عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-07-2011, 11:10 PM
الصورة الرمزية البتار الساطع
البتار الساطع البتار الساطع غير متصل
معالج بالقرآن والرقية الشرعية والحجامة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
مكان الإقامة: قطر
الجنس :
المشاركات: 5,475
الدولة : Qatar
افتراضي رد: رسالة الحسد ... للعلامة بن جبرين

.

أثر الحسد على المجتمع
لقد أمر الله تعالى بالاستعاذة من شر الحاسد، في قوله


:
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (الفلق:5) وهذا دليل على أن له شر وفيه ضرر، ولا يتحصن منه إلا بالاستعاذة بالله تعالى، حيث إن الحسد من أعظم الأمراض الفتاكة بالمجتمع، فهو يجبر صاحبه على أصعب الأمور، ويبعده عن التقوى، فيضيق صدر الحسود، ويتفطر قلبه إذا رأى نعمة الله على أخيه المسلم
ولقد كثر الحسد بين الأقران والإخوان والجيران، وكان من آثار ذلك التقاطع والتهاجر، والبغضاء والعداوة، فأصبح كل من الأخوين أو المتجاورين يتتبع العثرات، ويفشي أسرار أخيه، ويحرص على الإضرار به، والوشاية به عند من يضره أو يكيد له ، ولا شك أن ذلك من أعظم المفاسد في المجتمعات الإسلامية، فإن الواجب على المسلمين أن يتحابوا ويتقاربوا ويتعاونوا على الخير والبر والتقوى، وأن يكونوا يدًا واحدة على أعدائهم من الكفار والمنافقين، فمتى أوقع الشيطان بينهم العداوة والبغضاء، وتمكنت من قلوبهم الأحقاد والضغائن، حصل التفرق والتقاطع، وصار كل فرد يلتمس من أخيه عثرة أو زلة فيفشيها، ويعيبه بها، ويكتم ما فيه من الخير، ويسيء سمعته، ويجعل من الحبة قبة، ويقوم الثاني بمثل ذلك، وكل منهما يوهم أن الصواب معه، وأن صاحبه بعيد عن الصواب.
ثم إن كلا منهما يحرص على الإضرار بالآخر ويعمل على حرمانه من الخير، فيصرف عنه المنفعة العاجلة، ويحول بينه وبين المصالح المطلوبة من فائدة مالية، أو حرفة أو أرباح أو معاملات مفيدة، ونحو ذلك، ولا شك أن هذا يضر المجتمعات ويقضي على المصالح، ويتمكن الأعداء من المنافع ومن استغلال الفوائد، وبتمكنهم يضعف المسلمون المخلصون، ولا ينالون مطلوبهم من ولاية أو رئاسة، أو شرف أو منفعة، وسبب ذلك هذه المنافسات التي تمكنت من النفوس، حتى حرموا إخوانهم وأنفسهم من الخير، وسلطوا عليهم أعداءهم.
أفلا يرعوي المؤمن، ويعرف مصلحته ويحب الخير لإخوانه، ويوصل إليهم ما يستطيع، حتى يعم الأمن ويصلح أمر الدين والدنيا والآخرة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.




كيفية علاج الحسد


يمكن أن يلخص علاجه في أمرين: العلم والعمل


:

أما العلم: ففيه مقامان: إجمال، وهو أن يعلم أن الكل بقضاء الله وقدره ، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.
وتفصيل: وهو العلم بأن الحسد قذى في عين الإيمان، حيث كره حكم الله وقسمته في عباده، فهو غش للإخوان، وعذاب أليم، وحزن مقيم، ومورث للوسواس، ومكدر للحواس، ولا ضرر على المحسود في دنياه، لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك، ولا في دينه، بل ينتفع به، لأنه مظلوم من جهتك، فيثيبه الله على ذلك، وقد ينتفع في دنياه أيضا من جهة أنك عدوه، ولا يزال يزيد غمومك وأحزانك، إلى أن يفضي بك إلى الدنف والتلف، قال الشاعر:


