رد: إذا نزلوا ساحة قتال أفسدوها د/هاني السباعي
خامساً: ساحة الصومال:
من منا لا يذكر غزو الصومال تحت ما كان يسمى بعملية إعادة الأمل التي بدأت في (ديسمبر) 1992 تحت غطاء إيصال معونات إنسانية، إلى الشعب الصومال! ومن ما لا يتذكر الهزيمة الساحة للقوات الأمريكية خاصة عندما نقلت وسائل الإعلام خبر إسقاط المقاومة لطائرتي هيلوكبتر من طراز "بلاك هوك" ع قتل فيها 18 أميركياً وجرح اكثر من 73 آخرين .. ثم الصورة الشهيرة التي عجلت برحيل القوات الأمريكية وهروبها من الصومال، وهي صورة سحل جثة الطيار الأمريكي الذي كان أحد أفراد طاقمي الطائرتين في شوارع مقديشيو.. وبعد الهزائم المتلاحقة للقوات الأمريكية الغازية فر الجنود الأمريكان بجلودهم ورجعوا إلى ديارهم خائبين خاسرين بعد أن صدر أمر رئاسي بسحب القوات الأمريكية وكان ذلك في مارس 1994م.
لكن الحلقة المفقودة في هذا الصراع هم الشباب الذين كانوا وراء انسحاب القوات الأمريكية وعلى رأسهم القائد الشهيد ـ نحسبه كذلك ـ الشيخ أبي عبيدة البنشيري الذي كان يلقب بقائد المجاهدين العرب في أفغانستان وكان رحمه الله شخصية مفعمة بالحب والحيوية والإخلاص بحيث لا يختلف على دماثة خلقه أحد من المجاهدين على تنوع مشاربهم..
أبو عبيدة البنشيري كان وراء كل هذه العمليات في الصومال ومعه مساعده القائد أبو حفص المصري الذي استشهد رحمه الله قندهار إبان الغزو الأمريكي لأفغانستان وكان أمير هؤلاء جميعاً الشيخ أسامة بن لادن الذي أكد عدة مرات في خطبه المسجلة أنهم أي تنظيم القاعدة طردوا الأمريكان وهزموهم في الصومال! والمتابع للساحة الصومالية من 1992إلى 1994م يكاد يجزم أن هذه الساحة الجهادية كانت حكراً لشباب تنظيم القاعدة ولم يثبت أن وجد أي تنظيم جهادي آخر في هذه الساحة ولم يثبت أن وجد شخص واحد كان يقاتل في هذه الساحة ممن ينتسبون إلى ما يسمى بالتيار الوسطي المعتدل! رغم وفرة شبابهم وكثرتهم في معظم البلاد العربية والإسلامية!!
أما عن الوضع الحالي في الساحة الصومالية:
فها نحن أولاء نجد احتواء غريباً لشيخ شريف أحمد رئيس المحاكم الإسلامية وهذا الاحتواء يتم في دولة قطر الذي دعي إليه شيخ شريف أحمد ليصدر بياناً مشتركاً ويجلس فيه جنباً إلى جنب مع الخائن قاتل أبيه عدو الإسلام حسين عيديد الصغير! عيديد الذي يحمل الجنسية الأمريكية وسبق له العمل في صفوف قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) خلال حرب الخليج الأولى عام 1991م!! وهو أحد أمراء الحرب وصديق حميم لميليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا ولكن لما تخلى عنه زيناوي ونصب غيره على رأس الحكومة العميلة! يحاول الآن التقرب إلى المحاكم الإسلامية بزعم الوطنية المفاجئة التي حلت في جسده ليقاتلوا عدوهم المشترك (أثيوبيا)!! وبالطبع كالعادة فإن قادة ما يسمى التيار الوسطي يرحبون بهذه الدعوات الماكرة!! بزعم توحيد المعارضة ضد الحكومة العميلة المؤقتة التي وصلت مقديشيو على متن الدبابة الأثيوبية الذي احتل أرض المسلمين ودنسها بمباركة طواغيت العرب والعجم! فمن وراء هذا البيان المشترك والجبهة الموحدة بين شيخ شريف أحمد وبين عيديد الصغير! للأسف الشديد وراء هذه الدعوة بعض المشايخ الكبار في قطر والخليج ممن ينتمون إلى تيار ما يسمى بالوسطية!! تحت حجة أن في هذا احتواء للمحاكم الإسلامية من أفكار المتشددين كتنظيم القاعدة ومن يتقارب مع أفكارهم! كما أن هذا الاحتواء سيرفع الحرج عن قيادات التيار المسمى الوسطي وشبابهم ! وأنه لا ضرورة لخوض أنصارهم وشبابهم القتال بأنفسهم ويكفي القتال بالوكالة على طريقة.. ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة:24)..
