عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-01-2020, 01:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خروج المعتكف عن المسجد والاشتراط فيه

خروج المعتكف عن المسجد والاشتراط فيه(1-2)

د.سعد بن تركي الخثلان



المبحث الثاني : اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف :

يشترط المسجد لصحة الاعتكاف، وقد أجمع العلماء على ذلك، قال ابن القطان رحمه الله: " أجمعوا على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد " [41].

وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله: " لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً " [42] اهـ .

وقال القرطبي رحمه الله : " أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد " [43] اهـ .

ويدل لذلك قول الله تعالى { وَلاَتُبَاشِرُوهُنَّوَأَنتُمْعَاكِفُونَفِيالْمَسَاجِدِ }[44] قال النووي رحمه الله :" وجه الدلالة من الآية لاشتراط المسجد أنه لو صحَّ الاعتكاف في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد؛ لأنها منافية للاعتكاف فعلم أن المعنى بيان أن الاعتكاف إنما يكون في المساجد " [45]. اهـ .

ويدل لذلك أيضاً ما جاء في الصحيحين[46] عن عائشة رضي الله عنها قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه في المسجد فأرجَّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً.

ولو كان المسجد غير مشترط لصحة الاعتكاف لم يكن هناك حاجة لئن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه فقط لحجرة عائشة لترجَّله ولدخل بجميع بدنه ... ، ويؤكد هذا المعنى قولها : وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، ولو كان المسجد غير مشترطٍِ لصحة الاعتكاف لكان دخوله للبيت للحاجة ولغير الحاجة .

ومع اتفاق العلماء على اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف إلا أنهم اختلفوا في ضابطه بالنسبة للرجل وبالنسبة للمرأة .

وفيما يلي بيان لذلك :

أولا: ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف للرجل :

اختلف العلماء في ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف للرجل على أقوال :

القول الأول: أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وهو قول عامة التابعين ولم ينقل عن صحابي خلافه، إلا قول من خصّ الاعتكاف بالمساجد الثلاثة أو مسجد نبي "[47] اهـ .

وقال به من السلف : عروة بن الزبير، والزهري، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير وغيرهم[48]. وهو مذهب الحنفية[49] والحنابلة[50] .

القول الثاني: أنه يصح الاعتكاف في كل مسجد وهو مذهب الشافعية[51] وهو مذهب المالكية إلا أنهم يرون أنه إذا نوى اعتكاف مدة يتخللها جمعة فلا يصح اعتكافه إلا في مسجد جامع[52] .

القول الثالث: أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جامع. وقد روي هذا القول عن الزهري والحكم وحماد[53] وهو مذهب المالكية إذا نوى اعتكاف مدة يتخللها جمعة[54]، وقول الشافعي في القديم[55] .

القول الرابع : أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة : المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى .

وقد روي عن حذيفة بن اليمان [56]رضي الله عنه .

الأدلة :

أدلة القول الأول :

استدل أصحاب القول لقولهم بأن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد تقام فيه الجماعة بما يأتي :

1- قول الله تعالى : { وَلاَتُبَاشِرُوهُنَّوَأَنتُمْعَاكِفُونَفِيالْمَسَاجِدِ }[57] ووجه الدلالة: أن لفظ المساجد في الآية عام فيشمل كلَّ مسجد لكن يخصَّ بالمسجد الذي تقام فيه الجماعة لأن الجماعة واجبة، واعتكاف الرجل في مسجدِ لا تقام فيه الجماعة يقضي إلى أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبة، وإما خروجه إليها، فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه، وذلك مناف للاعتكاف، إذ هو لزوم المعتكَف والإقامة على طاعة الله فيه[58] .

2- قول عائشة رضي الله عنها : السنة في المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج إلا لما لابَّد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة[59] وموضع الشاهد منه قولها : "ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة " وقد صدرت رضي الله عنها قولها بـ "السنة" وهي تنصرف عند الإطلاق إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد اعترض على هذا الاستدال : بأنه هذا القول مدرج من كلام الزهري وليس من كلام عائشة رضي الله عنها كما ذكر ذلك الدار قطني وغيره [60] .

