ثمَّ تقرر أنَّكم تعيشون واقعًا مختلفًا جدًّا، وأنَّ هذا الواقعَ لا يتعارضُ مع القراءة الواقعيَّة العقلانيَّة التي تعتمدونها.
ولي أنْ أسألَ أوَّلاً: واقعكم هذا الذي تعيشونَه مختلفًا جدًّا، مع ماذا؟
هل هو مختلفٌ جدًّا مع تلك الرؤية التي ينطلقُ منها الشيخُ الفوزان؟ إنْ كان كذلك، فيا لخسارَتِكم! ويا لسُوءِ واقعِكم! لأنَّه حِينَئِذٍ يختلفُ مع الإسلامِ، باعتبارِ أنَّه هو الذي ينطلقُ منه الشيخُ الفوزان، وكلُّ مسلمٍ مثل الشيخِ الفوزان، وأُعِيذُكَ بالله أنْ تقصدَ ذلك أو ترمِي إليه.
وإنْ كان مختلِفًا جدًّا مع شيءٍ آخرَ غيرِ ذلك، فقد كان الواجبُ عليك أنْ تُوضِّحَه وتُبَيِّنَه؛ لتُبْعِدَ عن نفسِك تلك التهمةَ الخطيرة.
أما ما قَرَّرْتَه أيُّها الفَتى النِّحْرِيرُ من أنَّ التعايُشَ والتسامُحَ لا يَعنِيان أنْ نَتَخلَّى عن شيءٍ من ديننا، فََلَيْتَ الأمرَ كان كذلك، وهذا هو الواجبُ والأصلُ، لكنَّ الواقعَ بخلاف ذلك، فقد أدَّيَا - أعني: التعايشَ والتسامحَ - إلى أنْ يَتَخَلَّى كثيرٌ منَّا عن دينِهم، ويَتَنَكَّروا له، ويَنسَاقوا - بوعيٍّ حينًا، وبلا وعيٍّ أحيانًا - في ركاب أعدائهم؛ محبةً لهم، وتقليدًا لطرائقِ عيشِهم وأوجُهِ حياتِهم، حتى في تربية الكلاب والعناية بها؛ بل ما هو أهمُّ وأعظمُ وأخطرُ من ذلك.
ولا تَنخَدِعْ بالمظاهر السَّطحيَّة مما تراه من بعضِ القومِ من مُجاملاتٍ لا تَتَعَدَّى الشَّكلَ الخارجيَّ، بل غُصْ إلى الأعماقِ؛ لترَى حقدًا دفينًا على الإسلام والمسلمين، وعداءً مُتَوَارَثًا من أتباع كلِّ الأديانِ الباطلةِ تقريبًا، من يهود، ونصارى، ووثَنِيِّين، للإسلام وأهلِه.
إنَّ هذا العداءَ الذي تُنكِرُه أنت وأمثالُك حقيقةٌ قرآنيَّةٌ لا تَقبلُ الجدل، لقد قرَّرَها القرآنُ؛ فلا مجالَ للأخذ والرَّدِّ فيها، وها هي آياتُ الله الغضَّةُ الطَّريَّةُ، التي كأنَّما أُنزِلَت البارحة، تُقَرِّرُ ذلك في وضوحٍ وجلاءٍ، فارجعوا إليها وتدبَّرُوها، وافهموا مرامِيَها وما تدلُّ عليه بفَهمِ السَّلف الصالح - رضي اللهُ عنهم - لا بِفَهمِ (العصرانِيِّين) و(التَّنوِيرِيِّين) و(العقلانِيِّين)، وما شئتَ بعدُ من تسميات.
كيف تَنْفُون ما أثْبَتَه اللهُ؟! وكيف تُنْكِرون ما قرَّرَه اللهُ؟! وكيف تُرِيدون هدمَ الجدار الذي أقَامَه اللهُ بين الكفرِ والإسلام إن كنتم تعقلون؟!
