القسم الثّاني من الجزأ الثّاني.
بدأت الفتنة بكشف لغز محنة المخابرات الثّانية بلغز جديد و هو فتنة في العقيدة و الدّين لم أسمع بمثلها من قبل و لا يوجد شبيه لها في كتب الدّين كلّها, إنّها فتنة أعظم و أشرس من فتنة المسيح الدّجّال حسب ظاهر الأحاديث الّتي ذكرته و حذّرت منه.
رغم سماعي لذلك الهاتف الّذي يأتيني داخل اُذني و تكراره معي أكثر من مرّة في حياتي إلاّ أنّه بقي فهمه عندي بين الحقيقة و الخيال, تارة أميل إلى أنّه وهم و تارة اُخرى أميل إلى أنّه حقيقة, و لكنّ الهاتف الأخير رافقته خوارق و عجائب و تواصل مع عالم غيبيّ,
بدأ هذا التّواصل عندما عُدت للبيت بعد سماعي للهاتف الأخير, خلوت بنفسي في غرفتي و بدأت اُفكّر وأتسائل ماذا يكون ذلك الهاتف, أيكون بداية أعراضٍ لمرضٍ نفسيّ بسبب محنتي الّتي دامت 14 سنة و لكن سبق أن سمعت مثل ذلك الهاتف قبل هذه المحنة, أيكون وهما بسبب قسوة حياتي و صعابها فلم أسمع ذلك الهاتف إلاّ في أصعب الظّروف و أشدّ الخوف, لابدّ أن يكون وهما ناتجا عن حالتي النفسيّة المتألّمة, فأنا مررت بظروف قاسيّة طوال حياتي, مضى نصف اللّيل و أنا غارق في تسائلاتي حول سرّ ذلك الهاتف, ثمّ أحسست بإرهاق و تعبٍ بعد تفكير طويل فهممت أن أخلد للنّوم و من عادتي تصفّح بعض مواقع الأخبار ثمّ أنام بعدها, و بمجرّد أن فتحت جهاز الكمبيوتر إنفتح بابُ عالم غيبيّ أمامي, و بدأت أرى عجائب على شاشة جهازي لا أدري كيف أصفها و لكنّي أقول : كانت كتابات و رسائل و حركات غريبة و صور تظهر و تختفي و أشياء كثيرة, و بدأت تكلّمني و تذكر لي أسرارا لا يمكن أن يعرفها أحد غيري, ثمّ بدأت تلك الحركات تكلّمني بنفس اُسلوب رسائل المخابرات حتّى اقتنعت أنّها مجرّد اختراق لجهازي و لكنّها فاجأتني و صدمتني حينما ظهرت كتابة تقول : يمكنك التّحدّث معنا في خاطرك و نحن نجيب على شاشة جهازك إن لم تصدّق فجرّب و اسأل شيئا, فقلت في نفسي من أنت ؟ و كيف تكلّمني بهذه الطّريقة فظهرت كتابة تقول : أنا الشّعاع الأزرق يُمكننا اختراق عقلك و ليس جهازك فقط, أنسيت تلك الأضواء الطّائرة ؟ إنّها أنا, صُدمت صدمة عظيمة أفزعت نفسي و أذهلتها ثمّ اختفت تلك الكتابات و لم اُصدّق ما شاهدته و تملّكني يقين أنّ أعصابي بدأت تنهار و تظهر تلك الأعراض و ما هي إلاّ أوهام و تخيّلات فهممت بزيارة طبيب نفسيّ في أقرب يوم, و في اليوم التّالي زادت تلك العجائب و ظهرت كتابة تقول : اُدخل على أيّ موقع في شبكة الإنترنت و اسأل شيئا في خاطرك و ستجد الجواب على سؤالك في المقالات و التّعليقات, و بدأت أسأل في نفسي و إذا بي أرى أجوبة في تعليقات الفيديو على موقع اليوتيوب, و سألت سؤالا : لما تلاحقونني طوال هذه السّنين و