عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-11-2019, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أيّها الحاج...هل عرفتَ مكانةَ يوم عرفة

هديه - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة:
قال ابن القيم في زاد المعاد: "فلما فرغ من صلاته، ركب حتى أتى الموقفَ، فوقف في ذيل الجبل عند الصَّخَراتِ، واستقبل القِبْلة، وجعل حَبْلَ المُشاة بين يديه، وكان على بعيره، فأخذَ في الدُّعاء والتضرُّع والابتهال إلى غروب الشمس، وأمر النَّاس أن يرفعُوا عن بطن عُرَنَةَ، وأخبر أنّ عرفة لا تختص بموقفه ذلك، بل قال: (( وقَفْتُ هاهنا وعَرَفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ)).
وكان في دعائه رافعاً يديه إلى صدره كاستطعام المسكين، وأخبرهم أنَّ خَيْرَ الدُّعَاء دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ.... وذكر من دعائه - صلى الله عليه وسلم - في الموقف: (( اللَّهُمَ لَكَ الحَمْدُ كالَّذِي نَقُولُ وخَيْراً مِمَّا نقُولُ، اللَّهُمَّ لَكَ صَلاتي وَنُسُكي، ومَحْيَاي، ومَمَاتِي، وَإليكَ مَآبي، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ، وَشَتاتِ الأمْرِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تِجِئي به الرِّيحُ)) [ذكره الترمذي].
وممّا ذُكِرَ مِن دُعائه هناك: (( اللَّهُمَّ تَسْمَعُ كَلامي، وتَرَى مَكَاني، وتَعْلَمُ سرِّي وعَلانيتي، لا يخفى علَيْكَ شَيء مِنْ أَمْري، أَنا البَائسُ الفَقيرُ، المُسْتَغِيثُ المُسْتَجيرُ، وَالوَجلُ المُشفِقُ، المقِرُّ المعترِفُ بِذُنُوبي، أَسْأَلكَ مَسْألةَ المِسْكين، وأبْتَهِلُ إليْكَ ابْتهالَ المُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الخَائِفِ الضرِيرِ، مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ، وفَاضَتْ لَكَ عَيْنَاهُ، وذلَّ جَسَدُهُ، ورَغِمَ أَنْفُهُ لَكَ، اللَّهُمَّ لا تَجْعلنى بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِياً، وكُن بي رَؤُوفاً رحيماً، يا خيْرَ المَسْؤُولين، ويَا خَيْرَ المُعْطِينَ)) [ذكره الطبراني].
وذكر الإمام أحمد: من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه قال: كان أكثرُ دُعاءِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفة: (( لا إله إلاَّ اللَّهُ وحدَهْ لا شرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحمدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شيء قَدِير)).
وأرسل إلى النّاس أن يكونوا على مشاعرهم، ويقفوا بها، فإنّها مِن إرث أبيهم إبراهيم وهنالك أقبل ناسٌ من أهل نَجْدٍ، فسألوه عن الحجِّ، فقال: (( الحَجُّ عَرَفَةُ، مَن جَاء قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، تَمَّ حَجُّهُ، أيَّامُ مِنَى ثَلاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْن، فلا إثْمَ عَلَيْهِ، ومَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عليه)) [رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال الألباني في الإرواء صحيح]".
فائدة:
ومعنى (( الْحَجّ عَرَفَة))... قالوا:
في المنتقى - شرح الموطأ - (ج 1 / ص 196):
رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( الْحَجُّ عَرَفَةُ لَمَّا كَانَ الْحَجُّ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِعَرَفَةَ)).
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 55):
(( الْحَجّ عَرَفَة)) أَيْ مُعْظَم الْحَجّ وَرُكْنه الْأَكْبَر.
وفي عون المعبود - (ج 4 / ص 337):
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: "يُرِيد بِهِ مُعْظَم الْحَجّ وَهُوَ الْوُقُوف لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخَاف عَلَيْهِ الْفَوَات فَأَمَّا طَوَاف الزِّيَارَة فَلَا يُخْشَى فَوَاته وَهَذَا كَقَوْلِهِ (( الْحَجّ عَرَفَة)) أَيْ مُعْظَم الْحَجّ هُوَ الْوُقُوف".
وفي تحفة الأحوذي - (ج 2 / ص 435):
(( الْحَجّ عَرَفَة))...
أَيْ الْحَجُّ الصَّحِيحُ حَجُّ مِنْ أَدْرَكَ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَبْدُ السَّلَامِ: "تَقْدِيرُهُ إِدْرَاكُ الْحَجِّ وُقُوفُ عَرَفَةَ". وَقَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ: "أَيْ مِلَاكُ الْحَجِّ وَمُعْظَمُ أَرْكَانِهِ وُقُوفُ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ".
وفي شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 334):
(( الْحَجّ عَرَفَة))...
قِيلَ: التَّقْدِير مُعَظَّم الْحَجّ وُقُوف يَوْم عَرَفَة. وَقِيلَ: إِدْرَاك الْحَجّ إِدْرَاك وُقُوف يَوْم عَرَفَة، وَالْمَقْصُود أَنَّ إِدْرَاك الْحَجّ يَتَوَقَّف عَلَى إِدْرَاك الْوُقُوف بِعَرَفَة.
