الموضوع: الإدمان وخطره
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-04-2019, 08:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإدمان وخطره

الإدمان وخطره
الشيخ أحمد أبو عيد



رابعًا: أدلة تحريم المخدرات، والمفتِّرات، والعقاقير النفسيَّة وغيرها:

يمكن أن نلخص ما اعتمد عليه الفقهاء من أدلة عند الحكم بتحريمها فيما يلي:

الدليل الأول: قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، فكل طيب مباح، وكل خبيث محرَّم.



والمخدرات بمختلف أنواعها خبيثةٌ من أشد الخبائث، وأعظمها ضررًا، فيكون تحريمُها منصوصًا عليه في هذه الآية.



الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91].



وقد تقدَّم أن متعاطيَ الخمر أو المخدرات كِلَيهما يَفقد وعيَه، ويتصرَّف تصرفات طائشة، تثير الشِّقاق والخلاف والعداوة والبغضاء، وكِلاهما يكون في غفلة عن الصلاة وسائر التكاليف أثناء فقده الوعي؛ فيكون هذا دليلًا على تحريم المخدرات؛ قال الذهبي في مَعْرِض حديثه عن الحشيشة: "وبكل حال فهي داخلة فيما حرَّم الله ورسوله من الخمر المسكر" والحشيشة من المخدرات.



الدليل الثالث: ما رواه أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أسكَر كثيرُه، فقليله حرام))، فقد حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كلَّ مسكر؛ قليلًا كان أو كثيرًا، وهو بعمومه يتناول المخدرات؛ لأنها مسكرة على ما ذكره أكثرُ المحققين من علماء الدين والطب.



هذا، وقد اعتَبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّ مادة مُسكِرة خمرًا؛ سواءٌ سميت بذلك في لغة العرب، أو لم تُسمَّ به؛ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((كلُّ مُسكِر خمر، وكل مسكِر حرام، ومن مات وهو يشرب الخمر يُدمنها لم يشربها في الآخرة)).



قال ابن تيمية رحمه الله: "ومذهب جمهور المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر العلماء: أن كلَّ مسكر خمر، وكلَّ خمر حرام، وما أسكرَ كثيرُه فقليله حرام، وهذا مذهب مالك وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه، وهو أحدُ القولَين في مذهب أبي حنيفة، وهو اختيار محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، واختيارُ طائفة من المشايخ".



وقال رحمه الله في كتابه "السياسة الشرعية": "... والأحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة، جمَع رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أُوتي من جوامع الكلم كلَّ ما غطى العقل وما أسكر، ولم يفرِّقْ بين نوع ونوع، ولا تأثيرَ لكونه مأكولًا أو مشروبًا... وقد حدَثَت أشربة كثيرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكلُّها داخلة في الكَلِم الجوامع من الكتاب والسنة"؛ اهـ.



الدليل الرابع: ما رواه ابن عمر عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: "نَهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتِّر".



فهذا الحديث أصرحُ في الدلالة على تحريم المخدرات مما سواه؛ ذلك أن المخدرات إما أن تكون مُسكِرةً، أو مُفتِّرة، أو جامعة بين الأمرين، وعلى جميع هذه الاحتمالات فإن الحديث نصٌّ في النهي عنها، والنهي يَقتضي التحريم.



قال في "عون المعبود" عند كلامه عن هذا الحديث:

قال الطيبي: لا يَبعد أن يُستدلَّ به على تحريم البَنْج والشَّعثاء ونحوهما مما يفتر ويزيل العقل؛ لأن العلة - وهي إزالة العقل - مطَّرِدة فيها، وقال في "مرقاة الصعود": "إن رجلًا من العجَم قَدِم القاهرة، وطلب الدليل على تحريم الحشيشة، وعَقد لذلك مجلسًا حضَره علماء العصر؛ فاستدل الحافظُ زين الدين العراقيُّ بهذا الحديث، فأعجَب الحاضرين".



الدليل الخامس: "أنه لا يُشكُّ شاكٌّ ولا يرتاب مُرتابٌ في أن تعاطيَ هذه الموادِّ حرام؛ لأنها تؤدي إلى مضارَّ ومفاسدَ كثيرةٍ؛ فهي تفسد العقل، وتفتك بالبدن، وتصيب متعاطيَها بالتبلُّد وعدم الغيرة، وتصدُّه عن ذكر الله وعن الصلاة، وتمنعه من أداء الواجبات الشرعيَّة من صيام وحج وزكاة... إلخ؛ وفي ذلك اعتداء على الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعرض، والمال، والعقل، إلى غير ذلك من المفاسد والمضار".