ثم يُضيفُ الكاتبُ: "يَتَحَكَّمُ بتفكِيرِ الشيخِ الفوزان قيمةُ العداءِ والبغضاء، فكرَّر كلمةَ كافرٍ ظ§ مرات في ردِّه القصير، الأمرُ الذي يَجعَلُه يَرى العالَمَ منقسِمًا بين المسلمين والكفار".
ويَكفِيني في نقدِ عبارتهِ تلك والردِّ عليها:
أنَّ ما يأخذُهُ هذا الكاتبُ على فضيلة الشيخ الفوزان من كونِه يتحكَّمُ بتفكيره قيمةُ العداء والبغضاء لكلِّ ما هو عدوٌّ لله ورسولِه والمؤمنين، وأنَّه لا يرى العالَمَ إلا مسلمين وكافرين - هو ما يُقَرِّرُه الله في كتابه الكريمِ في وضوحٍ وجلاءٍ، من أنَّ الناسَ كلَّهم حزبان لا ثالثَ لهما؛ {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22]، {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19]؛ فهما حزبان لا ثالثَ لهما، ومعلومٌ أنَّ الحزبَ الأوَّلَ، الذي عبَّر عنه القرآنُ الكريمُ بأنَّه حزبُ الله، يُمثِّلُ المسلمين، وأنَّ الحزبَ الثاني، الذي عبَّر عنه القرآنُ الكريمُ بأنَّه حزبُ الشيطان، يُمثِّلُ الكافرين من كلِّ لونٍ وجنسٍ ودينٍ، وهذان الحزبان هما اللذان سَيَؤُولان يومَ القيامة إلى فريقين: فريقٌ في الجنة، وفريقٌ في السعير.
فكيف تأخُذُ على الشيخ أَخْذَهَ بما قرَّره القرآنُ؟! وكيف تُنكِرُ عليه انطلاقَه من القرآن أيُّها الكاتبُ المسكين؟!
إنَّ مشكلَتَكم الكبرى أنتَ وأمثالك من هذه النَّاشئة من شبابِنا الذين فَتَحَتْ لهم الجرائدُ أبوابَها، لتكتُبوا فيها بهذه الغُثَائيَّة والضَّحالة - هي أنَّكم ضعيفون إلى حَدِّ العوزِ والفاقةِ في العلم الشرعيِّ، والثقافةِ الدينيَّة، فتُدخِلُون أنفسَكم في بحرٍ خِضَمٍّ لا تُجِيدون السباحةَ فيه، ولا الغوصَ في أعماقِه، وهي مشكلةُ زمنِنا هذا، الذي صار كلُّ مَن قرأ روايةً، أو ديوانًا، أو كتابًا هَشًّا - كاتبًا كبيرًا، وعالِمًا نِحْرِيرًا، فغرَّتْه نفسُه، وخَدَعَه مستخدِمُوه، وجَعَلَوه مَطِيَّةً لبلوغِ أهدافٍ يَرمُون للوصول إليها، فَفَتَحوا له أبوابَ جرائدِهم ومجلاتِهم، يَدْلِفُ إليها بلا استئذانٍ، ويكتبُ فيها ما يفهمُ وما لا يفهم، المهمُّ أنْ يُصادِمَ نصوصَ الوَحْيَيْنِ، وأنْ يُهَاجِمَ تعاليمَ الكتابِ والسُّنَّةِ، ورموزَ العلم والصلاح والإصلاح من العلماء وأهلِ الفضلِ، فتلك مؤهلاتُ الكاتبِ ليتقدَّمَ ويعلوَ شأنُه في صحافة هذا الزمن الرديء.