وفي حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 6 / ص 82):
(( الْحَجّ عَرَفَة))...
قِيلَ: التَّقْدِير مُعْظَم الْحَجّ وُقُوف يَوْم عَرَفَة وَقِيلَ: إِدْرَاك الْحَجّ إِدْرَاكه وُقُوف يَوْم عَرَفَة، وَالْمَقْصُود أَنَّ إِدْرَاك الْحَجّ يَتَوَقَّف عَلَى إِدْرَاك الْوُقُوف بِعَرَفَة، وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ فَقَدْ أَمَّنَ حَجّه مِنْ الْفَوَات.
وفي فيض القدير - (ج 3 / ص 539):
(( الْحَجّ عَرَفَة))...
أي معظمه أو ملاكه الوقوف بها لفوت الحج بفوته، ذكره البيضاوي...... (( الْحَجّ عَرَفَة))... أي هو الأصل والباقي تابع.
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري - للعيني الحنفي - (ج 15 / ص 322):
قوله: (( الْحَجّ عَرَفَة)) على معنى أنّ الوقوف هو المهم من أفعاله لكون الحج يفوت بفواته، وكذلك قوله يوم النحر يوم الحج الأكبر بمعنى أنّ أكثر أفعال الحج من الرمي والحلق والطواف فيه.
قلت: هذا وغيره كثير يبين فضل يوم عرفة لأهل الموقف وعِظَم مكانته في الحج وأنّه الأصل وباقي النسك وأركان الحج تابع له.
وقيل: (( ما رؤي الشيطان في يوم هو أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفه)). [أخرجه ابن مالك عن إبراهيم بن أبي عيلة عن طلحة بن عبد الله بن كريز مرسلا].
وكان يقول - صلى الله عليه وسلم -: (( يا أيّها النّاس، عليكم السكينة، فإنّ البر ليس بالإيضاع)) أي: ليس بالإسراع... وذلك حين أفاض من عرفات.
وممّا يفوت كثير من الحجيج في عرفات دوام التلبية مع الذكر والدعاء بلا كف ولا انقطاع؛ لأنّها خير ساعات الحج وأأمل حالات الحاج في العفو والمغفرة وكفارة السيئات، ولا يتصور أنّ عبداً أدرك من عرفات والموقف فيه مثل هذه الأمور ثمّ هو يفعل مثل ما يفعله كثير من الجهال المحرومين، الذين يردون الماء العذب الزلال وهم على مشارف الهلاك من شدة الظمأ ثم يعودون أشد ظمأً وهلاكاً والعياذ بالله، فمن ضيع عرفات فهو لكل الحج أضيع نسأل الله السلامة والعافية... ومن هنا ينبغي أن تعلم أنّه يجب أن يكون حالك بين خوف صادق ورجاء محمود كما كان حال السلف الصالح.
والخوف الصادق: هو الذي يحول بين صاحبه وبين حرمات الله - تعالى -وحدوده، فإذا زاد عن ذلك خيف منه اليأس والقنوط.
والرجاء المحمود: هو رجاء عبد عمل بطاعة الله على نور وبصيرة من الله، فهو راج لثواب الله، أو عبد أذنب ذنباً ثم تاب منه ورجع إلى الله، فهو راج لمغفرته وعفوه.
فينبغي عليك أخي الحاج أن تجمع في هذا الموقف العظيم وفي هذا اليوم المبارك بين الأمرين:
الخوف والرجاء، فتخاف من عقاب الله وعذابه، وترجو مغفرته وثوابه، وتؤمل في فيض رحماته أن يكون لك منها وفيها أكبر نصيب وألاّ تكون من المحرومين... والعياذ بالله - تعالى -.
فهنيئاً لمن وقف بعرفة فغفر له وعفى عنه..... وعندئذ....
هنيئاً لك أخي الحاج، يا من رزقك الله الوقوف بعرفة بجوار قوم يجأرون إلى الله بقلوب محترقة ودموع مستبقة، فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه، ومحب ألهبه الشوق وأحرقه، وراج أحسن الظن بوعد الله وصدقه، وتائب أخلص لله توبة صادقه، وهارب لجأ إلى باب الله ورحمته، فكم هنالك من مستوجب للنّار أنقذه الله وأعتقه، ومن أثقلِ الأوزار فكه وأطلقه، وحينئذ يطلع عليهم أرحم الرحماء، ويباهي بجمعهم أهل السماء، فعن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: (( إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ فَيَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا)).
ثم اعلم أخي الحاج أنّه قد جاء في الأثر:
(( أمّا خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإنّ لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتبُ اللهُ لك بها حسنة ويمحو عنك بها سيئة، وأمّا وقوفك بعرفة فإنّ الله - عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: (( هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رملُ عالج (موضعٌ بالبادية) أو مثل أيّام الدنيا أو مثل قِطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك، وأمّا رميك الجمار فإنّه مدخور لك، وأمّا حلقك رأسك فإنّ لك بكل شعرة تسقط حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك)) ‏[‏أخرجه الطبراني عن ابن عمر‏. ‏ وقال الألباني‏(‏حسن‏)‏ انظر حديث رقم‏: ‏ 1360 في (صحيح الجامع)‏]. ‏‌
هذا وبالله التوفيق وعليه السداد والرشاد.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]