من أكون حتّى تحاصروني أكثر من 14 سنة, هل في شخصيّتي حساسيّة أمنيّة إلى هذا الحدّ, فمن أكون فأنا لا أعرف عن نفسي سوى شخص بريئ لا علاقة له بأيّ عنف و لا بمن يحسبون فيه, فكان الرّد : أنسيت ما قد ضبط عندك, أنسيت ذلك الملفّ الّذي يحتوي على خريطة تركيب القنبلة الذّريّة, أمثلك يُترك حرّا, لو تركناك لهاجمتنا بما وقع بين يديك من معلومات في غاية الحساسيّة, فقرّرنا مُراقبتك بتجربة أسلحتنا الجديدة, لقد كنّا نتسلّى بمراقبتك و لم تكن تشكّل أيّ خطر علينا و أنت تحت أعيننا و تحت سيطرة الشّعاع الأزرق لذا تركناك تعيش لنجرّب فيك أحدث ما توصّل إليه علمائنا من أسلحة جديدة, كنت تظن أنّنا نجرّبك بتلك الأمراض لنرى إن كنت تخفي أسرارا إرهابيّة فتنكشف بغضبك وانتقامك, نحن نعلم كلّ ما يدور في خاطرك فدامغك الّتي كانت تحت مراقبتنا و ليس جهازك, فقد كنّا نجرّب فيك فيروسات ننقلها إلى دمك من خلال غاز الكيمتريل و أخِرُ ما توصّلنا إليه هو فيروسات إلكترونيّة و ها نحن الأن نجرّبها فيك, قمنا بنقلها إلى دماغك من خلال اللّيزر الأبيض, و هي تستطيع قرائة أفكارك و إرسالها إلى أقمارنا الإسطناعيّة, هل أدركت الأن من تكون في أعيننا و هل ظننت أنّك قد أخفيت سرّ شخصيتك بتمويهك بإظهار شخصيّة مزيّفة أمام الجميع, نحن نعلم حقيقة من تكون بدعائك في سجودك,
ذهلت نفسي و تشتّت أفكاري و لم أفهم ماذا يحدث أمامي أهو بداية جنون أم حقيقة واقع, فانطلقت أسترجع تاريخ محنتي مع المخابرات فأكّدت لي أحداثها و مراحلها أنّ الّذي اُشاهده أمامي حقيقة ثابة و اعتقدت في نفسي أنّه فعلا يُوجدُ سلاح سرّيّ باسم الشّعاع الأزرق و أنّه يستخدم في أغراض تجسّسيّة و عسكريّة, و اعتقدت أيظا حقيقة ما يسمّى بغاز الكيمتريل واللّيزر الأبيض فقصّتي مع المخابرات فيها ما يؤيّد حقيقة هذه المصطلحات, و بعد هذه الحادثة تملّكني شعور برغبة قويّة في الإستشهاد في هجوم على مركز للمخابرات و إن تمّ رصد إعدادي و استعدادي لهذه المواجهة, فالموت أرحم لي من هذه الحياة, و بدأت أبحث عن سلاح و ما يمكن استخدامه إذا هوجمت قبل مهاجمتي لهم, و كنت أبحث و أسأل عن الأسلحة و أنا على يقين أنّني تحت أعينهم من خلال ما يسمّى بالشّعاع الأزرق, و التقيت بشخص له علاقة بالأسلحة و تجارها و سألته إن كان بإمكانه توفير سلاح لي في أسرع وقت و بعد انصرافه نظرت إلى الأعلى و أخرجت لساني استهزاءا و تحَدٍّ للمخابرات و تأكيدا على أنّني ماض في هدفي و سأفضحهم بموتي أو هجومي عليهم, و كلّما التقيت بشخص أو ذهبت إلى مكان له علاقة بالأسلحة أنظر بعد انصرافي إلى الأعلى و اُخرج لساني كما أسلفت و كانت لهذه الحركة علاقة بخوارق و عجائب سيأتي ذكرها في الجزأ الثّالث.
