عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-12-2019, 02:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياق التاريخي للنوازل الأصولية

السياق التاريخي للنوازل الأصولية
أ.د.أحمد بن عبد الله الضويحي*


ولعل مما يؤكد هذه الفكرة : تلك القصة المشهورة التي تروى عن الإمام الشافعي رحمه الله ت204هـ وفيها : أنه سأله سائل عن الحجة في دين الله، فقال كتاب الله، قال السائل: ثم ماذا؟ قال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة، قال: ومن أين قلت اتفاق الأمة من كتاب الله؟ فتدبر الشافعي رحمه الله ساعة، فقال له السائل : أجلتك ثلاثة أيام، فتغير لون الشافعي، ثم ذهب فلم يخرج أياماً، ثم خرج من البيت في اليوم الثالث، فجاء السائل فقال: حاجتي؟ فقال الشافعي: نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قـال الله عز وجل : {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهـدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً}[58]، لا يصليه جهنم على خلاف سبيل المؤمنين إلا وهو فرض، فقال السائل : صدقت"أ-هـ[59].
ففي هذه القصة دلائل واضحة على أن الاحتجاج بالإجماع يعد من النوازل الأصولية، كاستغراب السائل إثبات مصدر من مصادر التشريع دون مستند من القرآن، وعجز الشافعي عن بيان الدليل له في الحال، وانصرافه إلى التنقيب في القرآن عن دليل لهذا الأصل، وحرصه على بيان وجه الدلالة حتى يدركه السائل وغيره.
وفي الرسائل المتبادلة بين الإمام مالك ت177هـ ، والليث بن سعد ت175هـ[60] ما يدل على أن الاحتجاج بعمل أهل المدينة كان نازلة أصولية استوجبت المدارسة والمناظرة وبيان الحق.
وقد نقل الباجي ت474هـ وغيره عن أبي يوسف ت182هـ أنه لما اجتمع بمالك وسأله عن المسائل وأجابه مالك بنقل أهل المدينة المتواتر، رجع أبو يوسف إلى قوله، وقال : لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع مثلما رجعت[61].
وقد تقدم إنكار الشافعي وأحمد لهذا النوع من الاستدلال ومخالفتهم لمالك في ذلك[62]، وهذا يؤكد أنه دليل محدث ونازلة أصولية جديدة.
يقول الجصاص ت370هـ : - "فلو كان إجماعهم هو المعتبر في كونه حجة لما خفي أمره على التابعين ومن بعدهم، فلما لم نر أحداً من تابعي أهل المدينة ومن غيرهم ومن جاء بعدهم دعا سائر الأمصار إلى اعتبار إجماع أهل المدينة ولزوم اتباعهم: دل ذلك على أنه قول محدث لا أصل له عن أحد من السلف"أ-هـ[63].
ومن قرأ كتاب الشافعي "إبطال الاستحسان" ولاحظ المنهج الذي سلكه في إنكار هذا النوع من الاستدلال أدرك أن تأليفه لهذا الكتاب جاء استجابة لهذه النازلة الأصولية وهي تفشي العمل بهذا الدليل وبخاصة عند فقهاء الحنفية.
ومن تتبع المصنفات الأصولية في القرنين الثالث والرابع وجد أن عدداً منها قد صنف في بيان حكم نازلة من النوازل الأصولية إثباتاً أو نفياً.
فمن أهم المصنفات في الإجماع :
كتاب الإجماع لداود بن علي الظاهري ت270هـ، وكتاب الإجماع لابن الأخشيد ت326هـ، وكتاب الإجماع لأبي بكر الصيرفي ت330هـ، وكتاب الإجماع لأبي منصور الماتريدي ت333هـ.
ومن أهم المصنفات في اجتهاد الرأي :
كتاب اجتهاد الرأي لمحمد بن الحسن الشيباني ت189هـ، واجتهاد الرأي لعيسى بن أبان ت220هـ، والاجتهاد لأبي علي الجبائي ت303هـ، ونقض اجتهاد الرأي على ابن الراوندي لأبي سهل النوبختي ت311هـ، والاجتهاد لأبي هاشم الجبائي ت321هـ، والاجتهاد في الأحكام لأبي الحسن الأشعري ت324هـ.
ومن أهم المصنفات في القياس :
كتاب القياس لمحمد بن إدريس الشافعي ت204هـ، وإثبات القياس لعيسى بن أبان ت220هـ، وإبطال القياس لداود بن علي الظاهري ت270هـ، وإبطال القياس لأبي سعيد البشكري ت276هـ، وإثبات القياس لأبي بكر القاشاني ت280هـ، والرد على داود في إبطال القياس للقاشاني أيضاً، والقياس لأبي الحسين بن القاسم ت298هـ، وإثبات القياس لأبي الحسن القمي ت305هـ، والرد على ابن داود في إبطال القياس لأبي العباس بن سريج ت306هـ، وإبطال القياس لأبي سهل النوبختي ت311هـ، وإثبات القياس لأبي بكر بن المنذر ت318هـ، وإثبات القياس لأبي الحسن الأشعري ت324هـ، والقياس للقشيري ت344هـ، والاعتبار في إبطال القياس للرباعي ت370هـ، والقياس لأبي القاسم الصيمري ت386هـ، وإبطال القياس لأبي الطيب بن الخلال، وإبطال القياس للنهرباني وكلاهما من أتباع داود الظاهري.
ومن أهم المصنفات في عمل أهل المدينة :
إجماع أهل المدينة لأبي بكر الأبهري ت375هـ، وأمالي إجماع أهل المدينة لأبي بكر الباقلاني ت403هـ.
ومن أهم المصنفات في الاستحسان إضافة إلى كتاب إبطال الاستحسان للشافعي ت204هـ: كتاب الاستحسان لمحمد بن الحسن الشيباني ت189هـ [64].

