عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-02-2020, 08:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان


شرح حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان (7)
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين



[الإيمان باليوم الآخر]


أما الركن الخامس فهو: «الإيمان باليوم الآخر»: واليوم الآخر هو يوم القيامة؛ وسمي يوم القيامة باليوم الآخر؛ لأنه لا يوم بعده.

فالإنسان له مراحل أربع: مرحلة في بطن أمه، ومرحلة في الدنيا، ومرحلة في البرزخ، ومرحلة يوم القيامة، وهي آخر المراحل؛ ولهذا سمي اليوم الآخر، يسكن فيه الناس، إما في الجنة نسأل الله أن يجعلنا منهم، وإما في النار - والعياذ بالله - فهذا هو المصير.

والإيمان باليوم الآخر يدخل فيه؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب «العقيدة الواسطيَّة» - وهو كتاب مختصر في عقيدة أهل السنة والجماعة، من أحسن ما كتبه شيخ الإسلام رحمه الله في جمعه ووضوحه وعدم الاستطرادات الكثيرة - يقول رحمه الله: «يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت».

فمن ذلك: فتنة القبر: إذا دُفن الميت أتاه ملكان يجلسانه ويسألانه ثلاثة أسئلة، يقولان: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟
فيثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت - أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم - فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيِّي محمد، فينادي مناد من السماء: أن صَدَق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، ويُفسح له في قبره مد البصر، ويأتيه من الجنة روحها، ويشاهد فيها ما يشاهد من النعيم.

وأما المنافق - والعياذ بالله - أو الكافر، فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته؛ لأن الإيمان لم يصل إلى قلبه، إنما هو بلسانه فقط فهو يسمع ولا يدري ما المعنى، ولا يُفتحُ عليه في قبره.

هذه فتنة عظيمة جدًّا؛ ولهذا أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نستعيذ بالله منها في كل صلاة؛ «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار».

ومن ذلك أيضًا أن نؤمن بنعيم القبر وعذاب القبر؛ نعيم القبر لمن يستحق النعيم من المؤمنين، وعذاب القبر لمن يستحق العذاب، وقد جاء ذلك في القرآن والسنة، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة.

ففي كتاب الله يقول تبارك وتعالى: ï´؟ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ï´¾ [النحل: 32]؛ أي: عند الوفاة.

ويقول الله سبحانه وتعالى في آخر سورة الواقعة: ï´؟ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ï´¾ [الواقعة: 88، 89]؛ يقول هذا في حال ذكر المحتضر إذا جاءه الموت، إذا كان من المقربين فَلَهُ روحٌ ورَيحان وجنة نعيم في نفس اليوم.

أما عذاب القبر فاستمع إلى قول الله عز وجل: ï´؟ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ï´¾؛ أي: سكرات الموت، ï´؟ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ï´¾؛ مادِّين أيديهم لهذا المحتضر من الكفار، ï´؟ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ï´¾؛ وكأنهم شحيحون بأنفسهم؛ لأنها تُبَشَّر - والعياذ بالله - بالعذاب، فتهرب في البدن، وتتفرَّق، ويشح بها الإنسان، فيقال: ï´؟ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ï´¾ [الأنعام: 93]؛ أي: اليوم يوم موتهم عند احتضارهم.

وقال الله سبحانه في آل عمران: ï´؟ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ï´¾، فقال: ï´؟ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ï´¾؛ هذا قبل قيام الساعة، ï´؟ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ï´¾.

ولكن يجب علينا أن نعلم أن هذا النعيم والعذاب أمر غيبي لا نطلع عليه؛ لأننا لو اطلعنا عليه ما دَفَنَّا أمواتنا؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يُقِّدم ميِّته لعذاب يسمعه، يفزع؛ لأن الكافر أو المنافق إذا عجز عن الإجابة يضرب بمرزبة - قطعة من الحديد مثل المطرقة - من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولو سمعها الإنسان لصُعِق».

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر».
ولكن من نعمة الله أننا لا نعلم به حسًّا، بل نؤمن به غيبًا ولا ندركه حسًّا.
كذلك لو كان عذاب القبر شهادة وحسًّا لكان فيه فضيحة! إذا مررت بقبر إنسان وسمعته يعذَّب ويصيح ففيه فضيحة له.

