62-الصلاة على القبر
تجوز الصلاة على الميت بعد الدفن في أي وقت ، ولو صلي عليه قبل دفنه ، وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين . وعن زيد بن ثابت قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد ، فسأل عنه ؟ فقيل : فلانة ، فعرفها ، فقال : " ألا آذنتموني (أي أعلمتموني . في هذا دليل على جواز إعادة الصلاة على الميت لمن فاتته الصلاة عليه . ) بها ؟ " قالوا : يارسول الله ، كنت قائلا (قائلا : من القيلولة وهو النوم وقت الظهيرة) صائما ، فكرهنا أن نؤذيك . فقال : " لا تفعلوا ، لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه رحمة . " ثم أتى القبر فصفنا خلفه وكبر عليه أربعا . رواه أحمد والنسائي والبيهقي والحاكم وابن حبان وصححاه .
قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق ، وفي الحديث : أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على القبر بعد ما صلى عليها أصحابه قبل الدفن ، لانهم ما كانوا ليدفنوها قبل الصلاة عليها . وفي صلاة الاصحاب معه على القبر ما يدل على أن ذلك ليس خاصا به صلوات الله عليه .
قال ابن القيم : ردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله : " لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها " وهذا حديث صحيح ، والذي قاله هو الذي صلى على القبر فهذا قوله وهذا فعله ، ولا يناقض أحدهما الاخر ، فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر ، فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان ، بل فعلها في غير المسجد أفضل من فعلها فيه ، فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه ، فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين ، ولا فرق بين كونه على النعش ، وعلى الارض وبين كونه في بطنها بخلاف سائر الصلوات ، فإنها لم تشرع في القبور ، ولا إليها لانها ذريعة إلى اتخاذها مساجد ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ، فأين ما لعن فاعله وحذر منه ؟ وأخبر أن أهله شرار الخلق كما قال : " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد "
إلى ما فعله صلى الله عليه وسلم مرارا متكررة .
63-الصلاة على الغائب
تجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر ، سواء أكان البلد قريبا أم بعيدا ، فيستقبل المصلي القبلة ، وإن لم يكن البلد الذي به الغائب جهة القبلة ، ينوي الصلاة عليه ، ويكبر ويفعل مثل ما يفعل في الصلاة على الحاضر ،
لما رواه الجماعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى ، فصف أصحابه وكبر أربع تكبيرات
قال ابن حزم : ويصلى على الميت الغائب بإمام وجماعة ، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على " النجاشي " رضي الله عنه ، ومات بأرض الحبشة ، وصلى معه أصحابه صفوفا ، وهذا إجماع منهم لا يجوز تعديه .
وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك ، وليس لهما حجة يمكن أن يعتد بها .
64- الصلاة على الميت في المسجد
لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد ، إذا لم يخش تلويثه ، لما رواه مسلم عن عائشة قالت : ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد .
وصلى الصحابة على أبي بكر وعمر في المسجد بدون إنكار من أحد لانها صلاة كسائر الصلوات . وأما كراهة ذلك عند مالك وأبي حنيفة استدلالا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى على جنازة في المسجد فلا شئ له (أي لا شئ له من الثواب ) " فهي معارضة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من جهة ، ولضعف الحديث من جهة أخرى . قال أحمد بن حنبل : هذا حديث ضعيف ، تفرد به صالح مولى التوأمة ، وهو ضعيف .
وصحح العلماء هذا الحديث فقالوا : إن الذي في النسخ الصحيحة المشهورة من سنن أبي داود يلفظ : " فلا شئ عليه " أي من الوزر .
قال ابن القيم : ولم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة على الميت في المسجد .
وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد ، إلا لعذر ، وربما صلى أحيانا على الميت كما صلى على ابن بيضاء ، وكلا الامرين جائز ، والافضل الصلاة عليها خارج المسجد .
65- الصلاة على الجنازة وسط القبور
كره الجمهور الصلاة على الجنازة في المقبرة بين القبور . روي ذلك عن علي وعبد الله بن عمرو وابن عباس . وإليه ذهب عطاء والنخعي والشافعي وإسحق وابن المنذر ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الارض كلها مسجد ، إلا المقبرة والحمام " .
وفي رواية لاحمد : أنه لا بأس بها ، لان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وهو في المقبرة .
وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع . وحضر ذلك ابن عمر وفعله عمر بن عبد العزيز .
66- جواز صلاة النساء على الجنازة
يجوز للمرأة أن تصلي على الجنازة مثل الرجل ، سواء أصلت منفردة أو صلت مع الجماعة : فقد انتظر عمر أم عبد الله حتى صلت على عتبة .
وأمرت عائشة أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه .
وقال النووي : وينبغي أن تسن لهن الجماعة كما في غيرها ، وبه قال الحسن بن صالح وسفيان الثوري وأحمد والاحناف ، وقال مالك : يصلين فرادى . أولى الناس بالصلاة على الميت اختلف الفقهاء فيمن هو أولى وأحق بالامامة في صلاة الجنازة . فقيل : أحق الناس الوصي ، ثم الامير ، ثم الاب وإن علا ، ثم الابن وإن سفل ، ثم أقرب العصبة ، وإلى هذا ذهبت المالكية والحنابلة ، وقيل : الاولى الاب ، ثم الجد ، ثم ابن ثم ابن الابن ، ثم الاخ ، ثم ابن الاخ ، ثم العم ، ثم ابن العم على ترتيب العصبات . وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف . ومذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أن الاولى : الوالي إن حضر ، ثم القاضي ، ثم إمام الجهة ، ثم ولي المرأة الميت ، ثم الاقرب فالاقرب على ترتيب العصبة ، إلا الاب فإنه يقدم على الابن إذا اجتمعا .
67- حمل الجنازة والسير بها
يشرع في حمل الجنازة والسير بها أمور نذكرها فيما يلي :
1 - يشرع تشييع الجنازة وحملها ، والسنة أن يدور على النعش ، حتى يدور على جميع الجوانب . روى ابن ماجة والبيهقي وأبو داود الطيالسي
عن ابن مسعود . قال : من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة (قول الصحابي : من السنة كذا يعطي حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع .
وعن أبي سعيد : أن النبي قال : " عودوا المريض ، وامشوا مع الجنازة تذكركم الاخرة " رواه أحمد ورجاله ثقات .
2 - الاسراع بها ، لما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " . وروى أحمد والنسائي وغيرهما عن أبي بكرة قال : لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملا (الرمل : المشي السريع مع هز الكتفين .
) .
وروى البخاري في التاريخ : أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرع حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ .
قال في الفتح : والحاصل أنه يستحب الاسراع بها ، لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة الميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا يتنافى المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم .
وقال القرطبي : مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن . لان التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال .
3 - المشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو شمالها قريبا منها ، وقد اختلف العلماء في أيهما .
فاختار الجمهور وأكثر هل العلم المشي أمامها وقالوا : إنه الافضل ، لان الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمامها . رواه أحمد وأصحاب السنن .
ويرى الاحناف أن الافضل للمشيع أن يمشي خلفها ، لان ذلك هو المفهوم من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة ، والمتبع هو الذي يمشي خلف . ويرى أنس بن مالك أن ذلك كله سواء . لما تقدم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الراكب يسير خلف الجنازة ، والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها " .
والظاهر ان الكل واسع ، وأنه من الخلاف المباح الذي ينبغي التساهل فيه .
فعن عبد الرحمن بن أبزى : أن أبا بكر وعمر كانا يمشيان أمام الجنازة وكان علي يمشي خلفها ، فقيل لعلي : إنهما يمشيان أمامها . فقال : إنهما يعلمان أن المشي خلفها أفضل من المشي أمامها ، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا ، ولكنهما سهلان يسهلان للناس . رواه البيهقي وابن أبي شيبة . قال الحافظ : وسنده حسن .
68- وأما الركوب عند تشييع الجنازة
فقد كرهه الجمهور إلا لعذر ، وأجازوه بعد الانصراف بدون كراهة . لحديث ثوبان : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع جنازة فأبى أن يركبها ، فلما انصرف أتي بدابة فركب ، فقيل له ، فقال : " إن الملائكة كانت تمشي ، فلم أكن لاركب وهم يمشون ، فلما ذهبوا ركبت " رواه أبو داود والبيهقي والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس . رواه الترمذي ، وقال : حسن صحيح .
ولا يعارض القول بالكراهة ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم " الراكب يمشي خلفها " فإنه يمكن أن يكون لبيان الجواز مع الكراهة . ويرى الاحناف أنه لا بأس بالركوب ، وإن كان الافضل المشي إلا من عذر ، والسنة للراكب أن يكون خلف الجنازة للحديث المتقدم .
قال الخطابي في الراكب : لا أعلمهم اختلفوا في أنه يكون خلفها .
