عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-01-2020, 07:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دور الألفاظ في بناء الأحكام

دور الألفاظ في بناء الأحكام




د. صلاح بابكر الحاج عبد القادر[*]



ثانياً: دلالة العام والخاص.



  1. دلالة العام:
وقع خلاف في دلالة العام نوضحه فيما يلي:

أ- ذهب جمهور[34] العلماء إلى أن العام ظني الدلالة يجوز تخصيصه بخبر الواحد والقياس. وقد أيدوا ذلك بأن الصحابة أجمعوا على تخصيص عام القرآن بخبر الواحد ومن ذلك أنهم خصوا قوله تعـــــالى: ï´؟وأحل لكم ما راء ذلكمï´¾[35] بما روي أنه e قال (لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها)[36]. كما خصوا قوله تعالى: ï´؟يوصيكم الله في أولادكم...ï´¾[37] الذي يوجب الميراث للأولاد عموماً. بقوله e: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)[38] وغير ذلك من الصور ولم يوجد لما فعلوه نكير.

وخبر الواحد يكون مخصصاً لعام القرآن عند المالكية إذا عضده عمل أهل المدينة أو قياس وذلك مثل تحريم لحم كل ذي ناب لأن عمل أهل المدينة عليه وتوصلوا إلى ذلك بالاستقراء في فتوى الإمام مالك[39].

ب- ذهب الحنفية[40] إلى أن العام قطعي الدلالة فلا يجوز تخصيصه بخبر الواحد أو القياس لأن كل منهما ظني الدلالة والقطعي لا يخصص بالظني قال عبد العزيز البخاري (العام من الكتاب والسنة المتواترة لا يحتمل الخصوص أي لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد والقياس لأنهما ظنيان فلا يجوز تخصيص القطعي بهما لأن التخصيص بطريقة المعارضة والظني لا يعارض القطعي)[41].

وقد أيدوا ما ذهبوا إليه بما ثبت عن عمر t في قصة فاطمة بنت قيس حيث ذكرت أن الرسول e لم يجعل لها سكنى ولا نفقة, عندما طلقها زوجها. فقال عمر: لا نترك كتاب ربنا ولا سنة نبينا e لقول امرأة لا ندي لعلها حفظت أو نسيت, لها النفقة والسكنى[42]. فلم يجعل قولها مخصصاً لعموم قوله تعالى: ï´؟أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكمï´¾[43].

ورد الجمهور على ذلك بأن عمر t رد خبر فاطمة بنت قيس لتردده في صحة الحديث والشك فيه لا لكونه خبر واحد مخصص لما في الكتاب[44].

أما الخاص فلا خلاف بين العلماء في أنه قطعي الدلالة.

ثالثاً: أثر العام في الأحكام.


أثر الاختلاف في دلالة العام في بعض الأحكام. نوضح ذلك فيما يلي:


1- حكم الذبيحة متروكة التسمية.

وقع خلاف في حكم الذبيحة متروكة التسمية, نظراً للاختلاف في دلالة العام.

القول الأول: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز أكل الذبيحة متروكة التسمية ولو كان عمداً. لأن قول الله تعالى: ï´؟ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسقï´¾[45] عام وهو ظني الدلالة مخصص بأحاديث الآحاد التي تجوز أكل متروكة التسمية وهذه الأحاديث ظنية الدلالة ومنها ما روى أن قوماً قالوا: يا رسول الله: إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ فقال: (سموا عليه أنتم وكلوا)[46], وروي أنه e قال: (اسم الله على فم كل مسلم)[47]. وروي أن ذبيحة المسلم حلال, ذكر اسم الله أو لم يذكر[48].

القول الثاني: ذهب الحنفية[49] إلى تحريم أكل الذبيحة متروكة التسمية عمداً مستدلين بعموم قوله تعالى: ï´؟ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسقï´¾, أما الأحاديث التي تدل على أكل متروكة التسمية فإنها أخبار آحاد ظنية الدلالة لا تخصص العام لأنه قطعي الدلالة.

