عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 25-02-2012, 01:11 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: أيسرالطرق لمعرفة أصول الفقه-سؤال و جواب-

سـ16/ ما أقسام الواجب باعتبار وقته ؟ مع بيان ذلك بالتعريف والتمثيل ؟
جـ/ أقول: ينقسم الواجب باعتبار وقته إلى قسمين واجب موسع وواجب مضيق فإذا كان الوقت يسع فعل الواجب، وفعل غيره من جنسه معه كالصلوات الخمس فهذا واجب موسع وإذا كان لا يتسع وقته لفعل غيره من جنسه معه كصوم رمضان فهو واجب مضيق لأنه وقته مقدار فعله، وبناءً عليه فأقول: الواجب الموسع هو ما يتسع لفعله ولفعل غيره من جنسه، والواجب المضيق هو ما لا يتسع إلا لفعله هو فقط، فإنك إذا نظرت إلى وقت الظهر مثلاً وجدت أنه يمتد من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله، والواجب في هذا الوقت إنما هو صلاة أربع ركعات فقط فوقتها يسير، فلو صلى قبل صلاة الظهر ما شاء من النوافل، ولو صلى بعد صلاة الظهر ما شاء من النوافل لاتسع وقت الظهر لذلك، لأنه وقت واسع، ولو نظرت إلى وقت قضاء الصوم مثلاً لوجدته واسعاً فإن وقت القضاء ممتد من انتهاء يوم العيد إلى رمضان الآخر، فهو وقت واسع جداً يسع أيام القضاء ويسع صيام أيام أخرى فهذا يسميه الأصوليون بالواجب الموسع، ولكن لو نظرت إلى صيام رمضان لوجدت شهر رمضان كله بسائر أيامه لا يصلح أن يوقع فيه صيام آخر غير رمضان، فلا يجوز فيه إلا صومه فرضاً فقط، فلا يتمكن الإنسان من أن يصوم فيه تطوعاً أو كفارة أو نذراً ونحو ذلك لأن الشارع ضيق وقته وجعله محصوراً لصوم الفرض فقط، فمن حين حلول الشهر إلى آخره والعبد يصوم الفرض فقط، فوقت الصوم وقت مضيق لأنه لا يتسع لغيره من جنسه أي لا يتسع لصيام آخر إلا صيام رمضان فقط، فالموسع ما اتسع لغيره من جنسه والمضيق ملا يتسع لغيره من جنسه وهذا واضح إن شاء الله فإذا كان وقت الفعل أوسع من الواجب فيه فهو موسع وإذا كان وقت الفعل مساوٍ للواجب فهو مضيق والله أعلم.
****
سـ17/ ما لأفضل في الواجب الموسع ؟ ومتى يكون مضيقاً ؟ وما شروط تأخيره عن أول وقته ؟ وما الحكم لو أخره عن أول وقته فمات ؟ مع بيان ذلك بالأدلة ؟ والأمثلة ؟
جـ / أقول : هذا السؤال جمع عدة مسائل، و من باب التوضيح نأخذها مسألة مسألة فأقول :-
المسألة الأولى: قوله:ما الأفضل في الواجب الموسع ؟ أقول الأفضل في الواجب الموسع المبادرة إلى أدائه في أول وقته، ما لم يأت دليل يفيد استحباب تأخيره والدليل على ذلك أثري ونظري: فأما الأثري فقوله تعالى ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ وقوله تعالى ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ وقال تعالى ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ وقوله تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ وقال تعالى ﴿فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾ فالأمر بالمسارعة والمسابقة بالخيرات ومدح التنافس فيها والثناء على المتنافسين والمسارعين فيها دليل على استحباب إيقاع الواجب في أول وقته لأن هذا هو حقيقة المسارعة والمنافسة والتسابق, وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى فقال»الصلاة لوقتها« وفي رواية للترمذي »الصلاة في أول وقتها« وهذا الحديث نص في المسألة فإن الصلاة المفروضة من الواجب الموسع وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن فعلها في أول وقتها هو الأحب إلى الله تعالى وهذا أي استحباب المسارعة بالصلاة في أول وقتها قد ثبت بقوله وفعله، فإما قوله فمنه ما مضى في الحديث السابق، وأما فعله فكما في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنهقال: »كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله والشمس حية...الحديث« وعن أنس رضي الله عنه قال: »كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة، وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال«"متفق عليهما" وفي الصحيحين أيضاً من حديث أنس قال قال رسول الله »تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا اصفرت وكانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلاً« وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت »كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهم ما يعرفهن أحد من الغلس« ولمسلم من حديث أبي موسى »فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً« وفي الصحيحين من حديث رافع بن خديج قال »كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله« وفي الصحيحين من حديث جابر قال: »كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت والعشاء أحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا أخر والصحيح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس«. وأما الدليل النظري فمن وجوه:
منها: أنه مشعر بتعظيم شعائر الله تعالى، وتعظيم شعائر الله تعالى دليل على تقوى القلوب، قال تعالى ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾
ومنها: أنه الأسرع في إبراء الذمة.