سادسا: الساحة الفلسطينية:
لن أخوض في تفاصيل الساحة الفلسطينية كثيراً ولكن أود أن أشير إلى النقاط التالية:
(أ) ليس كل من حمل البندقية وقاتل ينال شرف لقب مجاهد في سبيل الله! وإلا اعتبرنا نمور التاميل في سيريلانكا مجاهدين في سبيل الله خاصة أنهم أسبق من الجماعات الجهادية التي كانت تفجر نفسها في صفوف أعدائها!
ولو أن كل من يحمل بندقية أطلقنا عليه مجاهداً في سبيل الله فسنعتبر ثوار الكونترا في نيكاراجوا مجاهدين بررة وهم الذين اخترقتهم المخابرات الأمريكية حسب رأي أحد الباحثين، ووظفتهم على يد سفيرهم هناك (نيجروبونتي) في سنة 1985م هؤلاء الثوار الذين أثاروا الذعر والهلع والفوضى في بلادهم تماماً كما فعلت أميركا مع عصابات فتح الفلسطينية التي اخترقتها المخابرات الأمريكية وجعلتها تفعل ما تقوم به عصابات الكونترا بزعم أنهم ثوار!!
(ب) لم نعد نفرق بين بندقية حماس ولا بندقية فتح ولا بندقية أبي علي مصطفى وغيرهم!! المشكلة أن قادة حماس (وهم محسوبون على ما يسمى بالتيار الوسطي)! اختطفوا حماس وإخلاص الشباب المنتسبين لجماعتهم ووظفوه لمكاسب حزبية ضيقة فصارت عمليات حماس أشبه بمن يبتز خصومه ويفرض عليهم الإتاوات وإلا قام بعملية قتالية معينة! فصارت البندقية في خدمة كرسي المجلس التشريعي! والعملية القتالية ضد العدو من أجل الحصول على حصة أو حقيبة وزارية! ومن ثم اختلط الحابل بالنابل ولم نعد نعرف ما المقصود بالجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام! فيا للحسرة! لقد سارت حماس في طريق لم نكن نتمناه لهم! إنه السراب! لأن الذين كفروا وعدوا أنصارهم بالأماني وعيش رغيد وحياة كريمة! رغم أن الله تعالى بين لنا ماذا يملك الذين كفروا وبين لنا ما هي أعمالهم.. قال جل شأنه: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(النور:39).
(ج) بالنسبة لبعض الفصائل المنتسبة للتيار المسمى الوسطي! فإننا لاحظنا أنهم يجاهدون ويقاتلون فعلاً في أماكن محددة بعينها مثل فلسطين والعراق!! بحكم أنهم من أبناء تلك البلد التي غزاها المحتل! وهذا خير وبركة! لكن المشكلة أنهم لا يرسلون أنصارهم إلى ساحات أخرى مثل أفغانستان/ كشمير/ الشيشان/ الصومال/ البوسنة/ طاجكستان إلخ!! (أشبه بقتال من أجل الأرض)! وهذا يفسر لنا سر عدم تحمل الفصائل الجهادية في العراق أو حتى فلسطين أن يستحوذ غيرهم على الساحة! كما أنه يوضح لنا الرحلات المكوكية لقادة هذا التيار المسمى الوسطي وعرض أنفسهم على القبائل والحكومات بأن دعوتهم أنفع لهم من أنصار (دولة العراق الإسلامية)! أياً كان حجم هذه الدولة العراقية الإسلامية بإمارة الشيخ المجاهد أبي عمر البغدادي! حتى لو كانت مسيطرة على معظم محافظات العراق! طالما أنها لم تنتسب إلى هذا التيار الوسطي فإنه لزام عليها أن تختفي بأية وسيلة وإن كانت على طريقة ميكافيللي!!