2- حكم مباح الدم إذا التجأ إلى الحرم.


القول الأول: ذهب الحنفية[50] إلى أنه لا يقتص من الجاني إذا لجأ إلى الحرم. ولكنه يلجأ إلى الخروج منه بعدم إطعامه وسقياه وكلامه حتى إذا خرج اقتص منه. وذلك احتجاجاً بالعموم الوارد في قوله تعالى (و من دخله كان آمناً) [51]

القول الثاني: ذهب[52] جمهور العلماء من مالكية وشافعية إلى أن من وجب عليه حد في النفس ثم لجأ إلى الحرم, يقتص منه قياساً على من جنى داخل الحرم فإن قتله جائز أخذاً بقوله تعالى: ï´؟ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهمï´¾[53]. فالمقاتل في الحرم منتهك لحرمته وكذلك الجاني الملتجئ إليه هاتك لحرمته. فيخصص عموم النص (ومن دخله....).

رابعاً: أثر دوران دلالة اللفظ بين العموم والخصوص[54].


أثر دوران الدلالة بين العموم والخصوص في معرفة المعنى المراد من اللفظ فأدى إلى الاختلاف في بعض الأحكام. ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: ï´؟لا إكراه في الدينï´¾[55] فالآية تدور بين كونها عامة وخاصة في أهل الكتاب. لذلك وقع خلاف في قبول الجزية. هل هي خاصة بأهل الكتاب ولا تقبل من غيرهم[56].

ثانياً: أثر دلالة الألفاظ في الأحكام من حيث طرق الدلالة:


1- حقيقة اللفظ من حيث طرق الدلالة:

ما تؤديه الألفاظ من معان هو دلالاتها. وقد يدل اللفظ الواحد على معان متعددة بأوجه –أي بطرق– مختلفة.

ويمكن تعريف طرق دلالة اللفظ على المعنى بأنها الوجه أو الأوجه التي يؤدي بها اللفظ المعنى, فقد يدل اللفظ على المعنى بعبارته أو بإشارته أو باقتضائه أو بمنطوقه أو بمفهومه ولا شك أن استنباط الأحكام من النصوص يتوقف على فهم معاني الألفاظ. وهذا الفهم يتوقف على معرفة طرق دلالة الألفاظ.

2- مناهج العلماء في طرق دلالة الألفاظ على المعاني:


انتهج كل من الحنفية والجمهور مناهج مختلفة في تقسيم الألفاظ من حيث طرق دلالتها على المعاني بعد استقراء الألفاظ في النصوص الشرعية واللغة. وسنوضح ذلك فيما يلي:


أ- منهج الحنفية في طرق دلالة الألفاظ على المعاني[57].


قسم الحنفية اللفظ باعتبار طرق دلالته على المعنى إلى أربعة أقسام دلالة العبارة. ودلالة الإشارة. ودلالة النص. ودلالة الاقتضاء. ووجه الضبط في هذه الأربعة أن دلالة النص على الحكم إما أن تكون ثابتة بنفس اللفظ أو لا تكون. والدلالة التي تثبت بنفس اللفظ إما أن تكون مقصورة منه وهو مسوق لها أو غير مقصورة منه. فإذا كانت مقصورة فهي العبارة وتسمى عبارة النص، وإن كانت غير مقصورة فهي الإشارة وتسمى (إشارة النص).

والدلالة التي تثبت باللفظ نفسه, إما أن تكون مفهومة من اللفظ لغة أو تكون مفهومة منه شرعاً فإذا كانت مفهومة لغة سميت (دلالة النص). وإذا كانت مفهومة منه شرعاً سميت (دلالة الاقتضاء).

ب- منهج الجمهور في طرق دلالة الألفاظ على المعاني[58].


سلك الجمهور من العلماء منهجاً يخالف الحنفية في تقسيم الألفاظ من حيث طرق دلالاتها على المعاني فقد قسموا طرق الدلالة إلى قسمين، دلالة المنطوق وهي دلالة اللفظ على المعنى في محل النطق

وينقسم المنطوق إلى منطوق صريح ومنطوق غير صريح والمنطوق غير الصريح ينقسم إلى ثلاثة أقسام. دلالة الاقتضاء, دلالة الإيماء, ودلالة الإشارة.