ومنها: أنه لا يدري ما يعرض له في وقته، فلعل الصوارف تكثر والمشاغل تزيد ولا يتمكن من الفعل، أو يمرض ونحو ذلك.
ومنها: أنه من التنافس في الخيرات والمسارعة فيها وهذا محبوب لله تعالى وما كان محبوباً لله تعالى فهو المطلوب.
ومنها : أنه أغيظ للشيطان وأدحر له .
ومنها: أنه أدعى لخفة العبادة على النفس ، وأقوى للعزيمة على فعلها .
ومنها : أنه أخذ بالعزائم
ومنها : أن فيه تعويداً للنفس على المبادرة للخير .
ومنها : أنه دليل على حرص المسلم على الطاعة . وغير ذلك من الحكم والمصالح المترتبة على لمبادرة بالواجب الموسع في أول وقته، وهذه فيما إذا لم يأت دليل يفيد استحباب التأخير، كاستحباب تأخير الظهر عند اشتداد الحر كما في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم»إذا أشتد الحر فابردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم«"متفق عليه" وللبخاري عن أبي سعيد نحوه وكاستحباب تأخير العشاء ما لم يشق على المأمومين لحديث عائشة رضي الله عنها قالت أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بالعشاء حتى ذهب عامة الليل ثم خرج فصلى وقال »إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي«"رواه مسلم" وله من حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فلا ندري ، أشيء شغله في أهله أو غير ذلك ؟ فقال حين خرج »إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة« ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى, ولمسلم أيضاً من حديث جابر بن سمرة قال »كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات نحواً من صلاتكم، وكان يؤخر العتمة بعد صلاتكم شيئاً وكان يخفف الصلاة« وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما نحواً من هذه الأحاديث, ولأجل ذلك فقد قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى هذا الضابط في كتاب الصلاة والذي يقول: ( فعل الصلاة في أول وقتها أفضل إلا ما استثناه الشارع ) وأختم هذه المسألة بحديث في استحباب المبادرة بالصلاة في أول وقتها وهو حديث رافع بن خديج قال »كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تنحر الجزور، فتقسم عشر قسم، ثم تطبخ، فنأكل لحمها نضيجاً قبل مغيب الشمس«"متفق عليه" فهذا بالنسبة للمسألة الأولى من السؤال. والله أعلم.
المسألة الثانية: وأما قوله (ومتى يكون مضيقاً) فأقول: يكون الواجب الموسع مضيقاً بطريقين: أحدهما: إذا لم يبق من وقته إلا ما يسع فعله فقط، كأن لا يبقى من وقت صلاة الظهر إلا ما يسعها ولا يبقى من وقت صلاة العصر إلا ما يسعها ولا يبقى من صلاة العشاء إلا ما يسعها وهكذا وكأن لا يبقى من وقت قضاء الصوم إلا ما يسعه فقط، فإذا لم يبق من وقت الواجب الموسع إلا ما يسعه فقط فإن الواجب الموسع ينقلب من كونه واجباً موسعاً إلى واجب مضيق، وبرهان ذلك أنه لو لم يوقع الواجب الموسع في هذا الوقت بعينه فإن ذلك سيؤدي إلى فوات وقت العبادة، ويكون بذلك آثماً معتدياً عاصياً لأنه أخرج العبادة عن وقتها المحدد لها بلا عذر وهذا محرم لا يجوز. وهذا واضح.
