عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-01-2020, 01:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام صيام المسنين

أحكام صيام المسنين1-3


سعد بن عبد العزيز الحقباني




استدل أصحاب القول الثاني القائلون بأفضلية الصوم بالأدلة الآتية:
1- قوله تعالى: {... فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [45].
وجه الاستدلال: أن الله تعالى قال: { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ }فبين أن الصيام خير لمن يقدر عليه دون مشقة[46].
ويمكن أن يناقش وجه الاستدلال: بأن الآية محمولة على أنها منسوخة، وأن هذا الحكم عام لمن يطيق الصيام؛ فهو مخير بين الصيام أو الفطر مع الفدية ثم نسخ الحكم، أو أنه محمول على عدم وجود المشقة المبيحة وهذا خارج النزاع إذ إن مسألتنا في المسن الذي شق عليه الصوم.
2- ما ثبت من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - قال: كنا نغزو مع رسول الله رضي الله عنه - في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن»[47].
وجه الاستدلال: قال النووي -رحمه الله تعالى-: «وهذا صريح في ترجيح مذهب الأكثرين، وهو تفضيل الصوم عن إطاقة بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة»[48].
3- حديث أنس – رضي الله عنه - قال سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عن الصوم في السفر فقال: «من أفطر فرخصة ومن صام فالصوم أفضل»[49].
وجه الاستدلال: بأن الحديث دل على أن الأفضل الصيام لكونه عزيمة والفطر رخصة فالإتيان بالعزيمة أفضل من الرخصة[50].
ويمكن أن يناقش وجه الاستدلال: بأن الحديث ورد حال السفر، وأنه رُخِّصَ للمسافر الفطر والعلة في الفطر للمسافر هي: السفر وليست المشقة، ولذا استوى الأمران من حيث إباحة الفطر والصوم وترجح الصوم إما لكونه العزيمة أو لتحقق القوة وعدم الحاجة للفطر وهي المشقة، أما مسألتنا فهي الفطر للمسن لوجود المشقة فالعلة هي المشقة وقد وجد ذلك فكان الأفضل لـه الفطر لكونه الأيسر المباح لـه لما سبق من أدلة القول الأول كما أن المشقة إذا تحققت للمسافر فالفطر أفضل لما ثبت من أحاديث صحيحة نهى فيها النبي – صلى الله عليه وسلم - عن الصيام في السفر كقوله – صلى الله عليه وسلم - «ليس من البر الصوم في السفر»[51]، ولكن كل هذا ورد في السفر وليس في المريض وكبير السن.
4- أن المريض والمسافر إما أن يصوما في رمضان أو في غيره، ورمضان أفضل الوقتين فكان الصيام أفضل من الفطر[52].
5- أن الفطر بالنسبة للمريض والمسافر رخصة شرعت لرفع الحرج عنه، والصيام عزيمة والإتيان بالعزيمة أفضل من الرخصة فكان الصيام أفضل[53].
6- أن في الصوم إبراء للذمة، وبالفطر تبقى الذمة مشغولة[54].
ويمكن أن تناقش الأدلة العقلية بما يلي:
1- أما الدليل الأول فيسلم به حال العذر بالسفر أو المرض الموجب للقضاء عند الإقامة والشفاء أما مسألتنا فهي للمسن الذي سينتقل للبدل وهو الإطعام فلا قضاء عليه فهو في كل يوم يزداد مرضه وضعفه ولا يرجى شفاؤه في الغالب.
2- أما الدليل الثاني فلا يسلم به بل الاتيان بالرخصة عند تحقق موجبها أفضل لكون الصيام مع المشقة يلحق ضرراً بالمسن الضعيف.
3- أما الدليل الثالث فإن المسن إذا افطر لا تكون ذمته مشغولة إذا أطعم عن كل يوم مسكيناً.
واستدل أصحاب القول الثالث القائلون باستواء الأمرين بما ثبت من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عن الصيام في السفر فقال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر»[55].
وجه الاستدلال: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - خيره بين الأمرين فدل على استوائهما[56].
ويمكن أن يناقش وجه الاستدلال بأن هذا التخيير إنما هو عند عدم وجود المشقة والعذر الظاهر المبيح للفطر أما إذا تحققت المشقة فالفطر أفضل.
الترجيح:
ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول الأول القائل بأن الفطر أفضل لأنه الأيسر للمسن حال تحقق المشقة نظراً لقواعد الشريعة العامة ومقاصدها في التيسير ورفع الحرج وإذا كانت المشقة يتحملها المسن ولا تضره فالصيام في حقه أفضل لأدلة القول الثاني.
المطلب الرابع : مباشرة المسن لزوجته :
المقصود بمباشرة المسن لزوجته هنا مباشرته لها باللمس والضم والتقبيل ونحو ذلك من المباشرة فيما دون الفرج، ودون أن تحرك شهوته فتؤدي إلى الإنزال، كما أن المراد بالمسن هنا المسن الذي يملك إربه ولا يخشى على نفسه الوقوع في الجماع بسبب المباشرة، وأما المباشرة في الفرج، أو المباشرة الفاحشة التي تؤدي إلى الإنزال أو الوقوع في الجماع، فلا فرق فيها بين المسن والشاب فلا يدخل في موضوعنا هنا.
فما حكم مباشرة المسن لزوجته على ما ذُكر، وما حكم تقبيله لها، وما أثرهما على صومه؟
اختلف أهل العلم في المذاهب الأربعة في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا بأس بمباشرة المسن لزوجته وتقبيله لها، وإلى هذا ذهب الحنفية[57]، والشافعية مع قولهم «الأولى تركها»[58]، وهو قول الحنابلة على المذهب[59]، وهو قول ابن عباس، ومروي عن ابن عمر رضي الله عنهم[60].
القول الثاني: يكره للمسن مباشرة زوجته وتقبيلها، وإلى هذا ذهب المالكية[61]، والحنابلة في رواية[62].
الأدلـة:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بالإباحة بالأدلة الآتية:
1- ما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يُقبِّل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه»[63].
وجه الاستدلال: أن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان يُقبِّل لماَّ كان يملك إربه ويسيطر على نفسه، والشيخ الكبير في معناه لقلة شهوته[64].
2- حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي – صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب[65].
3- ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كُنَّا عند النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فجاء شاب فقال: يا رسول الله، أُقبِّل وأنا صائم؟ قال: «لا» فجاء شيخ فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال: «نعم» قال: فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : «قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض، إن الشيخ يملك نفسه»[66].
وجه الاستدلال من الحديثين: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - رخص للمسن بالقُبلة والمباشرة، فدل على أنه لا بأس بهما بالنسبة له.
ونوقش هذا الاستدلال بأن الحديثين ضعيفان[67].
ويجاب عن هذه المناقشة بأن الحديثين صالحان للاحتجاج بهما كما قرره بعض أهل العلم[68].
4- أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما سئل عن القبلة للصائم، فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب[69].
5- أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أبا شر امرأتي وأنا صائم؟ فقال: لا، ثم جاءه آخر فقال أبا شر امرأتي وأنا صائم؟ قال: نعم، فقيل له يا أبا عبد الرحمن قلت لهذا نعم، وقلت لهذا لا؟ فقال: إن هذا شيخ وهذا شاب[70].
وجه الاستدلال: أن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم رأيا إباحة القبلة والمباشرة للشيخ، فدل على أنه لا بأس بهما بالنسبة للمسن.
6- أن المسن الذي ضعفت شهوته يأمن على نفسه من الوقوع فيما ينقض الصوم فلا بأس بقبلته لزوجته وهو صائم[71].
7- أن مباشرة المسن في هذه الحالة مباشرة لغير شهوة، فأشبهت لمس اليد لحاجة، فلا بأس بها[72].
واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بكراهية المباشرة والقبلة للمسن الصائم بالأدلة الآتية:
1- ما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - أنه قال: «رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في المنام، فرأيته لا ينظرني، فقلت: يا رسول الله ما شأني، فالتفت إليّ فقال: «ألست المقبل وأنت الصائم؟» فو الذي نفسي بيده لا أقبل وأنا صائم امرأة ما بقيت[73].
وجه الاستدلال من الأثر أن عمر – رضي الله عنه - قال لا أقبل وأنا صائم، فدل على كراهيته.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: أن سند الأثر ضعيف ولا تقوم به الحجة، وهو مع ضعفه قد خالف ما هو أوثق ثبوتاً عن أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه - [74].
الثاني: أنه لا دلالة في الأثر، لأنه حكاية عن المنام، والأحكام لا تؤخذ من المنامات[75]. وقد روي عن عمر – رضي الله عنه - في اليقظة ما يخالف هذا، وهو أصح سنداً من هذه الرواية، وهو قوله: «هششت فقبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبلت، وأنا صائم، قال: «أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم»[76].
2- أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان ينهى عن القبلة للصائم[77].
3- ما روي عن ابن مسعود – رضي الله عنه - أنه قال في رجل يقبل وهو صائم: «يقضي يوماً مكانه»[78].
وقد ذكر هذان الأثران في معرض الاستدلال للقائلين بالكراهية[79]، وهما يقتضيان التحريم، ولكن يناقش أثر ابن عمر – رضي الله عنه - بأنه قد روي عنه خلافه كما سبق ذكره[80]، وأثر ابن مسعود – رضي الله عنه - نوقش من وجهين:
الأول: أنه قد روي عن ابن مسعود – رضي الله عنه - أنه ذهب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يسألها عن حكم القبلة للصائم، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم وكان أملككم لأربه[81]. وهذا يدل على أنه لم يكن عنده في ذلك شيء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - حتى أخبرته عائشة رضي الله عنها بذلك، ويحتمل أن يكون هذا آخر الأمرين عن ابن مسعود – رضي الله عنه - [82]. فلا يصح إذاً الاستدلال بأثر بن مسعود – رضي الله عنه - إما لعدم ثبوته وإما لتغير رأيه.
الثاني: أن ما روي عن ابن مسعود – رضي الله عنه - مخالف لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم - ، ولا حجة في قول غيره – صلى الله عليه وسلم - في مخالفته، وهو كذلك مخالف لغيره من الصحابة رضي الله عنهم، وليس قوله حجة على غيره[83].
4- أن القبلة قد تؤدي إلى ما هو محرم للصائم وهو الجماع والإنزال فيفسد صومه فتكره لذلك[84].
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأنه منتف في حق المسن الذي ضعفت شهوته.
أن الصوم عبادة تمنع الوطء، فاستوى في القبلة فيها من تحرك شهوته وغيره كالإحرام[85].
ويمكن أن يناقش بعدم التسليم، لوجود الفارق، وذلك لأن النهي عن الجماع ودواعيه في الإحرام مقصود لذاته، أما القبلة بالنسبة للصائم عند من يقول بالمنع لئلا تكون ذريعة إلى غيرها.
الترجيح:
ولعل الراجح – والله تعالى أعلم – هو القول بعدم كراهية القبلة والمباشرة بالنسبة للمسن الذي ضعفت شهوته لما يلي:
1 للإجماع بين أهل العلم أن القبلة بالنسبة للصائم لا تكره لذاتها، وإنما خشية أن تؤدي إلى ما يدعو إليه من الجماع والإنزال، قال ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: «وقد أجمع العلماء على أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسها، وإنما كرهها خشية ما تحمل إليه من الإنزال...»[86].
وهذه العلة منتفية بالنسبة للمسن في هذه الحالة.
2 لقوة أدلة هذا القول، حيث إن لـه دليلاً من السنة الصحيحة وآثاراً مشهورة عن الصحابة رضي الله عنهم، ومن المعقول.
3 لضعف أدلة القول المخالف وورود المناقشة المؤثرة عليها.
بقلم الشيخ: سعد بن عبد العزيز الحقباني




