شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(80)
مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها
شرح حديث عائشة في مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها. أخبرنا قتيبة حدثنا يزيد وهو ابن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن شريح عن عائشة رضي الله عنها قال: (سألتها: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك، وكان يأخذ العرق فيقسم علي فيه، فأعترق منه، ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشراب فيقسم علي فيه قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه، ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح)].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكون الطعام بين يديه، فيأخذ العرق وهي طامث أو عارك، والطامث والعارك هي: الحائض؛ يقال لها: طامث، ويقال لها: عارك، وقد جاء في الحديث هذا ذكر عارك وطامث والمراد به أنها حائض، فكان رسول الله يأخذ العرق ويعطيه لـعائشة قبل أن يأكل منه ويحلف عليها أن تتعرق، ثم تأخذه وتتعرقه، وإذا وضعته أخذه وأكل من حيث أكلت، يعني: المكان الذي كانت تضع عليه فمها، يضع فمه عليه عليه الصلاة والسلام.والعرق: هو العظم الذي عليه بقية من اللحم بعدما يخفف، فيتناوله الآكل ويأكل منه، يعني: لا يأخذه وهو كثير، وإنما يخفف ما عليه من اللحم حتى يبقى عليه قليل من اللحم فيتناوله الآكل، فيتعرقه يعني: يأخذه بأسنانه، وكان عليه الصلاة والسلام يقسم على عائشة ويحلف عليها أن تأخذه وأن تأكل قبله فتأكل، ثم يأخذ فيأكل من حيث أكلت، وكان يدعو بالماء فيؤتى به فيقسم عليها أن تشرب قبله، فإذا شربت أخذه ووضع فمه على الناحية التي وضعت فمها عليها من القدح فيشرب منه وهي حائض، والحديث دال على ما ترجم له المصنف من جهة مؤاكلتها والشرب من سؤرها، وهذا الحديث واضح الدلالة عليه.وفيه أيضاً: بيان أن الدين الإسلامي وسط بين ما كان عليه اليهود والنصارى، فإن اليهود إذا حاضت المرأة لا يجالسونها، ويتجنبونها ويبتعدون عنها، والنصارى يجامعونها، فعندهم إفراطٌ وتفريط، والدين الإسلامي وسطٌ بين ما كان عليه اليهود وما كان عليه النصارى؛ لأنها تؤاكل ويجلس معها، لكن لا تجامع.وهذا الحديث فيه ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من كمال الأخلاق وحسن المعاشرة لأهله عليه الصلاة والسلام، ولطفه بهم ومؤانسته إياهم، فإنه كان كما ذكرت عائشة يعطيها العظم الذي عليه لحم ويحلف عليها أن تأكل قبله، ثم إذا أكلت أخذه منها ووضع فمه حيث وضعت فمها من العرق، فيأكل من بقية ما أكلت، ويؤتى بالماء فيحلف عليها أن تشرب قبله، وإذا شربت أخذه منها ووضع فمه على حافة الإناء في الجهة التي وضعت فمها عليها، فهذا من حسن معاشرته لأهله، ولطفه بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها
قوله: [أخبرنا قتيبة]. قد مر قريباً. [حدثنا يزيد وهو ابن المقدام]. وهو يزيد بن المقدام بن شريح، وهو صدوقٌ، وخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الثلاثة: أبو داود والنسائي وابن ماجه.[عن أبيه]. وأبوه هو المقدام بن شريح، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن شريح]. يعني: المقدام يروي عن شريح، وهو: شريح بن هانئ، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم، والبخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عائشة]. وهي أم المؤمنين، وقد مر ذكرها في الأسانيد الماضية.وهذا الحديث يعتبر من روايات من روى عن أبيه عن جده؛ لأن يزيد يروي عن المقدام عن شريح، فـيزيد يروي عن المقدام، والمقدام يروي عن شريح، فهي رواية ابن عن أب عن جد.
شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه فيشرب من فضل سؤري وأنا حائض)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أيوب بن محمد الوزان حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه، فيشرب من فضل سؤري وأنا حائض)].وهنا أورد النسائي حديث عائشة من طريقٍ أخرى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع فمه على موضع فمها من الإناء الذي شربت منه، فيشرب من سؤرها وهي حائض، وهو دالٌ على ما ترجم له المصنف، وهو مثل الذي قبله، ويدل على ما دل عليه الذي قبله.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه فيشرب من فضل سؤري وأنا حائض)
قوله: [أخبرنا أيوب بن محمد الوزان].وهو أيوب بن محمد الوزان، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه .[حدثنا عبد الله بن جعفر]. وهو عبد الله بن جعفر الرقي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عبيد الله بن عمرو]. وهو الرقي أيضاً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الأعمش]. وهو سليمان بن مهران الكاهلي، والأعمش لقب له، وهو مشهور بلقبه، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن المقدام بن شريح عن أبيه].وقد مر ذكرهما في الإسناد السابق.
الأسئلة
الحلف بالطلاق على شيء مطابق للواقع
السؤال: رجل حلف بالطلاق على شيء، وكان ما حلف عليه مطابقاً للواقع، هل عليه شيء؟ يقول: غير حرمة الحلف بغير الله.الجواب: الإنسان لا يحلف بالطلاق، لكن إذا كان الذي حصل عليه الحلف مطابقاً للواقع وما حصل، ليس عليه شيء، لكن لا يجوز له أن يحلف إلا بما يحلف به، فلا يحلف بالطلاق ولا بغيره، وإنما يحلف بالله.
تكنية التلميذ لشيخه بكنية يختارها له
السؤال: هل يجوز للتلميذ أن يكني شيخه بكنية يختارها له؟ وهل وقع أن كنى تلميذ شيخه بكنية هو يختارها له؟ الجواب: لا أعرف أن التلميذ يختار كنية، وإنما الشيخ يعرف بكنية أو يشتهر بها، فيكنى بما هو معروف به، أما كون التلميذ يكنيه بشيء فلا أعرف عنه شيئاً، هل حصل هذا؟ يمكن أن يكني ويشتهر؟ لكن هل يكنيه من تلقاء نفسه ويأتي بشيء من تلقاء نفسه؟ فكونه يكنى أو أحد يكنيه ثم يشتهر بهذه الكنية، يعني: الكنية لا تلزم أن تكون عن الأولاد؛ لأن الكنية تكون بدون ولد، والصغير يكنى، مثل ما جاء في الحديث: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟)، طفل صغير يلعب بالنغير وقد كني، وأبو بكر ليس له ابن اسمه بكر، وعمر ليس له ابن اسمه حفص، وبعض الصحابة لهم كنى ليس لهم أولاد بهذه الأسماء.
حكم هدم المساجد لمصلحة تقتضيه
السؤال: هل يجوز هدم المساجد إذا لم ينو إعادة بنائها؟ الجواب: هدم المساجد إذا كان هدمها لأمر يقتضيه كأن تكون على قبور فجائز وإن لم ينو إعادة بنائها؛ لأن إعادة بنائها في نفس المكان لا يجوز، وكذلك إذا هدم المسجد لكونه قريباً جداً من مسجد آخر، يعني يهدم ولا ينوى إعادة بنائه؛ لأنه قريب من مسجد.
حكم السهر على اللعب واللهو
السؤال: ما حكم السهر على اللعب واللهو؟ هل هو محرم أو مكروه؟ الجواب: من المعلوم أن السهر حتى لو كان سليماً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يكرهه؛ كما جاء في الحديث: (كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها) أي: صلاة العشاء، لكن إذا كان سهره لأمور نافعة وأمور تنفع المسلمين، أو ينتفع بها الإنسان ولا يؤثر ذلك على التخلف عن صلاة الفجر، فإنه لا بأس به، أما كون الإنسان يقضي وقته بالسهر واللعب، وقد يكون اللعب في أمور محرمة، فلا شك أن الابتعاد عن ذلك متعين ولازم؛ لأن هؤلاء الذين يشغلون أوقاتهم باللعب وقد يكون اللعب في أمور محرمة يجمعون بين مصائب؛ كونهم يقضون أوقاتهم في أمر محرم، وكونهم يتأخرون عن صلاة الفجر أو ينامون عنها، فيكونون قد جمعوا بين مصيبتين وبين بليتين: انشغال في أمر محرم، وفوات صلاة الفجر عليهم.
