عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 24-01-2020, 02:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,471
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (7)

- مسائل فقهية في ابتلاء الله تعالى لإبراهيم عليه السلام


د.وليد خالد الربيع


قال الله -تعالى-: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.

قال ابن كثير: «إن الله -تعالى- يذكر شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابة للناس، أي: جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولو ترددت إليه كل عام، استجابة من الله -تعالى- لدعاء خليله إبراهيم عليه السلام في قوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} إلى أن قال: {ربنا وتقبل دعاء} ويصفه -تعالى- بأنه جعله أمنا، من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا.

وفي هذه الآية الكريمة نبه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده. وبيّن أن المراد بأمر إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام -بتطهير البيت: هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك».

وفي هذه الآية الكريمة العديد من المسائل الفقهية، منها:
المسألة الأولى: هل يقتص ممن لجأ إلى الحرم؟

- أولا: اتفق الفقهاء على أن من انتهك حرمة الحرم بجناية فيه توجب حدا أو قصاصا فإنه يقام عليه حدها، قال القرطبي: «وقد أجمعوا على أنه لو قتل في الحرم قتل به، ولو أتى حدا أقيد منه به، ولو حارب فيه حورب وقتل مكانه». وذلك لما يلي:

1-أن الله -تعالى- قد أمر بقتال من قاتل في الحرم فقال -عز وجل-: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}، فأباح قتلهم عند قتالهم؛ حيث أخبر بجواز وقوع القتل فيه، وأمرنا بقتل المشركين فيه إذا قاتلونا.

2- قال ابن عباس: «من أحدث في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه من شيء».

3- ولأن أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي كغيرهم حفظا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فلو لم يشرع الحد في حق من ارتكبه في الحرم لتعطلت حدود الله في حقهم، وفاتت هذه المصالح التي لابد منها.

ثانيا: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من استوجب قصاصا في جناية على ما دون النفس ثم لجأ إلى الحرم فإنه يستوفى منه في الحرم، قال الجصاص: «أما ما دون النفس فإنه يؤخذ به؛ لأنه لو كان عليه دين فلجأ إلى الحرم حبس به لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته»، والحبس في الدين عقوبة، فجعل الحبس عقوبة وهو فيما دون النفس، فكل حق وجب فيما دون النفس أخذ به وإن لجأ إلى الحرم قياسا على الحبس في الدين.
ثالثا: اختلف الفقهاء في حكم من وجب عليه قصاص فلجأ إلى الحرم،على مذهبين:

المذهب الأول: أن من جنى جناية توجب القصاص ثم لجأ إلى الحرم لم يستوف منه ولكن يضيق عليه ولا يطعم ولا يبايع ولا يؤوى، ويقال له: اتق الله اخرج إلى الحل ليستوفى منك الحق الذي قبلك.وهو قول ابن عباس، وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد، ودليلهم:

1-قوله -تعالى-: {ومن دخله كان آمنا} والمقصود الحرم، والخبر أريد به الأمر لأنه لو أريد به الخبر لأفضى إلى وقوع الخبر خلاف المخبر.

2-قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد بها شجرة».

قال ابن حجر: «وظاهره أن حكم الله -تعالى- في مكة ألا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له».

المذهب الثاني: يستوفى من الجاني ولو لجأ إلى الحرم. وهو مذهب مالك والشافعي، ودليلهم:

1-عموم النصوص الآمرة باستيفاء القصاص، كقوله -تعالى-: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ونحوها، مما يدل على وجوب استيفاء القصاص من الجاني دون تخصيص الحكم بمكان دون آخر، وسواء جنى الجاني في الحرم أم كان خارجه ثم لجأ إليه.

2- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة.

3- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الفواسق الخمس في الحل والحرم فقال: «خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم، الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور»، فنبه بقتلهن في الحل والحرم على العلة وهي (فسقهن) ولم يجعل التجاءهن إلى الحرم مانعا من قتلهن، وكذلك فاسق بني آدم الذي استوجب القتل يقتل في الحرم دون تفريق بين كونه قتل في الحرم أم قتل خارجه ثم لجأ إليه.
وقد نوقش هذا الاستدلال بما يلي:

1-أما العمومات الدالة على استيفاء القصاص في كل مكان، فلا تعرض فيها لزمان الاستيفاء ولا لمكانه، كما لا تعرض فيها لشروطه وانتفاء موانعه، وحيث إنها عامة لكل زمان ومكان فينبغي تخصيصها بالأدلة الدالة على منع الاستيفاء ممن لجأ إلى الحرم، كما أنها قد خصصت بالحامل والمرضع والمريض الذي يرجى برؤه.

2-أما قتل ابن خطل، فقد وقع في الساعة التي أحل فيها القتال بمكة، وقد صرح النبي بأن ذلك من خصوصياته، فقال: «فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب».

3-أما القول بأن الجاني حيوان مفسد فأبيح قتله في الحل والحرم كالكلب العقور، فلا يصح القياس؛ لأن الكلب العقور طبعه الأذى فلم يحرمه الحرم ليدفع أذاه عن أهله، وأما الآدمي فالأصل فيه الحرمة وحرمته عظيمة، وإنما أبيح لعارض فأشبه الصائل من الحيوانات المباحة فإن الحرم يعصمها.وأيضا فإن حاجة أهل الحرم إلى قتل الكلب العقور والحية ونحوها كحاجة أهل الحل سواء، فلو أعاذها الحرم لعظم عليهم الضرر بها.
والذي يظهر هو رجحان المذهب الأول لأمور:

- الأول: أن تحريم مكة تحريم قدري شرعي سبق به قدر الله يوم خلق السماوات والأرض، ثم ظهر به على لسان إبراهيم الخليل ومحمد -عليهما صلوات الله وسلامه-، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرما، وإني أحرم المدينة».

وقد كانت العرب في جاهليتها تعظم الحرم ولا تأخذ من لجأ إليه، فقد كان الرجل يرى قاتل أبيه أو ابنه في الحرم فلا يهيجه، فلما جاء الإسلام أكد ذلك وقواه.

- الثاني: ما نقل عن سلف الأمة من الصحابة الكرام في تأكيد هذا الحكم: فعن عمر بن الخطاب قال: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه. وعن ابن عمر قال: لو لقيت فيه قاتل عمر ما ندهته أي ما زجرته.وعن ابن عباس: لو لقيت قاتل أبي في الحرم ما هجته حتى يخرج منه.قال ابن القيم: «وهذا قول جمهور التابعين ومن بعدهم بل لا يحفظ عن تابعي ولا صحابي خلافه».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]