[1] ينظر: المبسوط 3/100، والاختيار لتعليل المختار 1/135، وفتح القدير 2/350، والمدونة الكبرى 1/210، وبداية المجتهد 1/344، وعقد الجواهر الثمينة 1/367، والحاوي الكبير 3/332، والمجموع 6/258، والبيان
3/466، والمغني 4/395، والمحرر 1/228، وكشاف القناع 2/309.


[2] الإجماع ص / 47.

[3] الاستذكار 10/213.

[4] بداية المجتهد 1/351.

[5] سورة البقرة الآية رقم 286.

[6] سورة الحج الآية رقم 78.

[7] سورة البقرة الآية رقم 185.

[8] ينظر الاستدلال بها في: الاستذكار 10/217، وكشاف القناع 2/309.

[9] سورة البقرة الآية رقم 184.

[10] سورة النساء، الآية رقم 176.

[11] سورة الأنبياء، الآية رقم 31.

[12] ينظر: المبسوط 3/100، وفتح القدير 2/356، 357.

[13] ينظر: فتح الباري 8/28، 29.

[14] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير، باب «أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً..» ص852 برقم 4505.

[15] ينظر: الاستذكار 10/8، وتفسير روح المعاني للألوسي 2/59.

[16] أخرجه البخاري معلقاً في كتاب التفسير باب «أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر...» قبل حديث رقم 4505 وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/72 برقم 12217. قال ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: «الخبر بذلك عن أنس صحيح متصل رواه حماد بن زيد، وحماد بن مسلمة، ومعمر بن راشد عن ثابت البناني» الاستذكار10/212، وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: «وروى عبد بن حميد من طريق النضر بن أنس عن أنس أنه أفطر في رمضان وكان قد كبر، فأطعم مسكيناً كل يوم، ورويناه في فوائد محمد بن هشام ابن ملاس عن مروان عن معاوية عن حميد قال: ضعف أنس عن الصوم عام توفي فسألت ابنه عمر بن أنس: أطاق الصوم؟ قال: لا، فلما عرف أنه لا يطيق القضاء أمر بجفان من خبز ولحم فأطعم العدة أو أكثر». فتح الباري 8/28.

[17] سبق تخريجه في ص497، الهامش رقم: 4.

[18] ينظر: فتح الباري 8/29.

[19] ينظر: الاستذكار 10/213.

[20] ينظر: مراتب الإجماع ص /40.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]