عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-12-2019, 11:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,034
الدولة : Egypt
افتراضي كيف أكون فاعلا؟

كيف أكون فاعلا؟
سعيد بن محمد آل ثابت





هذا السؤال بيت القصيد لمن رام العمل لهذا الدين، فإن هذا الدين رسالةٌ ربَّانية ينبغي فهمها وفهم مرادها على ما يريد الله، وحتى لا يكن ثمة مفارق وغوائل تشذ بصاحب العمل، وتضع من همته، وإن من أوائل تلك المهمات هو:

أولًا: البناء الذاتي؛ فإن البناء له علاقة مع العطاء، فكلما كان المسلم أشد بناءً كان أكثر عطاء، وله علاقة بمقاومة التحديات وبذل التضحيات، فكلما اشتد البناء وقوي أساسه أصبح المؤمن أكثر قدرة على مواجهة المصاعب ومقاومة التحديات وبذل أكبر قدر من نفسه وماله، ومن المعلوم أن الصالحين يبنون أنفسهم، والمصلحين يبنون الجماعات، ولذا قالوا: (كان الفضيل رجل نفسه، وكان أبو إسحاق رجل عامة)[1]. فبناء عن بناء، بناء للنفس، وبناء للنفس وللأمة. (إن الأمة تحتاج اليوم إلى طاقات فاعلة تسهم في إنقاذها وقيادتها، وتعد المحاضن التربوية للناشئة اليوم من أهم ميادين الإعداد الفعلي لهؤلاء الدعاة. وحين يبدأ الإعداد الفعلي لهؤلاء في مرحلة مبكرة فإن ذلك يمكن من استثمار مرحلة البناء الأساسي لشخصية الفرد واغتنام السنين الذهبية، ثم هو يعطي مدى واسعًا لاكتساب المهارات والخبرات الدعوية، وبناء المفاهيم التي يحتاجها الداعية[2].




وأبرز مجالات البناء الذاتي[3]: البناء العلمي، وإذا أطلقنا العلم قصدنا به العلم الشريعة، لأن العلم يقي شبهات الطريق وغوائله، ويعلم به الإنسان السنن، ويقوى به حيال البذل والمقاومة، قال جل من قائل: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، وقال سبحانه: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله سبحانه وملائكته وأهل سماواته وأرضه حتى النملة في جحرها والحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير". صححه الألباني في صحيح الجامع. قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة...". قال عمر رضي الله عنه: "تفقهوا قبل أن تسودوا"، أي تعلموا قبل أن تباشروا الناس؛ وكذا كان الرعيل الأول أصحاب العلم والعمل، فعن مسروق قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه" رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه قال: "كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك.. الحديث" البخاري. فلم يمنع ابن مسعود صحبته برسول الله من نيل العلم، ولم تمنع ابن عباس قرابته من رسول الله من نيله أيضًا، ويلفت ذهنك لذلك تلك التضحيات التي يجهد الأولون وألو العلم والفضل فيها أنفسهم رجاء بلوغ العلم، (قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي عن رحلته: بُلتُ الدم في طلبي للحديث مرتين: مرة ببغداد، ومرة بمكة، وذلك أني كنت أمشي حافيًا في سفري لطلب العلم وعلى الرمضاء المحرقة، فأثر ذلك في جسدي فبُلتُ دمًا، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث إلا مرة واحدة، وكنت دائمًا أجعل كتبي على ظهري في أثناء سفري، حتى استوطنت البلاد...)[4].





ويقارن أبو الحسن رضي الله عنه بين العلم والمال، فقال: العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال ينقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق. وحريٌّ بالعلم أن يكون قائدًا إلى الخشية وتعظيم شرع الله ومعرفة حدوده، وقد ذكر الطبري في تفسيره (قال عبد الأعلى التيمي: إن من أوتي من العلم مالم يبكه لخليق ألا يكون أوتي علمًا ينفعه؛ لأن الله نعت العلماء ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107 - 109]).