والطريق الثاني: أن يغلب على ظنه عدم البقاء إلى آخر الوقت، فإذا غلب على ظنه طروء مانع من الفعل في أثناء الوقت فإنه يلزمه فعل الواجب الموسع الآن أي في أول وقته، وذلك لأنه مأمور بهذا الواجب وقد غلب على ظنه وجود المانع منه في أثناء الوقت فوجب عليه المبادرة بإبراء ذمته وفعل الواجب في وقت الإمكان وغلبت الظن في ذلك كافية لأن غلبة الظن منزلة منزلة اليقين وقد تقرر في القواعد أن غلبة الظن كافية في العمل، وعلى ذلك عدة أمور:
الأول: من حكم عليه بالقتل في أثناء وقت الصلاة، فإنه يجب عليه أن يؤدي هذه الصلاة قبل حلول ذلك الوقت أي قبل حلول وقت التنفيذ ولو خالف وأخر الصلاة وقتل ولم يصل فإنه يموت عاصياً.
الثاني: لو علمت المرأة أو غلب على ظنها أن الحيض سيأتيها في أثناء وقت هذه الصلاة المعنية فإنه يجب عليها المبادرة بالصلاة في أول وقتها ولا يجوز لها حينئذٍ التأخير والحالة هذه، لأن المكلف إذا غلب ظنه وجود المانع وجب عليه المبادرة بالواجب في وقت السعة والإمكان.
الثالث: الطبيب الذي سيجري عملية في أثناء الوقت ويعلم أو يغلب على ظنه أنه لن يفرغ منها إلا بخروج الوقت فإنه يجب عليه المبادرة إلى أداء الصلاة في أول وقتها لأنه يغلب على ظنه وجود المانع، فتكون هذه الصلاة في حقه من الواجب المضيق.
الرابع: إذا أفاق المغمى عليه في أول وقت الصلاة ويعلم أو يغلب على ظنه أنه سيعاوده الإغماء في الوقت ولن يمكنه من أداء الصلاة فإنه يجب عليه وجوب عين أن يصلي بعد إفاقته من الإغماءة الأولى لأنه غلب على ظنه وجود المانع، فيكون الواجب الموسع في حقه في هذه الحالة واجباً مضيقاً.
الخامس: إذا علم مريض الكلى أو غلب على ظنه أن مدة تغسيل الكلى سوف يمتد زمنه إلى خروج الوقت، وأراد الغسيل وقد دخل وقت الصلاة فإنه يجب عليه وجوب عين أن يؤدي الصلاة الآن في أول وقتها لأنه يغلب على ظنه وجود المانع فينقلب الواجب الموسع في حقه مضيقاً.
السادس: المريض الذي ستجرى له عملية، وقد دخل عليه الوقت فإنه يجب عليه وجوب عين أن يؤدي صلاة ذلك الوقت في أول وقتها، أعني إذا كان وقت العملية سيستغرق الوقت أو علم أنه لن يفيق من التخدير إلا بعد فوات الوقت فإنه يجب عليه الصلاة الآن في أول الوقت، فوقت هذه الصلاة يتضايق في حق هذا الرجل والله أعلم.
السابع: من وجب عليه حضور المعركة للجهاد، ويعلم أنه إن دخل في صف القتال فإنه لن يستطيع الخروج منه للصلاة، وقد دخل عليه وقت الصلاة قبل حضور الصف فإنه في هذه الحالة يجب عليه وجوب عين أن يؤدي هذه الصلاة في أول وقتها لأنه لا يزال في سعة من أمره، وقد علم أو غلب على ظنه وجود المانع له من الأداء لو أخر الصلاة عن أول وقتها، فتنقلب هذه الصلاة في حق هذا الرجل من الواجب الموسع إلى الواجب المضيق.
