
03-01-2012, 01:04 PM
|
عضو متميز
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
|
|
رد: الثورات العربية « ديناميات الفاعلين الاستراتيجيين» /د اكرم حجازي
1) فرادة الحاكم
« سايكس - بيكو» منظومة صممها « المركز»، كي تعطل كل فاعل استراتيجي في الدولة ما عدا «الحاكم»، الذي لا يمكن أن تنافسه أية شخصية في أي مستوى. فالحاكم هو الأول والآخر في الدولة، فهو الرياضي الأول والمحامي الأول والمهندس الأول، ومالك الجمعية الناجحة، وزعيم الحزب القائد، وبطل الحرب والسلام، وأمير المؤمنين، وخادم الحرمين، والملهم الوحيد والنبيه الوحيد والراشد الوحيد، والفائز الدائم، وصاحب الأمر والنهي، والزعيم الإنسان، وصاحب الضربة الجوية، وأمين القومية العربية، والأب والمحرر والباني، وباعث النهضة، والخالد الذي لا يخطئ حيا أو ميتا!!! وحتى زوجته فلا يداني مكانتها أحد باعتبارها السيدة الأولى.
فمن يستطيع أن ينافس الحاكم إذا كان هو « الكل في الكل»؟ وماذا نسمي احتكار الحاكم للسلطة والمكانات بغير الطغيان؟ وكيف يمكن الرد على العبارة البالغة الدلالة التي قدمها د. حازم الببلاوي حين وصف الحكومات العربية، منتصف ثمانينات القرن العشرين، بـ «حكومات الضرورة»؟ وهل نبالغ إذا قلنا بأن نظم « سايكس - بيكو» ليست، تأسيسا أو تاريخا، سوى « ودائع استعمارية» متطورة الشكل والمضمون؟ وهل ثمة توصيف آخر يمكن الركون إليه في تبرير احتكار السلطة والمكانة، أو الإصرار على تغييب القيادات ومنع الرقابة الاجتماعية والسياسية والإعلامية والقضائية من ممارسة أي مستوى منها؟
2) القيادة
لما دخلت الفلسفات العلمانية، الداعية إلى تثوير « الجماهير» في العالم العربي ، خاصة الشيوعية منها، طرحت تساؤلات كثيرة عمن يتولى قيادة « الجماهير»، ونظّر فيها المنظرون، بحثا عن الطرق الكفيلة بصناعة القيادات من رحم المعاناة والثورة، وقالوا بأن تثوير « الجماهير» كفيل بقدرتها على فرز قياداتها. وثبت بالدليل القاطع كيف فشلت الثورات والحركات الوطنية فشلا ذريعا، هي وأطروحاتها، وانتهت إلى المساومات والتراجعات والانهيارات وحتى العمالة. ولم يتساءل أيا من هؤلاء أين هي القيادات التي تحدثوا عنها؟ بل أن أحدا من هؤلاء لم يسائل حتى نفسه: لماذا فشلنا؟ ولماذا تحول الكثيرون إلى عملاء؟ ولماذا قبلوا بالامتيازات والمغانم على حساب الأمة وعقائدها؟ ولم يجرؤ أحدهم على الاعتراف بالقول: لقد أخطأنا .. ونعتذر للأمة. بل أن كل ما قالوه، ببلاهة معهودة، أن: العالم تغير .. وعلينا أن نكون براغماتيين .. علينا أن ننضج .. وأن نعيد قراءة صلح الجديبية!!! فهل سنحارب مدى العمر؟ .. نعم حصلت أخطاء لكن الثورة مستمرة .. علينا أن نعود إلى الأصل .. لقد عانينا كثيرا وعانى الناس ..
أما الذين لم يسبق لهم أن تواجدوا في الأمة، أو تآمروا عليها، وخذلوها، وأحبطوا فيها كل مسعى، أو بارقة أمل فقد رأوا في هزيمة هؤلاء فرصة ذهبية للشماتة بهم، وتبرئة أنفسهم مما لحق بها من عار، حتى أنهم غرقوا في مستنقعات الخيانة، فقالوا: ألم نقل لكم؟ لكنكم لم تسمعوا لنا!!!
