
27-10-2019, 03:21 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,020
الدولة :
|
|
رد: ما تعم به البلوى في الحج
ما تعم به البلوى في الحج (2)
نايف بن جمعان جريدان
وقد حدد السرخسي من الحنفية إيحاب الفدية على من لبس القمص أوالسراويل بأن يكون لابسًا لها اليوم كله فقال: "لو لبس قميصًا أو سراويل يومًا إلى الليل فعليه دم، وإن كان دون ذلك فعليه صدقة"([43]). وهذا القول أوجب دمًا الذي هو النسك كما في أية البقرة: ) فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ( ([44])، وهو ذبح شاة كما فسرها جمع من المفسرين([45])، وكما سبق ما نقلته عن الشيخ ابن عثيمين، وأوجب على من لبسه أقل من اليوم([46]) الصدقة، ولا أدري هل هي مطلق الصدقة أم ماذا يعني([47]) بها رحمه الله.
وجاء عند المالكية([48]): "يجتنب المحرم أيضًا في حجه وعمرته مخيط الثياب لا خلاف في تحريمه على الرجال دون النساء، ولا خصوصية للمخيط بل كل ما أوجب رفاهية مخيطًا كان أو غيره وكذلك جلد الحيوان يسلخ فيلبس، أو ما لُبِد على شكل المخيط أو نُسج كذلك ولو طرح مخيطًا على بدنه من غير لبسٍ فلا فدية".
وعليه فإن ثياب الإحرام والأُزُر التي يلبسها بعض الناس اليوم، وتكون مَخِيطَةً من الوسط بجمع طرفيها، أو فيها تِّكَّةٌ([49]) أو جيب لوضع حاجياته، وما أشبه ذلك لا تُعد من قبيل لبس المخيط، وهذا مما يعضد ما سبق ذكره من تحرير القول في مسمى المحيط([50]).
القول الثاني:
وذهب الشافعية([51])، والحنابلة([52]) إلى أن من لبس السراويل مع انعدام الإزار فلا تجب عليه الفدية، لهذا العذر.
قال الإمام الشافعي –رحمه الله-: وإذا اضطر المحرم إلى لبس شيء غير السروايل والخفين لبسه وافتدى والفدية: صيام ثلاثة أيام، أو نسك شاة، أو صدقة على ستة مساكين، مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم "([53]).
وأصحاب هذا القول القائلون أن من لبس السراويل مع انعدام الإزار لا تجب عليه الفدية يعضدون قولهم بما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول: "من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم"([54]).
قال ابن قدامة في المغني: "وهو صريح في الإباحة، ظاهر في إسقاط الفدية؛ لأنه أمر بلبسه ولم يذكر فدية، ولأنه يختص لبسه بحالة عدم غيره فلم تجب به فدية، كالخفين المقطوعين، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما مخصوص بحديث ابن عباس رضي الله عنهما"([55]).
الخلاصة :
o أوردت هذا الخلاف في هذه المسألة لما ذكرت أن غالب الناس اليوم يلبسون –فيما يلبسون- القمص، والسراويل، وإذا عُرف القول في لبسهما مع عدم وجود الإزار، وأنه عند الحنفية والمالكية عليه الفدية، ويجوز لبسها عند الشافعية، والحنابلة، وليس عليه فدية؛ عُلم –والله أعلم-أن لبسهما لمثل هذا الحالات يستوجب الفدية. وأما حجه من حيث الصحة فهو حج صحيح.
o مرَّ معنا في هذه المسألة أن النهي الوارد عن لبس السراويل بسبب كونه مصنوعاً على قدر البدن، وعليه لو لبس المُحْرم ملابسه العادية (فانيلة مثلاً، أو سروالاً) ليس مخيطاً، وإنما أُبدل الخيط بمادة لاصقة تقوم مقام الخيط، فلا نقول عنه أنه لبس مخيطًا، فهذا مخرج فقهي شرعي إذا فعله الإنسان فلا شيء عليه –إن شاء الله-.
* * * * * *
إحرام وميقات أهل المشرق
توطئة:
الحادثة التي "تعم بها البلوى" قد تعرض لجميع المكلَّفين، وقد تعرض للمكلَّف الواحد، وأن هذا راجع إلى الحادثة نفسها فقد يقوم بها الإنسان بمفرده، فتكون في حقه "تعم بها البلوى" عند فعله لها، وقد يشترك بفعل هذه الحادثة جميع المكلَّفين أو أكثرية منهم في حال واحدة، فتكون في حقهم جميعاً، وقد ذكرت فيما سبق نماذج على وقوع الحادثة لجميع المكلفين، وأُخرى للمكلف الواحد، ولعلي في هذا المبحث أتطرق لحادثة تعم بها البلوى لمجموعة من المكلفين هم أهل المغرب العربي من السودان إلى موريتانيا، ولعلي أركز القول في أهل السودان كتطبيق معاصر لهذه المسألة.