والقسم الثاني هو دلالة المفهوم. هو دلالة اللفظ على المعنى في غير محل النطق وينقسم المفهوم إلى مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة. ومفهوم الموافقة هو دلالة اللفظ على ثبوت حكم المسكوت عنه موافقاً للمنطوق به. أما مفهوم المخالفة فهو. دلالة اللفظ على ثبوت حكم المسكوت عنه مخالفاً لما دل عليه المنطوق لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في الحكم.


3- أثر طرق دلالة الألفاظ في الأحكام.

يظهر أثر طرق دلالة الألفاظ عند تعارض مدلولاتها والاختلاف في أيهما يقدم. ونمثل لذلك بما يلي:

1- حكم الكفارة في القتل العمد.


وقع خلاف في وجوب الكفارة في القتل العمد نتيجة لتعارض الدلالات والاختلاف في ترجيحها, قال تعالى: ï´؟ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنةï´¾[59], وقال تعالى: ï´؟ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماًï´¾[60].

فالآية الأولى يفهم منها بدلالة النص وجوب الكفارة في القتل عمداً لأنها إذا وجبت في الخطأ فأولى أن تجب في العمد, والآية الثانية أفادت بإشارتها أنه لا جزاء إلا جهنم فلا كفارة في القتل عمداً لأنه تعالى ذكر الجزاء الكامل للعامد هو الخلود في النار. فالحنفية قالوا: لا تجب الكفارة في القتل العمد تقديماً لإشارة النص على دلالة النص[61].

وقال الشافعية[62] بوجوب الكفارة في القتل العمد بناء على تقديمهم دلالة النص – مفهوم الموافقة[63]- على إشارة النص.

  1. حكم القصاص بالقتل بالمُثقل:
وقع خلاف في ثبوت القصاص بالقتل بالمُثقل نظراً للاختلاف في مفهوم الموافقة هل هو من قبيل القياس فلا يجوز إثبات الحدود والكفارات به ؟, أم هو من قبيل الدلالة اللفظية لا القياسية فيجوز الاحتجاج بها في إثبات الحدود والكفارات ؟, وذلك لما روي أنه e قال: (لا قود إلا بالسيف)[64], فمن قال بأن المعنى معلوم لغة من نص الحديث, وأن النفس لا تطيق احتمال السيف ودفع أثره, فيثبت الحكم بهذا المعنى في القتل بالمثقل ويكون ثابتاً بدلالة المفهوم الموافق –أي دلالة النص عند الحنفية– فالنفس كما لا تطيق السيف لا تطيق المثقل بل في المثقل أظهر[65]. ومن لم يقل بدلالة المفهوم الموافق لا يوجب القصاص بالقتل بالمثقل لأنها تعد عنده من قبيل القياس. والقياس لا تثبت به الحدود[66].

  1. حكم الكفارة في اليمين الغموس.
نظراً للاختلاف في مفهوم الموافقة من حيث اعتبار دلالته لغوية أم قياسية وقع خلاف في كفارة اليمين الغموس, فأوجب الشافعية[67] فيها الكفارة, لقول الله تعالى: ï´؟ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمانï´¾[68], عملاً بمفهوم الموافقة والقياس –حيث يجوز القياس في الحدود عندهم- فتجب الكفارة في اليمين غير الغموس ولا أثم فيها فتشرع الكفارة في اليمين الغموس من باب أولى قال e: (إذا حلفت على يمين, ورأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير)[69], ومن اعتبر مفهوم الموافقة من قبيل القياس لم يوجب الكفارة في اليمين الغموس, لأن الحدود عنده لا تثبت بالقياس[70].