الدليل السادس: أنه لا يحلُّ لمسلم أن يتناول من الأطعمة أو الأشربة شيئًا يقتله بسرعة أو ببطء - بأي نوع من أنواع القتل - أو يضرُّه ويؤذيه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ... ﴾ [البقرة: 195] الآية، والقاعدة الشرعية المقرَّرة في الشريعة الإسلامية: أنه "لا ضررَ ولا ضرار"، روى الحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضررَ ولا ضرار، من ضارَّ ضاره الله، ومن شاق شاقَّ الله عليه)).



قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات: هذا الحديث دليل ظنيٌّ داخل تحت أصلٍ قطعيٍّ؛ فإن الضرر والضرار مبثوثٌ منعُه في الشريعة كلِّها في وقائعَ جزئيَّات وقواعدَ كليات...



ومنه النهي عن التعدي على النفوس، والأموال، والأعراض، وعن الغَصْب والظلم، وكلِّ ما هو في المعنى إضرار أو ضرار، ويدخل تحتَه الجِناية على النفس، أو العقل، أو النَّسل، أو المال؛ فهو معنى في غاية العموم في الشريعة، لا مِراءَ فيه ولا شك.



وقد أثبتت التحاليل الطبية والتجارب العلميَّة أن المخدرات بأنواعها هي مصدر العلل والأمراض العقلية، والنفسية، والاجتماعية المنتشرة في أنحاء العالم.



الدليل السابع: أنه فضلًا عما تُحدِثُه المخدرات والعقاقير النفسيَّة من آثار مدمرة للصحة، وفتور في الجسد - فإن ما يُنفَقُ من المال على شرائها يُعتبر إضاعة له فيما لا ينفع في الدين أو الدنيا، وقد دلَّت الآيات القرآنية العديدة والأحاديث المستفيضة على استعمال المال في الأمور النافعة في الدين والدنيا وتجنب إضاعته في الأمور الضارة؛ وذلك أن الله تعالى جعل المال قوامًا للعباد، به تقومُ مصالحهم الخاصة والعامة، الدينية والدنيوية؛ فهو ضرورة طبيعيَّة في حياة الإنسان، وهو أمانة بيدِ من يحوزه، فمن تناوله من حلِّه ووضعه في حقه، واستعان به على ما خلق له من القيام بعبودية الله، وإخراجه في الطرق التي تنفع العبد، ويبقى له ثوابها وخيرها - فقد أفلح وأنجَح، ومن لم يبالِ من أين اكتسبه، واستعان به على الفسوق والعصيان، وتمادى بسببه في الظلم والبغي والعدوان، وأطاع نفسه وهواه والشيطان - فقد تعس، وضلَّ وباء بالخسران؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5]، وقال تعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26]، ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 27]، والآياتُ في هذا المعنى كثيرة.



وروى البخاريُّ في صحيحه عن المغيرةِ بن شعبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ حرَّم عليكم عقوقَ الأمهات، ووَأْد البنات، ومَنَعَ وهَاتِ، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).



وروى البخاري معلَّقًا من رواية المستملي، والسَّرَخْسي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا، والبسوا، وتصدَّقوا في غير إسراف ولا مَخِيلة)).



وقال ابن عباس: كُلْ ما شئت، والبس ما شئتَ ما خَطِئَتك اثنتان: سرَف، أو مخيلة.



وهذا هو العدل في تدبير المال أن يكون قَوامًا؛ أي: وسطًا بين رتبتَيِ البخل والتبذير، وما سوى هذا فإثم وضرر، ونقصٌ في العقل والحال.



الدليل الثامن: أن المخدرات والعقاقير النفسيَّة وغيرها من الموبقات تتوافر فيها كلُّ أسباب التحريم الشرعي؛ فهي فوق أنها مفسدة للصحة مضيعةٌ للمال، تهدد العَلاقات الاجتماعية، وتخل بالنظم المرعيَّة والأمن العام؛ لأن كلَّ مَن يقبل على المخدرات وقد حظرتها الدولة وحرَّمتها، يكون خارجًا عن الطاعة الواجبة لولي الأمر بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59].



نداء للمؤمنين بوصف الإيمان أن يطيعوا الله ابتداءً، وأن يطيعوا الرسول بما له من صفة الرسالة، وطاعة أُولي الأمر؛ لأن طاعتهم مستمدَّةٌ من طاعة الله ورسوله، وأولو الأمر المقصودون بالخطاب هم: "الولاة على الناس من: الأمراء والحكام، والعلماء المفتين؛ فإنه لا يستقيمُ للناس أمرُ دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم؛ طاعة لله ورغبة فيما عنده".