ومن مجالات البناء الذاتي: البناء الإيماني، قال الحق: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]، إن الإيمان والعمل الصالح هو الزاد الحقيقي للفاعل والعامل لهذا الدين العظيم، ألم تر أمر الله لرسوله عليه الصلاة والسلام إبان بداية الداعية ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 1، 2]؛ لأن صلة العبد بربه هي مظنة التوفيق والسداد والإعانة وهي الماخور الذي يعبر به العبد بحور الشهوات دون أن تصل إليه، فكم ضل عامل لشهوة دنيا عاجلة ظنها مصلحة راجحة، وهكذا كانوا، وانظر رحمني الله وإياك سورة الأنبياء وكيف كان الرسل والأنبياء منذ أن تلهج ألسنتهم بالدعاء فتكن الاستجابة السريعة ليعلل الله جل وعلا ذلك لهم في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، ولما تنظر لمنطوق الآية ستجد أن المسارعة للخيرات والدعاء والخشية هي سبب الاستجابة المباشرة، فنحن أولى لضعفنا وتقصيرنا، إن ولاية الله لعبده لا تكن حتى يكن، وفي الحديث القدسي: "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه.." الحديث، ولا يعلم أن هناك محتاجًا لولاية الله ونصرته أكثر من الداعية والمصلح إذ تحطمه المحن والآفات وترزأ به المصائب وتعرقله العراقيل، فكيف له أن يترك هذا الحصن، ثم كيف له أن يدعو لله وهو أجهل الناس بالله لا سيما في علاقة العبد بربه وصلته به، قال ابن كثير عن صلاح الدين الأيوبي: (وكان مواظبًا على الصلوات في أوقاتها في الجماعة. يقال: لم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل، حتى ولا في مرض موته، كان يدخل الإمام فيصلي به، وكان يتجشم القيام مع ضعفه)[5].




ومن مجالات البناء الذاتي وهو الأخير البناء الدعوي، والدعوة في هذه الأمة لا تنفك منها، قال الله: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33] البناء الدعوي بناء لثقافة الداعية وأساليبه المناسبة ووسائله القويمة بناء يدعم مشروعه ويرسيه على مرافئ الحياة، وتأمل قول الحق تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4]، ومفهوم هذا الآية ظاهر في أن الداعية حين يدرك بيئته ويعلم مدى مناسبة أساليب الدعوة ووسائلها استطاع البيان والتأثير، ومن تلك المهمات أن يعتني بالخبرات والمهارات اللازمة كالحوار، التقنية، الإلقاء، فقه الواقع، فقه السيرة، جهود أهل الباطل، وأيضاَ أصول ومفاهيم العمل الدعوي.. إلخ.

والعلاقة طردية، فمتى ما زاد فقه الداعية وبنائه استطاع البيان والتأثير بأكثر فعالية.




ثانيًا: الإنسان أفكار وسلوك وتطلعات وأمانٍ، ولذا لزم صاحب الهمة التغييرية أن لا يفارق همه وخطراته العمل لهذا الدين والبذل له، فتجتمع أمانيه وهمومه للدعوة والعطاء، وقد اجتمع عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا، فقالوا: ابدأ أنت، فقال مصعب بن الزبير: أتمنى ولاية العراق، وتزوج سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله. فنال ذلك، وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف درهم، وجهزها بمثلها، وتمنى عروة بن الزبير الفقه - أي: أنه سأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه الفقه - وأن يحمل عنه الحديث. فنال ذلك، وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة رضي الله تعالى عنه وعن أبيه.[6] ونرجو له الجنة، وهنا يظهر أثر ما يعتقد الإنسان ويتمناه على حياته واقعًا وحقًا بإذن الله. فراقب همومك وأمانيك دائمًا فعن مالك بن دينار قال: إن صدور المؤمنين تغلي بأعمال البر، وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور، والله تعالى يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله.[7].




وتيقن دائمًا أن تجعل همومك وأمانيك همًا واحدًا؛ تفز به إن شاء الله، قال أبو الأعلى المودودي: (إنه من الواجب أن تكون في صدوركم عاطفة تشغلكم في كل حين من أحيانكم بالسعي في سبيل غايتكم وتعمر قلوبكم بالطمأنينة وتكسب لعقولكم الإخلاص والتجرد والحنيفية وتركز عليها جهودكم وأفكاركم بحيث أن شؤونكم الشخصية وقضاياكم العائلية إذا استرعت اهتمامكم فلا تلتفتون إليها إلا مكرهين)[8]. قال ابن الجوزي: (ولله أقوام ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها، فهم يبالغون في كل علم ويجتهدون في كل عمل، يثابرون على كل فضيلة، فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك قامت النيات نائبة وهم لها سابقون).