4- حكم الزواج بالأمة الكتابية:


أثر الاختلاف في حجية مفهوم المخالفة في بعض الأحكام. فجمهور[71] علماء الأصول يقولون بحجيته والحنفية[72] يقولون بأنه ليس حجة. وقد أدى إلى الاختلاف في بعض الأحكام منها حكم الزواج بالأمة الكتابية مع ملك مهر الحرة. جمهور العلماء[73] يرون عدم جواز الزواج بها عملاً بمفهوم المخالفة الوارد في قوله تعالى: ï´؟ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمناتï´¾[74]. دلت الآية بمفهومها المخالف أن الحل مقيد بوصف الإيمان. وذهب الحنفية[75] إلى جواز الزواج بها عملاً بعموم قوله تعالى: ï´؟فانكحوا ما طاب لكم من النساءï´¾[76]. ولم يعملوا بمفهوم المخالفة لأنه ليس بحجة عندهم لذا قالوا بجواز الزواج بها.

5- حكم افتتاح الصلاة بالتكبير:


ذهب الشافعي[77] ومالك وأحمد إلى أن التحريم في الصلاة لا يكون إلا بالتكبير واستدلوا على ذلك بمفهوم الحصر في قوله e: (مفتاح الصلاة الطهور, وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)[78] فقوله تحريمها التكبير معناه جميع تحريمها التكبير أي انحصرت صحة تحريمها في التكبير فلا تحريم بغيره وأيدوا ما ذهبوا إليه بفعله e فكان يفتتح صلاته بقوله الله أكبر, وذهب أبو حنيفة[79] إلى أنه يجزئ التحريم بكل ذكر لله تعالى فيصح أن تقول الله أجل وعظيم أو الرحمن أكبر, لأن التكبير هو التعظيم وهو يحصل بهذه الألفاظ.

المبحث الثالث

أثر دلالة الألفاظ في الأحكام من حيث الإبهام

أولاً: حقيقة اللفظ من حيث الإبهام:


اللفظ المبهم أي غير واضح الدلالة ينقسم من حيث دلالته على المعنى إلى خفي بعارض ومشكل ومجمل ومتشابه –حسب تقسيم الحنفية– وتتفاوت هذه الأقسام في درجة الخفاء. فأقلها خفاء, الخفي بعارض وأشدها المتشابه, ووجه الحصر في هذه الأقسام أن الخفاء إما أن يكون راجعاً لنفس اللفظ أو يكون راجعاً لعارض غير اللفظ فإن كان الخفاء راجعاً لعارض غير اللفظ فذلك الخفي بعارض وإن كان لنفس اللفظ فإن أمكن إدراك المراد من اللفظ بالعقل والقرينة فذلك المشكل, وإن أمكن إدراكه بالنقل عن الشرع فقط أي من صدر منه اللفظ, فهو المجمل. وإن لم يمكن إدراك معنى اللفظ أصلاً لا بعقل ولا نقل ذلك المتشابه[80].

وقد قسم الجمهور[81] اللفظ المبهم إلى مجمل ومتشابه. والمجمل يمكن إدراك معناه بالعقل أو النقل والتشابه مالا يمكن إدراك معناه, وهذه الألفاظ المبهمة وقع خلاف في دلالتها على كثير من المعاني مما أثر في الأحكام الشرعية ونوضح ذلك من خلال المسائل القادمة:

ثانياً: أثر الألفاظ المبهمة في الأحكام.


1- الخفي بعارض:

أولاً: حقيقة الخفي بعارض:

1- الخفاء في اللغة: هو عدم الظهور والستر والكتمان[82]. والعارض هو المانع[83].

2- الخفي بعارض في الاصطلاح: هو ما اشتبه معناه وخفي المراد منه بعارض من غير الصيغة لا ينال إلا بالطلب[84].

ومثال الخفي بعارض لفظ الطرار. فالطرار اسم يطلق على الذي يسارق الأعين المستيقظة فلا خفاء في اللفظ من حيث دلالته, ولكن دخوله في أفراد السارقين وأخذه حكم السارق فيه خفاء نظراً لاختصاصه بهذا الاسم. كذلك لفظ النباش يدل على الذي يسرق أكفان الموتى من قبورهم ولا خفاء في دلالته على هذا المعنى وإنما الخفاء في حكمه واعتباره من أفراد السارقين[85].