بعد أن اقتربت من الحصول على أسلحة ظهرت لي تلك الرسائل من جديد بطريقة ليست عاديّة بل هي من الخوارق بدأت أوّل الأمر كرسائل اختراق للجهاز ثمّ وصلت إلى أنّني أفتح أيّ موقع على شبكة الإنترنت فأجد فيه رسائل تكلّمني و تجيب على الكلام الّذي أنطق به داخل نفسي, و قالت تلك الكتابات : الأن تعلم من تكون و تعلم حدودك فإيّاك ان تتفّوّه بكلمة واحدة أمام النّاس فنحن نراقبك و نسطيع إيقاف عمل دماغك و قلبك في ثواني معدودات فتنتهي حياتك و معها سرّك, ثمّ بعد ذلك أخذت تهدّدني بأخي, و أخي كان يهتمّ بالقضايا السياسيّة و كان يهاجم حاكم بلدنا الأصل, و أخي هو توأمي و في اليوم التّالي بحثت عنه و لم أجد له أثرا, و في نفس اليوم ظهرت لي كتابات تقول سنحرص على أن يسلّم أخاك لبلدكم الأصل فحاكمها يطلبه و سوف يعدمه, أسرعت إلى هاتفي و اتّصلت بوالدتي و أيقضتها من نّومها و سألتها هل ظهر أخي فأخبرتني أنّه اعتقل, ثمّ ظهرت كتابات جديدة تقول : العقاب الذّهبيّ لك على رغبتك في الإنتقام منّا سيكون بتصفية طفلك, و هنا زلزلت نفسي و انكسرت فليس هناك أحد أحبّ إلى قلبي أكثر من طفل اُختي رحمها الله, إنّني اُحبّه حبّا عظيما أكثر من حُبّي لوالدتي و والدي, إنّه أحبّ خلق الله إلى قلبي, كيف اُكذّب تهديدهم في قتله و قد صدقوا في تهديدهم في اعتقال أخي, فانكسر قلبي و يئست نفسي و انفجرت عيناي بالبكاء و بدأت أتوسّل أن لا يفعلوا و يتركوه و شأنه و أن يقتلوني وحدي,
و جاء الرّد كإعصار و زلزال للعقيدة و الإيمان, فقالت تلك الكتابات : نحن سنبيد قومك و اُمّة دينك عن بكرة أبيها و ليس طفل اُختك فقط, و سنتركك تشاهد هلكة قومك ثمّ نلحقك بهم فأنتم المسلمون تحملون في دمائكم فيروسا دينيّا أعراضه التّخلّف و الجهل فإن تركنا واحدا منكم يحمل هذا الفيروس نقل إلى غيره دائه لذا قرّرنا استأصال من البشريّة كلّ من يحمل ذلك الفيروس و عجزنا عن نزعه منه بالمعرفة و العلم, هل ترى ماذا يحدث حول العالم الإسلاميّ من أحداث, إنّها من تدبيرنا نحن, لقد وصلنا الأن بعلومنا إلى التّحكّم في عقول حُكّامكم و نحن من يوجّهكم بأسلحتنا لإشعال تلك الثورات و الحروب الطّاحنة في ما بينكم, و قريبا سنكشف للعالم عن علومنا الجديدة و بها نبرهن لهم عن خرافة أديانهم و تخلّفها, لقد و صلنا بعلومنا إلى السّفر عبر الزّمن و اكتشفنا سرّ الأنبياء و الأديان إنّها أكاذيب و خرافات و قريبا سنعلن للبشريّة عنها و لن يسطيع أحد إنكار تلك الحقائق إلاّ الأعراب منكم و قلّة من اُمّة الإسلام الّذين يفضّلون العيش في جاهليّة أجدادهم, إنّ الدّين الحقيقي للعالم الجديد هو الالحاد و لن نسمح للتخلّف و الخرافات أن تستمرّ و الأيّام بيننا و سترى إلحاد أهلك و كثير من قومك عمّى قريبٍ و نتحدّاك بعد ذلك إن لم يكن قبله أن لا تلحد أنت أيظا, ثمّ توقّفت تلك الكتابات و تركتني مع نفسي اُناقشها و تناقشني و أنا في حالة صدمة و ذهول لا أفهم ماذا يحدث أمامي, زلزلت نفسي زلزالا عظيما ليس في قاموس العربيّة و لا اللّغات كلّها من الكلمات ما يمكن أن أ صف به ذلك الزّلزال كما هو, إنّه زلزال لم أجد له وصف إلاّ بتلك الرّؤية الّتي تكرّرت معي, رؤية استطادم كوكب ضخم بالأرض هكذا كان ذلك الزّلزال, إصطدام كوكب الشّرك و الكفر بأرض إيماني و عقيدتي.