وقد ظهر في الآونة الأخيرة خلاف بين بعض أهل العلم المعاصرين في مكان إحرام أهل المغرب كأهل السودان ومن جاء على طريقهم، لأداء مناسك الحج عن طريق البحر المارين بمدينة جدة، وهل تعتبر مدينة جِدة ميقاتًا مكانيًا لأداء مناسك الحج والعمرة أم لا؟ ولما كانت هذه المسألة من مهمات المسائل المعاصرة، ولمسيس الحاجة إليها، رغبت أن أقف على أطرا ف المسألة ووسطها علّنا نصل في نهاية المطاف إلى التوصل إلى قول سديد فيها –إن شاء الله-فأقول مستعيناً بالله متوكلاً عليه([56]):
المواقيت تنقسم إلى قسمين؛ مواقيت زمانية، ومواقيت مكانية، وذكرت هناك أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذه المواقيت على طرق الناس المسلوكة إلى مكة، والمعروفة حينئذٍ، فجعل على طريق أهل المدينة (ذا الحليفة)، وهي تبعد عن مكة (430) كيلاً، وجعل على طريق الساحل الشمالي (الجحفة)، وتبعد عن مكة (186) كيلاً، وعيّن لأهل اليمن والجنوب عمومًا (يلملم)، ويبعد عن مكة (90) كيلاً، وحدّ لأهل نجد (قرن المنازل)، وتبعد عن مكة (80)، كيلاً، ووقّت (ذات عرق)، لأهل العراق، ثم وقتها عمر رضي الله عنه وهو لا يعلم بتوقيت الرسول صلى الله عليه وسلم وتبعد عن مكة (80) كيلاً، وذكرت حديث ابن عباس رضي الله عنهما دليلاً على ذلك([57])، وهذه المواقيت إنما هي نقاط لإعلام القاصدين ببدء النسك ووجوب الإحرام، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإنما فائدة هذه المواقيت: وجوب الإحرام من هذه المواقيت"([58])، لذا فإنه ليس لهذه المواقيت قدسية خاصة لذاتها، وإنما الغرض منها الإعلام والتنبيه فقط.
ومما أعيد ذكره هنا أن العلماء أجازوا المرور من أي ميقات شاء القاصد، وإن لم يكن ميقات بلده لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق وفيه: "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن"([59]). كذلك أجازوا –أي العلماء- بالإجماع الإحرام مما يُحاذي هذه المواقيت، ولم يوجبوا المرور منها؛ كما قال ابن قدامة: "ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه"([60]). وقال صاحب أضواء البيان: "اعلم أن من سلك إلى الحرم طريقًا لا ميقات فيها فميقاته المحل المحاذي لأقرب المواقيت إليه...وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم"([61]).
ثم إن من العلماء المعاصرين من قسَّم المواقيت المكانية السالفة الذكر إلى قسمين كذلك:
1. ميقات أصلي: وهو الذي عيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم .
2. ميقات إضافي: وهو الذي يحاذي الميقات الأصلي، ويقع بينهما.
ولكون هذه المسألة استجد فيها من الأمور المعاصرة الشيء الكثير الأمر الذي جعل أقوال كثير من العلماء المعاصرين تعددت بين مؤيد، أو معارض، أو مفصل بين ذا وذاك، فإني سأكتفي بذكر خلاف أهل العلم المعاصرين في هذه المسألة.
وأقوال العلماء المعاصرين التي وقفت عليها في مسألة هل تعتبر جدة ميقاتًا؛ قسمتها إلى أربعة أقوال:
القول الأول:
إن جدة ميقاتًا للقادمين بالطائرة جوّاً وبالسفينة بحراً فقط([62])، ومما استدلوا به ما يلي:
1) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعين مواقيت في الجو لأن الطائرات لم تكن موجودة في عهد النبوة ولا متصورة، فلا يَصدق على أهل الطائرات أنهم أتوا الميقات المحدد لهم لا لغة ولا عُرفًا، لكون الإتيان هو الوصل للشيّ في محله([63]).
2) ولأن المحاذاة لا يمكن أن تتصور في الجو ولا تنضبط، وكذا في البحر([64]).