وها هو الكاتبُ الفَذُّ يمضي في جهله بنصوص الشَّريعةِ، فيقولُ مستنكرًا: "وحتى داخل الطائفة الواحدة هناك انقسامٌ بين الفِرَق؛ فهناك فِرقةٌ صحيحةٌ واحدةٌ، ومئاتُ الفِرَق الخاطئة"، أليس بهذا يَرُدُّ الحديثَ الصحيحَ الذي يُخبرُ فيه الرسولُ - عليه الصلاة والسلام - عن افتراق اليهود إلى إحدى وسبعين فِرقةً، وافتراقِ النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقةً، وأنَّ هذه الأمةَ سَتَفْتَرِقُ إلى ثلاثٍ وسبعين فرقةً، كلُّها في النار إلا واحدةً، فلمَّا سُئِل عنها - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أَخبرَ أنَّها: ((مَن كان على مثلِ ما أنا عليه اليومَ وأصحابي))؛ أي: إن هناك فرقةً واحدةً صحيحة، وفِرقًا كثيرةً خاطئة؟!
ثُمَّ يُعقِّبُ الكاتبُ بكلامٍ خطيرٍ كالذي سَبَقَه، فيقول: "مثلُ هذه الثقافةِ - بالإضافة إلى معارضتِها للتَّطوُّر العقليِّ - هي أيضًا سببٌ - كما يُثْبِتُ التاريخُ والواقعُ - في تمزيقِ الأوطان"، ولا معنى لهذا الكلام حَسْبَمَا يفهَمُهُ العقلاءُ إلا أنَّ الثقافةَ التي تقولُ وتُقَرِّرُ أنَّ البشرَ نوعان لا ثالثَ لهما: مؤمنٌ مسلمٌ، وكافرٌ، وأنَّ الفِرقةَ الناجيةَ ذاتَ المنهج الصحيحِ واحدةٌ فقط، وهي هنا ثقافةُ الإسلام، ونصوصُ الوَحْيَيْنِ - ثقافةٌ تُعارِضُ التطورَ العقليَّ، وتسبِّبُ تمزُّقَ الأوطان، فأيُّ إساءةٍ للإسلام أعظمُ من هذه الإساءة؟! وأيُّ اتِّهامٍ للإسلام وثقافتِه وتعاليمِه بما هو منه براءٌ أعظمُ من هذا الاتهام؟! ومِمَّن؟! مِن مسلم ينتمي إلى وطنِ الإسلام، وأهلِ الإسلام، فلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العليِّ العظيم!
ولا يكادُ ينتهي عُجَرُ (المهيني) وبُجَرُه، فها هو يقولُ: "يتجاهلُ الشيخ الفوزان أيضًا مثلَ هذه الدعواتِ التي انتقدَها في المقال، كانت هي التي رسخَّتْ ثقافةَ التطرُّف، وكانت الوَقودَ الذي أشعلَ نارَ الإرهابِ بشبابنا في كلِّ مكانٍ، وتحديدًا في بلادنا".
وغايةُ ما يُرَدُّ به على هذه العبارات الركيكة وغيرِ المتراكبة أنْ يقالَ: إنَّ الذي رسَّخ ثقافةَ التطرُّف، والوَقودَ الذي أشعلَ نارَ الإرهاب، هو هذا التطاولُ منكم على نصوص الوحيين، ومصادمتها وتفسيرها حسب أهوائِكم، حيثُ يُشعِلُ ذلك نارَ الحماسة في صدورِ شبابِكم المؤمنِ، الذي يفتدِي دينَه بنفسه وبكلِّ ما يملِكُ من غالٍ ونفيس، ومن هنا؛ تدفعونهم بما تفعلون من تلك المصادمةِ، والتَّنكُّر، والمواجهةِ للدين ونصوصِه وعلمائه دفعًا لأنْ يَشتدُّوا عليكم، ويتطرَّفوا في مواجهتِكم، فلا تلومُوهم ولُومُوا أنفسَكم؛ لأنَّكم أنتم البادئون، والبادئُ أظلم، ولا ترموا غيركم بدائكم، فينطبق عليكم المثل القائل: "رمتني بدائها وانسلَّت".