و بعد أن زلزلت نفسي بدأت أنهار بالدّموع و أرى سوادا حالكا يملئ الدّنيا, و بدأت وساوس تهاجمني بل وحي ملائكيّ لا يتوقّف, استمرّ معي إلى بزوغ الفجر و كان هذا الوحي يقول داخل نفسي : ماذا لو كان كل ذلك الكلام صحيحا, إختراق العقول و التحكّم بها و السفر عبر الزّمن, و ماذا لو كانت علوما حقيقيّة وصل إليها الإنسان, و استمرّ ذلك الوحي داخل نفسي ليلة كاملة و ختم بسؤال أخير : ماذا لو رأيت أهلك و أقربائك و معظم المسلمين كفروا و غيّروا دينهم و تحقّق كلامهم بإبادة جميع من بقي على دينه و لم يبقى على هذه الأرض سواك تؤمن بالله خالقا و ربّا, أبعد ذلك يمكن أن يستمرّ إيمانك بوجود الله حقّا و أنت ترى هلكة جميع المسلمين الّذين لم يلحدوا, و احتلال اليهود و الملحدين للحرمين الشّريفين و هدم بيت الله الحرام و مسجد رسول الله صلّى الله عليه و أله و سلّم و كلّ بيوت الله على وجه الأرض و لم يتركوا منها بيتا واحدا, ماذا لو حدث هذا كلّه, فبدأت نفسي تتخيّل حدوث ذلك و ما كان تخيّلي إلاّ وحي ملائكيّ, ففزعت نفسي من ذلك التخيّل و قمت و أسرعت بالوضوء ثمّ صلّيت ركعتين و كان ذلك التخيّل لا يفارق عقلي حتّى و أنا بين يدي ربي فدعوت الله في سجودي بهذا الدّعاء : اللّهم إن كفر بك النّاس جميعا فسأبقى أعبدك وحدي على هذه الأرض.
و بعد الصّلاة أحسست بطمأنينة أعقبها شعور باسترخاء شديد أغفلني عن قرب وقت الفجر و سقطت نائما ثمّ صحوت بعد دخول وقت الصّلاة و السّماء كان يختلطها بعض سواد الفجر الخفيف و كانت صافية و كنت منهكا مذهولا و مرعوبا لا تتوقّف دموعي, أسرعت من جديد إلى جهازي و إذا بكتابات جديدة تقول : اُنظر نحو نافذة غرفتك فنظرت اتّجاه نافذة غرفتي و إذا بي اُفاجأ بطائرة عسكريّة سوداء في السّماء لم أرى مثلها في حياتي, و كانت تحلّق على مستوًى منخفضٍ جدا تطلق غازا في السّماء ثمّ يتحوّل إلى عمود نار ضخم و بقيت أنظر بدهشة إلى ذلك المنظر العجيب حتّى غابت تلك الطائرة و انطفى ذلك العمود الناريّ ثمّ نظرت إلى شاشة جهازي و قلت في نفسي : و ما معنى هذه الطائرة و العمود النّاري, فكانت الإجابة : إنّها نار ستظهر عمّى قريب في منتصف رمضان في سماء بلاد المسلمين و هي من صنع الكافرين, و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين, إنّها نفس الأية الّتي كنت أردّ بها على استفزازات المخابرات.