3- أن هذا القول هو المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم . فقد روي هذا القول عن علي وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم [61].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لم ينقل عن صحابي خلافه إلا قول من خصَّ الاعتكاف بالمساجد الثلاثة أو مسجد نبي "[62] اهـ .

أدلة القول الثاني :

استدل أصحاب هذا القول لقولهم بأنه يصح الاعتكاف في كل مسجد وإن لم تقم فيه الجماعة بما يأتي :

1- عموم قول الله تعالى : { وَلاَتُبَاشِرُوهُنَّوَأَنتُمْعَاكِفُونَفِيالْمَسَاجِدِ }[63]قالوا : فلفظ " المساجد " في الآية عام فيشمل كلَّ مسجد .

ويمكن الاعتراض على هذا الاستدلال بأن لفظ " المساجد " في الآية وإن كان عاماً إلا أنه لابدَّ من تخصيصه بالمساجد التي تقام فيها الجماعات؛ لأن اعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضى إلى ترك الجماعة الواجبة عليه أو خروجه المتكرر لأداء الصلاة مع الجماعة، وهذا الخروج المتكرر الذي يمكن الاحتراز منه ينافي الاعتكاف[64] .

2- حديث حذيفة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل مسجدٍ له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح " [65].

وقد اعترض على هذا الاستدلال بأن هذا الحديث ضعيف جداً لا تقوم به حجة[66] .

أدلة القول الثالث :

استدل أصحاب هذا القول لقولهم بأنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جامع بما يأتي :

1- قول عائشة رضي الله عنها : السنة في المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابدَّ منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع [67].

وموضع الشاهد قولها : ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع . وقد صدرت رضي الله عنها – قولها بـ " السنة " وهي تنصرف عن الإطلاق إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم فتكون السنة قد دلت على أن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد جامع .

واعترض عليه بما سبق من هذا القول مدرج من كلام الزهري وليس من كلام عائشة رضي الله عنها[68] .

2- أن الاعتكاف في غير المسجد الجامع يفضي إلى خروج المعتكف من معتكفه لأداء صلاة الجمعة، وهذا الخروج يبطل اعتكافه لكونه خروج يمكن التحرز منه باعتكافه في المسجد الجامع ، وبناء على ذلك لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جامع[69] .

واعترض على هذا التعليل بعدم التسليم بأن خروج المعتكف لأداء صلاة الجمعة يبطل اعتكافه، بل هو خروجٌ مأذون له فيه، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله : " القول باشتراط موضع تقام فيه الجمعة لا يصح، للأخبار، ولأن الجمعة لا تتكرر فلا يضر وجوب الخروج إليها، كما لوا اعتكفت المرأة مدة يتخللها أيام حيضها ولو كان الجامع تقام فيه الجمعة وحدها ولا يصلى فيه غيرها لم يجز الاعتكاف فيه " [70] اهـ .

أدلة القول الرابع :

استدل أصحاب هذا القول لقولهم بأنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة بحديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قوم عكوف بين دارك ودار أبي موسى لا تنهاهم وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة فقال عبد الله : لعلك نسيت وحفظوا أو أخطأت وأصابوا[71].

ووجه الدلالة أن قوله صلى الله عليه وسلم : " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة " يدل على أنه لا يصح الاعتكاف إلا في هذه المساجد الثلاثة إذ الأصل في النفي أن يحمل على نفي الصحة، ومما يؤكد هذا المعنى أن حذيفة رضي الله عنه ما كان لينكر على ابن مسعود رضي الله عنه وهو يعلم علمه وفضله على سكوته وعدم إنكاره على المعتكفين في المساجد بين الدور إلا لأنه قد استقر عنده ما فهمه من النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لا اعتكاف صحيح إلا في المساجد الثلاثة[72] .

واعترض على هذا الاستدلال من عدة وجوه :

الوجه الأول: أنه ضعيف لا يثبت مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم [73].