ولا يسَع أحدًا أن يربَأ بنفسه، وينسلخ من طاعتهم، وامتثال أوامرهم إذا وجدها لا تتفق ونزواتِه وأهواءَه الشخصيَّة.



روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((على المرء المسلم السمعُ والطاعة فيما أحبَّ وكَرِه، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية؛ فلا سمعَ ولا طاعة)).



الدليل التاسع: وهو خاصٌّ ببعض أنواع المخدرات والمفتِّرات، والتي منها: الدُّخان بجميع أنواعه واستعمالاته، سواء أكان مَضْغًا بالفم، أو تدخينًا عن طريق السيجارة، أو الشيشة، والغليون، أو استنشاقه مسحوقًا أو غير ذلك، وقد ذهب إلى تحريمه جمعٌ من أكابر العلماء وجهابذة الفقهاء، وجميع الأطباء المعتبَرين.



وقد أورد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله نقولًا كثيرة عن أرباب المذاهب الأربعة وغيرهم تدلُّ على خُبْثه ونَتْنِه وإسكاره - أحيانًا - وتفتيره، وذلك في فتوى سماحته رحمه الله في حكم شرب الدخان، قال: وممن ذهب إلى تحريمه من علماء الحنفية: أبو الحسن المصري الحنفي، قال ما نصُّه:

"الآثار النقليَّة الصحيحة، والدلائل العقلية الصريحة تُعلن بتحريم الدخان... وقد نهى الله عن كلِّ مسكر، وإن قيل: إنه لا يسكر فهو يُخدِّر، ويفتر أعضاءَ شاربه الباطنة والظاهرة.



والمراد بالإسكار: مطلق تغطيةِ العقل، وإن لم تكن معه الشدة المطرِبة، ولا ريب أنها حاصلة لمن يتعاطاه أولَ مرة، وإن لم يسلم أنه يُسكِرُ، فهو يخدر ويُفتِّر، وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يُنهَى عن كلِّ مسكر، ومُفتِّر)).



قال العلماء: المُفتِّر: ما يُورِثُ الفتور، والمُخدِّر في الأطراف، وحسبك بهذا الحديث دليلًا على تحريمه، وأنه يضرُّ بالبدن والروح، ويفسد القلب ويضعف القُوَى ويغيِّر اللون بالصُّفْرة، والأطباء مُجْمعون على أنه مضرٌّ، ويضرُّ بالبدن، والمروءة، والعِرض، والمال، وفيه التشبُّه بالفَسَقة؛ لأنه لا يشربُه - غالبًا - إلا الفُسَّاق، والأنذال، ورائحة فم شاربه خبيثة"؛ اهـ.



وفي موضع آخر من فتوى سماحته رحمه الله قال: وممن ذكرَ تحريمَه من فقهاء الحنفيَّة أيضًا: الشيخ محمد العيني؛ ذكر في رسالته تحريم الدخان والتدخين من أربعة أوجه:

أحدها: كونه مضرًّا بالصحة؛ بإخبار الأطباء المعتبَرين، وكل ما كان كذلك يَحرُمُ استعمالُه اتفاقًا.



ثانيها: كونه من المخدرات المُتَّفق عليها عندهم، المنهيِّ عن استعمالها شرعًا؛ لحديث أم سلمة السابق.



ثالثها: كون رائحتِه الكريهة تؤذي الناسَ الذين لا يستعملونه، وعلى وجه الخصوص في مَجامع الصلاة ونحوها، بل وتؤذي الملائكة المكرَّمين؛ روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أكل من هذه البقلة الثُّوم))، وقال مرة: ((مَن أكل البصل والثُّوم والكرَّاث، فلا يقربَنَّ مسجدَنا؛ فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم))؛ صحيح الجامع.



ومعلوم أن رائحة المدخن ليست بأقل كراهية من رائحة مَن أكل ثومًا أو بصلًا؛ وبهذا يتقرَّر أن المخدرات والمفتِّرات والعقاقير النفسية، والدخان، والقات وما يلحق بها - خبائثُ محرمة بالأدلة النقلية والعقلية الصريحة الواضحة، تتوافر فيها كلُّ أسباب التحريم الشرعي، وفيها من المفاسدِ والمضارِّ الدينية والدنيوية ما يجعل بعضًا منها كافيًا في تحريمها، والزجر عنها، وعقاب متعاطيها، والله أعلم.



رابعها: كونه سَرفًا، إذ ليس فيه نفع مباح خال عن الضرر بل فيه الضرر المحقق بإخبار أهل الخبرة.