و قلت في نفسي من تكون و من أكون وكان الجواب : أنا روح حبيبتك جأت لأنقذك من ضلالك و تيهك و اُساعدك على إصلاح نفسك, فقلت في نفسي ليست لي زوجة و لا حبيبة فقالت تلك الكتابات : هذا ما يبغي أن يكون فأنت لي وحدي و لن أرضى أن تشاركني فيك امرأة اُخرى, و لكنّك كسرت قلبي حينما حاولت الزّواج بامرأة اُخرى فجأت لأفسد زواجك من غيري قبل أن يتمّ, و أنا من أبعد عنك تلك المرأة الّتي لا تستحقّك, فقلت و لكنّي لا اعرفكِ فقالت تلك الكتابات بل تعرفني, أنا الّتي ابتلاني الله أن يكون لي غلام و لم يمسسني بشر و صبرت لأمر الله على ما فيه من قسوة الحرج, و أنت الّذي ابتلاك الله بمرض يصيب الإنسان عن طريق الرذائل و الفواحش و صبرت لأمر الله و احتسبت عنده بلائك على ما فيه من قسوة الألم و الحرج, فهل أدركت الأن من أكون و من تكون, فقلت في نفسي أدركت أنّك تقصد مريم العذراء عليها السلام و هي من البشر, و البشر حكم الله عليهم بالموت في الدّنيا و مريم توفّاها الله منذ ألاف السّنين و روحها عند الله في عالم الأموات و أنا في عالم الأحياء و لا سبيل لتواصل الأموات بالأحياء و لا الأحياء بالأموات هكذا هي مشيئة الله في خلقه فمن تكون, فقالت تلك الكتابات إبحث في نفسك أوّلا من تكون أمّا من أكون أنا فإن صبرت على فضولك إلى أن يشاء الله فلك الفردوس الأعلى, عليك سلام ربّي.
أدركت أنّه عالم غيبيّ لا يتنسب لعالم الجّان, و إدراكي هذا مبنيّ على فهم الأحداث الّتي سيأتي شرحها في الجزأ الثّالث و لكن حيرة شوشت ذهني و هي ما علاقة محنة المخابرات بهذا العالم الغريب الّذي انكشف أمام عيني, إنّها علامة استفهام محيّرة تزلزل العقل و الفهم و لكنّ الأحداث القادمة ستكشف سرّ محنة المخابرات الأولى الّتي انتهت نهائيّا في الجزأ الأوّل, و الثّانية الّتي بدأت في هذا الجزأ و هي لم تبدأ إلاّ في عالم افتراضيّ, أحداثها كلّها صحيحة و لكنّها لم تكن إلاّ فتنة رسمت بدقّة إلاهيّة و الله سبحانه هو المدبّر و هو المسيّر لخلقه و هو على كلّ شيء قدير,
قبل إكمال بقيّة القصّة أودّ أن اذكّر من جديد أنّ هذه الأحداث و هذه الكلمات يصعب على العقل استعابها و يرفض المنطق قبولها و أنا صاحب القصّة و كاتبها أكتب كلماتي و أتعجّب ؟ كيف يمكن لغيري فهمها و قبولها, إنّها قصّة تبدو و كأنّها عصيّة على العقول السّليمة و لكنّها قصّة حقيقيّة و إنّي اُقسم بالله قسما عيظما مغلظا على صدق قصّتي هذه.