ثانياً: أثر الخفي بعارض في الأحكام:


1- حكم الطرار والنباش:

تقدم أن خفاء الطرار والنباش جاء لعارض هو اختصاصهما باسمين يعرفان بهما, واختلاف الأسماء يدل على اختلاف المعاني فبعداً بذلك عن اسم السارق لهذا خفيت الآية ï´؟والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما... ï´¾[86], في حقهما. فكان الخفاء سبباً في اختلاف العلماء في حكم كل منهما, فذهب بعض العلماء إلى اعتبارهما من السارقين ومن ثم يحدان حد السرقة, وذهب البعض الآخر إلى عدم اعتبارهما سارقان ومن ثم لا يقام عليهما حد السرقة بل يعذران فقط.ونبين هــــــذا الخلاف فيما يلي.

القول الأول: ذهب أكثر الشافعية وبعض الحنفية والإمام مالك والشافعي وأحمد إلى أن الطرار والنباش يقطعان لدخولهما في عموم لفظ السارق[87].

القول الثاني: ذهب الإمام أبو حنيفة وبعض العلماء إلى أنه لا يقطع الطرار ولا النباش لأنه لا ينطبق عليهما لفظ السارق[88]. فالخفاء في لفظ الطرار والنباش كان سبباً للاختلاف في حكمهما, وقد استدل كل فريق إلى ما ذهب إليه بأدلة يسند بها قوله ولمعرفة المزيد من هذه الأدلة يمكن الرجوع لكتب الفقه.


2- حكم ميراث القاتل:

ورد في السنة أنه e قال: (لا يرث القاتل)[89]. فلفظ القاتل عام يشمل القتل عمداً وخطأ والقتل بالتسبب والمشاركة أو التحريض أو المعاونة فهل كل قتل مانع من الإرث. نشأ شيء من الخفاء بسبب وصف القتل بهذه الأوصاف أدى إلى الاختلاف في القاتل الذي لا يرث.

أ- ذهب الشافعي إلى أن القاتل لا يرث مطلقاً سواء كان القتل بالمباشرة أو التسبب قاصداً أو غير قاصد عمداً أو خطأ[90].

ب- ذهب المالكية إلى أن القتل المانع من الإرث هو القتل العمد العدوان والقتل بالتسبب وعليه فإن القتل خطأ لا يمنع من الإرث[91].

ج- ذهب الحنفية إلى أن المباشرة هي المانعة, وليس مجرد القصد, والسبب ليس مانعاً[92].

هـ- ذهب الحنابلة إلى أن القتل المانع هو القتل بغير حق وهو المضمون بقود أو دية أو كفارة. أما الذي لا يضمن صاحبه فلا يمنع من الميراث[93].

  1. حكم اللواط.
جاء في قوله تعالى: ï´؟الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدةï´¾[94], الآية ظاهرة في الزاني خفية في حكم اللواط فهل يدخل في الزنا ويكون فرداً من أفراده. في دخوله خفاء لأن له اسماً خاصاً به ظاهراً في الدلالة عليه لذلك نشأ الغموض والخفاء عند إرادة إعطائه الحكم الخاص بالزنا, فكان الخفاء سبباً للاختلاف في حكم اللواط فبعض الفقهاء اعتبره من الزنا وأعطاه حكم الزنا, والبعض الآخر لم يعتبره من الزنا ومن ثم قال لا يحد حد الزنا[95] وسنوضح ذلك فيما يلي:

القول الأول: ذهب أكثر العلماء إلى أنه يحد حد الزنا وبه قال المالكية والحنابلة وبعض الشافعية[96].

القول الثاني: ذهب الحنفية إلى أنه يعذر ولا يحد حد الزنا[97].

القول الثالث: ذهب أكثر الشافعية إلى أنه يرجم مطلقاً سواء كان محصناً أو غير محصن[98].