ثالثًا: ولو أنه شهادة يُحَسُّ لكان هذا قلقًا على أهله وذويه، فلا ينامون في الليل وهم يسمعون صاحبهم يصيح ليلًا ونهارًا من العذاب، لكن من رحمة الله سبحانه وتعالى أن الله جعله غيبًا لا يُعلمُ عنه، فلا يأتي شخص ويقول: إننا لو حفرنا القبر بعد يومين لم نجد أثرًا للعذاب! نقول: لأن هذا أمر غيبي، على أن الله تعالى قد يطلع على هذا الغيب من شاء من عباده، فربما يطلع عليه، فقد ثبت في «الصحيحين» من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين في المدينة، وقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبيرة، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، فأطلَعَ الله نبيه على هذين القبرين أنهما يعذبان.

فالحاصل أنه يجب علينا أن نؤمن بفتنة القبر، وهي سؤال الملكين عن ربه ودينه ونبيه، وأن نؤمن بنعيم القبر أوعذابه.

ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر: أن يؤمن الإنسان بما يكون في نفس اليوم الآخر؛ وذلك أنه إذا نُفخَ في الصور النفخة الثانية قام الناس في قبورهم لله رب العالمين حفاة ليس عليهم نعال، وعراة ليس عليهم ثياب، وغرلًا ليس مختونين، وبُهمًا ليس معهم مال، كل الناس حتى الأنبياء والرسل يُبعثون هكذا؛ كما قال الله تعالى: ï´؟ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ï´¾ [الأنبياء: 104]، فكما أن الإنسان يخرج من بطن أمه هكذا عاريًا غير منتعل، غير مختون، ليس معه مال، فكذلك يخرج من بطن الأرض يوم القيامة على هذه الصفة، يقومون لرب العالمين الرجال والنساء، والصغار والكبار، والكفار والمؤمنون، كلهم على هذا الوصف حفاة غرلًا بُهمًا، ولا ينظر بعضهم إلى بعض؛ لأنه قد دهاهم من الأمر ما يشغلهم عن نظر بعضهم إلى بعض، فالأمر أعظم من أن ينظر بعض الناس إلى بعض، ربما تكون المرأة إلى جنب الرجل ولا ينظر إليها ولا تنظر إليه؛ كما قال اله عز وجل: ï´؟ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ï´¾ [عبس: 33- 37].

ومن الإيمان باليوم الآخر: أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يبسط هذه الأرض ويمدها كما يمد الأديم أي الجلد؛ لأن أرضنا اليوم كرة مستديرة منبعجة بعض الشيء من الجنوب والشمال، لكنها مستديرة؛ كما يفيد قوله تعالى: ï´؟ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ï´¾ [الانشقاق: 1- 3]؛ معناه أنها لا تمد إلا إذا انشقت السماء، وذلك يوم القيامة، فتُبسط الأرض كما يبسط الجلد المدبوغ، ليس فيها أودية ولا أشجار ولا بناء ولا جبال، يَذَرُها الرب عز وجل قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عِوَجًا ولا أَمْتًا، يُحشر الناس عليها على الوصف المذكور آنفًا، وتطوى السماوات، يطويها الرب عز وجل بيمينه، وتُدنى الشمس من الخلق حتى تكون فوق رؤوسهم بقدر ميل، إما مسافة وإما ميل المكحلة وأيًّا كان فهي قريبة من الرؤوس، لكننا نؤمن بأن من الناس من يَسْلَمُ من حرِّها، وهم الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، ومنهم السبعة الذين ذكرهم الرسول في نسق واحد، فقال عليه الصلاة والسلام: «سبعة يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه».

الإمام العادل: هو الذي عدل في رعيته، ولا عدل أقوم ولا أوجب من أن يحكِّم فيهم شريعة الله، هذا رأس العدل؛ لأن الله يقول: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ ï´¾ [النحل: 90].

فمن حكم شعبه بغير شريعة الله فإنه ما عدل، بل هو كافر والعياذ بالله؛ لأن الله قال: ï´؟ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ï´¾ [المائدة: 44].

