التجسس وإتباع العورات:
قال -تعالى-: (وَلَا تَجَسَّسُوا)[الحجرات: 12].
فالله -تبارك وتعالى- يحث المجتمع المسلم على الأخذ بالمظهر من أحوال الناس، وينهاهم عن البحث عن الأسرار وتتبع العورات.
والتجسس قد يكون هو الحركة التالية للظن، وقد يكون حركة ابتدائية لكشف العورات، والاطلاع على السوءات والقرآن يقاوم هذا العمل الديني من الناحية الأخلاقية، فالناس حرياتهم وحرماتهم وكراماتهم التي لا يجوز أن تنتهك في صورة من الصور، ولا تمس بحال من الاحوال، ولا يوجد مبرر مهما يكن لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات، حتى ذريعة تتبع الجريمة لا تصلح في النظام الإسلامي ذريعة للتجسس على الناس[[29]].
التثبت من الأخبار:
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6].
يأمر الله عباده المؤمنين بالتثبيت والاستيقان من الأخبار صيانة للمجتمع من الخصام والتفكك، ومن الاندفاعات وراء أخبار الفساق، وذلك لا يشبع الشك بين المسلمين، فتستقيم الأخوة الإسلامية ولا تعصف بها أخبار وأقوال المشككين والفساق.
التكافل الاجتماعي:
يقصد بالتكافل الاجتماعي، ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))[[30]].
فالتكافل الاجتماعي بمفهومه الإسلامي يعنى أن تكون أفراد المجتمع متشاركين متضامنين مع بعضهم البعض، محافظين على مصالحهم العامة والخاصة، يدفعون عن بعضهم البعض المفاسد والاضرار، ليس فقط في النواحي المادية، بل المعنوية أيضاً.
وتأتى فكرة الضمان الاجتماعي في العصر الحديث، في نهاية الحرب العالمية الثانية، من منطلق أن السلام الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق في حياة الشعوب إذا ترك الفرد يواجه محنه وشدائده وحاجته، دون أن يشعر بان المجتمع من حوله على استعداد لمديد المعونة إليه وقت ضعفه ومحنته.
ومن هنا يتضح الفرق بين التكافل الاجتماعي كما بينه القرآن الكريم، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام مضت، كما في قوله - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71].
فالتكافل الاجتماعي يعم كل فرد من أفراد المجتمع المسلم، طاعة لله ورسوله، وابتغاء الثواب من الله، في حين أن التكافل الاجتماعي الذى نادى به العرب قائم على رغبة الفرد، فهو تطوعي.
كما أن التكافل الاجتماعي في القرآن لا يقتصر على المسلمين فقط، بل يتعداهم كل بنى الإنسان على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم؛ ما داموا يعيشون بسلام داخل ذلك المجتمع، وليس بينهم وبين المسلم قتال ولا عداوات؛ من اغتصاب للأموال والدور، فأولئك يشملهم التكافل الاجتماعي القرآني، قال - تعالى -: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة: 8].
ومن أهم مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام، كفاية المحتاجين، من غذاء أو كساء أو إيواء، فقد جعل الله -تبارك وتعالى- كفايتهم فرض كفاية على الأغنياء، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[التوبة: 103].
وقال -تعالى-: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[الذاريات: 18-19].
وهذه الآيات وغيرها تعنى بفريضة الذكاة، وفضل التصدق على المحتاجين وثمرته في الدنيا قبل الآخرة، وأن الصدقة تكون في السر وتكون في العلن وأن صدقة السر أفضل من صدقة العلن أو الجهر، ومن واجبات المربى أيضاً أن يلقن الصغير ما جاء في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 262].
فالتكافل الاجتماعي في الإسلام يعتبر أن المحتاج له حق الإعانة على الميسور، ومن ثم لا ينبغي على الميسور أن يؤذيه بالقول أو بمجرد الإشارة، ولا يمن عليه.
ومن الوسائل الفعالة في غرس التكافل الاجتماعي لدى الأولاد أن نعطيهم أموال الذكاة أو الصدقات، ليعطوها هم للمستحقين ونبين لهم حقيقة الأمر كما علمنا الله إياه، كما ينبغي للمربين أن يذكروا الأولاد بالفقراء والمحتاجين مع ظهور النعم وفى المناسبات مثل الأعياد، ففي عيد الفطر تأتى صدقة الفطر، وقدرها زهيد يستطيع تقريباً كل فرد أن يشارك بالتكافل الاجتماعي من خلالها، وفى الأضحى تأتى الاضحية، هكذا يكون المجتمع المسلم.
