بسم الله الرحمن الرحيم .
السلام عليكم أخوتي الكرام .
إنَّ مِمّا قَصه الله علينا في كتابهِ قصَّةَ مُوسى عليه السلام مع فِرعون، تِلْكَ القِصّةَ التي تُبَينُ، انتِصَارَ الحَقّ على الباطلِ، وتَبْعثُ في قلبِ المُؤمن الثبات أمام الأعداء مهما بَلَغوا من القوةِ الظاهرة. فإنَّ قوة الباطل لا تُثبت أمام قوةَ الحق أبدا.
لَقَدْ أَرْسَل اللهُ موسى إلى فِرْعَونَ الذي تَكَبَّر وتجبر وطغى حتى قَالَ: "أنا ربكم الأعلى"[1] . فجَاءَهُ مُوسى بالآيات البَيِّنات ودَعَاهُ إلى تَوحِيدِ رَبِّ الأرْضِ والسَّمَاوات ، فَقَال فِرْعَونُ مُنْكِراً وجَاحِداً: "وَمَا رَبُّ العالَمِين " ؟ فَأَجَابَهُ مُوسى: "رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وما بينهما أن كنتم مُوقِنِينَ"
فقال فِرْعَونُ لمن حَولَهُ ساخراً ومُسْتَهْزِئاً بمُوسَى "أَلَا تَسْتَمِعُونَ" ؟
فذكَّره مُوسَى بِأَصْلِهِ وأنَّهُ مَخْلُوقٌ من العَدَم وصائِرٌ إلى العَدَم مِثْلَ آبائِهِ الأوَّلِين، فقال مُوسَى هو:"رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ"
وحينئذ بُهِت فِرْعَون , فادَّعى دَعوَى المُكابِر الجهول فقال:"إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ"
فَرَدَّ عليه مُوسَى وبيّن لَهُ أن الجُنون الحقيقي إنما هو إنْكار الخَالِق العظيم , فقال :"رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ"[2] فلما عَجَز فِرْعَونُ عن رَدِّ الحَقِّ لَجَأَ إلى ما يلَجَأَ إليه العَاجِزُون المُتَكَبِرون دائما ، فَتَوَعَّدَ موسى بالاعتقالِ والسِّجنِ فقال :"لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلها غيري لأجعلنك من الْمَسْجُونِينَ"
لَمْ يَقُلْ: لَأَسْجُنَنَّك، ليزيد في إِرْهَابِ مُوسَى، وأن لدى فِرْعَونَ من القوةِ والسُّلْطَان والنُّفُوذ ما يُمَكِّنُهُ من سِجْنِ الناس الذين يعارضونه .
وما زال مُوسَى يَأتي بالآياتِ الوضحات كالشَّمس، وفِرعَون يُحاول أن يغطي عليها بالردِّ والطَّمْسِ , حتى نَاَدى في قَومِه: " يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ "
وكان من قِصَّة هلاك فرعون وإغراقه وجنده
أن الله أوحى إلى مُوسَى أن يَسْرِي بِقَومِه ليلاً من مِصْرَ، فلما علم فرعون بذلك جَمَع جنوده وخرج في أَثَرِ هم مُتجهين إلى جِهَة البحر : " فأتبعوهم مشرقين فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ موسى إنا لَمُدْرَكُونَ"[3] أي أنَّ البَحْرَ أَمَامِنَا فَإِن دخَلْنَاهُ غَرَقْنَا، وفِرْعون خَلْفَنَا، فإن وقَفْنَا أَدْرَكْنَا فقال مُوسى: "كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سيهدين"
فلما بَلَغ مُوسى البَحْرَ أمره اللهُ أن يَضْرِبه بعصاه , فضربه فَانْفَلَق البَحر اثْنَي عشَرَ طَرِيقًا، وصار ماء البحر بِقُدْرَة الله بين هذه الطُرُق كالجبال العظيمة "فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم "
فلما خرج موسى وقومه من البحر أمر الله البحر أن يعُود إلى حالهِ، فَانْطَبَقَ على فِرعون وجنوده فكانوا من المُغْرَقِين....
لقد كان فرعون يَقتُل أبناءَ بني إسرَائيل خَوفاً من مُوسَى، فَتَربَّى موسى في بيته وفي حضانة زوجته بأمر الله عز وجل .
ولقد كان فرعون يَفْتَخِر بالأنهارِ التي تَجْرِي من تحتِه فَأَهْلَكَهُ اللهُ بها وأجراها من فوقه .
لقد أنْجَى اللهُ مُوَسى عليه السلام وقومَه من فِرْعَون وجُندَه في اليومِ العاشِرِ من شهرِ المُحَرم، وهو يوم عاشُورَاء الّذي أعزَّ الله به الحق وخذلَ الباطِلَ، فهو يوم له فضيلة عظيمة , قد صامهُ موسى عليه السلام شكراً لله عز وجل وصامه نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وأمر بِصِيامِه , وقال :" صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " [4] فينبغي للمسلم أن يصوم يوم عاشوراء , وكذلك اليوم التاسع وهو الأفضل , وهي السُنَّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ".
قال ابن عباس: "يعني مع العاشر".
وأسأل الله أن يوفقنا لأحسن الأعمال ويختم لنا بأحسن الختام .