فإذا وضَعَ هذا الحاكم قوانين تخالف الشريعة وهو يعلم أنها تخالف الشريعة، ولكنَّه عدل عنها وقال: أنا لا أعدل عن القانون، فإنه كافر ولو صلَّى، ولو تصدَّق، ولو صام، ولو حجَّ، ولو ذكر الله تعالى، ولو شهد للرسول عليه الصلاة والسلام بالرسالة، فإنه كافر مخلد في جهنم يوم القيامة ولا يجوز أن يتولى على شعب مسلم إذا قدرَ الشعب على إزاحته عن الحكم.

فأهمُّ العدل في الإمام أن يحكم في الناس بشريعة الله.

ومن العدل أن يُسَوِّيَ بين الفقير والغني، وبين العدو والولي، وبين القريب والبعيد، حتى العدو يسوِّي بينه وبين الولي في مسألة الحكم؛ حتى إنَّ العلماء رحمهم الله قالوا: لو دخل على القاضي رجلان أحدهما كافر والثاني مسلم، حرم عليه أن يُمَيِّزَ المسلم بشيء، فيدخلان جميعًا ويجلسان جميعًا، فلا يتحدث لواحد دون الآخر، ولا يَبَشُّ في وجه المسلم ويُكَشِّرُ في وجه الكافر وهما في مقام الحكم، بل يجب أن يسوي بينهما، مع أن الكافر لا شك أنه ليس كالمسلم؛ ï´؟ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ï´¾ [القلم: 35، 36]، لكن في باب الحكم الناس سواء.

ومن العدل: أن يقيم الحدود التي فرضها الله عز وجل على كل أحد، حتى على أولاده وذُرِّيته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعدل الأئمة، لما شُفع إليه في امرأة من بني مخزوم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فشفع إليه أسامة رضي الله عنه فيها، فقال له: «أتشفعُ في حدٍّ من حدود الله؟!»، أنكَرَ عليه، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد.. فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وايم الله - أي أحلف بالله - لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، صلى الله عليه وسلم، فاطمة بنت محمد أشرف النساء! سيدة نساء أهل الجنة، بنت أفضل البشر، لو سرقت لقطع يدها وهو أبوها.

وتأمل «لقَطَعْتُ يَدَها»، ولم يقل لأمرتُ بقطع يدها! فظاهره أنه هو الذي يباشر قطعها لو سرقت؛ هذا العدل، وبهذا قامت السماوات والأرض.

ومن عدل الإمام أن يُوِلِّي المناصب من هو أهل لها في دينه وفي قوَّته، فيكون أمينا وقويًّا، أهلًا للأمر الذي وُلِّي عليه.

وأركان الولاية اثنان: القوة، والأمانة، قال الله تعالى: ï´؟ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ï´¾ [القصص: 26]، ï´؟ قال عفريت من الجن ï´¾ لسليمان: ï´؟ أَنَا آتِيكَ بِهِ ï´¾ أي: بعرش بلقيس ï´؟ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ï´¾ [النمل: 39]،

فمن العدل أن لا يوَلِّي أحدًا منصبًا إلا وهو أهل له في قوته وفي أمانته، فإن ولَّى من ليس أهلًا ويوجد مَن هو خير منه فليس بعادل.

فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإمام العادل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وجعله أول هؤلاء السبعة؛ لأن العدل في الرَّعيَّة صعب جدًّا، فإذا وفِّقَ المرء الذي يوليه الله على عباده للعدل نال في هذا خيرًا كثيرًا، وانتفعت الأمة في عصره ومن بعده أيضًا؛ لأنه يكون قدوة صالحة، فهذا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

ثانيًا: «شاب نشأ في طاعة الله»؛ الشاب ما بين الخامس عشرة سنة إلى الثلاثين، ولا شك أن يكون للشباب اتجاهات وأفكار، ولا يستقر على شيء؛ لأنه شابٌ غضٌ، كل شيء يجذبه، وكل شيء يختطفه؛ ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحرب أن تُقتلَ شيوخُ المقاتلين المشركين ويستبقى شبابهم؛ لأن الشباب إذا عُرض عليهم الإسلام ربما يسلمون.