هذه الحقيقة تنطبق على الغالبية الساحقة من القوى الإسلامية بنفس القدر الذي تنطبق فيه، أكثر، على القوى اللبرالية والعلمانية. ولو أخذنا بالنتائج لعقود من الصراع، وتتبعنا كل العمليات السياسية في صناديق الاقتراع، وكل الانتفاضات السابقة، السلمية والمسلحة، وحيثما انتفض الناس في البلاد العربية، بما فيها الفلسطينية، لكانت النتيجة صفر وما دونه. فقد تعرضت جميعها للإجهاض من داخل حركاتها بألف حجة وحجة، ليس أدناها منزلة إلا تلك التي انتقلت من النقيض إلى النقيض، أما من بقي لديهم ورقة التوت فتعللوا بما عبّر عنه أحد المفكرين بـ «شرك المكاسب»، أو المحافظة على « الإنجازات»!!! .. هذه «المكاسب» التي صار الحفاظ عليها من « الخسارة» الموهومة شماعة تعلق عليها الجماعات الإسلامية والحركات العلمانية الفشل والجمود والنكوص، إلى الحد الذي تتصالح فيه مع النظام و « المركز»، وتعتذر له عما سلف منها وتتبنى خطابه الأمني، وتسعى بلا مبرر، إلا من الذلة والخسة والمسكنة والخزي، لإثبات حسن النية والتغني بالحكمة والتعقل على طريقتها.
هكذا لم تظهر القيادات ولن تظهر. لأنها غير موجودة تاريخيا. ولأن بنية النظام السياسي وخصائصه لا يمكن أن تسمح بظهورها. ولأن النظام السياسي لم يلتزم بترقية أي قطاع في الدولة أو في المجتمع بقدر ما التزم بسياسات « المركز»، المطالبة، على الدوام، بضرورة الحفاظ على « الأمن والاستقرار»، عبر كبت الحريات، ومحاصرة الأحزاب، ومنع الجمعيات، وقتل المبادرات، واحتواء القيادات الناشئة، أو استمالتها، وتدجينها، أو خداعها، أو إغرائها، أو حتى تصفية العناصر الفاعلة فيها، قتلا أو اعتقالا أو مطاردة ونفيا وتشريدا، أو بتهميش كل الشخصيات الاجتماعية سواء كانت سياسية أو دينية أو علمية أو ثقافية أو وطنية، إلى حد التخلص منها وقتلها، إذا تطلب الأمر، أو تقييد حريتها وحركتها وتواصلها مع الأمة، تحت طائلة التهديد بالسجن، أو فرض الإقامة الجبرية عليها، أو منعها من اعتلاء المنابر العامة، أو بأية وسيلة أخرى، ليس أولها قطع الأرزاق، ولا آخرها الإسقاط والتشويه، وامتهان الكرامات، وصولا إلى « الضرب في سويداء القلب»، على حد تعبير زكي بدر، وزير الداخلية المصري الأسبق. وفي المقابل ثمة قيادات ورموز، على كافة المستويات، تمت صناعتها، أو إعادة إنتاجها، وتقديمها للأمة من العدم، تماما[1]، كما يجري تصنيع أية سلعة استهلاكية أو إعادة تدوير النافق منها.
3) محاربة الدين
ولو تأملنا قليلا في رحاب« سايكس - بيكو» لتأكد لنا أن أحد أكبر الطوام التي حلت بالأمة كانت من نصيب الدين. فمن جهة أولى منعت الأمة من أن تُحكم بشريعتها، تحت طائلة التدخل العسكري المباشر، سواء من منظومة « المركز»، كما حصل في أفغانستان والصومال، أو من منظومة « الاستبداد المحلي»، كما حصل في الجزائر والسودان، أو من القوى الحليفة لهما، سواء كانت لبرالية وعلمانية، أو حتى إسلامية وجهادية، كما حصل في العراق والصومال أيضا!!
ومن جهة ثانية فقد لجأ الحاكم إلى فرض الرقابة الصارمة على النشاط الديني والدعوي والمعرفي، وحتى على العلماء الذين استحوذ عليهم بتقريبه لهم أو معاقبتهم بالسجن أو التشريد أو الإعدام. وعمد إلى تأهيل دعاة ومشايخ وعلماء في كليات ومعاهد الشريعة، وانشأ ما يمكن تسميته عرفا بـ طبقة «الكهنوت» الخاصة بالنظام، والتي شملت فِرَقا وجماعات ورموز دينية، اتخذت من الدفاع عن الحاكم الموضوع العقدي الأبرز لديها.
ومن جهة ثالثة استعمل النظام[2] الدين أداة في تشريع « سايكس - بيكو» دولةً ومؤسسات، ونظما وتشريعات، وسياسات وتحالفات. وعمل على تطويع النص الديني بما يلبي احتياجات الحاكم ومن ورائه النظام السياسي، وفي نفس الوقت محاربة الدين وإبعاده عن شؤون الدنيا بقدر المستطاع.
ومن جهة رابعة برزت جماعات إسلامية وشرائح من العلماء، بنظر العامة، غير معنية بما يحل في الأمة من نوازل، فضلا عن ظهور تيار تحريفي للدين، وآخر تلزمه المصالح والسياسات والمداهنات والمجاملات أكثر مما تلزمه العقيدة في كثير من الأحايين، الأمر الذي أظهر الدين، نصا وتأويلا، كما لو أنه خاص بـ « سايكس - بيكو» دون سواها[3].
