن شاء الله-: بقية المسائل المستنبطة من الحديث: الفقهية، والأصولية، والفوائد والحِكَم، وخاتمة الدراسة.


[1] تهذيب اللغة (11/245).

[2] الصحاح (2/590).

[3] الشرح الممتع، لابن عثيمين (7/488).

[4] تهذيب اللغة (4/271).

[5] تهذيب اللغة (4/271).

[6] معالم السنن (2/227).

[7] الصحاح (1/362).

[8] النهاية (2/153).

[9] شرحه على مسلم (13/139).

[10] أخرجه أبو داود (1981).

[11] غريب الحديث (3/140).

[12] الصحاح (1/302).

[13] معجم مقاييس اللغة (4/28).

[14] النهاية (1/207).

[15] فتح المغيث (3/346).

[16] انظر: معرفة علوم الحديث، للحاكم (ص112-119)، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب (1/123).

[17] مراتب الإجماع (ص154).

[18] بداية المجتهد (2/192). وأغرب إبراهيم الحلبي؛ فقال بعد أن ساق الحديث -في شرح منية المصلي؛ كما نقل ابن عابدين في الدر المختار (2/181)-: ((فهذا محمولٌ على الندب دون الوجوب بالإجماع))، إلا إن كان يريد إجماع بعض المذاهب، وهو خلاف ظاهر العبارة، وخلاف مذهب الحنفية -وسيأتي بيانه-.

[19] انظر: مسائل عبدالله (ص262، 263)، مسائل صالح (1/450)، مسائل الكوسج (10/2226)، الإشراف، لابن المنذر (3/412)، شرح مشكل الآثار (14/142، 143)، معالم السنن (2/227)، الحاوي الكبير (15/74)، التمهيد (17/235)، المحلى (6/3)، المغني (13/362)، شرح النووي على صحيح مسلم (13/138)، المجموع (8/391)، الفروع (6/103)، المطالب العالية (2287)، الإنصاف (4/109).

[20] مسائل الكوسج (10/2226)، المغني (13/362، 363).

[21] المحلى (6/29).

[22] شرح مشكل الآثار (14/142، 143).

[23] تهذيب السنن، لابن القيم (7/347).

[24] اختلاف الحديث (10/158-ضمن الأم)، مصنف ابن أبي شيبة (15000)، الإشراف (3/411، 412)، معالم السنن (2/227)، المنتقى شرح الموطأ، للباجي (3/90)، الحاوي الكبير (15/74)، التحقيق في مسائل الخلاف، لابن الجوزي (2/162)، المغني (13/362).

[25] سبق تخريجه (ص38).

[26] اختلاف الحديث (10/158-ضمن الأم).

[27] الحاوي الكبير (15/74). وانظر: معالم السنن (2/227)، البيان والتحصيل (18/167).

[28] مختصرُ ما أخرجه مالك (2/483) -ومن طريقه البيهقي (9/485)-، وابن أبي شيبة (14077)، وإسناده صحيحٌ جليل.

[29] المنتقى (3/90).

[30] ينظر في مسألة حجية قول الصحابي: أعلام الموقعين، لابن القيم (5/548 فما بعد)، إتحاف ذوي البصائر، للنملة (4/259-276).

[31] وهو جمع يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، انظر: التمهيد (17/236)، الكافي، لابن قدامة (2/486).

[32] وهو جمع الطحاوي، وغيره، انظر: شرح مشكل الآثار (14/142)، المغني (13/363)، تهذيب السنن، لابن القيم (7/347، 348).

[33] الجوهر النقي، لابن التركماني (9/267).