كما لا يقف التكافل على الجوانب المادية فقط بل يتعداه كما أسلفنا ليشمل جميع متطلبات الحياة، ومنها نشر العلم داخل المجتمع بين أفراده، وعدم كتمان العلم عمن يطلبه، ومن مظاهره أيضاً إعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف.
وإذا غرست أيها المربى في نفس طفلك منذ نعومة أظفاره التكافل الاجتماعي كما بينه القرآن الكريم، وعلمته القناعة والرضا برزق الله، فقد أنشأت طفلاًَ صحيحاً نفسياً واجتماعيا، فمعظم المشاكل التي تواجه الإنسان تكمن في المال، فمن يحرص على إعانة الأخرين وحمل همومهم، فهو إنسان ينظر للمال على أنه وسيلة وليس غاية، والعكس فمن يعتبر المال غاية في حد ذاته، هلك في بحر الطمع والأنانية والبخل وأحاطت به الهموم والغموم وألمت به الأمراض والأسقام الجسدية والاجتماعية، وهلك معه من حوله من أفراد أسرته، فهو لا يعتنى إلا بالمال وجمعه فقط، بالإضافة الفقراء والمساكين من أفراد مجتمعه، ولم يكترث هو في جمعه عن حقوق غيره، فلا يضره أكان عن طريق أخذ أموال اليتامى أو بالنصب وظلم الناس.
ولهذه الأثار المدمرة قال -تعالى- عن المال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[التوبة: 34].
وقال -تعالى-: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[الكهف: 46].
وقال -تعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ)[آل عمران: 14].
الإصلاح الاجتماعي:
بجانب ما سبق من مبادئ وأسس التربية الاجتماعية، يأتي هذا المبدأ البالغ الأهمية، فالله -سبحانه وتعالى- يطلب من المؤمن أن يكون إيجابياً في مجتمعه إذا رأى منكراً ينكره، ويوجه الواقعين فيه إلى الخلاص منه ويحذرهم من خطره، وإذا رأى معروفاً أو خيراً لا يمارس يأمر بأدائه ويعرف به وفضله، فالفروض المجتمع الإسلامي إيجابياً يعمل على إصلاح مجتمعه، قال -تعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].
وقال -تعالى-: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لقمان: 17].
فمما لا شك فيه أن أي شيء إذا أحكمت غلقه، فإنه إذا كان هناك من يحاول فتحه فمع مضى الزمن سيفتح، فالله - سبحانه وتعالى - كما رأينا وضع من المبادئ والأسس الاجتماعية ما يضمن بقاء الجماعة الإسلامية إلى يوم القيامة، ولكن مع وجود النفس الأمارة بالسوء والهوى والشهوات وشياطين الإنس والجن، كل هؤلاء يدعون إلى الفساد والتحلل من تلك المبادئ والأسس، فكان لابد من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، درئاً ودفعاً للوساوس والشهوات، بحيث لو تغلب أحدهم على فرد ما وجد من يذكره ويعظه، فيفنى الخير.
ومجتمعاً خالياً من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فهو مجتمع يعج بالفتن والشهوات فهو كالسنبلة تأتى بها الريح وتذهب، ويصبح ذلك المجتمع عرضة للانحراف والهلاك، وهذا ما حدث مع المجتمع المسلم، فيوم أن غاب الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، أصابت المجتمع فتنة المال، ومن بعدها توالت الفتن تترا، فانحط المجتمع في وحل من الشهوات والملذات، فتداعت عليه الأمم، وزالت هيبته، واضمحلت ريادته، فبعد أن كان سائداً تتبعه الأمم أصبح مسوداً تابعاً لغيره، لا يملك حتى رأيه.
ولذلك علق الله -تبارك وتعالى- خيرية هذه الأمة وأفضليتها على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران: 110].
فقدم الله أداتي الإصلاح الاجتماعي على الإيمان به، لأنه يغيرهما لن يكون هناك إيمان، إلا بقدرة الله -تبارك وتعالى-.
ونظراً لأهمية هذا الإصلاح في المجتمع، وجه الله -تبارك وتعالى- رسالة إلى المربين يوجههم فيها إلى ضرورة توجيه الأولاد إلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، أي دورهم في الإصلاح الاجتماعي، وجاءت هذه الوصية على لسان لقمان الحكيم وهو يوصى ابنه، قال -تعالى-: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لقمان: 17].