أول اختبار جدي للعلماء، وتوظيف النظام السياسي للدين، على مستوى الأمة، جاء بعد حرب الخليج الثانية سنة 1991 ، ففي خضمها وبعدها، كان « الاختبار الرقمي» الأول، حين انقسم النظام السياسي العربي شر انقسام. ومعه انقسمت المجتمعات، وانقسم المفكرون والمحللون والصحافيون والعلماء، وانقسم الحجر والشجر، وصارت المواقف والسياسات العربية تتمايز على قاعدة: «من ليس معنا ضد صدام حسين فهو ضدنا»! فانتهت الحرب بتحطيم العراق والأمة، واستمر الحصار وطال. لكن المواقف صارت تتجه نحو المصالحة ومحاصرة العراق وصدام.
فجأة، ودون مقدمات، وقعت هجمات 11 سبتمبر على أبراج مانهاتن في نيويورك، فوجدنا أنفسنا وجها لوجه مع « الاختبار الرقمي» إياه، لكن هذه المرة، على لسان الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، في مقالته الشهيرة: «من ليس معنا فهو ضدنا»! مقالة كشفت عن توحش « المركز» بقيادة الولايات المتحدة، وكانت النتيجة أنه ما من دولة عربية إلا واستهلكها الخوف من المقالة الأمريكية، فشرعت كلها، وعلى غير هدى، في التعبير عن استعدادها للاستجابة للمطالب الأمريكية. ولم تدرك أن العبارة تسببت بنزع آخر ما تبقى لها من مشروعية.
المشكلة الأعوص أن النظام السياسي العربي صار، مع الوقت، مثل الأمريكيين، يستثمر في « الحرب على الإرهاب». فتولدت، حتى لدى العامة، قناعة بأن النظام خسر كل مشروعية، ولم تعد له أية مشروعية إلا في موالاة الولايات المتحدة،
والاقتراب من « إسرائيل»، وحتى من «الحركة الصهيونية» و «اليهودية العالمية». وبدلا من التأني، وحفظ بعض ماء الوجه، أو المناورة السياسية، كما فعل الأتراك حين احتلال العراق، ألقت النظم السياسية، طوعا أو كرها، بكل ما لديها، من أوراق، في السلة الأمريكية، وتوحشت، حتى النخاع، بصورة غير مسبوقة في تاريخها.
ولأن الولايات المتحدة، والنظم السياسية، باتت تواجه خصما عقديا؛ فقد دفعت النظم بالعلماء إلى الواجهة، لكن بصورة أسوأ من ذي قبل. فالبعض منهم انزوى، والكثير منهم ازدحمت بهم السجون، وكثير منهم صمتوا، ومنهم من سقط في قاع المطالب الأمريكية. وصرنا نسمع فتاوى فيها من العجب العجاب ما تشمئز منه النفوس والعقول. وأسوأهم تلك الفئة الموصوفة تاريخيا بـ «وعاظ السلاطين». فهؤلاء قدموا « طاعة ولي الأمر» على «طاعة الله» و «رسوله»، أيا كانت الأسباب والظروف والسياسات. بل أننا نراقب منذ زمن وجود علماء شرعيون، لا يشتمل قاموسهم العقدي والشرعي إلا على مصطلحات، مبتورة ومشوهة وفاقدة لأية أسانيد شرعية صحيحة، خاصة لما يتحدثون عن الفتنة والإجرام والخراب وسفك الدماء وحرمة الخروج على ولي الأمر، حتى لو كانت الشعوب هي من خرجت على الولاية .. بينما يطبقون صمتا، وكأنهم في غيابات الجب، لما يتعلق الأمر بالتصدي للاختراقات العقدية، وحتى الخروج عن الدين والشريعة والأمة، ولا يدخرون جهدا في إجهاض أي مساس بالنظام. ولا ريب أن مواقف بعضهم تصب، دون مواربة أو خجل، في أطروحة « المركز» المهيمن على الأمة[4].
