عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 30-12-2019, 12:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,897
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (4)


- أحكام فقهية في الأطعمة


د.وليد خالد الربيع

قال -تعالى-: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ}، قال ابن كثير: «يقول -تعالى-: واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المن والسلوى، طعاما طيبا نافعا هنيئا سهلا، واذكروا دبركم وضجركم مما رزقتكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنية من البقول ونحوها مما سألتم، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: فبطروا ذلك ولم يصبروا عليه، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه، وكانوا قوما أهل أعداس وبصل وبقل وفوم، وقوله -تعالى-: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنية مع ما هم فيه من العيش الرغيد، والطعام الهنيء الطيب النافع».
هذه الآية الكريمة فيها جملة من المسائل الفقهية:
المسألة الأولى
جواز أكل الطيبات، قال القرطبي: «في هذه الآية دليل على جواز أكل الطيبات والمطاعم المستلذات، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلوى والعسل، ويشرب الماء البارد العذب»، قال الشيخ ابن عثيمين:لا «ومن فوائدها أنه لا يلام الإنسان إذا اختار الأطيب من الطعام، ولا يعد ذلك من باب الإسراف، فقد أقرت الشريعة هذا؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جيء إليه بتمر طيب فسأل: «أكل تمر خيبر هكذا؟ قالوا: لا والله يا رسول الله... الحديث، ولم ينههم عن اختيار التمر الطيب ليقدموه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا اختار الإنسان من الطعام أطيب الأنواع وكانت حاله تتحمل هذا ولا يعد ذلك سرفا بالنسبة إليه فإنه لابأس به، ولا يلام الإنسان عليه، بل هذا من باب التمتع بنعم الله، والله -سبحانه- يحب من عباده أن يتمتعوا بنعمه، وينهاهم أن يحرموا شيئا من الطيبات على أنفسهم كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا}».
المسألة الثانية
جواز تفضيل بعض الأطعمة على بعض: قال ابن عثيمين: «من فوائدها: جواز تفضيل الأطعمة بعضها على بعض، وأنه يجوز للإنسان أن يقول: هذا أدنى من هذا، أو هذا أعلى من هذا، أو هذا أردأ من هذا، أو هذا أطيب من هذا».
المسألة الثالثة
حكم أكل البصل والثوم وما له رائحة كريهة: اختلف العلماء في أكل البصل والثوم وما له رائحة كريهة من سائر البقول:
المذهب الأول
حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ تَحْرِيمَهَا: لِأَنَّهَا تَمْنَعُ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ فَرْضُ عَيْنٍ، ولا تتم إلا بترك أكلها، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فترك أكل هذا واجب، فيكون أكله حراما، واحتجوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماها خبيثة، والله -عز وجل- قد وصف نبيه -عليه السلام- بأنه يحرم الخبائث، وخالفهم ابن حزم وهو إمام الظاهرية فقال: «لَيْسَ حَرَامًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَاحَهُ فِي الْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ»، وأجاب الحافظ ابن حجر عن اللزوم في دليل المانعين: «بأن المنع من أكلها مختص بمن علم بخروج الوقت قبل زوال الرائحة، ونظيره أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها، ومع ذلك تسقط بالسفر وهو في أصله مباح، لكن يحرم على من أنشأه بعد سمع النداء»، أما وصفها بالخبيثة فليس المراد به المحرمة بل المكروهة، قال النووي: «سَمَّاهَا خَبِيثَةً لِقُبْحِ رَائِحَتِهَا، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْخَبِيثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمَكْرُوهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ شَخْصٍ».
المذهب الثاني
ذهب جمهور العلماء إلى إباحة أكلها، قال النووي: «هَذِهِ الْبُقُولُ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ»، للأحاديث الثابتة ومنها: عن جَابِرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ»، وَإِنَّهُ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا» إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ: «كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي»، قال القرطبي: «فهذا بيّـن في الخصوص له والإباحة لغيره».
