
04-02-2020, 03:09 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,030
الدولة :
|
|
رد: سيرة أبي هريرة رضي الله عنه
سيرة أبي هريرة رضي الله عنه
محمد بن علي بن جميل المطري
حفظ أبي هريرة للكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم:
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا، طيبا، مباركا فيه، لم يُلحق في كثرته، وروى عن: أبي بكر وعمر وأُبيّ بن كعب وأسامة بن زيد وعائشة والفضل وبصرة بن أبي بصرة رضي الله عنهم.
وحدث عنه: خلق كثير من الصحابة والتابعين. قال البخاري: روى عنه ثمانمائة أو أكثر.
وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة.
قال محمد بن المثنى الزَّمِن: حدثنا أبو بكر الحنفي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي يحيى، قال: سمعت سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟! قلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله. فنزع نمرة كانت على ظهري، فبسطها بيني وبينه، حتى كأني أنظر إلى النمل يدب عليها، فحدثني حتى إذا استوعبت حديثه، قال: "اجمعها، فصرها إليك"، فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثني. وقصة بسطه لثوبه ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالحفظ ثابتة، وقد رويت من طرق كثيرة عن أبي هريرة.
قال أبو صالح الزيات: كان أبو هريرة من أحفظ الصحابة.
وروى حماد بن زيد قال: حدثني عمرو بن عبيد الأنصاري قال: حدثني أبو الزعيزعة كاتب مروان: أن مروان أرسل إلى أبي هريرة، فجعل يسأله، وأجلسني خلف السرير، وأنا أكتب، حتى إذا كان رأس الحول، دعا به، فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر!!
قال الذهبي معلقا على هذه القصة: هكذا فليكن الحفظ!!
وعن عبد الله بن شقيق قال: قال أبو هريرة: لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ لحديثه مني.
وعن عاصم بن كليب قال: حدثنا أبي أنه سمع أبا هريرة كان يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).
وأخرج ابن سعد بسند جيد - كما قال ابن حجر - عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدث بشيء ما سمعتُه!! قال: يا أمه، طلبتُها وشغلك عنها المكحلة والمرآة!!
وروى الأعمش عن أبي صالح أنه قيل لابن عمر: هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئا؟ فقال: لا، ولكنه اجترأ، وجبنا!! فقال أبو هريرة: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا؟!!
وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم: أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلا، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم، ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مرارا. قال: فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مسدّد في مسنده من طريق يحيى بن عبيد اللَّه عن أبيه عن أبي هريرة قال: بلغ عمر حديثي، فقال لي: كنت معنا يوم كنّا في بيت فلان؟ قلت: نعم، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال يومئذ: «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » قال: اذهب الآن فحدّث.
قال الذهبي: احتج المسلمون قديما وحديثاً بحديث أبي هريرة، لحفظه، وجلالته، وإتقانه، وفقهه، وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه، ويقول: أفت يا أبا هريرة.
وأصح الأحاديث ما جاء: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
وما جاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وما جاء عن: ابن عون وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
وأين مثل أبي هريرة في حفظه، وسعة علمه؟!
وقال الحافظ الذهبي أيضا: كان أبو هريرة وثيق الحفظ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث.
عدد أحاديث أبي هريرة:
قال الذهبي: عدد أحاديث أبي هريرة المتفق عليها في البخاري ومسلم: ثلاث مائة وستة وعشرون حديثاً. وانفرد البخاري: بثلاثة وتسعين حديثاً، ومسلم: بثمانية وتسعين حديثاً.
قلت: فعلى كلام الحافظ الذهبي يكون مجموع أحاديث أبي هريرة في صحيح البخاري ومسلم: 517 حديثاً، وجميع أحاديثه الصحيحة من غير تكرار نحو الألف حديث والله أعلم كما حققته في كتابي "أحاديث أبي هريرة" الذي هذه السيرة جزء من كتابي المذكور.
قلة رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار:
روى أبو هريرة عن كعب الأحبار بعض أخبار بني إسرائيل كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في ذلك بقوله: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" رواه البخاري (3461) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وروى البخاري (4485) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: ï´؟ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ï´¾ [البقرة: 136].
وكعب الأحبار كما في ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي (2/490): " كعب بن ماتع الحميري، اليماني، العلامة، الحبر، الذي كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر رضي الله عنه فجالس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء. سكن بالشام بأخرة، وكان يغزو مع الصحابة. وتوفي كعب بحمص، ذاهبا للغزو، في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه".