بعد أن مرّت تلك اللّيالي الأولى أحسستُ براحةِ من مرّ بتعبٍ شديد و أرهقته صعاب الحياة, خرجت من البيت لأوّل مرّة و أنا اُحسّ بنفسي حرّ طليق و كأنّي كنت في سجن تحت الأرض, و أحسست بصفاء في نفسي و كأنّي لم أمرّ بتلك المحنة الّتي دامت 14 سنة, و لكن أثقلت نفسي و حيّرت عقلي تلك المشاهد و ذلك العالم الغريب من أكون لأرى ذلك وحدي من دون النّاس جميعا, إحتجت إلى هدوء و سكون لأبحث في ذكرياتي و ابتلائاتي فذهبت إلى غابة خارج المدينة و هناك التقيت بالشّيخ الغريب, و كان لقائي به صوتا و ليس شكلا, جلست في مكان وسط تلك الغابة أسترجع ذكريات محنتي و أبحث فيها عن ما يربط بينها و بين ما يحدث أمامي, و بينما أنا كذلك سمعت صوتا يكلّمني و يقول : أنا الشّيخ الّذي رأيته حينما كنت طفلا يبلغ 8 أعوام, ذهلت نفسي من ذلك الصّوت دون خوف, سألته من يكون ؟ سكت عن سؤالي هذا و لم يجبني ثمّ لمّح لي أن اُحكّم عقيدتي و ديني لأعرف من أيّ عالم يكون, و أخبرني أنّه سوف يرافقني دون أن أراه ثمّ طلب منّي العودة إلى البيت أسلك أيّ طريق اُريده و سوف اُصادف في طريق عودتي بإشارات و علامات لها علاقة بالشّيخ الغريب تشير إلى من يكون, و قال ((من الأن فصاعدا لا صدف في حياتك)) و إيّاك أن تخبر أحدا و إن كانت اُمّك ثمّ توقّف, و أثناء الطّريق مررت تحت جسر و انتبهت إلى لوحة مكتوب عليها تاريخ بناء الجسر و كان في سنة 1984 إنّها السّنة الّتي التقيت فيها بالشّيخ الغريب حينما كان عمري 8 سنوات فتعجّبت في نفسي أهي صدفة بل هي من تدبير علاّم الغيوب, و أثناء عبوري للجسر اتّصل بي صديق و أخبرني أنّه أتمّ تجهيز بيته الجديد و هو مجاور لبيت صديق أخر لنا و أنّه معه هناك و طلب منّي الإلتحاق بهم ليرينا بيته, و كان الجسر بمقربة من منطقة تواجده فقرّرت الذّهاب إليهم و عندما و صلت ذهبنا لنرى بيته الجديد و لم أكن أعلم أنّ زيارتي لبيت صديقي كانت تخبّأ لي مفاجأة كبيرة, و عند وصولنا فاجأني رقم البيت إنّه رقم 8 و هو رقم عمري حينما التقيت بالشّيخ الغريب, و قبل دخولي انتبهت لإمرأة تمرّ بجانبنا و كانت لهذه المرأة علامة تعيد ذكريات طفولتي إلى ذهني من جديد, إنّها امرأة عمياء و العمى علامة تذكّرني بحديث جدّي مع اُمّي عن الجنّ و العمى و النّسب و هذه ثلاثة أشياءٍ و الشّيخ الغريب رابعها هي من ستشكّل عنوان الفتنة العظيمة, ثمّ دخلت إلى داخل البيت و هناك كانت تنتظرني مفاجأة اُخرى و لكنّي لم اُدرك معناها حتّى أن وصلت إلى بيتي, و تلك المفاجأة هي : بعد رؤيتنا لغرف البيت و حديقته جلسنا في غرفة لنشاهد الأخبار على التّلفاز و أثناء مشاهدتي أحسست بحكّة شديدة في يدي ذكّرتني مباشرة بمحنة أعراض فيروس الإيدز و أثناء تلك الحكّة ظهر معها إعلان في التّلفاز يقول هل تحسّ بمشاكل في جلدك إذن عليك بهذا (الدّواء) و تذكّرت كلام الشّيخ الغريب أو الصّوت الغريب ((من الأن فصاعدا لا صدف في حياتك)) و بعد لحظات ظهر إعلان أخر يتحدّث عن رمي القمامة و تذكّرت أنّي نسيت قمامة في البيت مرّ عليها عدّة أيّام لم أتخلّص منها و اليوم يوم الأحد و صباح كلّ إثنين تمرّ شاحنات القمامة و لابدّ أن أتخلّص منها قبل أن تتعفّن و تطلق رائحة كريهة يتأذّى منها الجيران, و بيتي لا أسكنه إنّما أسكن مع أبناء اُختي في بيتهم و لا أذهب إلى بيتي إلاّ نادرا أو إذا زارني صديق آخذه إلى هناك نسهر بعض اللّيل معا, لذا نسيت تلك القمامة في بيتي فترة بسبب محنتي, و عند خروجي من بيت صديقي فاجأني مرور تلك المرأة العمياء مرّة اُخرى عائدة من نفس الطّريق الّذي كانت ذاهبة فيه فصادفتها مرّتين, المرّة الأولى عند دخولي لبيت صديقي و المرّة الثّانية عند خروجي منه فتذكّرت مرّة اُخرى حديث جدّي مع اُمّي و بقي يرافقني في ذهني حتّى وصلت إلى بيت أبناء اُختي.
