عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 09-02-2020, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: زاد العقول شرح سلم الوصول

زاد العقول شرح سلم الوصول (3/ 17)
أبي أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام




(3/ 17)



4- اضطراب القائلون بالمجاز.
ورصد هذا من وجوه:
أ- اختلافهم في حدِّ المجاز:
بعضُهم يقول: إنَّ الأصل في الكلام المجاز.
قال العلاَّمة: محمد بن صالح العُثَيمين في "شرح نظم الورقات" ص 52: "وهذا التقسيم قد نُوزِع فيه، ولم يكن معروفًا في عهد الصحابة، ولا في عهد التابعين، وإنما برَز في عهد تابِعي التابِعين، ثم انتَشَر وتوسَّع، وصار كلُّ شيء مجازًا، حتى ادَّعى بعض عُلَماء النحو أنَّ جميع اللغة مجازٌ ليس فيها حقيقة!"؛ ا.هـ.
قلتُ: يقصد أبا محمد عبدالله بن متويه، نقَل ذلك عنه الزركشي أيضًا كما في "البحر المحيط".
وهذا من أفسَدِ الأقوال على الإطلاق؛ لذا قال العلامة محمد بن صالح العُثَيمين معقبًا على هذا القول في "شرح نظم الورقات" ص 53: "والآن نَبنِي عقيدَتنا على المجاز، والأحكام كلها على المجاز، وكل أفعالنا على المجاز، لبست الثوبَ مجاز، أكلت الخبزَ مجاز، قرأت الكتابَ مجاز، دخَلت المسجدَ مجاز، صمت اليومَ مجاز، ولا شكَّ أنَّ هذا القول باطل"؛ ا.هـ.
وبعضُهم توسَّع في المجاز حتى أدخَلَ فيه كلَّ عامٍّ خُصَّ.
قال الآمدي في "الأحكام في أصول الأحكام": إنَّ كلَّ عامٍّ خُصَّ ولو بالاستِثناء، فهو من باب المجاز.
وهذا الكلام لا يصحُّ؛ لأنَّ لازم الكلام أن قول: لا إله إلا الله، يتحوَّل إلى أصلٍ في الشرك بدلاً من أنْ يكون شعارًا للموحدين.

فإن قيل: كيف ذلك؟
قلت: المجاز عند مَن يقول به نقل، إذًا هناك معنى قبل النقل وهو: لا إله، لَمَّا دخَل عليه النقل - وهو الاستثناء - صار لها معنى آخَر، فلزم أنْ يكون المعنى قبل النَّقل مُوافِقًا لما كان عليه أهلُ الجاهليَّة وكافَّة المشركين الذين لا ينفون "الربوبية" بحالٍ من الأحوال، وإنما كان نزاعُهم في "الألوهية".
قال - تعالى -: ï´؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ï´¾ [الزخرف: 9].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ï´¾ [الزخرف: 87].
وقال - تعالى -: ï´؟ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ï´¾ [العنكبوت: 63].
وهذا الكلام ممتنع، الآمدي نفسه لا يقول بذلك.
وقال بعضُهم بِجَوازِه في اللغة دون القُرآن، وقد سبَق الإشارة إلى أصحابِ هذا القول آنفًا، وذَكرتُ حجَّتهم هناك، وخُلاصَته أنَّ المجاز أخو الكذب، وأنَّه لا يعدل عن الحقيقة بالمَجاز إلاَّ إذا ضاقَتْ به الحقيقة فيستَعِير، وهذا محالٌ على الله - تعالى.