الثَّوْمَ لَيْسَ بِحَرَامٍ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرِّيحَ فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا»، قال النووي: «فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّوْمَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ إِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا سَبَقَ»، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى زَرَّاعَةِ بَصَلٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَنَزَلَ نَاسٌ مِنْهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهُ وَلَمْ يَأْكُلْ آخَرُونَ، فَرُحْنَا إِلَيْهِ، فَدَعَا الَّذِينَ لَمْ يَأْكُلُوا الْبَصَلَ وَأَخَّرَ الْآخَرِينَ، حَتَّى ذَهَبَ رِيحُهَا»، قوله: «زرّاعة: هي الأرض المزروعة».
نص على عدم التحريم
عن أبي أيوب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل عليه، فصنع للنبي -صلى الله عليه وسلم- طعاما فيه ثوم، فلما رد إليه سأل عن موضع أصابع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقيل له: لم يأكل، ففزع وصعد إليه فقال: أحرام هو؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا ولكني أكرهه» قال: فإني أكره ما تكره أو ما كرهت، قال: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤتى (يعني يأتيه الوحي)، قال القرطبي: «فهذا نص على عدم التحريم»، وقال النووي: «هذا تصريح بإباحة الثوم، وهو مجمع عليه، ولكن يكره لمن أراد حضور المسجد أو حضور جمع في غير المسجد أو مخاطبة الكبار»، قال عمر: «أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا»، قال ابن عثيمين: «من فوائد الآية: حل البقول والقثاء والفوم والعدس والبصل لقولهم:{فادع لنا ربك يخرج لنا...} إلى قوله: {اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم} أي: من الأصناف المذكورة، وهذه الأصناف مباحة في شريعة موسى، وكذلك في شريعتنا»، وبهذا يظهر رجحان قول الجمهور بحل أكل هذه الأطعمة لقوة أدلتهم.
المسألة الخامسة
حكم أكل البصل والثوم ونحوهما لمن أراد حضور صلاة الجماعة: اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
المذهب الأول: كراهة أكلها
قال ابن قدامة: «وَإِنَّمَا مُنِعَ أَكْلُهَا لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ بِرَائِحَتِهِ؛ وَلِذَلِكَ نُهِيَ عَنْ قُرْبَانِ الْمَسَاجِدِ، فَإِنْ أَتَى الْمَسَاجِدَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ». واستدل بأحاديث النهي عن قربان المساجد لمن أكلها وحمل النهي على الكراهة، ومن تلك الأحاديث: عنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلَا يَأْتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ»، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا، حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا» يَعْنِي الثُّومَ، وعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنِ الثُّومِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَكَلَ مَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّا، وَلَا يُصَلِّي مَعَنَا»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، وَلَا يُؤْذِيَنَّا بِرِيحِ الثُّومِ»، وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا، فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى، مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ»، وحملوا النهي على الكراهة لأن أكلها ليس محرما مطلقا كما تقدم.
المذهب الثاني: يحرم أكلها
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَأْثَمُ؛ ونقل عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشُرَيْكِ بْنِ حَنْبَلٍ مِنْ التَّابِعِينَ تَحْرِيمَ الثُّومِ النِّيءِ»، قال ابن حزم: «وَمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَذْهَبَ الرَّائِحَةُ، وَفُرِضَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ دَخَلَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الرَّائِحَةِ، فَإِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، واستدل هذا المذهب بأَنَّ ظَاهِرَ النَّهْيِ المتقدم في الأحاديث يدل على التَّحْرِيمُ، وَلِأَنَّ أَذَى الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ، وَهَذَا فِيهِ أَذَاهُمْ، فيكون محرمًا، ونوقش هذا الاستدلال بما قاله القاضي عياض: «إن النهى عن حضور المساجد لمن أكلها ليس بتحريم لها، بدليل إباحة النبى - صلى الله عليه وسلم- إياها لمن حضره من أصحابه، وتخصيصه نفسه بالعلة التى ذكرها من قوله: «فإنى أناجى من لا تناجى»، وبقوله: «ليس لى تحريم ما أحل الله، ولكنى أكرهها»، وذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى مذهب جمع فيه بين الأدلة والمذهبين فقال: «إن قصد بأكل البصل ألا يصلي مع الجماعة فهذا حرام ويأثم بترك الجمعة والجماعة، أما إذا قصد بأكله البصل التمتع به وأنه يشتهيه فليس بحرام، قال: وأما بالنسبة لحضوره المسجد فلا يحضر؛ لا لأنه معذور، بل دفعا لأذيته؛ لأنه يؤذي الملائكة وبني آدم».