الثامن: لقد قرر الفقهاء رحمهم الله تعالى أن وقت طواف الإفاضة وقت موسع فيبدأ من منتصف ليلة العيد إلى مدة حياته، هكذا قالوا، وإن كان في النفس منه شيء لكن أقول: على قولهم هذا فإن هذا الوقت ينقلب من كونه موسعاً إلى كونه مضيقاً في حالة ما إذا علمت المرأة أن الحيض سينزل عليها في أيام التشريق مثلاً وإذا سافرت فإنه يغلب على ظنها أنها لن تستطيع العودة ويغلب على ظنها أيضا أنها لا تستطيع البقاء إلى أن تطهر ففي هذه الحالة يجب عليها أن تطوف طواف الإفاضة قبل حلول الوقت الذي غلب على ظنها أنها ستحيض فيه، لأنها لو لم تطف الآن وحصل المانع فإنها لن تتمكن من الطواف وهو من فروض الحج وأركانه ولا يتم الحج إلا به فأي سبب يؤدي إلى تضييعه فإنه يحرم، ومن أسباب تضييعه تأخيره في هذه الحالة، فيجب عليها الطواف من حين حلول وقته فصار الواجب الموسع في حقها مضيقاً لأنه على يغلب على ظنها وجود المانع من الطواف بالتأخير والله أعلم فهذه بعض الأمثلة لتوضيح هذه المسألة, والخلاصة: أن الواجب الموسع ينقلب مضيقاً في حالتين:
الأولى: إن لم يبق من وقته إلا بمقدار فعله فقط.
الثانية: أن يغلب على ظنه وجود المانع في أثناء الوقت والله ربنا أعلى وأعلم.
المسألة الثالثة: وأما قوله: ما شروط تأخيره عن أول وقته ؟
فأقول: اشترط الأصوليون لجواز تأخير الواجب الموسع عدة شروط:
الأول: أن يعلم أو يغلب على ظنه عدم وجود المانع في آخر الوقت كما مثلنا سابقاً، فإن علم أو غلب على ظنه وجود المانع فإنه يجب عليه فعل الواجب الموسع أول الوقت ولعل الأمثلة السابقة كافية في فهم هذا الشرط أن شاء الله تعالى.
الثاني: أن يعقد العزم الباطني على فعلها في وقتها، وهذا الشرط فيه خلاف ويشبه أن يكون من الخلاف اللفظي، لأن الكل اتفقوا على وجوب الفعل في الوقت ولكن المشترطون قالوا: يشترط العزم على الفعل، والآخرون قالوا: لا يشترط وهذا لا يضر مع اتفاقهم على وجوب الفعل أثناء الوقت.
الثالث: أن لا يرتبط الواجب الموسع بما يوجبه في أول وقته، وهذا الشرط مع أهميته لم أرى في كتب الأصول من نص عليه، ولكنه مهم، ويمثل عليه بصلاة الجماعة فإننا قررنا سابقاً أن الصلاة المفروضة من الواجب الموسع لكن إذا أقيمت الجماعة في أول الوقت فإن إيقاع الصلاة معهم واجبة على القول الصحيح وأختاره أبو العباس ابن تيمية وغيره رحم الله الجميع رحمة واسعة، فالواجب الموسع الآن قد ارتبط بما يوجبه في أول الوقت، وهو أنه يجب على المكلف وجوب عين أن يصلي مع الجماعة قال تعالى ﴿ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم»والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء«"متفق عليه" ولمسلم من حديث أبي هريرة قال ..أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فرخص له فلما ولى دعاه فقال»هل تسمع النداء بالصلاة ؟« فقال: نعم، قال»فأجب« وفي الحديث الحسن »من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر« والأدلة على وجوبها كثيرة، فلا يجوز لأحد أن يتخلف عن صلاة الجماعة بحجة أنها من الواجب الموسع الذي يجوز تأخيره، لأن الواجب الموسع إذا ارتبط بما يوجبه في أول وقته وجب فعله في أول وقته، وقد ارتبطت فروض الصلاة الخمسة بالجماعة، وغالباً ما تفعل الجماعة في أول الوقت، فيجب شهود صلاة الجماعة ولا يجوز التخلف عنها، فانتبه لهذا ولهذا جعلنا الشرط الثالث من جملة الشروط لجواز تأخير الواجب الموسع عن أول وقته. فهذا بالنسبة للمسألة الثالثة والله أعلم.
