عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 29-01-2020, 01:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام صيام المسنين






فإذا كان لا يجوز عندهم تقديم كفارة الظهار عليه فلا يجوز تقديم فدية إفطار المسن على دخول رمضان، بجامع أن كل واحد منهما كفارة.







قال المرداوي -رحمه الله تعالى في معرض بيانه لوقت الإطعام في فدية إفطار المسن -: «... أن المنصوص عن الإمام أحمد لزوم إخراج النذر المطلق والكفارة على الفور، وهذا كفارة»[84]. أي: الإطعام عن فدية إفطار المسن كفارة.







ويدل لمحل اتفاقهم هذا بما يلي:







1- أن تقديم الفدية على دخول شهر رمضان تقديم لها على سبب وجوبه فلم يصح[85].







2- أنه لا يصح تقديم أداء الفدية على دخول رمضان، كما لا يصح الصيام عن رمضان قبل دخوله[86].







المسألة الثالثة : تقديم الفدية جملة واحدة عن جميع رمضان في بدايته وتقديم فدية كل يوم قبل طلوع فجره :







اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:







القول الأول: لا يصح تقديم فدية إفطار المسن على سبب وجوبها، أي لا يصح إخراجها في بداية رمضان جملة واحدة، وكذلك لا يصح تقديمها قبل طلوع الفجر من اليوم الذي يريد أن يفطره، وإلى هذا ذهب الشافعية في قول[87].







وهو قياس مذهب الحنابلة في كفارة الظهار، وذلك لأنهم يرون عدم صحة تقديم كفارته عليه[88]، والفدية تعتبر كفارة عندهم[89].







القول الثاني: التفريق بين تقديم فدية اليوم قبل طلوع فجره وبين تقديم فدية شهر رمضان بكامله وإخراجها في بداية الشهر جملة فيجوز الأول ولا يجوز الثاني، وهذا قول عند الشافعية[90].







القول الثالث: صحة تقديم فدية كل يوم عليه، أو أن تدفع جملة واحدة في بداية الشهر، وإلى هذا ذهب الحنفية[91].







الأدلـة:







لم يذكر الشافعية لقولهم بعدم صحة تقديم الفدية على الفطر دليلاً فيما اطلعت عليه، وأما الحنابلة فاستدلوا لقولهم بالقياس على عدم صحة تقديم كفارة الظهار[92].







ويمكن أن يستدل لهذا القول أيضاً بما يلي:







1- أنه لا يجزئ تقديم فدية كل يوم على فطره بعد دخول رمضان، كما لا يجزئ تقديم الفدية قبل دخول رمضان بجامع أن التقديم في كل من الحالتين تقديم على سببه، إذ إن سبب وجوب صوم رمضان دخول الشهر، وسبب وجوب الفدية العجز عن الصوم.







2- أن وجوب الفدية على المسن وإجزاءها عنه مشروط باستمرار موجب الفطر، وهو العجز عن الصيام أو مشقته على المسن، والمسن يحتمل أن يقدر على الصيام في بعض أيام الشهر إذ إن عجزه نتيجة ضعف بدني للكبر ومثل هذا قد ينشط أحياناً والواقع يشهد لذلك، فلا يصح إخراج الفدية مع احتمال فوات شرط إجزائه، وهو استمرار العجز.







واستدل أصحاب القول الثاني لقولهم بجواز تقديم فدية اليوم قبل طلوع فجره بالقياس على إخراج الزكاة قبل وقته[93] ولم أجد دليلاً -فيما اطلعت- لقولهم بعدم تقديم فدية الشهر جملة، ولعلهم يرون أن ذلك تقديم للحكم قبل سببه كما استدل به أصحاب القول الأول.







ويمكن أن يناقش استدلالهم بالقياس على تعجيل الزكاة بوجود الفرق بين الزكاة وبين الفدية، وذلك لأن الزكاة تخرج عن مال موجود، وأما الفدية إذا أخرجت قبل الفطر كانت عن شيء غير موجود وهو الفطر فلا يصح.