ثالثًا: القدرة أم الإرادة؟

أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال سوف تبري همة العبد ليكتب بها تاريخ مجد وبذل لهذا الدين. ولو سألنا بعضنا: ماذا لو قدمت مئة ريال لحفظ القرآن في سنة لتعذر الأغلب بعدم قدرته، ولو زدناها لألف ريال لاعتذروا أيضًا، ولكن لو زدناها لعشرة ألف ريال لتحلحل البعض من مكانه حتى إذا قلنا مئة ألف ريال لقام أكثرهم وسعى ودعا، فما رأيكم أن نضع مليون ريال لكل من حفظ القرآن في سنة؟ هل سيبقى معتذر؟ وهل ظروفه التي كانت تحول دون الحفظ سلفًا سيكون لها أثرًا؟ بل سيحفظ ويجد ويطوع كل ظروفه لهذا الهدف! فأين السر يا ترى؟ وهل كان فعلًا لا يقدر؟! لا؛ بل إنها الإرداة وكفى، الإرادة هي التي تجعل العسير يسيرًا بعد إرادة الله، وهي شرارة العمل وهي العزيمة وتأمل قول الحق تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115]، وقارنه مع قوله سبحانه: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]؛ إنها الإرادات القائمة على دوافع عظيمة، وتختلف هذه الدوافع مثل مليون الحفظ وقد تكون للجاه وقد تكون لغير ذلك، ولكن يا ليت شعري من هو الذي كان دافعه رضى الله وكان دافعه نشر هذا الدين وكان دافعه تعبيد الناس لله وكان دافعه جنات عدن..، ولتجدنّ فيه عزيمة وإرادة تناطح السحاب وتتقازم أمامها دوافع الشهرة والمال، فلنكذب شائعة ضعف القدرة، ولنصدق خبر الإرادة وأنها هي الفتيل الحقيقي، قال ابن الجوزي: قرأت بخطّه (يعني ابن عَقِيْلِ): إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، فإذا تعطّل لساني من مذاكرة ومناظرة، وبصري من مُطَالَعَةٍ، عملت في حال فراشي وأنا مضطجعٌ، فلا أنهض إلا وقد يحصل لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم في عشر الثمانين، أشد مما كنت وأنا ابن عشرين[9].




ثالثًا: اقتناص الفرص واهتبال الغنيمة، وإن صاحب الهم الصادق لا يترك ثمة صيد من تلك إلا كانت نهمته فيها.

إذا هبت رياحك فاغتنمها ♦♦♦ فعقبى كل عاصفة سكون




وهذا حقٌ، فالفرص التي تواتي العبد كثيرة من بيئة خصبة وإعلام هادف وعالم رباني وأديب لقن ومثقف حر وحدث يجمع ذلك كله، فكان اغتنام تلك حتى لا يطلبها فيتعسر منالها فضلًا على استحالة عودتها، فكم هم المتأسفون على عدم الرحلة لمحدث أو التفقه من عالم عاصرهم، أو اغتنام إعلام أتاح الفرصة حينئذ، وهكذا.


رابعًا: الشعور بالتحدي وخلق المنافسة. وانظر للإمام مالك بن أنس فلقد جالس مالك العلماءَ ناشئًا صغيرًا، ولزم فقيهًا من فقهائهم وعالمًا من علمائهم، وكان لهذا قصة تنبئك عن ثمرة الشعور بالتحدي، ذكر الإمام مالك ذلك فقال: كان لي أخ في سن ابن شهاب، فألقى أبي يومًا علينا مسألة، فأصاب أخي وأخطأت، فقال لي أبي: (ألهتك الحمام عن طلب العلم!) - وكان يتلهّى بتربية الحمام في مطلع حياته - فغضبت، وانقطعت إلى ابن هرمز سبع سنين (وفي رواية: ثماني سنين) لم أخلطه بغيره، وكنت أجعل في كمي تمرًا، وأناوله صبيانًا وأقول لهم: (إن سألكم أحد عن الشيخ فقولوا مشغول). وقال ابن هرمز يومًا لجاريته: (من بالباب؟)، فلم تر إلى مالكًا، فرجعت فقالت: (ما ثم إلا ذاك الأشقر)، فقال: (ادعيه فذلك عالم الناس)، وكان مالك قد اتخذ تيانًا محشوًا للجلوس على باب ابن هرمز يتقي به برد حجر هناك.[10] وكان يقول: وكنت آتي ابن هرمز بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل [11].