*أستاذ علم أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

[1] انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري 1/77-126.

[2] انظر مقدمة ابن خلدون 418-419، والفتح المبين 1/9، 15.

[3] انظر مقدمة ابن خلدون 418، وحجية السنة 515.

[4] انظر اللمع 134، والعدة 5/1578، والمستصفى 2/355، وشرح تنقيح الفصول 446، وأعلام الموقعين 1/9، وفواتح الرحموت 2/366.

[5] انظر جامع بيان العلم وفضله 2/81-82، والفكر السامي 1/69.

[6] انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري 1/85-87.

[7] أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري، كتاب المناقب، باب مناقب سعد بن معاذ 4/227، ورقمه 3804، وأخرجه مسلم في صحيحه من حديثه أيضاً، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزل أهل الحق على حكم حاكم عدل أهل للحكم 3/1388-1389، ورقمه 1768، وأخرجه كذلك الإمام أحمد في مسنده 6/56، والدارمي في سننه 2/238، وغيرهم.

[8] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس عن عمر، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر 3/1383-1385، ورقمه 1763، وأخرجه الترمذي في سننه من حديث عبدالله بن مسعود، كتاب الجهاد، باب ما جاء في المشورة 4/213، ورقمه 1714، والبيهقي في سننه، كتاب آداب القاضي، باب مشاورة الوالي والقاضي في الأمر 10/109.

[9] انظر الفقيه والمتفقه 2/390، وأعلام الموقعين 1/62، 4/256، والفتح المبين 1/19.

[10] انظر شرح الطحاوية 427-430، والفتح المبين 1/19.

[11] انظر شرح تنقيح الفصول 446، والإتقان في علوم القرآن 1/58-63، والفتح المبين 1/19.

[12] انظر المغني 4/8، والفتح المبين 1/19.

[13] انظر المغني 12/498، والفتح المبين 1/21.

[14] انظر جامع بيان العلم وفضله 2/12، وأعلام الموقعين 1/203، ومقدمة ابن خلدون 453، وانظر جملة من الآثار التي تدل على احتجاج الصحابة بالقياس في الفقيه والمتفقة 1/490-503، وأعلام الموقعين 1/203-205، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/97-99.

[15] أخرجه البيهقي في سننه، كتاب آداب القاضي، باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي 10/115.

[16] انظر أعلام الموقعين 1/14-22، 63-64.

[17] انظر شرح تنقيح الفصول 446، والخراج لأبي يوسف 29، والمدخل إلى علم أصول الفقه 99، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/99.

[18] فقد نقل عنه أنه قال : "إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى فيجلد جلد المفتري". أخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الأشربة، باب الحد في الخمر 607، ورقمه 1531.

[19] أخرجه أبو الحسن المدايني في كتاب المغربين من طريق الوليد بن سعيد، انظر فتح الباري، كتاب الحدود، باب نفي أهل المعاصي والمخنثين 12/166، وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي 103-104.

[20] انظر جامع بيان العلم وفضله 2/36-40، وأعلام الموقعين 1/33، 73.

[21] انظر مقدمة ابن خلدون 413، والموافقات 4/230، وحجة الله البالغة 1/304، والفكر السامي 1/2/315، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/122.

[22] انظر أعلام الموقعين 1/61-62، والفكر السامي 1/2/317.

[23] انظر مقدمة ابن خلدون 416.

[24] انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/122-124.

[25] انظر مقدمة ابن خلدون 413، وحجة الله البالغة 1/307-308، والفكر السامي 1/2/315.

[26] انظر المعتمد 2/296، والمستصفى 1/283، والتبصرة 1/493، والإحكام للآمدي 4/58، وكشف الأسرار 4/7-8، وفواتح الرحموت 2/320-321.

[27] انظر الفصول 2/339، وتقويم الأدلة 404، وأصول السرخسي 2/200، وتيسير التحرير 4/78، وكشف الأسرار 4/6-8، والتقرير والتحبير 3/222، وفواتح الرحموت 2/320-321.

[28] انظر مناقب أبي حنيفة 1/75 ،85.

[29] انظر الأصل 3/43، والحجة 3/1، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/180.