الوجه الثاني: أن هذا الحديث لو كان ثابتاً مرفوعاً لاشتهر بين الصحابة رضي الله عنهم، لأنه مما توافر الدواعي لنقله واشتهاره، وقد كان أكابر الصحابة يفتون بخلافه، فقد أفتى علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم بأن الاعتكاف يكون في كلَّ مسجدٍ تقام فيه الجماعة [74]، ولم يثبت عن أحدٍ من الصحابة مخالف في ذلك بل كان العمل مشهوراً بينهم في كل الأمصار دون نكير إلا ما روي عن حذيفة رضي الله عنه.

الوجه الثالث: أنه لو قيل بموجب هذا الحديث لكان جملاً للآية الكريمة { وَلاَتُبَاشِرُوهُنَّوَأَنتُمْعَاكِفُونَفِيالْمَسَاجِدِ } على النادر وهذا من معايب الاستدلال[75].

الوجه الرابع : على تقدير ثبوته فيحمل النفي في هذا الحديث على نفي الكمال فيكون المعنى : لا اعتكاف كامل ، جمعاً بين هذا الحديث وأدلة أصحاب القول الأول[76] .

الترجيح :

بعد عرض أقوال العلماء في هذه المسألة وأدلتهم يظهر – والله أعلم – أن القول الراجح في هذه المسألة هو القول الأول وهو أن الضابط في المسجد الذي يشرع الاعتكاف فيه للرجل هو المسجد الذي تقام فيه الجماعة، لقوة أدلة هذا القول، ولضعف أدلة الأقوال الأخرى، ثم إن هذا القول هو الذي عليه أكابر الصحابة كعلي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وهم أعلم الناس بمدلول النصوص الشرعية والله تعالى أعلم .

ثانياً : ضابط المسجد الذي يشرع للمرأة الاعتكاف فيه :

تختلف المرأة عن الرجل في أنها لا تجب عليها صلاة الجماعة عند جميع العلماء ومن هنا لم يقل أحد من العلماء بأن المرأة يلزمها الاعتكاف في مسجدٍ تقام فيه الجمعة أو الجماعة وإنما اختلفوا في اشتراط اعتكافها في أي مسجد أو أن ذلك لا يشترط وأنّ لها أنْ تعتكف في مسجد بيتها على قولين مشهورين :

القول الأول: يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في أي مسجد - وإن لم تقم فيه الجماعة - وليس لها أن تعتكف في مسجد بيتها -، وإليه ذهب جمهور العلماء من المالكية [77]وهو الصحيح من مذهب الشافعية [78] والحنابلة [79].

القول الثاني: لا يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في المسجد بل يجوز لها أن تعتكف في مسجد بيتها ، وهو مذهب الحنفية[80][81] وقول الشافعي في القديم[82].

الأدلة :

أدلة القول الأول :

استدل أصحاب هذا القول لقولهم باشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة وأنه ليس لها أن تعتكف في مسجد بيتها بما يأتي :

1- قول الله تعالى : { وَلاَتُبَاشِرُوهُنَّوَأَنتُمْعَاكِفُونَفِيالْمَسَاجِدِ }[83] .

ووجه الدلالة : أن المراد بالمساجد في الآية، المواضع التي بنيت للصلاة فيها، وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد؛ لأنه لم يبن للصلاة فيه فلا يثبت له أحكام المسجد الحقيقية وإن سمي مسجداً فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم : "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " [84][85] .

2- أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد فأَذِن لهن[86]، ولو لم يكن موضعاً لاعتكافهن لما أذن فيه ، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لدلَّهنَّ عليه ونبههنَّ عليه[87] .

ويمكن الاعتراض على هذا الاستدلال بأنه غاية ما يدل عليه أنه يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد، لكن ليس فيه دلالة على أنَّ المرأة لا يصح أن تعتكف في مسجد بيتها .

ويمكن الإجابة عن هذا الاعتراض بأنه لو كان يصح للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأزواجه ولنساء الأمة كما بيَّنَ ذلك بالنسبة للصلاة بقوله : " وبيوتهن خير لهن "[88] خاصة وأنه قد وقع بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم شيء من التنافس على الاعتكاف في المسجد، ولو كان الاعتكاف في البيت يصح لبينَّ النبي صلى الله عليه وسلم لهن ذلك، لأنَّ فيه قطعاً للتنافس بينهن على الاعتكاف في المسجد لكنه عليه الصلاة والسلام قال : " آلبَّر أردن بهذا ما أنا بمعتكف " فرجَعَ فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال[89].