وقد كان كعب يحدث بما يعلمه من أخبار بني إسرائيل ولا حرج في ذلك، ولم ينسب شيئا من ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان يحكيه عن الكتب القديمة ليس بحجة عند أحد من المسلمين، ولا حرج على من روى عنه شيئا مبينا أنها من رواية كعب عن بني إسرائيل، وهو ما يعرف عند العلماء بالإسرائيليات، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في روايتها بشرط أن لا تُصدق ولا تُكذَّب، إلا إذا كانت مخالفة لما عندنا من القرآن والسنة الصحيحة فإنها تُكذَّب، ولا يشك حينئذ أنها مما غيِّر وحرِّف، لكن ما لا يخالف القرآن والسنة منها فلا بأس بروايتها بشرط أن لا نصدقها ولا نكذبها.
ورواية الصحابة رضي الله عنهم عن كعب الأحبار قليلة جداً، وقد بحثت بواسطة المكتبة الشاملة في كتب الحديث التسعة المشهورة فلم أجد ذكرا لكعب الأحبار إلا في روايات قليلة جداً، وأبو هريرة إنما جالس كعب الأحبار مرتين أو ثلاثاً، وعجبا ًلمن يطعنون في أحاديث أبي هريرة بأنه كان يروي عن كعب الأحبار وكأنه كان يلازمه ويكثر من مجالسته!!
روى أحمد (7714) بسند صحيح عن القاسم بن محمد قال: اجتمع أبو هريرة وكعب، فجعل أبو هريرة، يحدث كعبا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكعب يحدث أبا هريرة عن الكتب.
وأخرج البيهقيّ في المدخل من طريق بكر بن عبد اللَّه بن أبي رافع عن أبي هريرة أنه لقي كعب الأحبار فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيت رجلا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة!!
وقد يقع خطأ من بعض الرواة عن أبي هريرة فيخطئ الراوي فيجعل الخبر عن بني إسرائيل حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أو يجعل الكلام الموقوف عن أبي هريرة مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل الحديث الجهابذة يبينون ذلك؛ لأنهم يجمعون طرق الحديث فيتبين لهم من أخطأ من الرواة.
روى بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، قال: اتقوا الله، وتحفظوا من الحديث، فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة، فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب الأحبار، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
مثال ذلك: روى مسلم (2789) وأحمد (8341) من طريق عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: " خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل.
فهذا الحديث بين كثير من نقاد الحديث الجهابذة أنه موقوف على كعب الأحبار وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام البخاري في تاريخه (1/413-414): "وقال بعضهم: عن أبي هريرة، عن كعب، وهو أصح".
وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 1/99 بعد أن أورد الحديث من طريق مسلم: "هذا الحديث من غرائب "صحيح مسلم"، وقد تكلم عليه ابن المديني والبخاري، وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة، فجعله مرفوعا".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (17/236 ): "وأما الحديث الذى رواه مسلم: "خلق الله التربة يوم السبت" فهو حديث معلول قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره، وقال البخاري: الصحيح أنه موقوف على كعب الأحبار، وقد ذكر تعليله البيهقي أيضا، وبينوا أنه غلط ليس مما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وبهذا يتبين أن أبا هريرة لم يرو عن كعب الأحبار إلا قليلا جدا من الروايات قد لا تصل إلى عشر روايات، وأنه لم يخطئ هو ولا غيره في رواية بعض أخبار بني إسرائيل عن كعب أو غيره لكون النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك، ولكن قد يخطئ بعض الرواة فيجعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا نادر جدا، والنادر لا حكم له، لكن أهل الحديث رحمهم الله يجتهدون في تمييزها ويبينون أي خطأ قد يحصل من بعض الرواة في نسبته لرواية منها إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تختلط الأحاديث النبوية بالإسرائيليات.
وقد رد أبو هريرة على كعب الأحبار عندما خالفت روايته الإسرائيلية الحديث النبوي، فرجع كعب عن خطئه، روى الإمام مالك في الموطأ (16) بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه، فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت عليه الشمس، يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه مات. وفيه تقوم الساعة. وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة. إلا الجن والإنس. وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، يسأل الله شيئا، إلا أعطاه إياه» قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: بل في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم!
حفظ أبي هريرة للقرآن الكريم وتعليمه:
لم يكن أبو هريرة رضي الله عنه حافظا للحديث النبوي فحسب، بل كان أيضا حافظا للقرآن الكريم، وهو من القراء المشهورين الذي حفظوا القرآن الكريم وعلَّموه التابعين، قال الإمام أبو عمرو الداني: عرض أبو هريرة القرآن على أبي بن كعب.
وذكر الذهبي في كتابه طبقات القراء أن أبا هريرة قرأ القرآن على أبي بن كعب، وأخذ عنه القرآن من التابعين: الأعرج، وأبو جعفر المدني يزيد بن القعقاع أحد القراء العشرة المشهورين، وطائفة من القراء.
قال الذهبي: أبو هريرة رأس في القرآن، وفي السنة، وفي الفقه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|