3) ولأنّ في إلزامهم بالإحرام في الجو مشقةً عليهم والمشقة تجلب التيسير([65]).
4) ولأن الحكمة في وضع المواقيت في أماكنها الحالية كونها بطرق الناس وعلى مداخل مكة، وكلها تقع بأطراف الحجاز، وقد صارت جدة طريقًا لجميع ركاب الطائرات والسفن ويحتاجون بداعي الضرورة إلى ميقات أرض يحرمون منه لحجهم وعمرتهم، فوجبت إجابتهم كما وقَّت عمر رضي الله عنه لأهل العراق ذات عرق، إذ لا يمكن جعل الميقات في أجواء السماء أو في لجة البحر الذي لا يتمكن الناس فيه من فعل ما ينبغي لهم فعله من خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر ما يُسن للإحرام، إذ هو ما تقتضيه الضرورة وتوجبه المصلحة ويوافقه المعقول ولا يخالف نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم ([66]).
القول الثاني:
إنّ جدة ليست ميقاتاً إلا للقادم من غربها مباشرة وهم أهل السواكن في جنوب مصر وشمال السودان([67]). واستدلوا بما يلي:
1) ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجُحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم، هن لهنّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من أهله"([68]).
وجه الدلالة: أن الحديث دل على وجوب إحرام من مرّ على هذه المواقيت وليس من أهلها، ولا يجوز له تأخير الإحرام إلى جدة أو غيرها مما يلي الميقات الذي مرَّ عليه، ولما كانت المواقيت محيطة بالحرم عدا جهة الغرب لمدينة جدة، فلذا لا يجوز تجاوز الميقات للإحرام من جدة إلا للقادم من غربها وهي جهة جنوب مصر وشمال السودان.
2) ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما فتح هذان المصران أي الكوفة والبصرة أتوا عمر رضي الله عنه ، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا فقال: (انظروا حذوها من طريقكم)، فحدَّ لهم ذات عرق"([69]).
وجه الدلالة: إن الإحرام يكون في الميقات أو حذوه، وجدة ليست محاذية لأحد المواقيت فمسافتها إلى مكة أقرب كما تقدم، فلا تكون ميقاتاً إلا للقادم من غربها مباشرة لعدم وجود محاذى به قبل جدة.
3) أن جدة كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذها ميقاتاً ولو كانت من المواقيت لنص عليه النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما مع قرب موقعها ووضوحه وأهميته([70]).
القول الثالث:
إنّ جدة ليست ميقاتًا مطلقاً([71]). واستدل أصحاب هذا القول بأدلة القول الثالث نفسها إلا أنهم لم يستثنوا جهة غرب جدة.
القول الرابع:
إن مدينة جدة ميقاتًا مكانيًا مطلقاً فيجوز للقادم من جميع الجهات أن يُحرم من جدة سواء كان قدومه براً أو بحراً أو جوّاً([72])، وهو القول الذي أميل إليه لما سأذكره من أدلة شرعية وبراهين عقلية، وإثباتات علمية هي كما يلي:
بعد التأمل لكلام أهل العلم المعاصرين وسبر أقوالهم في هذه المسألة تبين لي أن أساس اختلافهم في اعتبار جدة ميقاتًا لأهل المغرب هو اختلافهم في تفسير المحاذاة وتطبيق معناها على مدينة جدة. فمن قال بأنّ مدينة جدة محاذية لميقات (الجحفة) أو (يلملم) فإنه يعتبر مدينة جدة ميقاتًا، ومن قال بأن جدة ليست مُحاذيةً لهذين الميقاتين فإنه لا يعتبرها ميقاتًا، ومن قال إن معنى المحاذاة هي كونه الموضع المحاذي واقعًا بين ميقاتين على خط واحد قال إن مدينة جدة ميقات، ومن لم يفسرها بذلك لم يعتبر جدة ميقاتاً.
لذا كان لِزامًا عليّ أن أقف وقفات يسيرة حول معنى المحاذاة لغة واصطلاحاً:
فالمحاذاة لغة: من حاذاه أي آزاه والحذاء الإزاء([73])، ويُقال: جاء الرجلان حذيتين، أي: كل واحد منهما إلى جنب صاحبه([74])، وحذوته أحذوه حذواً وحاذيته محاذاة هي الموازاة، وحذوت النعل بالنعل قدرّتها بها وقطعتها على مثالها وقدرها([75])، ومن هذا يمكن أن يُقال أن معنى المحاذاة لغة: الإزاء والمماثلة والمساواة.