وأخيرًا:
يقولُ كاتبُنا - أصلحه الله -: "إنَّ اختزالَ علماءِ المسلمين بشخصٍ واحدٍ، أو رأْي واحد، هو أمرٌ لا يَنسجِمُ مع المنطقِ العقليِّ فحسب، ولكنَّه يقدِّم نفسَه المفسِّرَ الوحيدَ لكلام الله - تعالى - وهذا الاحتكارُ النهائيُّ بات أمرًا غيرَ مقبولٍ على الإطلاق".
ولا شكَّ أن الاختزالَ الذي ذَكَرَه غيرُ صحيحٍ، ونحن معه في تقرير أنَّه لا وصايةَ لأحدٍ على الإسلام، ولا يمكنُ أنْ ينحصرَ الأمرُ في عالِمٍ واحدٍ؛ إذْ كلٌّ يُؤخذُ مِن قولِه ويُرَدُّ، إلاَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا يمكنُ أنْ يُقَرَّ أحدٌ على احتكار العلم بالشريعة ونصوصِها، لكن ليس معنى ذلك أنْ يُفتحَ البابُ على مصراعَيْه لكلِّ مَن هَبَّ ودَبَّ ليتكلمَ في الشريعة ونصوصِها، فلا يلزمُ من تقرير الأول، تقرير الثاني أبدًا، وإنما الشريعةُ ونصوصُها سياجٌ لا يجوز أن يقتحمَه إلا أربابُ العلم الشرعيِّ، المتمكِّنون من فهمِ قواعد الشريعة ومرامِيها، وأهلُ الفَهم الصحيح لمراد الله - تعالى - ممن نوَّرَ اللهُ بصائرَهم ورزقَهم الفهمَ السليمَ، والدراية التامة بالكتاب والسنة، بعد جثو على الركب، وإمضاء للأعمار المباركة في حلق العلم، والتعلم على الأشياخ والأئمة الموقِّعين عن رب العالمين - جلَّ جلالُه.
إنَّ مثلَ هذه العباراتِ التي يُطلِقُها بعضُ الكُتَّابِ المستصحفين عباراتٌ فَضفاضةٌ، وهي أشبهُ بكلمةِ الحقِّ التي يُرادُ بها الباطلُ، فلا ينبغي أن تنطلي على القارئ الفَطِنِ، فهم يقولون: إنَّه لا وِصاية لأحد على الإسلام، ولا يجوزُ أن يحتكرَ الكلامَ في الدين أحدٌ؛ لأنَّ الدينَ للجميع، وهم يَقصدون بذلك أنْ يُفتحَ البابُ لكلِّ واحدٍ ليُقرِّرَ ما يراه هو، لا ما تراه الشريعةُ، وما يُريدُه هو، لا ما يُريده الدين، ومِن أعجبِ العجب أنَّ الدين فقط هو الذي يُجوِّزون استباحتَه مِن كلِّ أحدٍ، والحديثَ فيه وفي نصوصِه مِن قِبَلِ مَن عَلِم ومَن جَهِل، ومَن عَرَف ومَن لم يعرفْ، بينما التَّخصصاتُ الأخرى يَستنكِرون أشدَّ الاستنكارِ الخوضَ فيها ممن لا يُتقِنُها ولا يَعلمُ تفاصيلَها، كالطِّبِّ، والهندسة، والاقتصاد، وغيرِها، فأيُّ الأمرين أخطرُ وأعظمُ أثرًا: الكلام في الدين وأصولِه وفروعِه ممن يَجهلُها، أم الكلام في أمور الدنيا الأخرى؟!