فيصبح لزاماً على المربين أباءً ومعلمين، ليس فقط أن يأمروا هم أبنائهم وطلابهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، بل يوجهونهم إلى القيام بهذا الدور، فيكونون هم آمرون وناهون، وأن يقصوا عليهم ما جاء في القرآن من قصص تتعلق بهذا الأمر، ويظهر والهم أهميته وضرورته في الإصلاح وفضله وثوابه عند الله، كيف أنه دور من اصطفاهم الله من رسله وأنبيائه لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، فهم بالقيام بهذا الدور يقتدون بالرسل ويشاركونهم صفة من صفاتهم، حتى يلمس هذا السلوك شفاف قلوبهم، فيرتبطوا به ويشبوا عليه، وينفعلوا له.
اكتساب الآداب والقيم الاجتماعية والسلوكية:
وضع القرآن الكريم جملة من القيم، التي لا غنى للمجتمع بدونها، وتعد معايير للحكم على السلوك، فبدون هذه القيم يقف المجتمع بلا تقدم، قيم يحيى بها الفرد والجماعة، تدفع إلى سلامة الفرد ووحدة الجماعة وتماسكها، بما تبثه من تعاون، وتلقيه من محبة ومودة تذكى روح الأخوة والمساواة، وتقضى على الحقد والكراهية، وتذهب بالغضب والحسد والأنانية أدراج الرياح.
وإليك هذه القيم والآيات التي تشير إليها:
1. التواضع:
التواضع هو ذلك السلوك الفعال في كسب القلوب وأسر العقول، لذلك لا تجد نبياً إلا متواضعاً، وقد بين الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين أن التواضع هو السر في إمالة القلوب واستقطابها، وأن الغلظة والتعالي سبب البعد والنفور، قال -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آل عمران: 159].
التواضع هو السلوك الذى يمنح القدرة على التعبير عن النفس، وتدرك من خلاله السجايا، وتعرض من خلاله الحقائق بمرونة وبشكل سهل بسيط، يضفى على صاحبه هالة ووقار يدركه كل من يتعاملون معه، ويعطى انطباعاً إيجابياً، وتوفر عليه البحث عن أساليب معقدة يفرض من خلالها نفسه ورغباته.
وقد مدح الله -تعالى- المتواضعين وذم المستكبرين وتوعدهم بالعذاب الأليم، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)[المائدة: 82]
وقال -تعالى-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[الشعراء: 215].
وقال -تعالى-: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)[النجم: 32].
وقال -تعالى-: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)[الأعراف: 48- 49].
أما الكبر وهو الترفع والتعالي واعتقاده أنه فوق الناس، قال -تعالى- فيه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[القصص: 83].
وقال -تعالى-: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)[الإسراء: 37].
وقال -تعالى- على لسان لقمان: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[لقمان: 18].
فالتواضع ترسيخ وتدعيم للأخوة والمساواة التي وضعها الإسلام، أما الكبر فهو المرض العضال الذى ينال من الأخوة فيفضى عليها ويضع بدلاً منها الكره والحقد والحسد، فلا أحد يرضى أن يتعالى عليه أحد، لذلك حرمه الله بأشد الألفاظ وأبشع الأوصاف، حتى ترتعد منه النفوس، وتتجنبه العقول.
ومما يدل على أهميه في تربية الأولاد أنه يدخل ضمن ما وصى به لقمان الحكيم ولده، فاحرص أيها المربى على التواضع وغرسه في نفوس أولادك وحذرهم من الكبر، وبطش الله للمتكبرين، وجازهم وكافئهم على التواضع، وعليك بقصة "قارون وفرعون" فيهما من العظات ما يكفى.
2. الصدق:
قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].
وقال -تعالى-: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 35]
وقال -تعالى-: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)[محمد: 21].
أما الكذب، فقد قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)[النحل: 105].
وقال -تعالى-: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[الأنعام: 11].
وقال -تعالى-: (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)[النساء: 50].
وقد عرف العلماء الصدق بأنه مطابقة ما ينطق به اللسان، لما هو مستكن في القلب والوجدان، أما الكذب فهو ضده، وهو الغش الاجتماعي، وتور الحقائق على الناس.