(د) فحماس فلسطين لا تسمح لأي فصيل أن يستحوذ على الساحة وإن كان من أهل التوحيد وحملة القرآن الكريم طالما لم يتخرج في مدرستهم وهذا هو سر الفشل المستمر في الساحة الفلسطينية وعدم جلاء الراية الإسلامية ووضوحها!! ونظراً لأن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستفيضة فإننا نكتفي بهذا المقدار ونسأل الله أن يهدي قادة حماس وأن يعودوا إلى الاستمساك بكتاب الله المتين! ونسأل الله لهم أن يعودوا إلى عزة الإسلام لأنهم للأسف الشديد على خطر عظيم وليتأملوا قول الله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (النساء:139).
سابعاً: الساحة العراقية:
بعد غزو العراق عام 2003م كانت بداية دخول المجاهدين العرب على يد رجل واحد! رجل كأنه أمة! إنه بطل الإسلام وضرغامه الشهيد ـ نحسبه كذلك ـ المقدام أبو مصعب الزرقاوي المظلوم في حياته وبعد مقتله!! الشيخ أبو مصعب الزرقاوي وضع اللبنات الأولى للعمل الجهادي التنظيمي في أرض الرافدين! سبحان الله! أبو مصعب الزرقاوي كان ينظم الصفوف ويبني صرح التنظيم ويخوض المعارك بنفسه ضد القوات الغازية في نفس الوقت الذي كانت فيه بعض القيادات الإسلامية العراقية تائهة حائرة من هول الصدمة التي أحدثتها القوات الغازية في أنفسهم! ثم رأوا بأم أعينهم كيف كان يتحرك هذا الرجل أبو مصعب الزرقاوي رحمه الله تعالى في ربوع البلاد محرضاً أبناء العراق من أهل السنة على القتال وعلى القيام بواجبهم الشرعية وكان له القدح المعلى في معركة الفلوجة الباسلة! وكان في تلك الفترة يقاتل تحت مسمى تنظيم التوحيد والجهاد وكان الشيخ الجنابي يعرف ذلك جيداً وكان يتعاون معهم وقد ذكره الشيخان أبو مصعب وأبو انس الشامي رحمه الله تعالى بخير في بيانين لهما! وهذا ما أثار حفيظة المتابعين لإطلالة الشيخ عبد الله الجنابي وكنا نتوسم فيه أن ينصف إخوانه المجاهدين! والذي أدهشني بحق عدم ذكره للشيخ أبي مصعب الزرقاوي بأية كلمة ترحم! بل إنه ذكره في معرض التهكم عندما تكلم عن (حمراوي زرقاووي ..)!! لماذا نكران الجميل وكفران الأخوة أيها المشايخ الأجلاء!
وإلى من يفتري على دولة العراق الإسلامية نردد معهم قول الشاعر:
وهبكَ تقولُ هذا الصبحُ ليلٌ *** أيعمى العالمون عن الضياءِ
وإذا كان لنا من تعليق على هذه الأحداث الأخيرة فإننا نمسها مساً خفيفاً:
مما لا شك فيه أن هناك تناغما تم في الآونة الأخيرة ضد دولة العراق الإسلامية على النحو التالي:
(أ) جولات الشيخ حارث الضاري المكوكية إلى الدول العربية وحلوله ضيفاً لدى رؤساء هذه الدول! مع غمزه ولمزه في الدولة الإسلامية من طرف خفي وبالتصريح أحيانا! نفس هؤلاء الرؤساء الذين تآمروا على غزو الشعب العراقي وقتل أبنائه! نفس هؤلاء الرؤساء الذين كانوا يحتضنون المعارضة الشيعية التي تحالفت مع الأمريكان في احتلال عاصمة الرشيد! نفس هذه الفصائل الشيعية التي كانت معززة مكرمة في هذه الدول! وها هو ذا الشيخ الضاري يثق في نفس هذه الحكومات العميلة التي دمرت بلاده! وصدقت العرب في قولها: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك!