المسالة الرابعة: وأما لو أخره عن أول وقته فمات ؟ فأقول في جوابه إنه إذا تحققت الشروط الثلاثة السابقة فأخره المكلف فمات فبل الفعل فإنه لا يموت عاصياً، وقد نص أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى على أنه إذا مات من له تأخير الواجب الموسع قبل فعله فإنه لا يكون عاصياً وذلك أنه فعل ما يجوز له فعله حيث أبيح له التأخير، وهذا فيما إذا تحققت الشروط السابقة كما ذكرته لك، وأما إذا تخلف شيء من هذه الشروط الثلاثة السابقة ومات فإنه يموت عاصياً مستحقاً للعقاب ولكنه تحت المشيئة كما هو مذهب أهل السنة رفع الله نزلهم في الدنيا والآخرة، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى عن تأخير الصلاة وشرط ذلك (يجوز التأخير من أول الوقت إلى آخره إذا لم يغلب على ظنه الفوات بالتأخير فأما إن غلب على ظنه الفوات بالتأخير أو حدوث أمر يمنع منها، أو من بعض فروضها قبل خروج الوقت، كمرض يغلب على ظنه الموت منه، أو من يقدم للقتل أو امرأة عادتها تحيض في أثناء الوقت أو غير ذلك، لم يجز له التأخير إلى الوقت الذي يغلب على ظنه فوت ذلك بالتأخير إليه، لأنه يقضي إلى تفويت واجب فإنه إذا أخرها في هذه المواضع فمات مات عاصياً )ا.هـ.كلامه. والذي يدل على أنه غير آثم إن أخره مع تحقق الشروط السابقة ما قرره أهل العلم من أن الجواز ينافي الضمان، ونحن أجزنا له التأخير المشروط بهذه الشروط الثلاثة وحيث أجزنا له ذلك شرعاً فإنه لا ضمان عليه، والإثم من الضمان، فلا إثم عليه وأما إذا أخره مع تخلف شرط من الشروط السابقة فإنه يكون أخره في حالة لا يجوز له التأخير فيها، فلو مات، فإن يموت عاصياً فهذا ما يتعلق بالمائل الواردة في هذا السؤال والله ربنا أعلى وأعلم.
****
سـ18/ ما أقسام الواجب باعتبار التعين والتخيير ؟ مع شرحها بالتعريف والتمثيل ؟ مع بيان حكم كل قسم ؟
جـ/ أقول: ينقسم الواجب بهذا الاعتبار إلى قسمين إلى واجب مخير وواجب معين فأما الواجب المعين فهو ما طلبه الشارع بعينه دون تخيير بينه وبين غيره أي أنه خصلة واحدة فقط وذلك كالصلوات الخمس وصيام رمضان والزكاة ونحو ذلك، وهذا النوع أكثر الواجبات، وحكمه: أن ذمة المكلف به لا تبرأ إلا بفعله هو بعينه، وأما الواجب المخير أو المبهم فهو ما طلبه الشارع لا بعينه بل خير الشارع في فعله بين أفراده المعينة المحصورة وقال ابن تيمية في تعريفه ( المأمور المخير هو الذي يكون أمر بخصلة ٍ معينة )ا.هـ. وذلك ككفارة اليمين، وجزاء الصيد، وفدية الأذى، فأما كفارة اليمين فكما في قوله تعالى ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ....الآية﴾ وأما جزاء الصيد فكما في قوله تعالى ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ....الآية﴾ وأما فدية الأذى فكما في قوله تعالى ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ وفي الصحيح من حديث كعب بن عجرة أنه قال في آية الفدية: نزلت فيَّ خاصة وهي لكم عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال»ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى، أتجد شاة« قال: لا، قال»فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكن مسكين نصف صاع« ولهذا الحديث ألفاظ أخرى في الصحيح. فهذا يسميه أهل العلم رحمهم الله تعالى بالواجب المخير، أي أن الواجب ليس هو كل هذه الخصال، وإنما الواجب منها واحدة فقط، وترك الشارع حرية الاختيار للمكلف فأي خصلة من هذه الخصال فعلها المكلف فقد برئت ذمته، وهذا باتفاق المسلمين، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى (فهذا - أي الواجب المخير - اتفق المسلمون على أنه إذا فعل واحداً منها برئت ذمته، وأنه إذا ترك الجميع لم يعاقب على ترك الثلاثة )ا.هـ. وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في إثبات هذا الواجب، ولكن لا شأن لنا بهذا الخلاف وإنما المهم عندنا القول الراجح، فالقول الصحيح هو أن الواجب المخير ثابت في الشريعة ودليله الوقوع كما مثلنا لك سابقاً، بل والعقل لا يمنع من ذلك فإن السيد لو قال لعبده ابن هذا الحائط أو خط هذا الثوب، أي هذين فعلت فقد امتثلت، ولا أوجب عليك الجميع، فهذا القول لا يعارض فيه عاقل، بل هو قول صحيح لا غبار عليه، وبالجملة فدليل الوقوع في الشرع كافٍ في إثباته ولا شأن لنا بخلاف المعتزلة فيه والله أعلى وأعلم.