والصدق منهج تربوي إسلامي؛ فعن أبى هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال لصبى تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة))[[31]] فهكذا نرى نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحرص تمام الحرص على تربية الأولاد على هذه الصفة الحميدة والخلق القويم، وكيف لا، فإن الصدق في الأقوال يؤدى إلى الصدق في الأفعال مما يؤدى إلى صلاح الأحوال، وانتشار البركات والرحمات، وزيادة المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، فيتقدم المجتمع ويعمه الرخاء والازدهار، وعلى النقيض إذا انتشر الكذب انتشر معه الفساد والاضمحلال والكساد، بما يؤدى بضعف المجتمع وزوال هيبته؛ لأن الكذب يؤدى إلى الفجور كما أخبرنا النبى -صلى الله عليه وسلم-، وكما قيل: "رأس المأثم الكذب" وهو من أقوى أسلحة إبليس في الإغواء وتسهيل ارتكاب المعاصي، فالكذوب يتعمد الكذب ليغطي ويمحو معصية ارتكبها أو ليتجمل سنية فعلها، أو ليبرز ما يقوم به من أعمال الشيطان، لذلك يجب أن نصون أبنائنا عنه ونحميهم منه.
3. التعاون على البر والتقوى:
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2] تشير الآية الكريمة إلى نوعين من التعاون.
النوع الأول: هو الذى ارتضاه الإسلام وحرص عليه وحث عليه المسلمين، وهو التعاون في كل وجوه الخير التي تعود على الأفراد والجماعات بالنفع، التعاون على طاعة الله ونصرة دينه، التعاون لنصرة المظلوم، التعاون لردع الظالم، التعاون من أجل المصلحة العامة، التعاون للارتقاء بالمجتمع ونشر العلم والثقافة، وهكذا.
أما النوع الآخر: فهو النوع المذموم الذى حاربه الإسلام، وهو ما كان عليه العرب في الجاهلية، وهو التعاون على الإثم والعدوان وظلم الناس والإفساد ونشر الرذيلة والفاحشة فقد كان العرب يقولون أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
والإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع العزلة عن المجتمع، فهو يحتاج إلى غيره لإشباع حاجاته الأساسية من كساء وغذاء ودواء وغير ذلك من متطلبات الحياه، وغيره كذلك يحتاج إليه، ومن ثم كان التعاون ضرورة ملحه لابد منها، لذ حث الإسلام عليه وقننه وضبطه، ومن ثم ينبغي أن يتعود الطفل على التعاون المثمر والفعال منذ الصغر، كما ينله على التعاون ضرورة من ضروريات الحياة، فكثيراً من الأنبياء الصالحين طلب نت الله يعينهم بغيرهم، مثل "موسى" -عليه السلام-، و "ذو القرنين" وغيرهم، حتى يتقدم بهم المجتمع.
4. أداء الأمانة:
قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)[النساء: 58].
وقال -تعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72].
يتصور أن مجتمع تضيع فيه الأمانة، فهو مجتمع لا أمان فيه، تضيع فيه الحقوق، ينتشر فيه أمراض القلوب من الحقد والكره والغضب، وهو من علامات قيام الساعة كما أخبرنا بذلك المعصوم - عليه الصلاة والسلام -، ومن علامات النفاق ويرتبط بالخيانة العديد من الرذائل التي تحط من قدر الإنسان أمام نفسه وأمام مجتمعه.
5. الاتحاد:
قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران: 103].
يأمر الله -تبارك وتعالى- في الآية بالاعتصام وهو التمسك والتشبث بشريعته، وشبه الشريعة بالحبل زيادة في الإيضاح وحثاً على التمسك بها، فهي وسيلة الاتحاد والتجمع التي يستمد منها المسلمون قوتهم بالالتفاف حولها، وتنهانا عن التفرق، التفرق يأتي الضعف والهوان، وإذلال الأمم والشعوب.
وينبغي للمربين أن يبثوا في نفوس أولادهم قيمة الاتحاد وأثرها على الفرد والمجتمع، والفُرقة والشتات وأثره على الفرد والمجتمع، ويعظوهم ويحثوهم بآيات الله، وقصص القرآن، قال -تعالى-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105].
وقال -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال: 46].
كما ينبغي أن يروى لهم ما فعله الاستعمار والغرب قديماً وحديثاً، حيث لم يستطيعوا الهيمنة على أرض الإسلام ونهب ثرواتها قديماً لاتحاد المسلمين، فأدركوا أن قوة المسلمين تكمن في عقيدتهم التي تمدهم بالاتحاد، فحاولوا إضعاف العقيدة وتمزيق الوحدة، فحال المسلمين اليوم كما نراه، لا يسر عدواً أو صديق، ومنها فهناك علاقة طردية بين ارتباط المسلمين بعقيدتهم وبين قوتهم وازدهار حضارتهم ورقيها.