وهناك طائفة أخرى من الأحاديث، تدل كذلك على تحريم الخمر وأنواعها، ومنها:

1- روى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن على الله عهدًا لِمَن يشرب المسكِر أن يسقيَه من طينة الخبال))، قيل: وما طينةُ الخبال يا رسول الله؟ قال: ((عَرَق أهلُ النار))، أو: ((عصارة أهل النار)).



2- روى البخاري في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شرب الخمر في الدنيا، حُرِمها في الآخرة)).



3- أخرج أحمد والنسائي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثةٌ قد حرَّم الله عليهم الجنةَ: مدمن الخمر، والعاقُّ لوالديه، والديوث؛ الذي يُقرُّ السوءَ في أهله)).



4- روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله لعن الخمرَ، وعاصرها، ومعتصرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وبائعَها، ومبتاعها، وساقيَها، ومستقِيَها)).



أما دليل العقل على تحريم الخمر فمعلوم، بل إن كل عاقل حتى ولو كان كافرًا يقول بضررها وخبثها.



هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما شرب الخمر أبدًا، وسبب ذلك تقول عائشة رضي الله عنها: رأى أبو بكر الصديق رجلًا سكرانَ، وقد لطَّخ يدَه بالعَذِرة، ثم أدناها من فمه يَشمها؛ فقال: والله لا أشربُها أبدًا.



أ- الخمر حرام لأنها تدمير للعافية، وقتل للنفس:

روى أحمد وغيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضررَ ولا ضِرار)).



والخمر سببٌ لمرض السرطان، وينقل الفيروس الكبدي، ويدمِّر الجهاز العصبي، ويتسبب في تليُّف الكبد.



وشرب الخمر على ذلك قتلٌ للنفس وانتحار، والله سبحانه يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].



ب- الخمر حرام؛ لأنه تضييع للمال:

إنها نفقة في الحرام، ومن أنفق مليمًا في حرام فهو من المبذرين، والله يقول: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 27].



وقد روى الترمذي (صححه الألباني) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن تزول قدما ابنِ آدم يومَ القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسَبَه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم)).



ج- الخمر حرام؛ لأنها تذهب بالعقل:

روى النسائي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "اجتنبوا الخمرَ؛ فإنها أم الخبائث، وإنه كان رجل ممن كان قبلَكم، فتعلَّقت به امرأة غَوِيَّة، فأرسلت إليه جاريتَها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فجاءها، فأغلقت الباب، وعرضت عليه الزنى، أو شُرب الخمر، أو قتلَ غلام، فاختار الخمر، فزنى بها، وقتل الغلام"! نعَم والله، كم من عِرض انتُهك بسبب شرب الخمر!



وكم من دماء سالت في حال سكر القاتل!



د- الخمر حرام؛ لأنها من الخبائث:

الخمر خبيثُ الطعم، خبيثُ الرائحة، خبيث العاقبة في الدنيا والآخرة، وربنا سبحانه قال: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157].



هـ- الخمر حرام؛ لأنه يذبح الأخلاق؛ فيذهب بالغيرة والمروءة:

إن الخمر تذهبُ بالمروءة، فتجد هذا المدمن يشرب الخمرَ والحشيش وأولادُه وزوجه بلا شراب، ولا طعام، ولا كساء.



والخمر كذلك تُذهب الغيرة وتورث الدياثة، ولكَمْ باع مدمن عِرضَه بقطعة حشيش، وصدق مَن قال:

وكلُّ أناسٍ يَحفظون حريمَهم وليس لأصحاب الخمور حريمُ



و- الخمر حرام؛ لأنها تحويلُ مال الأمة لأعداء الأمة:

إن شاربَ الخمر والمخدرات يدفع ماله في شراب كالنار، ويدفع مال الأمة إلى أعدائها الذين يحاربوننا بالمخدرات؛ لتدمير عافية الأمة، والله سبحانه يقول: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾ [النساء: 5].



ز- الخمر حرام؛ لأنها تجلب سخط الله:

إن الخمر تجلب سخط الله في الدنيا، ولعنتَه في الآخرة، فكم ضاع بسبب الخمر من صلواتٍ، وصيام، وفرائض! والمدمن ساقطٌ من أعين الناس، ملعون من الله ورسوله وملائكته.



خامسًا: الطرق الوقائية من المخدرات وعوامل مكافحتها:

ليس هناك من عمل دون هدف أو قصد، والعمل الهادف يحقق نتائجَ إيجابية فعَّالة، والوقاية من الإدمان ليست بالمشكلة الاجتماعيَّة السهلة التي يمكن حلُّها دون وضع مخطط شامل، تتضامن فيه الهيئات المسؤولة في الدولة؛ حتى لا يفقد العمل قيمته.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]