2- المشكل:


أولاً: حقيقة المشكل:


1- المشكل في اللغة: من أشكل. وأشكل الأمر التبس ودخل في أشكاله وأمثاله[99].

2- المشكل في الاصطلاح: اسم لما خفي المراد منه بنفس اللفظ لدخوله في إشكاله وأمثاله ولا يعرف المراد منه إلا بقرينة تميزه عن غيره. ويكون بالبحث والتأمل[100].

والفرق بين الخفي لعارض والمشكل أن الخفاء والغموض في الخفي لعارض جاء من خارج الصيغة بينما خفاء المشكل من نفس اللفظ والخفاء من ذات اللفظ فوق الخفاء لعارض.

ثانياً: أثر المشكل في الأحكام.


الإشكال الوارد في بعض الألفاظ في بعض النصوص أدى إلى خفاء وغموض تسبب في اختلاف الفقهاء في بعض الأحكام. وقد اجتهد العلماء في إزالة الغموض لمعرفة المعنى المراد ومن ثم وقع اختلاف بينهم وسنوضح ذلك فيما يلي:

  1. حكم غسل الفم عند الغسل.
أمر تعالى بالغسل عند الجنابة حيث قال الله تعالى: ï´؟وإن كنتم جنياً فاطهرواï´¾[101], الآية ظاهرة الدلالة في وجوب غسل ظاهر البدن لأن غسل الباطن متعذر وساقط بالإجماع ولكن وقع الإشكال في غسل الفم. فهو باطن من وجه حتى لا يفسد الصوم بابتلاع الريق وظاهر من وجه حتى لا يفسد الصوم بدخول شيء فيه أو بالمضمضة, فالفم متردد بين كونه من باطن الجسم وظاهره فهذا الإشكال تسبب في اختلاف الفقهاء في حكم غسل الفم عند الغسل فبعضهم اعتبره من الباطن ومن ثم لم يوجب غسله وبعضهم اعتبره من الظاهر فأوجب غسله, نوضح ذلك فيما يلي:

أ- ذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا يجب غسل الفم عند الغسل ولكنه يسن[102].

ب- ذهب أبو حنيفة إلى القول بفرضية غسل الفم –المضمضة– في الغسل, وقال الحنابلة بوجوب المضمضة في الغسل[103].

2-حكم إتيان المرأة في دبرها:


وقع خلاف في حكم إتيان المرأة في دبرها نظراً للإشكال الوارد في كلمة ï´؟أنى شئتمï´¾ في قوله تعالى: ï´؟نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتمï´¾[104], (فأنى) تأتي بمعنى كيف وأين ومتى. لذلك وقع الخلاف[105].

أ- ذهب أكثر العلماء إلى عدم جواز إتيان المرأة في دبرها. لأن (أنى) هنا بمعنى كيف ومتى ومعنـــى (كيف) غير مراد لأن الدبر ليس موضع الحرث والولد, فلا يجوز إتيان المرأة فيه.

ب- وذهب البعض إلى جواز ذلك, لأن (أنى) بمعنى (أين) أي أين شئتم لذلك يجوز إتيان المرأة في دبرها. ولمعرفة المزيد من الأدلة الواردة في ذلك يمكن الرجوع إلى كتب الفقه والحديث.

3- الاختلاف في جواز العزل:


كما تقدم وقع خلاف في تفسير قوله تعالى: ï´؟نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتمï´¾. ذهب بعض العلماء إلى ï´؟أنى شئتمï´¾, بمعنى أعزلوا إن شئتم أو لا تعزلوا ومن ثم يجوز العزل[106], ويرى البعض الآخر أنها لا تدل على ذلك وأن العزل فيه معنى الوأد لذلك حكمه الكراهية[107]. واستدل كل فريق إلى ما ذهب إليه بأدلة.


3- المجمل:

أولاً: حقيقة المجمل:

1- المجمل في اللغة هو المبهم مأخوذ من الإجمال وهو الإبهام وعدم التفصيل يقال أجملت الحساب أو الكلام إذا رددته إلى جملته من غير تفصيل, أي أبهمته وأجمل الكلام ساقه موجزاً من غير تفصيل[108].