كما ينبغي خلق المواقف التي تتطلب الاتحاد والتعاون من الأطفال وحثهم عليه ودفعهم إليه، حتى يعتادوا عليه.
6. الوفاء:
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)[المائدة: 1].
من القيم الهامة التي لها أثر عميق في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، فهو يعمق الاحترام بين الأفراد والجماعات، وينمى المحبة ويوسع دائرة العلاقات الاجتماعية، والإخلال به، يجلب اختلال العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع.
وقد جاء استعماله في القرآن الكريم بصيغ مختلفة ومتنوعة، فتارة يأتي الوفاء بعهد الله، كما قال -تعالى-: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)[البقرة: 40].
وتارة يأتي بعموم الوفاء، كقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )[الصف: 2- 3].
وقال -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)[الإسراء: 34].
وقال -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الانعام: 152].
وهكذا يأتي اهتمام القرآن الكريم في تربية للمسلمين بالوفاء والحث عليه وتنوع الآيات القرآنية المختصة به توحى بعموم المعنى، فلا يقتصر فقط على الوفاء بالمواعيد، والعهود، والكيل والميزان فقط، بل المعنى أشمل من ذلك، وهكذا تتجلى عظمة التربية القرآنية وروحها، ولكى يحث ويدفع الله -تبارك وتعالى- المسلمين إلى الوفاء لم يحذرهم من الإخلال به فقط، بل ضرب لنا أروع وأسمى نموذج في الوفاء، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ؟!)[التوبة: 111].
فاحرص أيها المربى على تربية أبنائك عليه، وإذا لم تفعل فاعلم أن أول من يعانى من ضده هو أنت.
الروابط والصلات الاجتماعية:
عمل القرآن الكريم على ربط أفراد المجتمع المسلم مع بعضهم البعض بعدة روابط وجعل لها آداب وحقوق، وحذر قطع هذه الصلات، دفعاً لتماسك المجتمع وتقوية روابطه، وزيادة المودة والألفة.
فمنها روابط الأبوة والبنوة، قال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)[الإسراء: 23].
وقال -تعالى-: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 24].
وأيضاً قوله -تعالى-: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا)[الإسراء: 28].
وقال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان: 14].
فلنعلم أبنائنا ونربيهم على بر الوالدين، فقد أكثر الله -تعالى- من التوصية بهما خيراً، حتى أنه قرن الأمر بعبادته بالأمر بالإحسان إليهما، وقرن الأمر بشكره بالأمر بشكرهم.
ولا تقتصر العلاقات والصلات الاجتماعية على الوالدين فقط، بل تمتد لتشمل جميع الأقارب والأرحام، فقد نهى الله قطعها وأمر بوصلها، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]. وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)[الرعد: 21].
ويوصى أيضاً بالجار القريب، قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)[النساء: 36] فقد جمع الله في هذه الآية المستحقين للإحسان والصلة، ومنهم الصاحب. فينبغي أن ينظم المربى أوقات للصلة والإحسان إلى هؤلاء المشار إليهم في الآية ويطلع الصغير عليه، ويشاركه فيها، ومع مرور الوقت يحاسبه هو إذا كان يصل الأهل والأصدقاء والجيران أم لا، ويكافئ عليها.
ومن الجوانب المهمة أيضاً التربية الاجتماعية، أن يحرص المربى على تلقين الأولاد الآداب الاجتماعية، مثل الاستئذان والسلام، والتهادي وغير ذلك.
وأخيراً، فهذا النموذج الأمثل في التربية الاجتماعية، الذى يضاهيه ولا يضارعه نموذج فهو نموذج من وضع الله الذى يعلم السر وأخفى، الذى يعلم بمكنون النفوس، وما يضرها وما يصلحها، فإذا كنا نريد السلامة لأبنائنا والنجاة من عقاب ربنا فلنتبع ما وجهنا إليه، ولا نأخذ بما يأتي به العقل الضعيف الذى يخطئ ويصيب، وخاصة العقول الغربية الكافرة، فلو كان في أفكارهم خير لصلحت بها مجتمعاتهم، لكن التفكك والإغراق يعم مجتمعاتهم، فابتغوا العزة فيما عند الله فهو المعز وهو المذل، لا إله إلا هو.