وأما المحاذاة في الاصطلاح: هي أن تكون مسافة المحاذي والمحاذي به من الحرم سواء ، وأن يكون بُعد المحاذي والمحاذي في البيت واحداً([76])، قال ابن حجر في قول عمر رضي الله عنه : "انظروا حذوها"([77])؛ أي: "اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها"([78]).
وللمحاذاة حالات ثلات من حيث الواقع([79])، فالمكان يُطلق عليه أنه يُحاذي مكانًا آخر، إذا تحقق فيه إحدى الحالات الثلاث التالية:
1. أن يكون الموضع واقعًا بين مكانين، وعلى خطٍ واحد، كما هو في الشكل التالي:
فالنقطتان (هـ) و (د) لا تحاذيان النقطتين (أ) و (ب)، وإنما الذي يُحاذيهما هي النقطة (ج)، لأنها تقع بينهما وعلى خطٍ واحد.
2. أن تكون البقعة مجاورة للمكان، أو ملاصقة له، حتى يُقال أن هذه البقعة تحاذي ذلك المكان.
3. أن تكون مسافة الموضع عن مكة تساوي مسافة أقرب المواقيت إليه، ولا يُؤثر بُعده أو قربه من الميقات، وإنما المهم أن تكون مسافة المحاذي والمحاذى به عن مكة متساوية، كما فسره ابن حجر فيما نقلنا عنه أعلاه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وذلك لأن الإحرام مما يحاذى الميقات بمنزلة الإحرام من نفس الميقات فإنه إذا كان بعدهما عن البيت واحدًا لم يكن في نفس الميقات مقصود"([80]). ويوضح هذا القول الشكل التالي
ففي الشكل أعلاه يظهر أن (ذات عرق) تُحاذي (قرن)؛ لأن مسافتيهما عن البيت واحدة، وهكذا كل بقعة بينهما أو قريبة منهما تكون (ميقاتًا إضافيًا) إذا كانت مسافتها عن البيت تساوي مسافة الميقات الأصلي.
وأما النقطة (أ) و (ب) فلا تُحاذيان الميقات ولو كانت قريبة منه، أو كانت تقع على خط واحد معه؛ لأن مسافة (أ) أبعد من مسافة الميقات؛ ولأن مسافة (ب) أقصر.
الدليل على المحاذاة:
دليل اعتبار المحاذاة في تحديد المواقيت هو الإجماع، كما ذكرنا في نقله سابقًا، ومستندهم في ذلك حديث ابن عمر السابق.
وأهم أمر ينبغي التنبيه إليه والذي يظهر مما سبق أن مسافة (المحاذاة) مُناطة ببعد البقعة عن مكة وليس ببعدها عن الميقات المجاور؛ وإذا فُهم هذا جيدًا عُلم أن (المحاذاة) إنما تعني: اختراق محيط المواقيت ..
أي: المرور بين ميقاتين، وما عدا ذلك فليس من المحاذاة في شيء، وعلى هذا فإن القاصد لو دار حول محيط المواقيت ألف مرة دون أن يخترقه لما وجب عليه الإحرام لأنه ما يزال خارج حدود المواقيت.
ويمكن أن نخلُص إلى القاعدة التالية:
[كل البقع التي بين ميقاتين هي: بقع محاذية، وبالتالي هي: "مواقيت إضافية"].
كيفية تحديد محيط المواقيت:
وأما كيفية تحديد محيط المواقيت فإنه يتم برسم خط بين المواقيت فيتكون بذلك حول الكعبة محيطًا سداسي الشكل، تكون كل النقط التي تقع عليه تحقق معنى المحاذاة، وهي "مواقيت إضافية"، يمكن للقاصد أن يُحرم من أيها شاء، كما في الشكل في الصفحة التالية:
خريطة جغرافية تبين مُحيط المواقيت
الأدلة الدالة على إثبات أن جدة ميقات:
1) ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما فُتح هذا المصران -أي الكوفة والبصرة - أتوا عمر رضي الله عنه ؛ فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرناً وهو جور عن طريقنا وإنّا إن أردنا قرنًا شق علينا، فقال: "انظروا حذوها"([81])، من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق"([82]).
وجه الدلالة منه: أن القاعدة في تحديد المواقيت غير المنصوص عليها هي المحاذاة وحدّها أن تكون مسافة المحاذي والمحاذي به عن مكة متساوية، أو يكون الموضع المحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد. فتبين بذلك أن مدينة جدة ميقات مكاني؛ لأنها محاذية لميقاتي (الجحفة) و (يلملم) حيث تقع بينهما، وهي جميعًا على خط واحد، كما أن مسافة جدة عن مكة مقاربة لمسافة يلملم عن مكة فيتحقق بذلك معنى المحاذاة في جدة.