وختامًا:
لمقالِه الذي رَدَّ به على فضيلة الشيخ الفوزان يقول (ممدوح المهيني): "مِن حقِّ الشيخ صالح الفوزان أنْ يؤمنَ بالأفكار التي يُريدُها ويدعو لها، كما مِن حقِّ أيِّ أحدٍ أنْ يَنتَقِدَها ويدعو للأفكار التي يراها صائبةً، لكنْ ليس من حق الشيخ الفوزان أن يهدد بعصا الله بأن يَطرُدَنا من رحمته؛ لأنَّه لا أحدَ يُمكِنُه الآن - بعد أن سقطت فكرةُ الوصاية - أن يلعبَ دورَ المفوض من الله".
ولستُ أدري: لِمَ يفترضُ هذا الكاتبُ وأمثالُه معركةً بينهم وبين العلماء الفضلاء، الذين يُريدُون لهم الخيرَ، فيُوجِّهون لهم النصيحةَ؛ إعمالاً لأمر نبيِّهم - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - في قولِه: ((الدينُ النصيحةُ))، قلنا: لمن يا رسولَ الله؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم))؟!
لماذا تفترضون أنَّ العلماءَ يُرِيدُون الوِصاية عليكم، وهم لم يدَّعوها؟! ومَن مِن علمائِنا قديمًا أو حديثًا قال: إنه مفوَّضٌ من الله، ويَملِكُ أن يطردَ الناسَ من رحمة الله؟! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5]، ومع اعتراضي على عبارة "عصا الله" - تعالى اللهُ وتقدَّس - إلا أنَّني أُطَمْئِنُك وأمثالك بأنَّ الشيخ الفوزان وسائرَ علمائنا لا يُهدِّدون أحدًا، ولا يَطرُدون أحدًا، وليسوا في معركة مع أحدٍ.
وإنما هم قومٌ قد فهموا دينَهم وفَقِهُوه وأدركوا مراميَه، فَهُم يعملون بنصوصه؛ دعوةً إليه، وبيانًا لأحكامه، ونصحًا للأمة، وتذكيرًا للناس، وتنبيهًا للغافل، وتعاونًا على البرِّ والتقوى، فَمَن استَمَعَ وأصاخَ، وقَبِلَ وأذعَنَ للحقِّ، فهو على نورٍ من ربِّه، وما نَفَعَ إلا نفسَه، ومَن ردَّ الحقَّ، واستَكبَرَ عنه، ولم ينتفعْ بنصحهم، ولم يسمعْ لقولِهم، فإنما يَجنِي على نفسِه، وهم بُرَآءُ مما أوقع نفسَه فيه من المخالفة، بعد أن دَعَوا وبيَّنُوا، وأمرُوا ونهَوا، ومَن عادَاهم، ووقع في أعراضِهم، وأساء إليهم، وتَهَجَّم عليهم، فهو على خطرٍ عظيمٍ، وقد عرَّضَ نفسَه لِمَا لا قِبَلَ لها به؛ فالعلماءُ أهلُ خشيةِ الله؛ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وهم أهلُ رضوان الله، حتى إنَّ الله قد أخضعَ لهم ملائكَتَه، التي تضعُ أجنحَتَها لطالب العالم؛ رِضًا بما يصنعُ، وهم الذين يَستغفرُ لهم كلُّ شيءٍ، حتى الحِيتانُ في الماء، وهذا كلُّه ثابتٌ بنصوصٍ صحيحةٍ من أحاديث المصطفى - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فاحْتَرمُوهم - معاشرَ الكُتَّاب - ووقِّرُوهم، واطلبوا العلمَ على أيدِيهم، واقبلوا نصائِحَهم، واعمَلُوا بتوجيهاتهم، ولا يَغُرَّنَّكم قريبٌ أو بعيدٌ يُحَسِّنُ لكم الوقوفَ في وجوهِهم، والتعالُمَ أمامهم، وردَّ ما يقولون لكم من الحقِّ؛ فإنَّ عاقبة ذلك الخسرانُ في الدنيا والآخرة، وويلٌ لأمةٍ يَتَنَكَّر دهماؤها لعلمائِها، ويَسخرُ شبابُها بشيبِها، واللهُ يقولُ الحقَّ وهو يهدي السبيل.