كيفية معرفة القائل في سند النسائي: (وذكر آخر)
السؤال: قال النسائي رحمه الله: (أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث وذكر آخر)، قوله: (وذكر آخر) يحتمل أن يكون من كلام ابن وهب أو من كلام محمد بن سلمة أو من كلام النسائي، فكيف عرفنا أنه من كلام النسائي؟ الجواب: هو محتمل، لكن فهمنا أنه من كلام النسائي؛ لأنه كان متجنباً الرواية عن حديث ابن لهيعة، فهو إذا جاء في إسناد واحد فلا يأتي بالإسناد إذا كان ليس فيه إلا ابن لهيعة، فيتجنبه، لكن إذا كان فيه غيره فهو يأتي بذلك الغير ويحافظ على ما كان موجوداً فيبهمه، وهذا يحصل من بعض العلماء عندما يكون لا يروي عن شخص، ولكن الطريقة أنه جاء مقروناً بغيره وهو لا يريد أن يذكره فيبهمه، يعني: عبد الله بن وهب طبعاً ما يحتمل أن يكون منه؛ لأنه هو سماه عبد الله بن وهب، فما بقي الاحتمال إلا لـمحمد بن سلمة والنسائي، أما ابن وهب فما يحتمل فيه؛ لأن ابن وهب ذكر اسمه، وإنما الذي دونه هو الذي قال: ورجلٌ آخر، فلم يبق إلا محمد بن سلمة والنسائي، وكونه النسائي فهو أقرب؛ لأنه معروف أن النسائي تجنب حديث عبد الله بن لهيعة.
حكم الصلاة على التراب أو الحصير في السفر والحضر
السؤال: إذا كان الإنسان في البر، فهل السنة أن يصلي على حصير أو يصلي على التراب؟ لأن بعض الناس يقول: إن الصلاة على التراب إذا كان الإنسان في البر -مثلاً- هو السنة.الجواب: أبداً، بل كل ذلك جائز، يصلي على الأرض، أو يصلي على الفراش، كل ذلك سائغٌ وجائز، والذي يصلي على الفراش أو على سجادة أو ما إلى ذلك لا يقال: إنه خالف السنة، بل الأمر فيه سعة.
حكم الصلاة على السجادة في المسجد
السؤال: ما حكم الصلاة على السجادة إذا كان في المسجد؟ الجواب: الصلاة على السجادة إذا كانت على البلاط ويريد أن يضعها من أجل تجنب البرودة فلا بأس به، أما كون الإنسان يأتي بسجادة معه فيتعب بنقلها، ثم يأتي ويفرشها على فراش، نقول: هذا لا وجه له ولا حاجة له.
حكم دعاء أهل القبور وقبول العذر ممن يجهل الحكم
السؤال: هل دعاء أهل القبور والاستغاثة بهم شرك؟ وهل يعذر الجهلة منهم أو لا يعذرون؟الجواب: وهو كون أصحاب القبور يدعون ويستغاث بهم فهذا هو الشرك، وإذا لم يكن هذا هو الشرك فما هو الشرك؟ فكونه يقال: إن فلاناً شارك الله في خلق السموات والأرض إذا دعا غير الله عز وجل، وسأل غير الله مما لا يسأل إلا منه سبحانه وتعالى، كسؤال الأموات ونداء الملائكة أو الجن والاستغاثة بهم، وسؤال الغائبين فيما لا يقدرون عليه، وما لا يجوز أن يسأل مثل الغائب، وأن الغائب يمكن أن يسأل وكأنه حاضر مثل الذي عن طريق التلفون، كل ذلك كفر وشرك أكبر، وصاحبه قد أتى ما يقتضي الكفر، ولكن وجود ذلك من بعض من ينتسب للإسلام، اختلف في ذلك: هل يعذر بالجهل أو لا يعذر؟ فمنهم من قال: إنه لا يعذر، ومنهم من قال: يعذر حتى تقام عليه البينة، فإن قامت عليه البينة واستمر فإنه لا يعذر.
