عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 24-07-2018, 12:00 PM
سراج منير سراج منير غير متصل
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Mar 2017
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 597
افتراضي رد: الكليم و -هلاك فرعون وجنوده





يذكر تعالى منته وإحسانه إلى بني إسرائيل، بما أنجاهم من أعدائهم وخلصهم من الضيق والحرج وأنه وعدهم صحبة نبيهم إلى جانب الطور الايمن، أي منهم لينزل عليه أحكاما عظيمة (أي التوراة ; وكان موسى قد خرج إلى الطور - طور سيناء - في سبعين من خيار بني إسرائيل وصعدوا الجبل) فيها مصلحة لهم، في دنياهم وأخراهم وأنه تعالى أنزل عليهم في حال شدتهم وضرورتهم في سفرهم في الارض.التي ليس فيها زرع ولا ضرع، منا من السماء، يصبحون فيجدونه خلال بيوتهم، فيأخذون منه قدر حاجتهم في ذلك اليوم إلى مثله من الغد، ومن ادخر منه لاكثر من ذلك فسد.



ومن أخذ منه قليلا.كفاه، أو كثيرا لم يفضل عنه، فيصنعون منه مثل الخبز، وهو في غاية البياض والحلاوة فإذا كان من آخر النهار غشيهم طير السلوى فيقتنصون منه بلا كلفة ما يحتاجون إليه حسب كفايتهم لعشاهم *

وإذا كان فصل الصيف ظلل الله عليهم الغمام وهو السحاب الذي يستر عنهم حر الشمس وضوأها الباهر.كما قال تعالى في سورة البقرة (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون.وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون


] إلى أن قال (وإذ نجيناكم من آل فرعون سومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم.بلاء من ربكم عظيم.وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون.وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون.ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون.



واذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون.وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم.واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون.ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون.وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون





9-إلى أن قال (وإذ إستسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه إثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين.وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها



قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)


فذكر تعالى إنعامه عليهم وإحسانه إليهم بما يسر لهم من المن والسلوى طعامين شهيين بلا كلفة ولا سعي لهم فيه بل ينزل الله المن باكرا (قال القرطبي: المن: هو الترنجبين: (وهو طلل يقع من السماء وهو ندى شبيه بالعسل جامد متحبب قاله ابن البيطار)


وقيل صمغة حلوة وقيل عسل.وروي انه كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.كالثلج.فيأخذ الرجل ما يكفيه ليومه، فإن ادخر منه شيئا فسد عليه، إلا في يوم الجمعة، فانهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم لان يوم السبت يوم عبادة، وما كان ينزل عليهم يوم السبت شئ. ) ويرسل عليهم طير السلوى عشيا وأنبع الماء لهم بضرب موسى عليه السلام حجرا كانوا يحملونه معهم بالعصا فتفجر منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين منه تنبجس * ثم تتفجر ماءا زلالا فيستقون ويسقون دوابهم ويدخرون كفايتهم.وظلل عليهم الغمام من الحر *

وهذه نعم من الله عظيمة وعطيات جسيمة فما رعوها حق رعايتها


ولا قاموا بشكرها وحق عبادتها ثم ضجر كثير [ منهم ] منها وتبرموا بها وسألوا أن يستبدلوا منها ببدلها مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها (فوم: اختلف في الفوم فقيل هو الثوم: وقيل: الفوم الحنطة وقال ابن دريد: السنبلة وقال عطاء وقتادة: الفوم كل حب يختبز) وعدسها وبصلها.فقرعهم الكليم ووبخهم وأنبهم على هذه المقالة وعنفهم قائلا


(أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم)


أي هذا الذي تطلبونه وتريدونه بدل هذه النعم التي أنتم فيها حاصل لاهل الامصار الصغار والكبار موجود بها وإذا هبطتم إليها أي ونزلتم عن هذه المرتبة التي لا تصلحون لمنصبها تجدوا بها ما تشتهون وما ترومون مما ذكرتم من المآكل الدنية والاغذية الردية (قال القرطبي في تعليله فضل المن والسلوى على الاشياء التي طلبوها.قال وجوه خمسة توجب فضلهما:

1 - إن البقول لما كانت لا خطر لها بالنسبة إلى المن والسلوى كانا أفضل ; قاله الزجاج.


