عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 01-04-2012, 02:55 PM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: "تهافت الديمقراطيين" للشيخ ابو عبدالرحمن الشنقيطي

الشبهة الرابعة


عدم إخلاء الساحة

يدعي المتهافتون في الديمقراطية بأن اعتزالهم للديمقراطية وعدم المشاركة فيها يؤدي إلى ترك الساحة خالية لأهل الفساد .
ونقول لهؤلاء:
أنتم حينما تعلمون الناس التوحيد وتربونهم عليه وتزرعون في نفوسهم كراهية الأحكام الجاهلية، لا تتركون الساحة خالية لأهل الفساد لأنكم ضايقتموهم وحاربتموهم في المبدأ الشركي الذي ينطلقون منه .
وحينما تعتزلون نظاما جاهليا وتدعون الناس إلى اعتزاله وعدم الانقياد لحكمه، فأنتم لا تتركون الساحة له وإنما تحاصرونه .
والدخول مع العلمانيين في هذه البرلمانات لا يضرهم بقدر ما ينفعهم ..
فهو ينفعهم في دعواهم بأن النظام الديمقراطي لا ضير فيه لأن العلماء والدعاة انخرطوا فيه ..
وينفعهم في سكوت الدعاة عن الإنكار عليهم لأنهم شاركوهم في مخالفاتهم ..
وينفعهم في إخضاع الدعاة لمبادئهم ونظمهم الجاهلية بعد أن كان الدعاة يريدون إخضاعهم للشريعة ..
وينفعهم في جر الدعاة إلى معارضة النصوص القطعية بالمصالح الظنية بعد أن كانوا هم مختصين بهذا المسلك المنحرف ..
وينفعهم في تحجيم الفوارق بين الإسلاميين والعلمانيين، لأنهم يقفون تحت قبة واحدة، وينطلقون من مبدأ واحد-علي الأقل في الظاهر-ويخضعون لنظام واحد،
فإن حكم الناس بالظواهر قالوا هم سواء! أما البواطن فإلى الله تعالى.
إن من أعظم منكرات أهل الفساد دخولهم في هذه البرلمانات الشركية، فإذا أردتم أن تغيروا منكراتهم فلا تدخلوا معهم فيها بل اعتزلوهم واعتزلوا منكرهم ثم بعد ذلك أنكروا عليهم..
فمن دخل مع المفسدين في هذه البرلمانات فهو من المفسدين وليس من المصلحين.
ومعلوم عند أهل العلم أن المنكَر لا يُـزال بمنكَرٍ مساو له أو أشد منه.
وأنتم إذا أردتم تغيير منكر الحكم بغير ما أنزل الله عن طريق هذه البرلمانات الشركية فإنكم
لا تحتكمون إلى الله تعالى وإنما تحتكمون إلى الشعب ..
ولا تتبعون القرآن وإنما تتبعون الدستور..
وهذا تغيير منكر بمنكر مساو له وليس أحدهما أولى بالرفع من الآخر.
وأما إذا أردتم بالدخول إلى هذه البرلمانات إصلاح ما أفسده المفسدون من ظلم وبغي وفجور فهذا تغيير لبعض المنكرات والسيئات مقابل إخلال بالتوحيد، وهو من إزالة المنكر بمنكر أشد منه أي زيادة المنكر لا تقليله!

والآية التي يستدلون بها في هذا المقام وهي قوله تعالى: {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون} يستدل بها أهل العلم في باب التوكل على الله والحث على الجهاد وليس في باب الدخول على المنكرات ..
و الاستدلال بها على هذا النحو تلاعب بكتاب الله عز وجل .