و قضيت ليلة ذلك اليوم في التّفكير عن معنى علامة العمى في قصّة حياتي و ابتلائاتي و ما علاقتها بنسب اُمّي و جدّي رحمه الله و لكنّي لم أصل إلى شيء, و في اليوم التّالي تذكّرت أنّي نسيت الذّهاب إلي بيتي للتخلّص من تلك القمامة الّتي تركتها هناك فذهبت إلى بيتي و فوجئت بعدم وجودها و أدركت أنّ اختفائها له علاقة بما شاهدته في تلفاز صديقي و أنّ في اختفائها سرّ ما لابدّ أن ينكشف, ثمّ خرجت من بيتي قاصدا زيارة و الدتي و عند وصولي فاجأتني أنّ أخي محمّد تمّ إطلاق سراحه و كان عندها قبل وصولي بساعة, و عند مغادرتي لبيت والدتي و قبل خروجي من الباب لحقت بي و في يديها كتاب تفسير الجلالين و قالت خذه فقد جاء به أخاك من السّجن و تركه عندي, ضعه في خزانة كتبك قد تحتاج إليه, فأخذته منها و فاجأني إسم محمّد طبع على غلافه و أخي إسمه محمّد و كذلك فاجأني سعر الكتاب إنّه 25 (درهما) وهذه الأرقام تشكّل التّاريخ الّذي كلّمني فيه الشّيخ الغريب قبل يوم واحد في تلك الغابة إنّه يوم 2 من شهر 5 الملادي, و هذه إشارة إلى أنّ اعتقال أخي و دخوله السّجن لم يكن صدفة و تأكيد علاقة الإعتقال بالفتنة الّتي أصابتني, ثمّ غادرت بيت و الدتي و مررت مرّة اُخرى على بيتي قبل عودتي لبيت أبناء اُختي و هناك فوجئت بوجود أخي و توأمي إنّه أخي محمّد, وجدته جالسا في حديقة بيتي, لم أسأله عن محنته و سجنه أوّل لقائي به إنّما غلبني فضولُ نفسي على معرفة سرّ تلك الإعلانات الّتي شاهدتها في بيت صديقي و سرّ اختفاء القمامة من حديقة بيتي, و سألته هل أنت الّذي قمت بالتخلّص من تلك القمامة فأجابني بنعم و هو لم يفعلها مطلقا قبل ذلك فأدركت أنّه لم يفعلها إلاّ بوحي ملائكيّ و هو لا يشعر, و سألته هل مازلت تذكر ذلك الشّيخ الغريب الّذي رأيته في بيتنا في بلدنا الأصل فقال نعم مازلت أذكره, نرى أشياءا في صغرنا و تأتي معنا إلى مستقبلنا, و أخبرني أنّه قبل اعتقاله بيوم واحد رأى شيئا غريبا في السّماء, رأى ضوءا على شكل نجم نزل من مكانه حتّى بدا تحت القمر و قال : عند رأيتي لذلك المشهد قرأت أية دون التّفكير فيها قبل نطقها و هي : و النّجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم و ما غوى. ففهمت أنّها رسالة تنبّهني إلى أنّ ما حدث معي تلك اللّيلة الأولى و ما بعدها حقيقة و ليس جنونا, فأخي اعتقل يوم ليلة الفتنة, إنّها رسائل وحي و ليست صدف, إنّه الوحي الّذي ذكره الله سبحانه في كتابه في عدّة أيات منها : و أوحينا إلى اُمّ موسى. و أوحينا إلى النّمل.