2 - لما كان المن والسلوى طعاما من الله به عليهم وأمرهم بأكله وكان في استدامة أمر الله وشكر نعمته أجر وذخر في الآخرة، والذي طلبوه عار من هذه الخصال، كان أدنى في هذا الوجه.


3 - لما كان الله ما من به عليهم أطيب وألذ من الذي سألوه، كان ما سألوه أذنى من هذا الوجه لا محالة.


4 - لما كان ما أعطوه لا كلفة فيه ولا تعب، والذي طلبوه لا يجئ إلا بالحرث والزراعة والتعب، كان أدنى.


5 - لما كان ما ينزل عليهم لا مرية في حله وخلوصه لنزوله من عند الله، والحبوب والارض يتخللها البيوع والغصب وتدخلها الشبه، كانت أدنى من هذا الوجه.
) ولكني لست أجيبكم إلى سؤال ذلك ههنا ولا أبلغكم ما تعنتم به من المنى وكل هذه الصفات المذكورة عنهم الصادرة منهم تدل على أنهم لم ينتهوا عما نهوا عنه كما قال تعالى

ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى)


أي فقد هلك وحق له والله الهلاك والدمار وقد حل عليه غضب الملك الجبار ولكنه تعالى مزج هذا الوعيد الشديد بالرجاء لمن أناب وتاب (أي تاب من الشرك) ولم يستمر على متابعة الشيطان المريد فقال (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)




-سؤال الرؤية


1-قال تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لاخيه هرون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين.ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه


قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا.فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين.قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين.وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذو بأحسنها سأريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق.


وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا.ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين.والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) [ الاعراف: 142 - 147 ].



2-قال جماعة من السلف منهم ابن عباس ومسروق ومجاهد: الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة بكماله، وأتمت أربعين ليلة بعشر ذي الحجة.فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر،


وفي مثله أكمل الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وسلم دينه وأقام حجته وبراهينه.
والمقصود أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات.وكان فيه صائما يقال إنه لم يستطعم الطعام، فلما كمل الشهر أخذ لحا (بعود خرنوب) شجرة فمضغه ليطيب ريح فمه، فأمر الله أن يمسك عشرا أخرى، فصارت أربعين ليلة.



3-ولهذا ثبت في الحديث: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " (البخاري).
فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بني إسرائيل أخاه هرون، المحبب المبجل الجليل، وهو ابن أمه وأبيه، ووزيره في الدعوة إلى مصطفيه، فوصاه، وأمره وليس في هذا لعلو منزلته في نبوته منافاة، قال الله تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا) أي في الوقت الذي أمر بالمجئ فيه (وكلمه ربه) أي كلمه الله من وراء حجاب،


إلا أنه أسمعه الخطاب، فناداه وناجاه، وقربه وأدناه، وهذا مقام رفيع ومعقل منيع، ومنصب شريف ومنزل منيف، فصلوات الله عليه تترى، وسلامه عليه في الدنيا والاخرى * ولما أعطى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية، وسمع الخطاب، سأل رفع الحجاب، فقال للعظيم الذي لا تدركه الابصار القوي البرهان:

(ربي ارني أنظر إليك قال لن تراني).ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه تبارك وتعالى لان الجبل الذي هو أقوى وأكبر ذاتا وأشد ثباتا من الانسان، لا يثبت عند التجلي من الرحمان ولهذا قال

(ولكن أنظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني).


4-وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال له: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده (خسف به وتدحرج)

وفي الصحيحين عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه

قال " حجابه النور.وفي رواية النار لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " (السبحات جمع سبحة. معنى سبحات وجهه: نوره وجلاله وبهاؤه.والحجاب:


المنع والستر.وحقيقة الحجاب إنما تكون للاجسام المحدودة، والله تعالى منزه عن الحد والجسم، والمراد هنا المانع من رؤيته، ولذلك سمي المانع نورا أو نارا لانهما يمنعان من الادراك في العادة لشعاعهما.والوجه - هنا - الذات.).


5-وقال ابن عباس في قوله تعالى (لا تدركه الابصار) ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى لشئ لا يقوم له شئ ولهذا قال تعالى (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين).