سئل العلامة الونشريسي في "المعيار":
عن رجل هو لسان وعون للمسلمين المساكين الذميين حيث سكناه ولمن جاورهم أيضا من أمثالهم بغربية الأندلس، يتكلم عنهم مع حكام النصاري، فيما يعرض لهم معهم من نوائب الدهر، ويخاصم عنهم، ويخلص كثيرا منهم من ورطات عظيمة، بحيث أنه يعجز عن تعاطي ذلك أكثرهم، بل ما يجدون مثله في ذلك الفن إن هاجر، وبحيث أنه يلحقهم في فقده ضرر كبير إن فقدوه فهل يرخص له في الإقامة معهم تحت حكم الملة الكافرة لما في إقامته هناك من المصلحة لأولئك المساكين، مع قدرته على الهجرة .


فأجاب بما نصه:
الحمد لله تعالى هذا الجواب والله تعالى ولي التوفيق بفضله
إن إلهنا الواحد القهار، قد جعل الخزية والصغار، في أعناق ملاعين الكفار، سلاسل وأغلالا يطوفون بها في الأقطار، وفي أمهات المدائن والأمصار، إظهارا لعزة الإسلام وشرف نبيه المختار، فمن حاول من المسلمين - عصمهم الله ووقرهم - انقلاب تلك السلاسل والأغلال في عنقه فقد حاد الله ورسوله، وعرض بنفسه إلى سخط العزيز الجبار،
وحقيق أن يكبكبه الله معهم في النار، قال الله تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز }
فالواجب على كل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، السعي في حفظ رأس الإيمان بالبعد والفرار عن مساكنة أعداء حبيب الرحمن، والإعتلال بإقامة الفاضل المذكور، بما عرض من غرض الترجمة بين الطاغية وأهل ذمته، من الدجن العصاة، لا يخلص من واجب الهجرة، ، لأن مساكنة الكفار من غير أهل الذمة والصغار لا تجوز ولا تباح ساعة من نهار لما تنتجه من الأدناس و الأوضار، والمفاسد الدينية والدنيوية طول الأعمار ..
منها أن غرض الشرع أن تكون كلمة الإسلام وشهادة الحق قائمة على ظهورها عالية على غيرها، منزهة عن الإزدراء بها، ومن ظهور شعائر الكفر عليها..
ومساكنتهم تحت الذل والصغار، تقتضي ولابد أن تكون هذه الكلمة الشريفة العالية المنيفة سافلة لا عالية، ومزدري بها لا منزهة، وحسبك بهذه المخالفة للقواعد الشرعية والأصول) انتهى.



انظر إلى قوله: ( أن غرض الشرع أن تكون كلمة الإسلام وشهادة الحق قائمة على ظهورها، عالية على غيرها، منزهة عن الإزدراء بها، ومن ظهور شعائر الكفر عليها)
فهل الدخول في هذه البرلمانات يجعل كلمة الإسلام قائمة على ظهورها منزهة عن ظهور شعائر الكفر عليها، أم أن الأحكام في هذه البرلمانات تصدر باسم الشعب، والكلمة العليا فيها للقانون والدستور؟
ففي الدخول في هذه البرلمانات باسم الدين إذلال لشريعة الله وتعظيم لغيرها وجعلها تابعة لا متبوعة، وكفي بهذا إثما.
والذين يدخلون في هذه البرلمانات لا يدخلونها بوصفهم أعداء للديمقراطية وأهلها، وإنما بوصفهم شركاء وحلفاء!
وتصدر القوانين الوضعية باسمهم والأحكام الشركية من برلمانهم فلا يستطيعون لها صدا ولا يعلنون لها ردا!

إن السلامة من سلمى وجارتها ... ألا تمر بواد قرب واديها


ورحم الله سفيان الثوري فقد قال لبعض أصحابه محذرا له من مداهنة السلاطين:
"إياك والأمراء أن تدنو منهم أو تخالطهم في شيء من الأشياء وإياك أن تخدع ويقال لك لتشفع أو تدرأ عن مظلوم أو ترد مظلمة فإن ذلك خديعة إبليس اتخذها فجار القراء سلما"