69- ما يكره مع الجنازة
يكره في الجنازة الاتيان بفعل من الافعال الاتية :
1 - رفع الصوت بذكر أو قراءة أو غير ذلك . قال ابن المنذر : روينا عن قيس بن عباد أنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث : عند الجنائز ، وعند الذكر ، وعند القتال . وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وأحمد وإسحاق قول القائل خلف الجنازة : استغفروا له . قال الاوزاعي : بدعة . قال فضيل بن عمرو : بينا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلا يقول :
استغفروا له غفر الله له . فقال ابن عمر : لا غفر الله لك . وقال النووي : واعلم ان الصواب ما كان عليه السلف من السكوت حال
70-السير مع الجنازة ،
فلا يرفع صوت بقراءة ، ولا ذكر ولا غيرهما ، لانه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة ، وهو المطلوب في هذا الحال . فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة ما يخالفه ، وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضعه فحرام بالاجماع . وللشيخ محمد عبده فتوى في رفع الصوت بالذكر قال فيها : وأما الذكر جهرا أمام الجنازة ففي " الفتح " في باب الجنائز يكره للماشي أمام الجنازة رفع الصوت بالذكر ، فإن أراد أن يذكر الله فليذكره في نفسه . وهذا أمر محدث لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعين ولا تابعيهم ، فهو مما يلزم منعه .
2 - أن تتبع بنار ، لان ذلك من أفعال الجاهلية . قال ابن المنذر : يكره ذلك كل من يحفظ عنه من أهل العلم . قال البيهقي : وفي وصية عائشة وعبادة بن الصامت وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم : أن لا تتبعوني بنار .
. فإن كان الدفن ليلا واحتاجوا إلى ضوء فلا بأس به ، وقد روى الترمذي عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج . وقال : حديث ابن عباس حديث حسن .
3 - قعود المتبع لها قبل أن توضع على الارض .
قال البخاري : من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال . فإن قعد أمر بالقيام . ثم روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : " إذا رأيتم الجنازة فقوموا . فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع " .
وروى عن سعيد المقبري عن أبيه قال : كنا في جنازة . فأخذ أبو هريرة رضي الله عنه بيد مروان فجلسا قبل أن توضع ، فجاء أبو سعيد رضي الله عنه فأخذ بيد مروان
فقال : قم . فوالله لقد علم هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك ، فقال أبو هريرة : صدق . رواه الحاكم . وزاد : أن مروان لما قال له أبو سعيد : قم ، قام . ثم قال له : لم أقمتني ؟ فذكر له الحديث . فقال لابي هريرة : فما منعك أن تخبرني ؟ فقال : كنت إماما فجلست فجلست . وهذا مذهب أكثر الصحابة والتابعين والاحناف والحنابلة والاوزاعي وإسحاق . وقالت الشافعية : لا يكره الجلوس لمشيعها قبل وضعها على الارض . واتفقوا على أن من تقدم الجنازة فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهي إليه .
قال الترمذي : روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم كانوا يتقدمون الجنازة ويقعدون قبل أن تنتهي إليهم ، وهو قول الشافعي . فإذا جاءت وهو جالس لم يقم لها .
وعن أحمد قال : إن قام لم أعبه ، وإن قعد فلا بأس .
4 - القيام لها عندما تمر : لما رواه أحمد عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ . قال : شهدت جنازة في بني سلمة ، فقمت فقال لي نافع بن جبير : اجلس فإني سأخبرك في هذا بثبت (حجة) .
حدثني مسعود بن الحاكم الزرقي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة . ثم جلس بعد ذلك : وأمرنا بالجلوس . ورواه مسلم بلفظ : رأينا النبي صلى الله عليه وسلم قام فقمنا ، فقعد فقعدنا . يعني في الجنازة ، قال الترمذي : حديث علي حسن صحيح وفيه أربعة من التابعين بعضهم عن بعض ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم .
قال الشافعي : وهذا أصح شئ في هذا الباب . وهذا الحديث ناسخ للحديث الاول : " إذا رأيتم الجنازة فقوموا " . وقال أحمد : إن شاء قام وإن شاء لم يقم ، واحتج بان النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه أنه قام ثم قعد . وهكذا قال إسحق بن إبراهيم . ووافق أحمد وإسحق ابن حبيب وابن الماجشون من المالكية . قال النووي : والمختار : إن القيام مستحب ، وبه قال المتولي وصاحب المذهب .
قال ابن حزم : ويستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء .
وإن كانت جنازة كافر حتى توضع أو تخلفه ، فإن لم يقم فلا حرج . استدل القائلون بالاستحباب بما رواه الجماعة عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع " ولاحمد : وكان ابن عمر إذا رأى جنازة قام حتى تجاوزه .
وروى البخاري ومسلم عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد أنهما كانا قاعدين بالقادسية ، فمروا عليهما بجنازة فقاما . فقيل لهما : إنها من أهل الارض - أي من أهل الذمة - فقالا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام . فقيل له : إنها جنازة يهودي . فقال : " أو ليست نفسا " .
وللبخاري عن أبي ليلى قال : كان ابن مسعود وقيس يقومان للجنازة .