قلت: القول به في اللغة يَلزَم منه القول به في القرآن، من وجوه:
أ- أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - تحدَّى العرب بالقُرآن وبلاغته، فلو كان عندهم من الأساليب ما لم يشتَمِل عليه القرآن ما سكَتُوا.
ب- أنَّ بعضَها يمكن حملُه على الحقيقة.
كما في قوله - تعالى -: ï´؟ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ï´¾ [الكهف: 77].
وكقوله - تعالى - حكايةً عن إخوة يوسف لأبيهم: ï´؟ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ï´¾ [يوسف: 82].
عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي لأعرف حجرًا بمكَّة كان يُسلِّم عليَّ قبل أنْ أُبعَث، إنِّي لأعرفه الآن))؛ أخرجه مسلم[5].
قال العلامة الشنقيطي - رحمه الله - في "المذكرة" ص 71: "وقوله: ï´؟ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ï´¾ [الكهف: 77] لا مجازَ فيه؛ إذ لا مانع من حمْل الإرادة في الآية على حقيقتها؛ لأنَّ للجَمادات إرادات حقيقيَّة يعلَمُها الله - جلَّ وعلا - ونحن لا نعلَمُها، ويُوضِّح ذلك حنينُ الجذع الذي كان يخطب عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما تحوَّل عنه إلى المنبر، وذلك الحنين ناشِئٌ عن إرادةٍ لا يَعلَمها إلاَّ الله - تعالى.
وقد ثبَت في "صحيح مسلم" أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنِّي لأعرف حجرًا كان يُسلِّم عليَّ في مكة))[6].
وسلامُه عليه عن إرادةٍ يعلَمُها الله ونحن لا نعلمها، كما صرَّح - تعالى - بذلك في قوله - جلَّ وعلا -: ï´؟ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ï´¾ [الإسراء: 44].
فصرَّح بأنَّنا لا نفقهه، وأمثال ذلك كثيرةٌ في الكتاب والسنة"؛ ا.هـ.

ولِمَزِيد بَيانٍ في ردِّ المجاز مُطلَقًا، تمتَّع بقراءة:
"الصواعق المرسلة على الجهميَّة والمعطِّلة"؛ لابن قيم الجوزية، أو "مختصره".
"اجتماع الجيوش الإسلامية"؛ لابن قيم الجوزيَّة.
"كتاب الإيمان الكبير"؛ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة.
"رسالة الحقيقة والمجاز"؛ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة، ضمن "مجموع الفتاوى" 20/ 400.
مبحث المجاز في "المذكرة"؛ للعلامة محمد الأمين المختار الشنقيطي.
رسالة "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز"؛ للعلامة محمد الأمين المختار الشنقيطي.

التتمَّة الثالثة:
فاتَ الناظِم وصاحب الأصل ذِكْرُ النوع الثاني من المجاز أو التمثيل له، وهذا إنما يُؤخَذ على المصنف دون الناظم؛ فالناظم يَنظم تبعًا لما في المتن.
وهذا الفائِتُ يُشعِر القارئ بأنَّ المجاز مقصورٌ على اللفظ المفرد عند مَن يقول به، فانتَبِه.


[1] أخرجه البخاري في مواضع كثيرة من "صحيحه"؛ منها: (كتاب الجهاد والسير) باب اسم الفرس والحمار/ ح 2856).
وأخرجه مسلم في "صحيحه": (كتاب الإيمان/ باب: الدليل على أنَّ مَن مات على التوحيد دخَل الجنة قطعًا/ ح48، 49، 50، 51).

[2] في "صحيحه": (كتاب البر والصلة/ باب: تحريم الظلم/ ح 59).

[3] في "صحيحه": (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها/ باب: النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء/ ح 34، 35، 36).


[4] أخرجه البخاري في غير موضعٍ من "صحيحه"، منها: (كتاب التهجد/ باب: الدعاء في الصلاة من آخِر الليل / ح1145).
وأخرجه مسلم في "صحيحه": (كتاب صلاة المسافرين/ باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخِر الليل والإجابة فيه).

[5] في "صحيحه": (كتاب الفضائل/ باب: فضل نسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتسليم الحجر عليه قبل النبوة/ ح 2).

[6] سبق تخريجه في الحاشية السابقة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]