وأما أصحاب القول الثالث القائلون بصحة إخراجها عن كل يوم قبل طلوع فجره، وعن شهر رمضان جملة واحدة في بدايته فلم أجد لهم دليلاً لقولهم –فيما اطلعت عليه-، ولعلهم يرون ذلك قياساً على جواز تعجيل صدقة الفطر قبل يوم الفطر وعلى جواز إخراجها في بداية الشهر عندهم، بجامع أن كلاً منهما حق مالي[94]، وذلك لأنهم يقيسون هذه الفدية في غالب أحكامها على صدقة الفطر[95].







ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن هناك فرقاً بين التعجيلين – على فرض التسليم بجواز تعجيل صدقة الفطر في بداية رمضان – وذلك لأن تعجيل صدقة الفطر على يوم الفطر ليس من باب تعجيل الحكم على سببه، وذلك لأن دخول يوم الفطر ليس سبباً لوجوب صدقة الفطر عند الحنفية، بل السبب عندهم وجود من تلزمه الزكاة سواء لنفسه أو لمن تلزمه مؤنته[96]، فهو عندهم من باب تعجيل الزكاة بعد إكمال النصاب وقبل حولان الحول، وأما تعجيل الفدية في هذه الحالة فهي من باب تعجيل الحكم على سببه فلا يصح.















الترجيح:







ولعل الراجح – والله تعالى أعلم – هو القول الأول، وهو عدم صحة تقديم الفدية على الفطر مطلقاً، سواء كان ذلك تقديماً للفدية قبل طلوع فجر يومها، أو تقديمها في بداية رمضان جملة واحدة؛ لما يلي:







1- أن مقتضى القول المخالف هو تقديم الحكم على سبب وجوبه فلا يصح.







2- أن الفدية لا تجب إلا بالفطر، بدليل أن المسن لو تحمل المشقة وصام، لا تجب عليه الفدية عند الجميع، فلا يصح تقديم الفدية قبل وجوبها.







3- أن صحة إخراج الفدية وإجزاءها عن الصوم مشروط بالعجز عنه فمن يخرج الفدية في بداية الشهر جملة واحدة لا يعلم أنه يظل عاجزاً إلى نهايته فلا يصح.















المسألة الرابعة : تأخير الفدية إلى ما بعد رمضان :







ما حكم تأخير المسن فدية إفطاره إلى ما بعد رمضان.







لأهل العلم في هذه المسألة قولان:







القول الأول: أن الفدية تجب على الفور، وعليه يجب إخراجها خلال شهر رمضان، ولا يجوز تأخيرها عن ذلك، وهذا ظاهر مذهب الحنابلة[97]، وهو مفهوم قول الحنفية؛ حيث إنهم حددوا وقت إخراجها بشهر رمضان[98].







قال ابن عابدين -رحمه الله تعالى-: «يخير بين دفعها في أولـه أو آخره»[99]. ومفهوم هذا أنه لا خيار له في دفعها بعد نهاية الشهر.







القول الثاني: أن الفدية تجب على التراخي، وعليه فلا بأس بتأخيرها إلى رمضان آخر، وإلى هذا ذهب الشافعية[100].







الأدلـة:







استدل أصحاب القول الأول بدليلين عقليين:







1- أنها حق واجب، فوجب إخراجها على الفور[101]، وذلك يتأتى إذا أخرجها خلال شهر رمضان.







2- أن فدية إفطار المسن كفارة من الكفارات، فوجب إخراجها على الفور كبقية الكفارات[102].







واستدل أصحاب القول الثاني بأن المسن لا قضاء عليه، فلا شيء في تأخير الفدية عليه[103].







ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأنه لا مناسبة بين عدم وجوب القضاء وجواز تأخير الفدية، فلا يفيد الدليل حكماً.







الترجيح:







ولعل الراجح – والله تعالى أعلم – هو القول بوجوب أدائها خلال شهر رمضان؛ وذلك لأن الأمر المطلق يفيد الوجوب على الفور لا على التراخي[104]، ولأن في هذا براءة لذمة المسن.







المطلب الرابع: صفة بذل الفدية :







سبق بيان مقدار الطعام الواجب إخراجه في فدية إفطار المسن، فما صفة إخراجه من حيث كونه مطبوخاً أو غير مطبوخ؟ ومن حيث عدد الوجبات هل هي واحدة أو أكثر؟







اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:







القول الأول: أن إخراج الفدية يكون بطعام غير مطبوخ كما يجزئ الإطعام بإعداد وجبة العشاء أو الغداء المشبعة وتقديمها للمسكين ليأكلها، وإلى هذا ذهب الحنفية[105]، والحنابلة في رواية[106]، وهو قول أنس ابن مالك – رضي الله عنه - من الصحابة[107]، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال إنه مذهب أكثر السلف[108]، وبه قال العلامتان عبد العزيز بن باز[109]، ومحمد العثيمين[110] -رحمهم الله تعالى جميعاً.