2- المجمل في الاصطلاح: هو ما خفي المراد منه بنفس اللفظ ولا يدرك المراد منه إلا ببيان من المجمل لعدم وجود القرائن التي تدل على المراد منه[109]. إذا كان بيان المجمل بياناً شافياً بدليل قطعي الدلالة من المجمل, أي أن الشرع يخرج اللفظ من الإجمال إلى البيان والوضوح, ويسمى مبيناً, كبيان لفظ الصلاة, فقد بين النبي e كيفيتها بفعله. وكذا الحج, وغيرهما, وإذا كان البيان ليس شافياً ولا بدليل قطعي الدلالة, فإنه يؤدي في الغالب إلى الاختلاف في الأحكام. وللإجمال أسباب كثيرة, منها ما أدى إلى الاختلاف في الأحكام, ومنها ما لم يؤد إلى ذلك, ونوضح بعض هذه الأسباب من خلال بيان الاختلاف في بعض الأحكام التي كان سببها الإجمال.

ثانياً: أثر المجل في الأحكام:


تقدم أن الإجمال له أسباب منها ما لا يؤدي إلى الاختلاف في الأحكام لأنها لا تتعلق بالأحكام كغرابة اللفظ مثل لفظ الهلوع والقارعة والحاقة, وتردد اللفظ بين أفراد حقيقية واحدة مثل لفظ بقرة في قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة..)[110], فبعض المفسرين يرى أن المراد بها بقرة معينة والبعض الآخر يرى خلاف ذلك[111], فهذا لا يؤدي إلى الاختلاف في حكم لأنه خبر وغير ذلك من أسباب الإجمال. ومنها ما يؤدي إلى الاختلاف في الأحكام, وسنوضح ذلك فيما يلي:


1- حكم غرز الخشب في جدار الجار:

من أسباب الإجمال التي أدت إلى اختلاف الفقهاء مرجع الضمير إلى ما تقدمه[112]. في قوله e: (لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره)[113]. يحتمل عودة الضمير في (جداره) إلى أحدكم ويحتمل عودته إلى (الجار), فمنهم من حمله على (أحدكم) ومنه من حمله على (الجار) فتسبب في اختلافهم في جواز غرز الخشب في جدار الجار, وسنوضح ذلك فيما يلي:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء (مالكية وشافعية وحنفية) إلى أنه لا يجبر صاحب الجدار إذا امتنع وأن الضمير في (جداره) يعود إلى (الجار) وعضدوا ذلك بحديث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه)[114].

القول الثاني: ذهب الإمام أحمد وإسحاق وبعض المالكية والشافعي في القديم وأهل الحديث إلى أن الضمير في جداره يعود إلى أحدكم لذلك لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب وأن الحاكم يجبره إذا امتنع[115].


2- حكم الصلاة داخل الكعبة:

من أسباب الإجمال التي أدت إلى الاختلاف في الأحكام تردد الفصل بين مدلولين[116] فقد روي أن بلالاً t أخبر أن النبي e صلى في الكعبة[117]. فصلاته مترددة بين صلاة الفرض والنفل في وقت واحد. فكان ذلك سبباً للاختلاف في نوعية الصلاة التي تجوز أو لا تجوز في داخل الكعبة وسنوضح ذلك فيما يلي:


أ- ذهب جمهور العلماء إلى صحة الصلاة داخل الكعبة, لحديث بلال المتقدم[118].
ب- ذهب المالكية والحنابلة إلى عدم صحة صلاة الفرض والوتر داخل الكعبة لأنها من المواطن السبع[119] التي نهى الرسول e الصلاة فيها, ولما في ذلك من الإخلال بالتعظيم ولقوله تعالى: ï´؟وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطرهï´¾[120], والشطر الجهة. وهنالك قول لمالك بالجواز مع الكراهة[121].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]