وروي صاحب العقد الفريد:
عن مالك بن أنس قال: بعث أبو جعفر المنصور إلى والي ابن طاوس، فأتيناه فدخلنا عليه، فإذا هو جالس على فرش قد نضدت، وبين يديه أنطاع قد بسطت، وجلاوزة بأيديهم السيوف يضربون الأعناق. فأومأ إلينا: أن اجلسا. فجلسنا. ثم قال: يا ابن طاوس، ناولني هذه الدواة. فأمسك عنه، ثم قال: ناولني هذه الدواة: فأمسك عنه. فقال: ما يمنعك أن تناولنيها؟ قال: أخشى أن تكتب بها معصية لله فأكون شريكك فيها. فلما سمع ذلك قال: قوما عني. قال ابن طاوس: ذلك ما كنا نبغي منذ اليوم. قال مالك: فما زلت أعرف لابن طاوس فضله.اهـ

وقال سيد قطب رحمه الله:
(ولكن الإسلام - كما قلنا - لم يكن يملك أن يتمثل في " نظرية " مجردة، يعتنقها من يعتنقها اعتقادا ويزاولها عبادة، ثم يبقى معتنقوها على هذا النحو أفرادا ضمن الكيان العضوي للتجمع الحركي الجاهلي القائم فعلا . فإن وجودهم على هذا النحو - مهما كثر عددهم - لا يمكن أن يؤدي إلى " وجود فعلي " للإسلام، لأن الأفراد "المسلمين نظريا" الداخلين في التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي سيظلون مضطرين حتما للاستجابة لمطالب هذا المجتمع العضوية..
سيتحركون - طوعا أو كرها، بوعي أو بغير وعي - لقضاء الحاجات الأساسية لحياة هذا المجتمع الضرورية لوجوده، وسيدافعون عن كيانه، وسيدفعون العوامل التي تهدد وجوده وكيانه، لأن الكائن العضوي يقوم بهذه الوظائف بكل أعضائه سواء أرادوا أم لم يريدوا .. أي أن الأفراد "المسلمين نظريا" سيظلون يقومون " فعلا " بتقوية المجتمع الجاهلي الذي يعملون " نظريا " لإزالته، وسيظلون خلايا حية في كيانه تمده بعناصر البقاء والامتداد! وسيعطونه كفاياتهم وخبراتهم ونشاطهم ليحيا بها ويقوى، وذلك بدلا من أن تكون حركتهم في اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي لإقامة المجتمع الإسلامي) [ معالم في الطريق ].


واعلم أن الانسحاب عن هؤلاء المفسدين واعتزالهم وعدم الدخول معهم، فيه البراءة منهم أمام الله تعالى وأمام الناس ..

وفيه تعريتهم وفضحهم حيث يعلم الناس أن هذه المجالس لا تضم إلا الشرك والمشركين فلا يتجاوبون معها..

وفيه إحراجهم أمام الناس بأنه لا شرعية لهم ولا لعملهم ولا لقوانينهم ..
وسوف يضطرهم ذلك إلى استعطاف الجماهير وخطب ودّها من خلال التظاهر بالدين، وذلك يستلزم منهم ألا يجهروا بسن قوانين تخالف شرع الله تعالى .

يقول الشيخ محمد قطب:
( فالجماعات الإسلامية - الداخلة في التنظيمات السياسية لأعداء الإسلام - هي الخاسرة في لعبة الدبلوماسية والأعداء هم الكاسبون، سواء بتنظيف سمعتهم أمام الجماهير بتعاون الجماعات الإسلامية معهم أو تحالفها معهم أو اشتراكها معهم في أمر من الأمور، أو بتمييع قضية الإسلاميين في نظر الجماهير، وزوال تفردهم وتميزهم، الذي كان لهم يوم أن كانوا يقفون متميزين في الساحة، لا يشاركون في جاهلية السياسة من حولهم، ويعرف الناس عنهم أنهم أصحاب قضية أعلى وأشرف من كل التشكيلات السياسية الأخرى التي تريد الحياة الدنيا وحدها وتتصارع وتتكالب على متاع الأرض، فضلا عن مناداتهم بالشعارات الجاهلية وإعراضهم عن تحكيم شريعة الله) [واقعنا المعاصر].
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.61 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]