ثم إن هؤلاء القائلين بإجزاء الإطعام اختلفوا في القدر المجزيء من ذلك، فذهب جمهور أصحاب هذا القول إلى إجزاء وجبة واحدة مشبعة، وذهب الحنفية إلى أنه لابد من وجبتين مشبعتين[111].







القول الثاني: لا يجزيء المسن المفطر الإطعام بالوجبات المطبوخة، بل لابد من إخراج طعام غير مطبوخ من قوت البلد كالبر والشعير والتمر ونحوها، وإلى هذا ذهب الشافعية[112]، والحنابلة على المذهب[113].







وأما المالكية فلم أجد لهم قولاً في هذه المسألة حسب -ما اطلعت عليه-، ولعل السبب في ذلك أنهم لا يرون وجوب الفدية أصلاً[114].







الأدلـة:







استدل أصحاب القول الأول بأدلة من الكتاب، والأثر والمعقول:







أ- من الكتاب:







قولـه سبحانـه وتعالى: {... وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ...} [115].







وجه الاستدلال: أن هذه الآية الكريمة التي هي أصل في وجوب فدية المسن المفطر نصت على الإطعام، وهي كلمة عامة يدخل فيها الإطعام بالوجبات المطبوخة دخولا أولياً، فدلت على جواز ذلك[116].







ب – من الأثر:







ما صح عن أنس بن مالك – رضي الله عنه - أنه لما كبر أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً[117].







وجه الاستدلال: أن أنساً – رضي الله عنه - أفطر وصنع طعاماً للمساكين وأطعمهم فدل على أنه – رضي الله عنه - يرى إجزاءه فعل الصحابي معتبر في الاستدلال كما هو معلوم في أصول الفقه.







ج – من المعقول:







1- أن الله -تعالى- أمر بالإطعام ولم يوجب التمليك، وهذا إطعام حقيقة فيجزئ من باب أولى[118].







2- أن هذا إطعام للمسكين من طعام المفطر فأجزأه كما لو كان طعامُهُ براً فأطعمه منه[119].







ولم أجد للحنفية دليلاً -فيما اطلعت- على قولهم باشتراط وجبتين مشبعتين، ولعلهم يرون أن وجبة واحدة لا تكفي لإطعام يوم كامل فاشترطوا ذلك.







ويمكن أن يناقشذلك بأنه لم يرد في الآية ولا في غيرها من الأدلة اشتراط الإطعام ليوم كامل فيؤخذ الأمر على إطلاقه، والإطعام يكفي لوجبة واحدة.







واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بعدم إجزاء الإطعام بأدلة من المعقول.







1- أن فدية إفطار المسن مقدرة بمد أو نصف صاع، فإذا أطعهم طعاماً جاهزاً فلا يعلم أن كل واحد من المساكين قد استوفى القدر الواجب له[120].







ونوقشهذا الاستدلال بعدم التسليم بأن فدية إفطار المسن مقدرة بالشرع، وعلى فرض أنها مقدرة به فكل واحد منهم يستوفي حقه بالأكل إذا شبعوا [121].







ويمكن أن يناقش أيضاً بأن تقدير الفدية بنصف صاع كما سبق ترجيحه[122] إنما هو حال إخراج الفدية غير مطبوخة إذ إن الإشباع يختلف من شخص لآخر فإن كان الإطعام غير مطبوخ فيكون بقدر معين وهو نصف صاع وإن كان مطبوخاً فيكون قدر الإشباع لعموم ظاهر الآية في الإطعام.







2- أن الواجب تمليك المسكين طعامه، والإطعام إباحة وليس بتمليك[123].







ونوقش هذا الاستدلال بعدم التسليم بوجوب التمليك، بل الواجب الإطعام أو التمليك، بل الإطعام هو الأصل والتمليك قد يسمى إطعاماً ولذلك جاز[124].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]