عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 19-02-2019, 04:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,330
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة



الحكمـة ضالـة المؤمن (6) إنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أوْ يُلِمُ



د.وليد خالد الربيع





في السُّنة المطهرة من الحكم البليغة والأمثال الحكيمة ما يعد مصدرا لكثير من المعاني النفيسة والمفاهيم الرفيعة، ومن ذلك قوله [: «إنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أوْ يُلِمُ»، وقد ‏عدّ ابن دريد وهو من علماء اللغة هذه العبارة من كلام النبي [ من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق [ إلى معناه، وكل من وقع شيء منه في كلامه فإنما أخذه منه.


وقبل الدخول في معنى الحديث ومقاصده لابد من بيان معاني ألفاظه:

الربيع: هو النهر الصغير، والْحَبَطُ ‏:‏ انتفاخُ البطن، وهو أن تأكل الإبلُ الذُّرَقَ فتنتفخ بطونها إذا أكثرت منه يقال حبطت الدابة تحبط حبطا إذا أصابت مرعى طيبا فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ فتموت، وقوله ‏»‏أو يلم‏»‏ والإلمام‏:‏ النزول ُ، والإلمام‏:‏ القرب، والمعنى يقتل أو يَقْرُبُ من القتل.

أما معنى الحديث فقد قال النووي:» ومعناه: أن نبات الربيع وخضره يقتل حبطا بالتخمة لكثرة الأكل، أو يقارب القتل إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية المقتصدة فإنه لا يضر، وهكذا المال هو كنبات الربيع مستحسن تطلبه النفوس وتميل إليه، فمنهم من يستكثر منه ويستغرق فيه غير صارف له في وجوهه، فهذا يهلكه أو يقارب إهلاكه، ومنهم من يقتصد فيه فلا يأخذ إلا يسيرا، وإن أخذ كثيرا فرقه في وجوهه كما تثلطه الدابة فهذا لا يضره.

فهذا الحديث قاله [ في صفة الدنيا والحّث على قلة الأخذ منها‏، ولكي يفهم فهما شاملا لابد من الوقوف على سبب وروده، فقد روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن النبي [ قال: ‏«‏إني أخَافُ عليكم بعدي ما يُفْتَح عليكم من زَهْرة الدنيا وزينتها ‏»‏ فقال رجل ‏:‏ أوَ يأتِي الخيرُ بالشرِّ يا رسول اللّه‏؟‏ فقال [ ‏: «‏إنَّهُ لا يأتي الخيرُ بالشر، وإن مما يُنْبِتُ الربيعُ ما يقتل حَبَطا أو يلم، إلا آكلة الْخَضِرِ فإنها أكلَتْ حتى إذا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلطَتْ وَبَالَتْ ثم رَتَعَتْ‏»‏.‏

قال‏ العلماء:‏ وفي هذا الحديث مثلان‏:‏ أحدهما: للمُفْرِطِ في جمع الدنيا وفي منعها من حقها، والآخر للمقتصد في أخْذِها والانتفاع بها، فأمّا قولُه: «‏وإن مما ينبت الربيعُ ما يقتل حَبَطاً أو يُلمُّ‏»‏ فهو مثل المُفْرِط الذي يأخذها بغير حق، وذلك أن الربيعَ يُنْبِتُ أحْرَار العُشْب فتستكثر منها الماشية حتى تنتفخَ بطونُها إذا جاوزَتْ حدَّ الاحتمال، فتنشق أمعاؤها وتهلك، كذلك الذي يجمع الدنيا من غير حِلِّها ويمنع ذا الحق حقَّه يهلك في الآخرة بدخوله النار‏.‏

وأما مَثَلُ المقتصد فقوله [: ‏«‏إلا آكلة الْخَضِر‏»‏ بما وصفها به، وذلك أن الْخَضِرَ ليست من أحرار البقول التي يُنْبتها الربيع، ولكنها من الْجَنْبَة التي ترعاها المواشي بعد هَيْج البقول، فضرب [ آكلةَ الخضِر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجَمْعها، ولا يَحْمله الحرصُ على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وَبَالها كما نَجَتْ آكلةُ الخضِر، ألا تراه قال [:‏ «فإنها إذا أصابَتْ من الْخَضِرِ استقبلت عينَ الشمس فَثَلَطَتْ وبالت‏»‏ أراد أنها إذا شبعت منها بَرَكَتْ مستقبلةَ الشمس تستمرىء بذلك ما أكَلَتْ وتجترُّ وتَثْلِط، فإذا ثَلَطته فقد زال عنها الْحَبَط، ‏وإنما تَحْبَطُ الماشيةُ لأنها لا تثلِطُ ولا تبول‏، ‏ فهذا المثل يضرب في النهي عن الإفراط‏.‏

قال ابن حجر: «ويؤخذ منه أن الرزق ولو كثر فهو من جملة الخير، إنما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحقه، والإسراف في إنفاقه فيما لم يشرع، وأن كل شيء قضى الله أن يكون خيرا فلا يكون شرا وبالعكس، ولكن يخشى على من رزق الخير أن يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر».

وفيه أن المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع، وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنهم فيه، وأن اكتساب المال من غير حله، وكذا إمساكه عن إخراج الحق منه سبب لمحقه فيصير غير مبارك كما قال تعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات}، وقال [:» إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بحقه بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى « متفق عليه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.67%)]