3- أنَّ الاعتكاف عبادة وقربة يشترط لها المسجد في حق الرجل فيشترط في حق المرأة كالطواف [90].

4- أنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد باتفاق العلماء، ومسجد بيت المرأة وإن سمي مسجداً لغة إلا أنه ليس بمسجدٍ شرعاً ولا تترتب عليه أحكام المساجد بدليل جواز تغييره ومكث الجنب فيه[91] .

أدلة القول الثاني :

استدل أصحاب هذا القول لقولهم بصحة اعتكاف المرأة في مسجد بيتها بما يأتي :

1- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فاستأذنته عائشة فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببناء فبُني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه فأبصر الأبنية فقال: ما هذا ؟ قالوا : بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم : " آلبرَّ أردن بهذا ؟ ما أنا بمعتكف " فرجع فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال [92].

ووجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاعتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه فيه وقال " ألبرَّ تردن ؟ " فدل ذلك على أن المرأة ممنوعة من الاعتكاف في المسجد، وحيث إن الاعتكاف مشروع للمرأة كما هو مشروع للرجل - كما سبق - فتكون مشروعيته في مسجد بيتها[93].

واعترض على هذا الاستدلال بعدم التسليم بأنَّ ترك النبي صلى الله عليه وسلم للاعتكاف لما رأى أبنية أزواجه فيه وكراهيته لاعتكافهن لأجل أن المرأة ممنوعة من الاعتكاف في المسجد، إذ لو كان الأمر كذلك لما أَذِنَ لهن أصلاً وقد استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن، لكن كراهيته عليه الصلاة والسلام لاعتكافهن لما رأى من تنافسهن الذي يخشى معه سوء القصد والنية ولهذا لما أمر بنزع الأخبية لم يأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله : " إنما كره اعتكافهن في تلك الحال -حيث كثرت أبنيتهن - لما رأى من منافستهنَّ ولذلك قال : " آلبرَّ تردن "منكراً لذلك، أي لم تفعلن ذلك تبرراً، ولذلك ترك الاعتكاف لظنه أنهن يتنافسن في الكون معه ، ولو كان للمعنى الذي ذكروه لأمرهنَّ بالاعتكاف في بيوتهن ، ولم يأذن لهنَّ في المسجد "[94] اهـ .

2- أن الصلاة أخصَّ بالمساجد من الاعتكاف لأنها بنيت لها، فإذا كره لها الصلاة في المسجد فالاعتكاف من باب أولى، وإذا ثبتت كراهية الاعتكاف في المسجد، وهذه العبادة يستوي فيها الرجال والنساء فلابَّد أن تكون لها حالة لا تكره فيها وهي اعتكافها في مسجد بيتها[95] .

واعترض على هذا التعليل بأن حاصله قياس الاعتكاف على الصلاة ولا يصح هذا القياس لأمرين :

الأول : أنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد الاعتبار .

الثاني : أنه قياس مع الفارق فإن صلاة الرجل للنافلة في بيته أفضل ومع ذلك لا يصح اعتكافه فيه باتفاق العلماء[96] .

3- أن الاعتكاف يمتد زمنه في الغالب، وتختلف فيه أحوال المعتكف من النوم إلى الجلوس إلى القيام والأكل، فلا يؤمن معه من الإطلاع على المرأة من الرجال الأجانب، واعتكافها في بيتها أستر لها[97] .

ويمكن الاعتراض على هذا التعليل بأنه تعليل في مقابلة النص فلا يلتفت إليه .

الترجيح :

بعد عرض قولي العلماء في هذه المسألة ، وأدلتهم يظهر – والله أعلم – أن الراجح في هذه المسألة هو قول الجمهور ، وهو أنه يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في مسجد ، ولا يصح أن تعتكف في مسجد بيتها ، لقوة أدلة هذا القول، ودلالة السنة الصحيحة الصريحة له ، ولضعف أدلة أصحاب القول الثاني كما يظهر ذلك من مناقشتها .

هذا البحث نشر في العدد 82 من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]