وفيما يلى نعرض لبعض لبعض المواقف الاجتماعية، ونبين آدابها وآثارها:
السلام:
جعل الله -تبارك وتعالى- تحية الاسلام: "السلام"، تعبيراً عن هدف الاسلام ومقصده من نشر الامن والطمأنينة بين أفراد المجتمع المسلم، ودعوة للمحبة ونشر الخير وزيادة في الألفة والمؤانسة، ونبذ الكراهية والبغضاء والتحصين ضد الحسد والحقد، وهو مجال لتوسيع العلاقات الاجتماعية وتدعيمها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم))[[32]] جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرط المحبة التي هي شرط الإيمان، والايمان شرط لدخول الجنة، فكأنما جعل إفشاء السلام شرط على دخول الجنة، فالمسلمين إذا تقابلا أقرا السلام بينهما، لك منى السلام ولى منك السلام.
والله -سبحانه- شرع السلام منذ بداية الخليقة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لما خلق الله آدم -صلى الله عليه وسلم- قال: اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحبونك فإنها تحيتك وتحيه ذريتك، فقال السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله))[[33]].
بذلك يكون السلام تحية البشرية جمعاً، وليست خاصة بالمسلمين فقط.
ويستحب أن يقول المبتدأ بالسلام: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ويرد عليه الاخر بقوله: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته" وله بكل كلمه عشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء، عن عمران بن حصين رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فرد عليه ثم جلس، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: ((عشر)) ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: ((عشرون) ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ((ثلاثون))[[34]].
والأحاديث الواردة في بيان فضل السلام كثيره منها ما رواه عبد الله بن سلام رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الارحام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام))[[35]].
[1] رواه البخاري " 3475 " , ومسلم " 1688 " .
[2] رواه البخاري " 2442 " , ومسلم " 2580 " .
[3] رواه البخاري " 6952 " , والترمذي " 2255 " .
[4]رواه البخاري في الأدب المفرد , وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد "240".
[5] نفس التخريج السابق.
[6] رواه الطبراني , والبغوي في السنة , وصححه الألباني في الصحيحة " 998 ".
[7] رواه البخاري " 13 " , ومسلم " 45 ".
[8] رواه البخاري " 16 " , ومسلم " 43 ".
[9] رواه مسلم " 2589 " , والترمذي , وأبو داود .
[10] البخاري " 67 " , " 4662 " , ومسلم " 1679 " .
[11]رواه أبو داود , والترمذي , وصححه الألباني في صحيح الجامع " 5140 ".
[12] رياض الصالحين , " ص 376 ".
[13] رواه البخاري " 6056 " , وصحيح مسلم " 1714 " .
[14] رواه البخاري " 216 , 1387 " , ومسلم " 292 ".
[15]رواه أحمد , وحسنه الألباني في الأدب المفرد " 323 ".
[16]رواه البخاري " 6094 " , ومسلم " 2607 ".
[17]رواه البخاري " 34 " , ومسلم " 58 ".
[18] رياض الصالحين , ص " 382 – 383 ".
[19] رواه مسلم " 2563 , 2564 ".
[20] إنفرد به مسلم " 2621 ".
[21] رواه أحمد , والطبراني في المعجم الكبير , وصححه الألباني في صحيح الجامع " 712 ".
[22] رواه مسلم "2598 " , وأبو داود.
[23] رواه البخاري " 48 " , ومسلم " 64 ".
[24] رواه الترمذي , وصححه الألباني في الصحيحة " 890 ".
[25] رواه مسلم " 41 " , وأحمد.
[26] رواه مسلم " 106 " , والترمذي , والنسائي , وأبو داود , وابن ماجة.
[27] التفسير الوسيط : جـ 15 , صـ 504.
[28] رواه البخاري " 5144 " , ومسلم " 2563 ".
[29] التفسير التربوي : جـ 3 , صـ 324.
[30] رواه البخاري " 6011 " , ومسلم " 2586 " , واللفظ له.
[31] رواه أحمد وحسنه الألباني فى الترغيب والترهيب " 2942 ".
[32] رواه مسلم " 54 ".
[33]البخاري " 3326 " , ومسلم " 2841 ".
[34] رواه أبو داود , والترمذي , وصححه الألباني في صحيح أبى داود " 4327".
[35] رواه الترمذي , وصححه الألباني في صحيح الجامع " 7865 ".