قال مجاهد (ولكن أنظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني) فإنه أكبر منك وأشد خلقا فلما تجلى ربه للجبل فنظر إلى الجبل لا يتمالك وأقبل الجبل فدك على أوله ورأى موسى ما يصنع الجبل فخر صعقا *


وقد ذكرنا ما رواه الامام أحمد والترمذي وصححه ابن جرير والحاكم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال هكذا بإصبعه ووضع للنبي صلى الله عليه وسلم الابهام على المفصل الاعلى من الخنصر، فساخ الجبل

وقال ابن عباس ما تجلى يعني من العظمة إلا قدر الخنصر،


فجعل الجبل دكا قال ترابا (وخر موسى صعقا) أي مغشيا عليه وقال قتادة ميتا.والصحيح الاول لقوله (فلما أفاق) فإن الافاقة إنما تكون عن غشى قال (سبحانك) تنزيه وتعظيم وإجلال أن يراه بعظمته أحد (تبت إليك) أي فلست أسأل بعد هذا الرؤية (وأنا أول المؤمنين) أنه لا يراك حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده.


6-وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لا تخيروني من بين الانبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور " لفظ البخاري وفي أوله قصة اليهودي الذي لطم وجهه الانصاري حين قال لا والذي اصطفى موسى على البشر فقال رسول الله: " لا تخيروني من بين الانبياء "



وفي الصحيحين قال: " لا تخيروني على موسى " .
وهذا من باب الهضم والتواضع أو نهي عن التفصيل بين الانبياء على وجه الغضب والعصبية أو ليس هذا إليكم بل الله هو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات وليس ينال هذا بمجرد الرأي بل بالتوقيف.
ومن قال: إن هذا قاله قبل أن يعلم أنه أفضل ثم نسخ باطلاعه على أفضليته عليهم كلهم ففي قوله نظر، لان هذا من رواية أبي سعيد وأبي هريرة وما هاجر أبو هريرة إلا عام حنين متأخرا فيبعد أنه لم يعلم بهذا، إلا بعد هذا، والله أعلم، ولا شك أنه صلوات الله وسلامه عليه أفضل البشر، بل الخليفة.قال الله تعالى (وكنتم خير أمة أخرجت للناس)

وما كملوا إلا بشرف نبيهم.
وثبت بالتواتر عنه، صلوات الله وسلامه عليه، أنه قال: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر " ثم ذكر اختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه به الاولون والآخرون، الذي تحيد عنه الانبياء والمرسلون، حتى أولو العزم الاكملون، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم.


7-وقوله صلى الله عليه وسلم: " فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش) أي آخذا بها، " فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " دليل على أن هذا الصعق الذي يحصل للخلائق في عرصات القيامة، حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين عباده، فيصعقون من شدة الهيبة والعظمة والجلال فيكون أولهم إفاقة محمد خاتم الانبياء، ومصطفى رب الارض والسماء على سائر الانبياء، فيجد موسى باطشا بقائمة العرش قال الصادق المصدوق:

" لا أدري أصعق فأفاق قبلي ؟ " أي وكانت صعقته خفيفة، لانه قد ناله بهذا السبب في الدنيا صعق "

أو جوزي بصعقة الطور ؟ " يعني فلم يصعق بالكلية.


وهذا فيه شرف كبير لموسى عليه السلام من هذه الحيثية.
ولا يلزم تفضيله بها مطلقا من كل وجه * ولهذا نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على شرفه وفضيلته بهذه الصفة، -لان المسلم لما ضرب وجه اليهودي حين قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، قد يحصل في نفوس المشاهدين لذلك هضم بجناب موسى عليه السلام فبين النبي صلى الله عليه وسلم فضيلته وشرفه.


8-وقوله تعالى (قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي)


أي في ذلك الزمان، لا ما قبله، لان إبراهيم الخليل أفضل منه، ،


ولا ما بعده، لان محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل منهما، كما ظهر شرفه ليلة الاسراء على جميع المرسلين والانبياء، وكما ثبت أنه قال: " سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق حتى إبراهيم " وقوله تعالى (فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين)

أي فخذ ما أعطيتك من الرسالة والكلام، ولا تسأل زيادة عليه، وكن من الشاكرين على ذلك.