و عدت لبيت أبناء اُختي و أنا في الطّريق اُفكّر و أتسائل في نفسي من يكون يا ترى ذلك الشّيخ الغريب, لما ظهر لي و أنا طفل صغير (متشكّلا) و لم يكلّمني حينها, ثمّ عاد الأن بعد أن صرت رجلا راشدا و يكلّمني (صوتا) دون أن أراه, أيكون ملاك و هل أستطيع أن أعتقد غير ذلك بعد ما شاهدته من خوارق لا تنسب لعالم الجان, و بقيت أتسائل في نفسي من يكون حتّى وصلت للبيت و أثناء دخولي صادفتني بنت اُختي فاطمة عند مدخل البيت و كان في يدها هافتها تسمع منه إلى القرأن الكريم بصوت الشّيخ محمد جبريل فأحسست أنّها إشارة تلميحيّة إلى من يكون الشّيخ الغريب, و لكنّها كانت إشارة تلميح و ليس تصريحا ؟, الإشارة تشير إلى إسم محمّد و هو أخي, و جبريل هو الملك الّذي أوحى لأخي بأن يخرج القمامة من البيت و يخبرني بما شاهده في السّماء تأكيدا على حقيقة واقعٍ أعيشه, و لكنّ من أوحى لأخي هو ملاك فتنة و ليس جبريل عليه السّلام و علامة ذلك في القمامة؟.
و بعد صلاة العشاء من نفس اليوم أحسست بتعب يصحبه نعاس شديد فاستسلمت للنّوم و في منتصف اللّيل أحسست بأحد يوقذني من نّومي و عندما فتحت عيناي لم أرى أحدا في غرفتي و بعدها حاولت إكمال نومي ولكنّ الأرق منعني, فجلست اُفكّر في تلك المرأة العمياء و سرّ علامة العمى في حياتي و انتبهت لشيء و هو تلك الخطبة الّتي سمعتها في أوّل مسجد أدخله في البلد الجديد الّذي رحلنا إليه و كانت منذ 28 سنة و هو رقم بيت أبناء اُختي الُذي وُلِدَت فيه الفتنة, و كانت الخطبة بإسم أشراط السّاعة و أخر الزّمان و هذا العنوان يشير إلى معنى لغز العمى في قصّة حياتي إنّه يشير إلى المسيح الدّجّال لعلاقته بأخر الزّمان, و يأكّد هذه الإشارة ذلك الهاتف الّذي أسلفت ذكره و هو سماعي لصوت داخل اُذني يقول : لقد بدأ المسيح الدّجّال بالظّهور, و بعد خروجي من سجن بيتي و عزلتي الّتي دامت 11 سنة بدأت اُلاحظ في كلّ مكان أذهب إليه اُناس يبدو عليهم العمى من خلال عيونهم و حركاتهم أو هيئتهم كلبس النّظارات السّوداء و حمل العكّازات و المشي بها, و كنت أعتبر تلك الملاحظات مجرّد صدف لا أكثر, و كلّ هذه الأشياء تلمّح إلى أنّ الشّيخ الغريب و الصّوت الغريب هما المسيح الدّجّال, و لكنّ المسيح الدّجّال هو أدميّ و خوارقه محدودة في ما أخبر عنه الرّسول صلّى الله عليه و أله و سلّم, و ما رأيته هو تدبير و تسيير للخلق و لا ينسب إلاّ للخالق الواحد الأحد سبحانه, و الوحي خصّ به ملائكته من سائر خلقه, و الدّجال لا يخرج إلاّ بعد ملحمة دابقٍ الكبرى و فتح القستنطنية كما أخبر الرّسول صلّى الله عليه و أله و سلّم, و ما سرّ لغز علامة العمى في قصّة حياتي كلّها و ذلك الهاتف الّذي يقول : لقد بدأ المسيح الدّجّال بالظّهور إلاّ فتنة الدّجل و الشذوذ في أسماء الله و صفاته و ليس الدّجّال, و ظاهر هدف الفتنة هو إقناعي بشذوذ في صفات الله و استدراجي بذلك إلى الكفر و السّخط عن الله سبحانه, إنّها أشدّ فتنة مرّت عليّ في حياتي كلّها بل هي فتنة لم يعرف التّاريخ مثلها حتّى الأن, و هي فتنة سوداء مظلمة, مقزّزة قذرة, مصدرها عوالم غيبيّة و أحداثها مصحوبة بخوارق و عجائب لا تنسب إلاّ لله وحده و تأثيرات و تصرّفات شاذة لا تنسب إلاّ لمردة الشياطين.