71- والحكمة في القيام ،
ما جاء في رواية أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا " إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس " ، ولفظ ابن حبان " إعظاما لله تعالى الذي يقبض الارواح " .
وجملة القول : إن العلماء اختلفوا في هذه المسألة فمنهم من ذهب إلى القول بكراهة القيام للجنازة ، ومنهم من ذهب إلى استحبابه ، ومنهم من رأى التخيير بين الفعل والترك ، ولكل حجته ودليله . والمكلف إزاء هذه الاراء له أن يتخير منها ما يطمئن له قلبه . والله أعلم .
72- - اتباع النساء لها :
1-لحديث أم عطية قالت : نهينا أن نتبع الجنائز ، ولم يعزم () أي لم يوجب علينا . قال الحافظ في الفتح : " ولم يعزم علينا " أي لم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات ، فكأنها قالت كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم . وقال القرطبي : ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه ، وبه قال جمهور أهل العلم ، ومال مالك إلى الجواز ، وهو قول أهل المدينة ، ويدل على الجواز ما رواه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة ، ورأى عمر امرأة فصاح بها ، فقال : " دعها يا عمر . . " الحديث : وأخرجه ابن ماجه والنسائي من هذا الوجه ومن طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الازرق عن أبي هريرة . ورجاله ثقات . وقال المهلب : في حديث أم عطية دلالة على أن النهي من الشارع على درجات . ا . ه . ()
علينا . رواه أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه .
2- وعن عبد الله ابن عمرو قال : بينما نحن نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ بصر بامرأة لا نظن أنه عرفها ، فلما توجهنا إلى الطريق وقف حتى انتهت إليه ، فإذا فاطمة رضي الله عنها . فقال : " ما أخرجك من بيتك يا فاطمة ؟ " قالت : أتيت أهل هذا البيت ، فرحمت إليهم ميتهم ، وعزيتهم . فقال : " لعلك بلغت معهم الكدى (القبور) ؟ " قالت : معاذ الله أن أكون قد بلغتها معهم وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر . قال : لو بلغتها ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك " رواه أحمد والحاكم والنسائي والبيهقي ،
وقد طعن العلماء في هذا الحديث وقالوا إنه غير صحيح لان في سنده ربيعة بن سيف وهو ضعيف الحديث ، عنده مناكير . وروى ابن ماجه والحاكم عن محمد بن الحنفية عن علي رضى الله عنه . قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس ، فقال : " ما يجلسكن ؟ " قلن : ننتظر الجنازة قال : " هل تغلسن ؟ " قلن : لا . قال : " هل تحملن ؟ " قلن : لا . قال : " هل تدلين (تنزلن الميت في القبر) فيمن يدلي ؟ " قلن : لا . قال : " فارجعن مأزورات (: آثمات) غير مأجورات " . وفي إسناده دينار بن عمر ، قال أبو حاتم : ليس بالمشهور . وقال الازدي : متروك . وقال الخليلي في الارشاد : كذاب . وهذا مذهب ابن مسعود وابن عمر وأبو أمامة وعائشة ومسروق والحسن والنخعي والاوزاعي وإسحاق والحنفية والشافعية والحنابلة . وعند مالك : أنه لا يكره خروج عجوز لجنازة مطلقا ، ولا خروج شابة في جنازة من عظمت مصيبته عليها بشرط أن تكون مستترة ولا يترتب على خروجها فتنة . ويرى ابن حزم أن ما استدل به الجمهور غير صحيح ، وأنه يصح للنساء اتباع الجنازة . فيقول : ولا نكره اتباع النساء الجنازة ، ولا نمنعهن من ذلك .
3- جاءت في النهي عن ذلك آثار ليس شئ منها يصح ، لانها إما مرسلة ، وإما عن مجهول . وإما عمن لا يحتج به . ثم ذكر حديث أم عطية المتقدم وقال فيه : لو صح مسندا لم يكن فيه حجة ، بل كان يكون كراهة فقط ، بل قد صح خلافه كما روينا من طريق
شعبة : عن وكيع عن هشام بن عروة ، عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو ابن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة ، فرأى عمر امرأة ، فصاح بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعها يا عمر . فإن العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب ( صححة الالبانى ) " . قال : وقد صح عن ابن عباس أنه لم يكره ذلك . ترك الجنازة من أجل المنكر قال صاحب المغني : فإن كان مع الجنازة منكر يراه أو يسمعه ، فإن قدر على إنكاره وإزالته أزاله ، وإن لم يقدر على إزالته ففيه وجهان : أحدهما ينكره ويتبعها فيسقط فرضه بالانكارو لا يترك حقا لبالطل . والثاني يرجع لانه يؤدي إلى استماع محظور ورؤيته مع قدرته على ترك ذلك .