فالشاب لما كان في سن الشباب يكون له أفكار وأهواء واتجاهات فكرية وخُلقيَّة وسلوكية، صار الذي يمنُّ الله عليه وينشأ في طاعته من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

وطاعة الله هي امتثال أمر الله واجتناب نهيه، ولا امتثال للأمر واجتناب للنهي إلا بمعرفة أن هذا أمر وهذا نهي؛ إذًا لا بد من سبق العلم، فيكون هذا الشاب طالبًا للعلم، ممتثلًا للأمر، مجتنبًا للنهي.

الثالث: «رجُلٌ قلبُهُ معلَّقٌ بالمساجد»؛ أي: يحب المساجد.
وهل المقصود أماكن السجود؟ أي أنه يحب كثرة الصلاة، أو المقصود المساجد المخصوصة؟ يحتمل هذا وهذا.
هذا رجل قلبه دائمًا معلق بالمساجد، وهو مشغول في أماكن الصلاة، وفي الصلاة، إذا انتهى من صلاة انتظر الأخرى، وهكذا.

وهنا فرق بين قول الإنسان: اللهم أرحني بالصلاة، واللهم أرحني من الصلاة. أرحني بالصلاة: هذا خير؛ أي اجعل الصلاة راحة لقلبي، وأرحني من الصلاة: أي فُكَّني عنها. أعوذ بالله!

فهذا الرجل قلبه معلَّق بالمساجد دائمًا، وهو مشغول بأماكن الصلاة وبالصلاة، إذا انتهى من صلاة انتظر الأخرى، وهكذا.

الرابع: «رجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه»؛ أي: أحب بعضهما بعضا لا لشيء سوى الله عز وجل، فليس بينهما قرابة ولا صلة مالية، وليس بينهما صداقة طبيعيَّة، إنما أحبه في الله عز وجل؛ لأنه رآه عابدًا لله مستقيمًا على شرعه فأحبَّه، وإذا كان قريبًا أو صديقًا وما أشبه ذلك فلا مانع أن يحبه من وجهين: من جهة القرابة والصداقة، ومن الجهة الإيمانية.

فهذان تحابَّا في الله وصارا كالأخوين؛ لما بينهما من الرَّابطة الشَّرعيَّة الدينيَّة، وهي عبادة الله سبحانه وتعالى. اجتمعا عليه في الدنيا وتفرَّقا عليه؛ أي: لم يفرِّق بينهما إلا الموت، يحبه إلى أن مات، هذان يظلهما الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ويكونان يوم القيامة على محبتهما وعلى خلتهما؛ كما قال الله تعالى: ï´؟ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ï´¾ [الزخرف: 67]، تبقى الصداقة بينهما في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك من فضلك.

الخامس: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله»؛ رجل قادر على الجماع، دعَتْه امرأة ليجامعها بالزنا - والعياذ بالله - ذات منصب وجمال؛ أي أنها من حمائل معروفة، ليست من سقط النساء بل من الحمائل المعروفة، وهي جميلة، دَعَتْهُ إلى نفسها في مكان خال لا يطلعُ عليهما أحد، وهو فيه شهوة، ويحب النساء، لكنه قال: إني أخاف الله! لم يمنعه من فعل هذا إلا خوف الله عز وجل! فانظر إلى هذا الرجل! المقتضى موجود؛ لأنه قادر على الجماع، والمرأة جميلة، وهي ذات منصب، والمكان خال، لكن مَنَعَهُ مانعٌ أقوى من هذا المقتضى، وهو خوف الله، قال: «إنِّي أخافُ الله»، ما قال: إني لا أشتهي النساء، وما قال: لست بجميلة، وما قال: أنت من أسافل النساء، وما قال: إن حولنا أحدًا، قال: «إني أخاف الله»؛ فهذا ممن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

وانظر إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام عشقته امرأة العزيز ملك مصر، وكانت امرأة ملك على حال من الجمال والدلال، غلقت الأبواب بينهما وبين الناس: ï´؟ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ï´¾؛ يعني: تدعوه إلى نفسها، وكان رجلًا شابًّا، وبمقتضى الطبيعة البشرية همَّ بها وهمَّت به، ولكن رأى برهان ربه ووقع في قلبه خوفُ الله فامتنع، فهدَّدته بالسجن، فقال: ï´؟ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ï´¾ [يوسف: 33- 35]، وسُجِنَ في ذات الله وامتنع عن الزنا مع قوة أسبابه، لكنه رأى برهان ربه فخاف الله.




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.02%)]