[34] حديث عائشة جاء عنها من طرق مخرَّجة في الصحيحين، وهي:
1- طريق عمرة بنت عبدالرحمن، وعنها ألفاظ بمعنى واحد، منها: ((فلم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ أحله الله له))، ومنها: ((ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم))؛ أخرجه البخاري (1698، 1700، 2317)، ومسلم (1321).
2- طريق عروة بن الزبير، ولفظه: ((ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم))، أخرجه البخاري (1698)، ومسلم (1321).
3- طريق القاسم بن محمد، وعنه ألفاظ بالمعنى، منها: ((فما حرم عليه شيء كان أحل له))، أخرجه البخاري (1696، 1699)، ومسلم (1321)؛ من طريق أفلح بن حميد، ومنها: ((ثم لا يعتزل شيئًا ولا يتركه))، أخرجه مسلم (1321) من طريق عبدالرحمن بن القاسم، ومنها: ((ثم لا يمسك عن شيء لا يمسك عنه الحلال))؛ أخرجه مسلم (1321) من طريق أيوب؛ ثلاثتهم (أفلح، وعبدالرحمن، وأيوب) عن القاسم.
وخالفهم ابن عون؛ فرواه عن القاسم بلفظ: ((فأصبح فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلالاً؛ يأتي ما يأتي الحلال من أهله، أو يأتي ما يأتي الرجل من أهله))؛ أخرجه مسلم (1321).
4 - طريق مسروق بن الأجدع، واختُلف عنه:
* فرواه عبدالله بن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة بلفظ: ((فما يحرم عليه مما حل للرجل من أهله))؛ أخرجه البخاري (5566).
* ورواه هشيمٌ، عن إسماعيلَ، وداودُ بن أبي هند، وزكريا بنُ أبي زائدة؛ ثلاثتهم (إسماعيل، وداود، وزكريا) عن الشعبي، به؛ بلفظ: ((وما يمسك عن شيءٍ مما يمسك عنه المحرم))؛ أخرجه مسلم (1321).
5- طريق أبي قلابة، ولفظه: ((ثم لا يمسك عن شيء لا يمسك عنه الحلال))؛ أخرجه مسلم (1321).
6- طريق الأسود بن يزيد، وعنه ألفاظ بمعنى، منها: ((ثم يقيم فينا حلالاً))، ومنها: ((ثم يقيم لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم))، ومنها: ((فنرسل بها ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلال، لم يحرم عليه منه شيء))؛ أخرجها مسلم (1321).
وهذا العرض يبين أن أكثر طرق الحديث عن عائشة، وأكثر الطرق عن المختَلَف عنهم= ليس فيها ذكر الأهل، فالأصح لفظ العموم، وعدم تخصيص الأهل بالذكر، والله أعلم.

[35] شرح مشكل الآثار (14/141)، الجوهر النقي (9/266).

[36] المغني (13/363)، وانظر: شرح الزركشي (7/9).

[37] المغني (13/363).

[38] الاستذكار (15/141).

[39] الفروع (6/103).

[40] مصنف ابن أبي شيبة (15002، 15005)، شرح معاني الآثار (4/181، 182)، التمهيد (17/235)، الاستذكار (11/185، 186)، البيان والتحصيل (17/316، 18/166)، المغني (13/362)، شرح النووي على صحيح مسلم (13/138).

[41] شرح معاني الآثار (4/181).

[42] بل قال أبو الوليد الباجي -في المنتقى (3/91)-: ((ولا خلاف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى في ذلك العام))، وقال العمراني -في البيان (4/438)-: ((والأضحية كانت واجبةً عليه، فإذا دخلت العشر؛ فلا بد أن يريد أن يضحي)).

[43] الاستذكار (11/187، 188)، المنتقى (3/91)، البيان والتحصيل (17/315).

[44] شرح معاني الآثار (4/182).

[45] التمهيد (17/234، 235).

[46] المغني (13/363)، تهذيب السنن (7/348).

[47] تهذيب السنن (7/348).

[48] صحيح البخاري (1700)، ولسبب الحديث سياقةٌ أخرى؛ انظر: صحيح البخاري (5566).

[49] فتح الباري (10/23)، ونص عبارة ابن حجر: ((لا يلزم من دلالته على عدم اشتراط ما يجتنبه المحرم على المضحي؛ أنه لا يستحب فعلُ ما ورد به الخبرُ المذكور لغير المحرم)).

[50] تهذيب السنن (7/347).

[51] الحاوي الكبير (15/75)، حلية العلماء، للقفال الشاشي (3/322)، وانظر: البيان والتحصيل (17/315). وقد حُكي هذا القول مذهبًا للشافعية، قال النووي -في المجموع (8/391)-: ((وحكى الرافعي وجهًا ضعيفًا شاذًّا: أن الحلق والقلم لا يُكرهان الا إذا دخل العشر واشترى أضحيةً أو عين شاة أو غيرها من مواشيه للتضحية)).

[52] البيان والتحصيل (17/316)؛ ملخِّصًا قول الطحاوي، ولم أجد النص على استواء الشراء وعدمه عن الطحاوي في مظانِّ كلامه.

[53] مختصر اختلاف العلماء (3/231)، التمهيد (17/235)، الاستذكار (11/186).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]