2) أن أهل العلم قد اتفقوا على أن من قدم من مكان لا ميقات له يحرم من مسافة أقرب المواقيت إليه إذا كان حذوه، ولما كان القادمون إلى جدة من المغرب ليس لهم ميقات معين يحرمون منه وكان أقرب ميقات إلى جدة هو يلملم وكانت مسافته عن مكة تساوي مسافة جدة عن مكة، فهما متساويتا المسافة عن مكة، فجدة إذن ميقات مكاني إضافي على المواقيت المنصوصه([83]).
3) أنه لا محاذاة في البحر البتّة وذلك:
أ- لأنه يتعذر تعيين المواقيت فيها .
ب- ولأنه لم يقم على هذا دليل في الكتاب والسنة أو الإجماع .
ج- ولأنه لا تتحقق في البحر المحاذاة على المعنى الصحيح، فيتبين بذلك أنّ للقادم من البحر تأخير الإحرام إلى جدة([84]).
4) أنّ مدينة جدة لا تخلو:
أ- إما أن تكون داخل المواقيت والمواقيت خلفها.
ب- أو خارج حدود المواقيت.
ج- أو على المحيط نفسه.
أما الحالة الأولى: فيعني هذا الزيادة على مسافة المحاذاة وهذا مردود شرعًا وواقعًا.
وأما الحالة الثانية: فلا يقول بها أحد.
وأما الحالة الثالثة: فهي المتعينة فتكون جدة ميقاتًا([85]).
المناقشات والردود:
أولاً: بعض ما ورد من مناقشات على ما استدل به أصحاب القول الأول:
o أما دليلهم الأول أُجيب عنه: بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وأن الهواء تابع للقرار كما قرر أهل العلم، ولذا فلو صلى في الطائرة أو وقف بعرفه في الجو صحت صلاته وحجه، ولم يوقت الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت في هذه الأماكن إلا ليُتخذ من النصوص قدوة وأسوة لحرمة البيت العتيق سواء كان طريق الحاج برًا أو جوًا، ثم إن الإتيان متحقق في المرور به مع عقد نية الدخول في النسك، ويصدق على راكب الطائرة أنه مرّ بالميقات إذ لا يشترط في المرور المماسّة([86]).
o وأما دليهم الثاني فقد أُجيب عنه بعدم التسليم بل المحاذاة متصورة في الجو والبحر؛ لأن المحاذاة تقريبية، كما يمكن الاحتياط لذلك حتى لا يتجاوز الناسك الميقات دون أن يحرم.
o وأجيب عن دليلهم الثالث كذلك: بعدم التسليم بوجود المشقة بل يمكن الإحرام في الجو بوقت يسير، كما أنه يمكن تقديم الإحرام قبل ركوب الطائرة وعقد النية عند المرور بالميقات، وكذا الحال بالنسبة لركاب السفينة بل هي أيسر من الطائرة من جهة السعة وبطء الحركة بحيث يتمكن المحرم من لبس إحرامه بسهولة.
o وأما الدليل الرابع أجيب عنه: بأن وضع المواقيت في طريق الناس لا يلزم منه أنه كلما استحدث الناس طريقاً وضع لهم ميقات بدون نظر إلى المواقيت المنصوصة ولا محاذاة لها، إذ لو كان كذلك لما صار لتلك المواقيت شرعية، ولم يكن لوضعها كبير أثر، ثم إن تفاوت مسافاتها يدل على مقصد تعبدي تجب مراعاته وربط المواقيت الأخرى بها،كما يدل عليه أيضا حديث عمر رضي الله عنه المتقدم في توقيت ذات عرق حيث قال "انظروا حذوها"([87])، أي حذو قرن المنازل. و أما كون الميقات في جو السماء أو لجُة البحر فلا إشكال فيه، إذ الشريعة جاءت لكل الأزمان، والله لا يخفى عليه صنع تلك الطائرات والسفن فهو القائل: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ([88])، وأما خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر سنن الإحرام فإنها تُقدم قبل ركوب الطائرة؛ لأنه إذا تعارض عندنا الإحرام قبل الميقات أو بعده فيقدم الإحرام قبل الميقات، ولا ريب؛ لأنه جائز بدون تعارض مع الإحرام بعد الميقات فكيف إذا تعارض([89]).
ثانيًا: بعض ما ورد من مناقشات على ما بعض استدل به أصحاب
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|