(ب) حوار برنامج بلا حدود مع الدكتور إبراهيم الشمري الناطق الرسمي باسم الجيش الإسلامي! مع هجوم مباشر على دولة العراق الإسلامية! وصوته الذي يقطر منه الاستعلاء على إخوانه والتقليل من حيثية الشيخ أبي عمر البغدادي! وقد تكفل الاخوة الفضلاء بالرد والتعاليق على حوار الدكتور الشمري فلا داعي للتكرار.
(ج) ثالثة الأثافي: كانت المفاجأة الإعلان عن حوار مع الشيخ الجنابي فتنفسنا الصعداء وتوسمنا في الشيخ الجنابي خيراً نظراً لما سمعناه عنه في معركة الفلوجة الاولى والثانية! لكن للأسف الشديد كان حوراً مخيباً لآمال من توسموا في الشيخ خيراً! وكنت أربأ بالشيخ أن يصم هؤلاء الشباب الذين نحسبهم صفوة المسلمين ونخبتهم الذين يدافعون عن شرف الأمة! يصمهم بعقوق الوالدين وضرب الأم ومنهم من لا يصلي!! هؤلاء الشباب الذين باعوا أنفسهم رخيصة لرب العالمين يفعلون هذه الأفاعيل؟! وهب أن شخصاً قريباً لك تعرفه عق أمه أو لم يكن يصلي من قبل مثلاً؟! فلماذا تبرز هذا المثل السيئ! وما علاقة ذلك بدولة الإسلام وتنظيم القاعدة لكي تعمم هذا المثال عبر وسائل الإعلام حيث تختزل الصورة في أن دولة الإسلام عبارة عن جماعة من الأشرار الذين يضربون آباءهم! فإذا لم يكن لهم خير في أهليهم فهل سيرجى منهم الخير لأهل العراق وهل يصح أن يطلق على هؤلاء صفة مجاهدين في سبيل الله!! سامحك الله يا شيخ جنابي! أخشى عليك قول الله تعالى (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (النساء:112)..
(د) بيان تشكيل تحالف جديد باسم جبهة الجهاد والإصلاح يضم الجيش الإسلامي وفصائل متقاربة مع تيار ما يسمى بالوسطية!
ولنا تساؤل برئ: لماذا الآن؟! وفي هذا التوقيت؟! قد يقول قائل من حقهم أن يشكلوا حلفاً لقتال الأعداء! نعم يحق لهم ذلك! لكن لا يحق لهم أن يهاجموا اتحاداً قائماً قبلهم! ولا يحق لهم أن يعلنوا ازدراءهم وافتراءهم على إخوانهم!
هكذا يستطيع المتابع للأحداث الأخيرة أن يصل إلى نتيجة مفادها: هذا الأمر قد تُشور فيه في غير هذا المكان! أمر قضي بليل! وقد استطعنا أن نستخلص نتيجة مفادها طالما أن الدولة الإسلامية لم تخرج من رحم التيار المسمى الوسطي المعتدل! فإنه لن يرضى عنها هذا التيار وبطانته! وستستمر حملة التشويه والازدراء على دولة العراق الإسلامية! ولكن نسأل الله أن يهدي الفصائل الجهادية المنتسبة أو المحسوبة على ما يسمى بالتيار الوسطي! إلى الحق! وان يفوتوا الفرصة على أعداء الأمة المتربصين بهم وبإخوانهم في دولة العراق الإسلامية الدوائر! نسأل الله أن يوحد صفوفهم على الحق وأن يلم شعثهم ويجمع كلمتهم وأن يسدد رميهم! وأن ينصرهم نصراً عزيزاً مؤزراً!
صفوة القول
إن التيار المسمى بالوسطي المعتدل! ابتعد تماماً عن عقيدة الولاء والبراء! لذلك أثمر تخليه عن هذه العقيدة سلخاً جديداً لا يعرفه سلفنا الصالح هذا السلخ (الإسلام الأنبوبي المستنسخ)! إنه تيار يلعب بالنار! ويفرق جمع المجاهدين في الساحات التي يقارعون فيها أعداء الأمة ويبذلون مهجهم وأرواحهم دفاعاً عن هذا الدين العظيم!
فليحذر قادة هذا التيار من نقمة الله تعالى التي قد تحل بهم من فتنة في الدنيا وخزي في الآخرة.. قال الجبار جل وعلا: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63).
مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن 16 ربيع الثاني 1428هـ
|