ومن تكن العلياء همة نفسه ♦♦♦ فكل الذي يلقاه فيها محبب




خامسًا: الفاعلية بُعد نفسي لابد فيه من دوافع عليا تعين على المواصلة والصبر والتحمل. و(الصحة النفسية شرط أساسي لولادة الإيجابية، فلا يمكن أن يكون المرء إيجابيًا، وهو يشعر بنوع من (القرف الوجودي) أو الحسد أو الغيرة أو الخمول النفسي أو الحقد على الناس..)[12]. وأعظم الدوافع استحضار معية لله ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ﴾ [التوبة: 105] واليقين ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7] وحب الخير للناس (اللهم اغفر لقومي).




سادسًا: أهمية التنشئة على الفاعلية والتربية عليها من الأسرة والمؤسسات كافة. (وأهم شيء تكوين رجل العقيدة، ذلك الإنسان الذي تصبح الفكرة همه، تقيمه وتقعده ويحلم بها في منامه وينطلق في سبيلها في يقظته، وليس لدينا بكل أسف من هذا النوع القوي والعبقري، ولكن لدينا نفوسًا متألمة متحمسة مستعدة بعض الاستعداد، ولا بد للنجاح من أن يقلب هؤلاء إلى مثل قوية تعي أمرها، وتكمل نقصها؛ ليتم تحفزها الذي ينطلق من عدم الرضا بالواقع والشعور بالأخطاء التي تتعاقب، وينتهي باستجابة لأمر الله ونداءات الكتاب الحكيم ومراقبة وعد الله ووعيده، والتأسي بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم..)[13].




سابعًا: وازن بين أمور ثلاثة: من أنت (هدفك)، اتجاهك (قدرتك على العطاء)، الحاجة (البيئة الزمانية والمكانية). وإذا نظرنا لهذا المثلث المهم باتزان كان معينًا بعد الله على اختيار العمل المناسب، فيكون صاحبنا هدفه أن يكون فقيهًا، وقدرته في العطاء عن طريق الدروس العلمية للمبتدئين ويرى الحاجة في النائي من شرق أو غرب أي بلد، وهنا تتحقق له بغيته ويتسع عمله ويقوى جده، بخلاف من أخلّ بأحد هذه الموازين، وربما تكون الحاجة أسمى أحيانًا لواجب الوقت، ولنأخذ أنموذجًا معاصرًا في أستاذ عصره في الدعوة والبذل والعطاء والطموح نسأل الله أن يتقبله وهو عبد الرحمن السميط رحمه الله[14]، ولا أظن مسلمًا صادقًا عاصر زمانه وجهله، وتجد أن الرجل كان هدفه دعوة غير المسلمين وقدرته في العطاء عبر الرحلات الميدانية والمحاورات المجتمعية وبناء الأوقاف والمدارس والمعاهد والجامعات واختار القارة السوداء (أفريقيا) ميدانًا له رغم الصعوبات في المعيشة والتنقل وتنوع المظاهر المجتمعية والعادات والأعراف واختلاف اللغة، ولكن لأن الحاجة كانت هناك بارزة فقدمها وبذل نفسه وماله وأهله في ذلك حتى لقد كان سببًا في إسلام ما يربو على 11 مليون مسلم، وكان دؤوبًا مجتهدًا حريصًا باذلًا حتى ما يدخر من ماله لشراء حاجياته الخاصة، فقد كان له مال زهيد أراد به سيارة تقله وأسرته فلما عزم على ذلك تذكر حاجة أطفال أفريقيا في علاج لهم تعسر ماله فقدمهم على نفسه وأهله، هذا هو تنفس البذل والعطاء حتى أصبح مورد حياة لصاحبه لا يهنأ له عيش دونه، والسؤال هل يعلم رحمه الله أن ذلك العدد المليوني كان سيحصل، لا أظن؛ ولكنه توفيق الله تعالى ثم موازنة هدف الإنسان واتجاهه مع البيئة المحتاجة ستكون كلها كفيلة بإذن الله بعمل مثمر لا يقف.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]