****
سـ19/ هلّا ضربت لنا أمثلة توضح لها مسألة الواجب المخير ؟
جـ/ أقول: نعم وعلى الرحب والسعة وهي كما يلي:
منها: كفارة اليمين كما قدمنا ذلك، فإن الحانث فيها مخير بين الإعتاق والإطعام والكسوة، أي واحدة من هذه الثلاث فعل فقد قام بالواجب وبرئت ذمته.
ومنها: جزاء الصيد كما قدمنا لك ذلك، فإن من قتل الصيد متعمداً مخير في جزائه بين إخراج ما يماثله من النعم والذي يقرر هذا المثل عدلان عارفان بمثل هذه الأمور وإن شاء يقيم المثل ويخرج بقيمته كفارة طعام مساكين وإن شاء فليعرف قدر الأصواع في الإطعام وليصم مكان كل صاع يوماً، أي ذلك فعل فقد برئت ذمته وقام بالواجب عليه.
ومنها: كفارة فدية الأذى كما قدمنا لك ذلك فمن حلق رأسه وهو محرم أو غطاه أو لبس المخيط أو تطيب أو قلم أظفاره فإن عليه فدية أذى وهو فيها مخير بين ثلاث خصال، أن يذبح دماً، وإن شاء فليصم ثلاثة أيام وإن شاء فليطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أي ذلك فعل فقد برئت ذمته وقام بما أوجب الله عليه.
ومنها: قوله تعالى في أسرى الحرب ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ فالإمام مخير في أسرى الحرب من الكفار بين أن يمن عليهم بالعفو ويردهم إلى ديارهم أو يجعلهم فداء لبعض الأسرى من المسلمين عند الكفار، أو أن يضرب رقابهم أو يجعلهم من جملة الغنيمة فيسترقهم ويوزعهم قسمة عدل على أهل الوقعة، فهذه أمور أربعة والاختيار فيها يعود لاجتهاد الإمام على ما يراه مناسباً محققاً للمصلحة.
ومنها: لو نذر الإنسان إن شفى الله مريضه أن يصوم شهراً أو يتصدق بألف ريال أو يعتق رقبة، فهذا يسميه العلماء رحمهم الله تعالى بالنذر المخير، والتخيير هنا حاصل بين ثلاث خصال فإذا شفي مريضه فإنه يجب عليه الوفاء بواحدة من هذه الخصال فقط، فلا يجب عليه الجميع، ولا يعاقب عل الجميع، بل لا يجب عليه إلا واحدة ولو تركها ولم يفي فإنه لا يعاقب إلا على ترك واحدة، فأي هذه الخصال فعل فقد برئت ذمته وتحقق منه الوفاء بالنذر.
ومنها: لو تقدم رجلان قد استويا في الكفاءة لخطبة امرأة مستحقه للنكاح وكلاهما من ذوي الدين والخلق والأمانة والكفاءة التامة، فإنها في هذه الحالة مخيرة بين هذين الكفؤين الخاطبين وهذا من الواجب المخير.
