الشبهة الثانية
الوسـيـلـة
قال محدثي: نحن نتعامل مع الديمقراطية على أنها مجرد وسيلة لتحقيق أهدافنا وليست هدفا مقصودا لذاته.
أقول: كذلك الغرب الكافر يتعامل معها على أنها وسيلة للوصول إلى أهدافه وليست مقصودة لذاتها..
ولكن المشكلة أن الفرق بين الهدف والوسيلة أمر نسبي لأن الوسيلة قد تتحول إلى هدف عندما تكون ضرورية فكأنها تصبح جزء من الهدف وهذا ما حدث للديمقراطية مع القوم!
ثم إنه من المعلوم أن مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" لا يعرف في دين الإسلام وإنما يعرف في دين"ميكيافيلي"!
ولا يشرع في الإسلام من الوسائل إلا ما كان مباحا في نفسه أو عرضت له الإباحة، وهذا الأمر منتف في الديمقراطية ..
لأنها غير مباحة في نفسها وتعلق بها من الوصف ما يمنعها من أن تعرض لها الإباحة وهو وصف "الشركية"..
فالشرك لا يباح إلا للإكراه الملجئ، وسنبين أحكامه إن شاء الله تعالى.
و أعلم أن الذين يريدون أن يجعلوا من هذه الديمقراطية وسيلة لنصرة دين الله يسيئون إليه من حيث يشعرون أو لا يشعرون:
رام نفعا فضر منغير قصد ... ومن البر ما يكون عقوقا
أساءوا إليه أولا لأنهم يحاولون نصرة دين الله بما يناقضه شكلا ومضمونا فكان حالهم كمن يريد إطفاء النار بالزيت!
وأساءوا إليه ثانيا: لأنهم يريدون نصرة دين الله بما فيه معصية الله ويتقربون إلى الله بما يباعدهم من الله فكان حالهم كمن يريد إزالة النجاسة بالبول!
ولقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن شيخ كان يقيم السماع بدف بشعر مباح لأصحاب الكبائر فيتوب منهم جماعة فهل يباح هذا الفعل لما يترتب عليه من المصالح ؟
فأجاب:
" إنما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين لابد أن يكون فيما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم
والشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون عن الكبائر فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعية يدل على أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة أو عاجز عنها فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هم شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية وقد علم بالإضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية التي ليس فيها ذكر من الإجتماع البدعي وقال: أنه لا يجوز لهذا الشيخ أن يجعل الأمور التي هي إما محرمة أو مكروهة قربة وطاعة وقال إن فاعل هذا ضال مفتر باتفاق علماء المسلمين مخالف لإجماع المسلمين. [مجموع الفتاو620-11 ].
في مجلة "آخر ساعة" سئلت إحدى الراقصات:
مارأيك في الرقص الشرقي هل هو حرام؟
فأجابت: الرقص عمل، والعمل عبادة، فالرقص عبادة، وأنا عندما أكون في الرقص، أكون في حالة ذكر لله عز وجل...!!
نعم...!!
الرقص عبادة..!
والديمقراطية عبادة..!
وهكذا يتقربون إلى الله بالرقص لأنه فن وعمل ..!
ويتقربون إلى الله بتحكيم الشعب لأنه وسيلة لإقامة الإسلام!
ووالله..لأن يعيش المسلم العمر كله بين أصداء الرقص والغناء خير له من العيش لحظة واحدة يحتكم فيها إلى غير شرع الله.
يا أنصار الديمقراطية.. إذا جاز لكم تحكيم الشعب من أجل الوصول إلى السلطة فقد جاز لكم أن تجعلوا الزنا وسيلة إلى السلطة ..
وجاز لكم أن تجعلوا الربا وسيلة إلى السلطة ..
وجاز لكم أن تستخدموا السحر، وأن تستخدموا السيميا والكيميا وعلوم الشر كلها..كوسيلة إلى السلطة..؟
ولم لا ؟
فليست هذه الأمور أشد حرمة من تحكيم الشعب!!
ذكر للإمام أحمد: أن امرأة كانت تريد أن تفارق زوجها فيأبى عليها فقال لها بعض أرباب الحيل: لو ارتددت عن الإسلام بنت منه، ففعلت، فغضب أحمد رحمه الله وقال: من أفتى بهذا أو علمه أو رضي به فهو كافر..
وقال عبد الله بن المبارك في قصة بنت أبي روح حيث أمرت بالارتداد في أيام أبي غسان فارتدت ففرق بينهما وأودعت السجن فقال ابن المبارك وهو غضبان: من أمر بهذافهو كافر ومن كان هذا الكتاب عنده أو في بيته ليأمر به فهو كافر وإن هويه ولم يأمر به فهو كافر. [انظر، إغاثة اللهفان ].
ومثل هذه المرأة تماما الديمقراطيون الذين يريدون الوصول إلى السلطة بأي وسيلة ولو كانت شركا بالله تعالى!!
ولكن هذه المرأة رجعت إلى دينها وتابت من الردة ..فمتي يرجع القوم إلى دينهم ويتوبوا من الديمقراطية ؟
قالت جننت بمن تهوي فقلت لها ... العشق أعظم مما بالمجانين
العشق ليس يفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين
واعلم أن هؤلاء الذين لا هم لهم إلا الوصول إلى غاياتهم بأي وسيلة لو علم بهم أيوب عليه السلام لأقسم أن يضربهم مائة سوط كما فعل مع امرأته التي أقسم عليها للسبب نفسه،
فقد (جاءها إبليس في صورة طبيب، فدعته لمداواة أيوب، فقال: أداويه على أنه إذا بريء قال: أنت شفيتني، لا أريد جزاء سواه، قالت: نعم، فأشارت على أيوب بذلك، فحلف ليضربنها) [ فتح القدير للشوكاني ].