المسألة السادسة
هل النهي خاص بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
المذهب الأول: النهي عام عن دخول المساجد جميعها، وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً، قال النووي: «قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثَّوْمَ فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِدَ» هَذَا تَصْرِيحٌ يَنْهَى مَنْ أَكَلَ الثَّوْمَ وَنَحْوَهُ عَنْ دُخُولِ كُلِّ مَسْجِدٍ وقاسوا على هذا مجامع الصلاة فى غير المساجد، كمصلى العيدين والجنائز ونحوها من مجامع العبادات، وقد ذكر بعض فقهائنا: أن حكم مجامع المسلمين فيها هذا الحكم كمجالس العلم والولائم وحلق الذكر».
المذهب الثاني: أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ: «فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا»، ونوقش هذا بما قاله ابن حجر: «قوله في الحديث: «فلا يقربن مسجدنا» لأن الظاهر أن المراد به مسجد المدينة...، لكن حديث أبي سعيد عند مسلم دال على أن القول المذكور صدر منه - صلى الله عليه وسلم - عقب فتح خيبر، فعلى هذا فقوله: «مسجدنا» يريد به المكان الذي أعد ليصلي فيه مدة إقامته هناك، أو المراد بالمسجد الجنس والإضافة للمسلمين، أي: فلا يقربن مسجد المسلمين، يؤيده رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ: «فلا يقربن المساجد» ونحوه لمسلم، وهذا يدفع قول من خص النهي بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -». وبهذا يظهر رجحان المذهب الأول.
المسألة السابعة
هل الحكم خاص بالأكل منها أم يلحق بها غيرها؟ قال النووي: «قَالَ الْعُلَمَاءُ: ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ماله رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ وَغَيْرِهَا»، رد ذلك ابن حجر فقال: «وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر أو به جرح له رائحة، وزاد بعضهم فألحق أصحاب الصنائع كالسماك والعاهات كالمجذوم ومن يؤذي الناس بلسانه، وأشار ابن دقيق العيد إلى أن ذلك كله توسع غير مرضي»، وأيده ابن حزم فقال: «وَلَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا، وَلَا أَبْخَرُ، وَلَا مَجْذُومٌ، وَلَا ذُو عَاهَةٍ».

عقوبة لآكله
تنبيه: قال الخطابي: «توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة، وإنما هو عقوبة لآكله على فعله إذ حرم فضل الجماعة»، قال ابن حجر: «لكن لا يلزم من ذلك أن يكون أكلها حراما، ولا أن الجماعة فرض عين»، وفرق الشيخ ابن عثيمين بيـن من له عذر يمنع من حضور الجماعة كالبرد الشديد والريح الباردة في الليلة المظلمة ومن أكل البصل فقال: «هي أعذار تسوغ للإنسان أن يدع الجمعة والجماعة؛لأنه متصف بما يعذر به أمام الله، أما من أكل بصلا أو ثوما فلا نقول إنه معذور بترك الجمعة والجماعة، ولكن لا يحضر دفعا لأذيته، فهنا فرق بين هذا وهذا؛ لأن هذا المعذور يكتب له أجر الجماعة كاملا إذا كان من عادته أن يصلي مع الجماعة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما»، أما آكل البصل والثوم فلا يكتب له أجر الجماعة؛لأننا إنما قلنا له لا تحضر دفعا للأذية».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]