حكم تغسيل الشهيد والصلاة عليه
السؤال: هل من خصائص الشهيد أنه لا يغسل ولا يصلى عليه؟ وما هو الدليل على ذلك؟ الجواب: شهيد المعركة في الجهاد في سبيل الله عز وجل في قتال الكفار لا يغسل؛ لأن تغسيله يزيل الدم، والسنة جاءت بأنهم يكفنون في ثيابهم ولا يغسلون؛ لأن التغسيل يذهب معه أثر القتل، وهو يأتي يوم القيامة والدم يخرج منه، اللون لون الدم والريح ريح المسك، ويكون ذلك شهادة له بأنه قتل في سبيل الله، فكونه يخرج الدم منه يوم القيامة على هذه الحال، فهذه علامة على كونه قتل في سبيل الله.وأما الصلاة، فإنه يمكن أن يصلى عليهم، وإذا تركت الصلاة عليهم فلا بأس بذلك، لكن إن صلي عليهم فالصلاة عليهم سائغة وجائزة؛ لأنها دعاءٌ لهم، وإن لم يصل عليهم فهو سائغ، وأما التغسيل فإنهم لا يغسلون؛ لأن التغسيل يزيل أثر الشهادة الذي هو القتل في سبيل الله عز وجل.
تقسيم السنن إلى عادية وتعبدية
السؤال: هل صحيح أن العلماء قسموا السنة إلى قسمين: سنة تعبدية، وسنة عادية؟ فإذا كان الأمر كذلك فمثل لنا يا شيخ.الجواب: هناك سنن شرعها رسول الله عليه الصلاة والسلام، مثل: ما يتعلق بالصلاة وسنن الصلاة وأحكام الصلاة، فهذه يقال لها: سنن مشروعة، وهناك أفعال فعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي من أمور العادات، مثل: اللباس، يعني: يلبس كل اللباس بشرط ألا يوافق الكفار، وألا يكون فيه مشابهة وتقليد لهم، فسواءً لبس قميصاً على أي حالة، أو لبس إزاراً ورداءً، أو لبس ثوباً فضفاضاً، أو لبس أي لباس، فكل هذا سائغ وجائز، ولا يقال: إن من ترك ذلك اللباس ترك السنة، فكون الرسول كان يلبس العمامة فلا يقال: من لا يلبس العمامة على الهيئة التي لبسها الرسول صلى الله عليه وسلم مخالف للسنة؛ لأن أمر اللباس أمره واسع، فكان يلبس القميص، وكان يلبس الإزار ويلبس الرداء، والذي منع منه هو مشابهة المشركين والكفار، فهذا هو الذي يمنع منه.وهناك أمور جبلية من فعله عليه الصلاة والسلام، مثل: القيام، والقعود، وما إلى ذلك، فهذه أمور جبلية، يعني: لازمة للإنسان.
حكم مبادلة مال الوقف بمال آخر مكانه
السؤال: ورثنا من أبينا عدة أملاك من بينها عمارة وقف، وبعد توزيع الأملاك استبدل أخي ملكه بالوقف، فأخذ الوقف وجعل ملكه هو الوقف، فما حكم ذلك؟ الجواب: الوقف لا يغير ولا يبدل ولا يملك، بل منافعه تصرف في الجهة التي عينها الواقف، فإذا كان الوقف صحيحاً مشروعاً فإنه يصرف في مصارفه، وليس لأحد أن يبدل الوقف بغيره، بحيث يأخذ شيئاً من ماله فيجعله بدل الوقف، فهذا لا يجوز، وإنما الوقف على ما هو عليه، ولا يتصرف في الوقف ببيع ولا بهبة ولا بتبديل ولا بغيره.