[30] انظرالإحكام لابن حزم 6/192، وقواطع الأدلة 2/268، وبداية المجتهد 2/209، وحاشية الدسوقي 3/479-480، والبحر المحيط 4/386.

[31] انظر الإحكام لابن حزم 6/192، وحاشية الدسوقي 3/479، والموافقات 2/307، 396، 4/209.

[32] انظر الأم 6/203، والتبصرة 492، والمستصفى 1/274، والإحكام للآمدي 4/156، والإبهاج 3/188.

[33] هذا الكتاب تضمن رأي الشافعي في الاستحسان وأدلته على بطلانه، وهو مطبوع ضمن كتاب الأم 7/487-500

[34] انظر الفصول 2/340، وتقويم الأدلة 404، واصول السرخسي 2/199-200، وكشف الأسرار 4/7.

[35] انظر المعتمد 2/163، والعدة 4/1143، وإحكام الفصول 2/34، والبرهان 1/295، ومختصر المنتهى 2/35، وشرح تنقيح الفصول 334، والمستصفى 1/187، والموافقات 3/273، ومقدمة ابن خلدون 414، والمحصول 4/228، والمسودة 331، وفواتح الرحموت 2/232.

[36] انظر كتاب التاريـخ ليحيى بن معين 4/498-501، وكتاب المعرفة والتاريخ للفسوي 1/695-697، وترتيب المدارك 1/64-65.

[37] مقدمة ابن خلدون 414.

[38] انظر الفصول2/150، والبرهان 1/459، وشرح تنقيح الفصول 334، والبحر المحيط 3/533، والعدة 4/1142.

[39] نقل ذلك الزركشي في البحر المحيط، ونسبه إلى كتاب اختلاف الحديث للشافعي، ولم أجده فيه، وإنما وجدت عبارة قريبة من هذه في كتاب الأم 7/281، وجماع العلم 1/149. انظر البحر المحيط 2/528.

[40] انظر البحر المحيط 3/533.

[41] انظر الإحكام لابن حزم 2/222-244، 4/597، والبحر المحيط 3/534، والتقرير والتحبير 3/133.

[42] انظر البرهان 1/295، والتلخيص 3/115، والمستصفى 1/187.

[43] انظر إحكام الفصول 480، واللمع 91، والعدة 4/1143، ومجموع الفتاوى 20/304، وشرح تنقيح الفصول 334.

[44] انظر اللمع 91، والمعتمد 2/34، وقواطع الأدلة 2/24، ومختصر المنتهى 2/35، والواضح 5/184، والتلخيص 3/119.

[45] انظر مجموع الفتاوى 20/308، والواضـح 5/184، والتلخيص 3/119، والإحكام للآمدي 1/243، والبحر المحيط 3/529.

[46] انظر اللمع 91، والعدة 4/1143، وقواطـع الأدلـة 2/24، والمسودة 332، والبحر المحيط 3/529، والتقرير والتحبير 3/133.

[47] انظر البحر المحيط 3/528.

[48] انظر التلخيص 3/117-118.

[49] انظر المسودة 332، والإحكام للآمدي 1/243.

[50] أسبقية التدوين في هذا العلم شرف عظيم تنازعه علماء الإمامية، والحنفية، والمالكية، والشافعية، والذي اختاره أكثر المحققين من علماء هذا الفن وغيرهم : أن الرسالة أول كتاب وصل إلينا مدوناً في علم أصول الفقة على وجه الاستقلال. انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري 1/215-234.

[51] انظر مناقب الإمام الشافعي للفخر الرازي 101، ومقدمة ابن خلدون 420، وضحى الإسلام 2/229، والشافعي لمحمد أبو زهرة 347-350.

[52] حجة الله البالغة 1/311.

[53] مناقب الإمام الشافعي 101-102.

[54] لعل من أشهر الموضوعات التي أثارت حفيظة مخالفيه : رأيه في البيان، والنسخ، ومذهب الصحابي، وتفسيره لرأي الحنفية في الاستحسان بأنه قول بالتشهي والهوى، ويعـد الجصاص من أكثر العلماء الذين انتقدوا آراء الشافعي في الرسالة. انظر- على سبيل المثال- الفصول 2/6-19، 4/223، وعلم أصول الفقه 1/326، 2/871-875، 881-884.

[55] انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/325-326.

[56] انظر المصدر السابق 1/509-524.

[57] مقدمة ابن خلدون 420 .

[58] سورة النساء آية 115.

[59] انظر أحكام القرآن للشافعي 1/40.

[60] انظر كتاب التاريخ ليحيى بن معين 4/498-501، وكتـاب المعرفـة والتاريخ للفسوي 1/695-697، وترتيب المدارك 1/64-65.

[61] انظر إحكام الفصول 483-484، ومجموع الفتاوى 20/304، والبحر المحيط 3/529-531.

[62] انظر الأم 7/281، وجماع العلم 1/49، والعدة 4/1142، والبحر المحيط 2/528.

[63] الفصول 2/150.

[64] انظر فذ هذه المصنفات : الفهـرست لابن النديم 280-307، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري 2/1295-1304.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]