أدب طالب الفقه مع شيخه (4)
صالح بن صبحي القيم
على الطالب أن يوقر معلمه، ويتأدب معه غاية ما يقدر عليه، لما له من الحق العام والخاص.
أما حقه العام:
فإن معلم الخير قد استعد لنفع الخلق بتعليمه وفتواه، فحقه على الناس حق المحسنين، ولا إحسان أعظم وأنفع من إحسان من يرشد الناس لأمر دينهم ويعلمهم ما جهلوا، وينبههم لما عنه غفلوا، ويحصل من الخير وانقماع الشر، ونشر الدين والمعارف النافعة ما هو أنفع شيء للموحدين، ولمن أتى من بعدهم من ذريتهم وغيرهم، فلولا العلم كان الناس كالبهائم في ظلمة يتخبطون, فهو النور الذي يهتدى به في الظلمات، والحياة للقلوب والأرواح والدين والدنيا. والبلد الذي ليس فيه ما يبين للناس أمور دينهم ويرشدهم لما ينتابهم مما هم في غاية الضرورة إليه، فَقَد أهلُه من ضروراتهم ومصالحهم ما يضر فقده بدينهم ودنياهم.
فمن كان هذا إحسانه، وأثره على الخلق كيف لا يجب على كل مسلم محبته وتوقيره، والقيام بحقوقه ؟ !
أما حقه الخاص على المتعلم:
فلما بذله من تعليمه، والحرص على ما يرشده ويوصله إلى أعلى الدرجات، فليس نفع الآباء والأمهات نظيراً لنفع المعلمين المربيين للناس بصغار العلم قبل كباره، الباذلين نفائس أوقاتهم، وصفوة أفكارهم في تفهيم المسترشدين بكل طريق ووسيلة يقدرون عليها.
وإذا كان من أحسن إلى الإنسان بهديةٍ مالية ينتفع بها ثم تزول وتذهب له حق كبير على المحسن إليه، فما الظن بهدايا العلم النافع الكثيرة المتنوعة الباقي نفعها ما دام حياً وبعد مماته، المتسلسل بحسب حال تلك الهدايا، فحينئذ يعرف أن له من الحق والتوقير وحسن الأدب والوقوف مع إشارته، وعدم الخروج عما أشار إليه مما ينفعه من الأمور التي قد جربها وهو أعرف بها منه من كيفيات التعليم ونحوها ما ليس لغيره.
وأخيراً ينبغي أن يدعو له مدة حياته، ويرعى ذريته وأقاربه وأولاده بعد وفاته، ويتعاهد زيارة قبره، والاستغفار والصدقة عنه، ويسلك في الهدى والسمت مسلكه، ويتأدب بآدابه، ولا يدع الاقتداء به.
[آداب العلماء والمتعلمين].
[من آداب المعلمين والمتعلمين - الشيخ عبد الرحمن بن ناصرالسعدي-].