عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 31-12-2019, 05:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,903
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من درر الأعلام - صلاح التعليم أساس الإصلاح

من درر الأعلام - صلاح التعليم أساس الإصلاح



وائل رمضان

الشيخ عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله


قال الشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله-: قَدْ ذَكَرْنَا فِي المَقَالِ السَّابِقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ التَّعْلِيمُ الدِّينِيُّ فِي عَهْدِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، مِنَ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ بِالتَّفَقُّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، وَذَكَرْنَا الْحَالََ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا فِي عَصْرِنَا مِنْ هَجْرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْفُرُوعِ الْعِلْمِيَّةِ المُنْتَشِرَةِ دُونَ اسْتِدْلَالٍ وَلَا تَعْلِيلٍ، وَاسْتَشْهَدْنَا عَلَى ذَلِكَ بِحَالَِنَا نَحْنُ أَنْفُسِنَا.

لَمَّا أَخَذْنَا شَهَادَةَ الْعَالَمِيَّةِ مِنْ جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ -عَمَرَهُ اللهُ بِدَوَامِ ذِكْرِهِ- وَنُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ الْيَوْمَ أَنَّ هَذَا الْإِعْرَاضَ عَنْ رَبْطِ الْفُرُوعِ بِأُصُولِهَا، وَمَعْرِفَةِ مَآخِذِهَا دَاءٌ قَدِيمٌ فِي هَذَا المَغْرِبِ مِنْ أَقْصَاهُ إِلَى أَدْنَاهُ، بَلْ كَانَ دَاءً عُضَالًا فِيمَا هُوَ أَرْقَى مِنَ المَغَارِبِ الثَّلَاثِ وَهُوَ الْأَنْدَلُسُ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ فِيمَا يأتِي كَلَامَ إِمَامَيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَنْدَلُسِ المُتَّبِعِينَ لِمَالِكٍ -رحمه الله.

تَفَهُّمِ وَجْهِ الصَّوَابِ

قَالَ الإِمَامُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ المُتَوَفَّى سَنَةَ: (ظ¤ظ¦ظ£) فِي (جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِه): وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، إِلَّا لِتَفَهُّمِ وَجْهِ الصَّوَابِ؛ فَيُصَار إِلَيْهِ وَيُعْرَف أُصُولُ الْقَوْلِ وَعِلَّتُهُ؛ فَيَجْرِي عَلَيْهِ أَمْثِلَتُهُ وَنَظَائِرُهُ، وَعَلَى هَذَا النَّاسُ فِي كُلِّ بَلَدٍ إِلَّا عِنْدَنَا -كَمَا شَاءَ اللهُ رَبُّنَا- وَعِنْدَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَنَا مِنْ أَهْلِ المَغْرِبِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَ عِلَّةً وَلَا يَعْرِفُونَ لِلْقَوْلِ وَجْهًا، وَحَسْبُ أَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: «فِيهَا رِوَايَةٌ لِفُلَانٍ وَرِوَايَةٌ لِفُلَانٍ»، وَمَنْ خَالَفَ عِنْدَهُمُ الرِّوَايَةَ الَّتِي لَا يَقِفُ عَلَى مَعْنَاهَا وَأَصْلِهَا وَصِحَّةِ وَجْهِهَا؛ فَكَأَنَّهُ خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ وَثَابِت السُّنَّةِ، وَيُجِيزُونَ حَمْلَ الرِّوَايَاتِ المُتَضَادَّةِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ؛ وَذَلِكَ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ، وَكَمْ لَهُمْ مِنْ خِلَافٍ فِي أُصُولِ مَذْهَبِهِ مِمَّا لَوْ ذَكَرْنَاهُ لَطَالَ الكِتَابُ بِذِكْرِهِ!

عِلْمِ أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ

وَلِتَقْصِيرِهِمْ فِي عِلْمِ أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ صَارَ أَحَدُهُمْ إِذَا لَقِيَ مُخَالِفًا مِمَّنْ يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَخَالَفَهُ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ، بَقِيَ مُتَحَيِّرًا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلِ صَاحِبِهِ فَقَالَ: «هَكَذَا قَالَ فُلَانٌ، وَهَكَذَا روينا»، وَلَجَأَ إِلَى أَنْ يَذْكُرَ فَضْلَ مَالِكٍ وَمَنْزِلَتَهُ؛ فَإِنْ عَارَضَهُ الْآخَرُ بِذِكْرِ فَضْلِ إِمَامِهِ أَيْضًا، صَارَ فِي المَثَلِ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:




شَكَوْنَا إِلَيْهِمْ خَرَابَ الْعِرَاقْ

فَعَابُوا عَلَيْنَا شُحُومَ الْبَقَرْ

فَكَانُوا كَمَا قِيلَ فِيمَا مَضَى:

أُرِيهَا السُّهَا وَتُرِينِي الْقَمَرْ

وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ يَقُولُ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيُّ

عَذِيرِيَ مِنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ ـ كُلَّمَا

طَلَبْتُ دَلِيلًا ـ: هَكَذَا قَالَ مَالِكُ

فَإِنْ عُدْتُ قَالُوا: هَكَذَا قَالَ أَشْهَبُ

وَقَدْ كَانَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ المَسَالِكُ

فَإِنْ زِدْتُ قَالُوا: قَالَ سَحْنُونُ مِثْلَهُ

وَمَنْ لَمْ يَقُلْ مَا قَالَهُ فَهْوَ آفِكُ

فَإِنْ قُلْتُ: «قَالَ اللهُ» ضَجُّوا وَأَكْثَرُوا

وَقَالُوا جَمِيعًا: أَنْتَ قِرْنٌ مُمَاحِكُ

وَإِنْ قُلْتُ: «قَدْ قَالَ الرَّسُولُ» فَقَوْلُهُمْ:
أَتَتْ مَالِكًا فِي تَرْكِ ذَاكَ المَسَالِكُ

مُرَّ الشَّكْوَى

هَذَا إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلَامِ الْعِظَامِ المُجْمَعِ عَلَى إِمَامَتِهِمْ وَعَدَالَتِهِمْ، وَمِنْ أَعْظَمِ المُتَّبِعِينَ لِمَالِكٍ الْآخِذِينَ بِمَذْهَبِهِ، وَهَا هُوَ يَشْكُو مُرَّ الشَّكْوَى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ بَلَدِهِ الْأَنْدَلُسِ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ، وَيَنْعِي عَلَيْهِمْ مَا انْفَرَدُوا بِهِ- هُمْ وَأَهْلُ المَغْرِبِ- مِنَ الْجُمُودِ وَالتَّقْلِيدِ، وَحَمْلِهِمْ لِلرِّوَايَاتِ المُخْتَلِفَةِ دُونَ مَعْرِفَةِ وُجُوهِهَا، وَمُخَالَفَتِهِمْ لِأَصْلِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الَّذِي يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ، وَعُدُولِهِمْ عَنِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ المَأْمُورِ بِهِمَا كِتَابًا وَسُنَّةً المَعْمُولِ بِهِمَا عِنْدَ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ، إِلَى الِاحْتِجَاجِ بِفَضْلِ الْقَائِلِ وَعِلْمِهِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ المَفْضُولُ وَيُخْطِئُ الْأَفْضَلُ، وَرَحِمَ اللهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: «امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ؛ وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَبْيَاتِ الْقَاضِي مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيِّ المَوْلُودِ سَنَةَ: (ظ¢ظ¦ظ¥) المُتَوَفَّى سَنَةَ: (ظ£ظ¥ظ¥)، لِتَبْيِينِ قِدَمِ هَذَا الدَّاءِ فِي الْأَنْدَلُسِ، وَشَكْوَى الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ مِنْهُ وَإِنْكَارِهِمْ عَلَى أَهْلِهِ.

نَظَرُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَتَاهُوا


وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْأَنْدَلُسِيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ: (ظ¥ظ¤ظ£) فِي «الْعَوَاصِمِ -وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ-: «ثُمَّ حَدَثَتْ حَوَادِثُ لَمْ يَلْقَوْهَا فِي مَنْصُوصَاتِ المَالِكِيَّةِ؛ فَنَظَرُوا فِيهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَتَاهُوا، وَجَعَلَ الْخَلَفُ مِنْهُمْ يَتْبَعُ -فِي ذَلِكَ- السَّلَفَ، حَتَّى آلَ المَئَالُ أَلَا يُنْظَرَ إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ، وَيُقَالَ: قَدْ قَالَ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، أَهْلُ قُرْطُبَةَ، وَأَهْلُ طَلَمَنْكَةَ، وَأَهْلُ طَلَبِيرَةَ، وَأَهْلُ طُلَيْطَلَةَ؛ فَانْتَقَلُوا مِنَ المَدِينَةِ وَفُقَهَائِهَا إِلَى طَلَبِيرَةَ وَطَرِيقِهَا.

تَاهُوا فِي الْفُرُوعِ

فَهَذَا الْإِمَامُ الْعَظِيمُ قَدْ عَابَ عَلَيْهِمْ نَظَرَهُمْ فِي الْحَوَادِثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْفُرُوعِ المَقْطُوعَةِ عَنِ الْأُصُولِ لَا يُسَمَّى عِلْمًا؛ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمُ الْأُصُولُ تَاهُوا فِي الْفُرُوعِ المُنْتَشِرَةِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَضْبِطَ الْفُرُوعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أُصُولَهَا، وَذَكَرَ مَا أَدَّاهُمْ إِلَيْهِ إِهْمَالُ النَّظَرِ مِنَ الِانْقِطَاعِ عَنْ أَقْوَالِ مَالِكٍ نَفْسِهِ وَأَمْثَالِهِ إِلَى أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْفُرُوعِيِّينَ التَّائِهِينَ النَّاظِرِينَ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

أَعْسَرُ وَأَعْسَرُ

فَإِذَا كَانَ الْحَالُ هَكَذَا مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ فِي تِلْكَ الدِّيَارِ، وَقَدْ مَضَتْ عَلَيْهِ الْقُرُونُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَغَيْرِهَا؛ فَإِنَّ قَلْعَهُ عَسِيرٌ، وَالرُّجُوعَ بِالتَّعْلِيمِ إِلَى التَّفَقُّهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَرَبْطِ الْفُرُوعِ بِالمَآخِذِ وَالْأَدِلَّةِ أَعْسَرُ وَأَعْسَرُ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُنَا مِنَ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ بِصِدْقِ الرَّجَاءِ وَقُوَّةِ الْأَمَلِ، وَسَنُنَفِّذُهُ فِي دُرُوسِنَا ـ هَذَا الْعَامَ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]