9-قال الله تعالى (وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ) [ الاعراف: 145 ] وكانت الالواح من جوهر نفيس، ففي الصحيح: أن الله كتب له التوراة بيده وفيها مواعظ من الآثام، وتفصيل لكل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام.
(فخذها بقوة) أي بعزم ونية صادقة قوية (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها)

أي يضعوهما على أحسن وجوهها وأجمل محاملها (سأريكم دار الفاسقين) أي ستر وعاقبة الخارجين عن طاعتي، المخالفين لامري، المكذبين لرسلي.


(سأصرف عن آياتي) عن فهمها وتدبرها، وتعقل معناها، الذي أريد منها ودل عليه مقتضاها

(الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها)

أي ولو شاهدوا مهما شاهدوا من الخوارق والمعجزات لا ينقادوا لاتباعها (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) أي لا يسلكوه ولا يتبعوه (وإن يرو سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا)

أي صرفناهم عن ذلك لتكذيبهم بآياتنا، وتغافلهم عنها، وإعراضهم عن التصديق بها، والتفكر في معناها وترك العمل بمقتضاها (والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون




-قصة عبادتهم العجل في غيبة [ كليم الله عنهم ]


(1) قال الله تعالى (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين. ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين.ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقي الالواح



وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين.قال رب اغفر لي ولاخي وادخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين.إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين.والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الالواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) [ الاعراف: 148 - 154 ].



2-وقال تعالى (وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى قال فانا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فاخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا


ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا *


وقد قال لهم هرون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري.قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى.قال يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن أفعصيت أمري


قال يابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي.قال فاذهب فان لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ علما) [ طه: 93 - 98 ]


3- يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه، فمكث على الطور يناجيه ربه، ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة، وهو تعالى يجيبه عنها، فعمد رجل منهم يقال له:


هرون السامري (السامري واسمه موسى بن ظفر، ينسب أل قرية تدعى سامرة، ولد عام قتل الابناء - بعد مجئ موسى مصر - وأخفته أمه في كهف جبل فغذاه جبريل فعرفه لذلك.انظر القرطبي أحكام القرآن 7 / 284.) فأخذ ما كان استعاره من الحلي فصاغ منه عجلا، وألقيى فيه قبضة من التراب، كان أخذها من أثر فرس جبريل حين رأه - يوم أغرق الله فرعون على يديه، فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي


.4-ويقال إنه استحال عجلا جسدا أي لحما ودما حيا يخور.قاله قتادة وغيره، وقيل: بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كما تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون: (فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى) أي فنسيي موسى ربه عندنا، وذهب يتطلبه وهو ههنا ! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتقدست أسماؤه وصفاته، وتصاعفت آلاؤه وهباته


قال الله تعالى مبينا بطلان ما ذهبوا إليه، وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قصاراه أن يكون حيوانا بهيما وشيطانا رجيما (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا)

وقال (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين) [ الاعراف: 148 ]


فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جوابا، ولا يملك ضرا ولا نفعا، ولا يهدي إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون لانفسهم، عالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل، والضلال.


5-(ولما سقط في أيديهم) أي ندموا على ما صنعوا (ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين).
ولما رجع موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، ومعه الالواح المتضمنة التوراة ألقاها فيقال إنه كسرها.
وهكذا هو عند أهل الكتاب وإن الله أبدله غيرها،


وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك، إلا أنه القاها حين عاين ما عاين.
وعند أهل الكتاب: أنهما كانا لوحين، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة، ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل فأمره بمعاينة ذلك.ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الامام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال قال رسول الله: " ليس الخبر كالمعاينة " ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه بما ليس بصحيح قالوا إنا

(حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري) [ طه: 87 ] تحرجوا من تملك حلى آل فرعون، وهم أهل حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم، وقلة علمهم، وعقلهم، من عبادة العجل الجسد الذي له خوار مع الواحد الاحد الفرد الصمد القهار.



ثم أقبل على أخيه هرون عليهما السلام قائلا له (يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن) [ طه: 92 ] أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا فقال (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) أي تركتهم وجئتني وأنت قد أستخلفتني فيهم (قال رب اغفر لي ولاخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين) [ الاعراف: 151 ].


وقد كان هرون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي، وزجرهم عنه، أتم الزجر قال الله تعالى



رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.42 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]