مثل هذه المواقف، التي يعتقدون أنها تحصن النظام السياسي، أو تحقن الدماء المعصومة، هي في الواقع تسقطهم من حسابات الأمة نهائيا، وتعجل بتهديد مصير النظام. فهي فتاوى لا فائدة منها إلا صب الزيت على نار مستعرة. والأسوأ أنه صار لكل مسلم شيخه، والسؤال الطبيعي: من هم، إذن، مشايخ الأمة وعلماؤها؟ وهل يمكن الحديث عن علماء أمة إذا كان الموقف من الشيخ أو العالم يتحدد في ضوء الموقف السياسي بدلا من الموقف الشرعي؟ وحين تشعر الأمة وحتى أفرادها أنه لم يعد لها أية مرجعية يمكن الركون إليها أو الوثوق بها أو التظلم عندها أو التعبير عن طموحاتها أو النظر في احتياجاتها، حتى لدى العلماء الذين هم من المفترض أن يكونوا بمثابة الدرع الحصين للأمة؛ فهل من العجيب أن يأخذ العامة أمرهم بيدهم!!؟
4) منع الرقابة الاجتماعية
من هو الذي يراقب الدولة والمجتمع إذا كان« الأمن» في الدول العربية هو المؤسسة الأشد فاعلية وتأثيرا في شتى مناحي الحياة في الداخل والخارج؟
فـ « الأمن» صمم كمؤسسة لا هدف لها، ماضيا وحاضرا، إلا المحافظة على النظام السياسي القائم، بغض النظر عمن يحكم البلاد!!! لذا فما من عائق شرعي أو دستوري أو قانوني أو عرفي أو اجتماعي يمكن أن يحد، فعليا، من نفوذ الأجهزة الأمنية وصلاحياتها. فهي خارج المراقبة، وفوق المساءلة، وصاحبة القول الفصل. ولأنها أشد بطشا من الجيش، الذي أثبتت التجارب أن أقواها أضعف من أن ينتصر في حرب مع عدو، فقد استحقت دولة « سايكس - بيكو»، عن جدارة، لقب « دولة الطغيان الأمني ».
وقد ثبت بالقطع؛ أن تحرير الدولة من أية مراقبة محلية، وتنزيه الحاكم عن أية مساءلة، هو أحد ركائز « سايكس - بيكو». وهذه الوضعية تتماثل فيها الدول العربية مع بعض الفوارق. إذ لا وجود لمجتمع مدني فاعل. وكمثال على غياب الرقابة؛ يكفي الاستدلال بعدد المنظمات غير الحكومية المرخصة للعمل بين الدولة اليهودية التي يتواجد فيها 40 ألف منظمة، والعالم العربي، الذي لا يزيد عدد مؤسسات الرقابة فيه عن2500 مؤسسة. ولا ريب أن مثل هذا المؤشر يكشف بشكل مريع عن كون الدول العربية أشبه بالمشاع بالنسبة للنظم الحاكمة. إذ ما من شيء خاضع للرقابة أو المساءلة. وما من قيمة للمجتمع أو الشعب. والأسوأ من هذا؛ ارتباط الغالبية الساحقة، من مؤسسات الرقابة، بجهات تمويل أجنبية، تتحكم في برامجها وتوجهاتها، أو بالنظم الأمنية للدولة، الأمر الذي يفقدها فاعلية الرقابة. بل أن المؤسسات النقابية في الكثير من الدول صارت بالنسبة لها مصدرا للجباية.
[1] راجع، كنماذج، الثلاثية الطريفة للكاتب المصري صلاح الإمام: فك طلاسم الثورة المضادة، 20، 29/6 و 5/7/2011 على التوالي، جريدة المصريون: (1)http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=65714. و (2)http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=67154. و (3)http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=67965.
[2]من أشهرها المدخلية والجاميةالتي اشتهرت لدى خصومها بجماعاتالدفاع عن« ولي الأمر».
[3] للاطلاع على نماذج من عجائب فتاوى العلماء وتباينها مع سلوك العلماء أنفسهم تجاه الحكام، في سلسلة الدورة التاريخية، لدى: د. أكرم حجازي: الإسلام و« طبيخ النَّوَرْ» (1) و مناقشات منهجية لفتاوى طارئة (2)، على موقع المراقب:http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-235.htm.
[4]كنموذج للقراءات النقدية، التي بدأت تتكشف بعد اندلاع الثورات العربية، يمكن مراجعة كتابات عبد الرحمن جميعان، المنسق العام لمنتدى المفكرين المسلمين، حول الحالة الكويتية، مثل: السلفيون وصكوك الغفران، 21/11/2011، موقع المنتدى:http://almoslimon.com/main/viewarticle.php?id=66 ، وكذلك مقالة أحمد مولانا، عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية المصرية، احتواء السلفيين ... واستلاب العقول، 18/11/2011، موقع ثورة 25 يناير- القيادة الشعبية الميدانية للثورةhttp://fieldleadership.allahmontada.com/t338-topic#444، وكذلك مقالة محمد إلهامي: فقه التولي يوم الزحف، 17/11/2011، على مدونة الكاتب: http://melhamy.blogspot.com/2011/11/blog-post_17.html .
|