اصبر على مضض الحسود
فإن صبــرك قاتـله
النار تأكل نفسهـــــا
إن لـم تجـد ما تأكله

وقد يستدل بحسد الحاسد على كونه مخصوصًا من الله تعالى بمزيد الفضائل، قال الشاعر


:


لا مات أعداؤك بل خلـدوا
حتى يروا منك الذي يكمد
لا زلت محسودًا على نعمة
فإنما الكامل من يحســد

والحاسد مذموم بين الخلائق ، ملعون عند الخالق، مشكور عند إبليس وأصدقائه، مدحور عند الخالق وأوليائه، فهل هو إلا كمن رمى حجرًا إلى عدو ليصيب به مقتله، فرجع حجره إليه فقلع حدقته اليمنى، فغضب فرماه ثانيًا فرجع ففقأ عينه الأخرى، فازداد غيظه فرماه ثالثًا فرجع إلى نفسه فشدخ رأسه، وعدوه سالم، وأعداؤه حواليه يفرحون ويضحكون


:
وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (طه ، :127) .

علاج الحسد بالعمل
وأما العمل: فهو أن يأتي بالأفعال المضادة لمقتضيات الحسد فإن بعثه الحسد على القدح فيه كلف لسانه المدح له، وإن حمله على التكبر عليه كلف نفسه التواضع له، وإن حمله على قطع أسباب الخير سعى في إيصال الخير إليه، حتى يصير المحسود محبوبًا محبًّا له، على حد قوله تعالى


:
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت:34) فذلك التكلف يصير في النهاية طبعًا .
وقد ذكر ابن القيم أن شر الحاسد يندفع عن المحسود بعشرة أسباب: أحدها: التعوُّذ بالله من شره، والتحصن به واللجوء إليه. الثاني : تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله حفظه ولم يكله إلى غيره.
الثالث : الصبر على عدوه، فلا يقاتله ولا يشتكيه، ولا يحدث نفسه بأذاه، فما نصر على حاسده بمثل الصبر، والتوكل على الله، ولا يستطيل الإمهال له، وتأخير الانتقام منه.
الرابع : التوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، فالتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فمن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره.
الخامس : فراغ القلب من الاشتغال به ، والفكر فيه، فيمحوه من باله، ولا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يشغل قلبه بالفكر فيه، فمتى صان روحه عن الفكر فيه، والتعلق به، فإن خطر بباله بادله إلى محو ذلك الخاطر، والاشتغال بما هو أنفع له، بقي الحاسد يأكل بعضه بعضًا .
السادس: الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، بحيث تبقى خواطره وهواجسه كلها في محاب الله، والتقرب إليه ، فيشغل بذلك عن الحاسد وحسده، ويكون قلبه معمورًا بذكر ربه والثناء عليه ، غير متشاغل بغيره. السابع: تحرِّيه التوبة من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه ، فما سلط على العبد أحد إلا بذنبه، فعليه المبادرة إلى التوبة والاستغفار، فما نزل بالعبد بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.
الثامن : الصدقة والإحسان مهما أمكن فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، وشر الحاسد، فلا يكاد الأذى والحسد يتسلط على متصدق، فإن أصابه شيء كان معاملا باللطف والمعونة والتأييد.
التاسع: إطفاء نار الحاسد والباغي والظالم بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذاه وشره وبغيه، ازددت إليه إحسانًا وله نصيحة ، وعليه شفقة لقوله تعالى : ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ (المؤمنون:96)
العاشر : تجريد التوحيد لله تعالى ، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم ، والعلم بأنها بيد الله تعالى، فهو الذي يصرفها عنه و حده إلى آخر كلامه، وقد لخصت هذا من كلامه على آخر سورة الفلق في (بدائع الفوائد) فليراجع.

والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم


.



رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.80 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]