ومنها: لو تقدم للإمامة الكبرى رجلان يحملان كامل الصفات المشترطة في الإمامة الكبرى ولا مزية لأحدهما على الآخر، فإنه يجب على أهل الحل والعقد أن يعقدوها لأحدهما فهم مخيرون بين هذين الرجلين، لكن لابد من عقدها لأحدهما وأنت خبير بأنه لا يجوز عقدها لأثنين لأن الإمام لابد أن يكون واحداً.
ومنها: لو تقدم لإمامة هذا المسجد رجلان يحملان كامل الشروط المعتبرة في إمامة الصلاة ولا مزية لأحدهما على الآخر ترجحه على صاحبه، فإن جماعة هذا المسجد مخيرون بينهما، وولاة الأمر مخيرون بينهما، لأن كليهما يصلحان لكن توليتهما جميعاً لإمامة المسجد أمر متعذر، فلابد من تولية أحدهما فهذا هو ما نعنيه بالواجب المخير.
ومنها: لو تقدم للأذان في هذا المسجد رجلان يحملان كامل الشروط المعتبرة في المؤذن، فنختار بينهما ولو بالقرعة، المهم أنه لابد من توظيف أحدهما، وهذا هو الواجب المخير.
ومنها: لو أعطى الأب أحد أبنائه هدية أو نحله نحلةً فالأب في هذه الحالة عليه واجبان لابد له من أحدهما لو تركهما لأثم، الأول: أن يعطي سائر أولاده مثل ما أعطى هذا الابن، الثاني: أن يسترد هذه العطية من الابن والأب مخير بين هذين الواجبين، إما الأول، وإما الثاني وهذا الفرع لم أره في كتب الأصول فهو فتح من الله تعالى فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة وأسأله جل وعلا المزيد من فضله. وعليه حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به إلى رسول الله فقال: أني نحلت أبني هذا غلاماً فقال»أكل ولدك نحلت مثله ؟« قال: لا، قال »فأرجعه« وفي رواية »أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟« فدل ذلك على أنه لو أعطى سائر ولده مثل ما أعطى الأول لخرج من العهدة، لكن لو لم يرد القيام بذلك فيجب عليه أن يتراجع في هذه الهبة ويستردها من الولد الأول.
ومنها: من أراد أن يتحلل من النسك حجاً كان أو عمرة فإن عليه أحد واجبين هو مخير بينهما، إما أن يتحلل بالحلق وإما أن يتحلل بالتقصير، أي هذين الواجبين فعل فقد برئت ذمته وحصل له التحلل وإن تركهما فإنه آثم. وهذا الفرع أيضاً لم أره في شيء من كتب الأصول لكنه فتح الله وتوفيقه وحسن منته وعظيم فضله فله الحمد كله وله الشكر كله وله الفضل والمنة كلها. والله أعلم.
ومنها: الذي آلا من امرأته، والإيلاء هو الحلف على ترك الوطء، فإذا مضت مدة التربص وهي أربعة أشهر فإنه يجب عليه أحد أمرين لابد له من أحدهما، إما أن يفيء أن يطأ وإما أن يطلق، فهما واجبان، لكن لا على وجه الجمع وإنما هو على وجه التخيير، فإن اختار الرجوع فله ذلك وإن اختار الطلاق فله ذلك لكن لابد له من أحدهما لقوله تعالى ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
ومنها: إذا بال الإنسان أو تغوط فإنه بين واجبين هو مخير بينهما إما يزيل أثر الخارج بالأحجار وإما يزيله بالماء، فهما واجبان لابد له من أحدهما وهذا من الأمثلة الصحيحة التي لم نرها في كتب الأصول.
ومنها: صفات الأذان الواردة أعني أذان بلال أو أذان أبي محذوره فإذا دخل وقت الصلاة فإن علينا أحد هذين الواجبين إما نؤذن بهذا الأذان أو بهذا الأذان والواجب منهما واحد لا بعينه ويترك الاختيار فيه إلى المؤذن والله أعلم. فهذه بعض الأمثلة على مسألة الواجب المخير والله أعلم.
****


يتبع إن شاء الله تعالى...

__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام.
والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين.


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]