العياشي معطاوي |
13-12-2008 10:34 PM |
خطبة في التفريط في عمل الصالحات
إنّ الحمد لله..فلا هادي له،وأشهد .. له، المِلكُ الحقُّ العليُّ الكبير،تعالى في ألوهيّته وربوبيّتهِ عن الشّريكِ والوزيرِ، وتقدّسَ في أحَدِيَّتِه وصَمَديتِه عن الصاحبةِ والولدِ والوليِّ والنصير، وتنزَّه في صفاتِ كمالهِ ونعوتِ جلالِه عن الكُفء والنظير، فله الحمدُ في الأولى والآخرةِ وهو الحكيمُ الخبير. يا غافلاً عن إلهِ الكون يا لاهي * تعيش عمرك كالحيرانِ كالساهي
ارجع إلى الله واقصد بابه كرما*والله والله لا تلقى سوى الله مَنْ قَبِله فهو المقبول،ومَنْ حاربه فهو المخذول،ومَنْ التجأَ إليه عزَّ وحماه، ومَنْ توَّكل عليه كفاه، ومَنْ أطاعه تولاه، ومن وحّده أكرمه، ومَنْ أشرك به حرمه.إن قدَّسْناهُ أو سبَّحْناه أو مجّدْناه فهو الذي علَّمنا.وإن حَمِدْناه أو كبَّرْناه أو وحَّدناه فهو الّذي ألهمنا.. إن عَبْدناه أو شَكَرْناه أو ذَكَرْناه فهو الّذي أكرمناوأشهد أن محمّداً عبده ورسولُه، وصفيّه وخليله، إمام المرسلين،وخاتم النّبيّين .. صاحب الغرّة والتّحجيل،المشهود بالرّسالة في التّوراة والإنجيل. اللهمّ صلّ وسلّم على حامل لواء العزّ في بني لؤيّ،وصاحب الطّود المنيف من بني قصيّ ..اللهمّ .. على صاحب المقام المحمود، والحوض المورود،واللّواء المعقود، والفضل المشهود ..اللهمّ .. على من جعلته خاتم الأنبياء، وخير الأولياء،وأبرّ الأصفياء،ومن تركنا على البيضاء،لا يزيغ عنها إلاّ أهل الأهواء.اللهمّ صلّ عليه وسلّم صلاة وسلاما دائمي النّماء، يملآن ما بين الأرض والسّماء، وعلى آله الأطهار الأتقياء، وأصحابه الأبرار الأتقياء .. وعلى كلّ من تبعهم بإحسان إلى يوم اللّقاء فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله سبحانه، والاعتصام به في السراء والضراء وألا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون، واعلموا أن ما بكم من نعمة فمن الله، أفغير الله تتقون؟!التفريط في الأعمال الصالحة، وأخص بالحديث منها فضائل الأعمال إننا حينما نتحدث عن فضائل الأعمال وفقهها، فسيأخذ الحديث بألبابنا،ولربما طال بنا المقام،بيد أن الذي نود تسليط الحديث عليه هو ذلكم الشعور السلبي،والإحساس شبه المغيب حقيقة،عن استحضار الصور الحقيقية لفضائل الأعمال،لا سيما تلك الأعمال التي تستجلب الحسنات الكثيرة في مقابل العمل الصغير،والتي قد يفعلها جمهور من الناس،غير أنه يقل من يستشعر أبعادها أو يدرك حقيقة أجرها،ولا جرم يا عباد الله! فعُمر الإنسان مهما طال فهو إلى القصر أقرب،ولو استحضرنا قليلاً حديث النبي في قوله أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين،وأقلهم من يجوز ذلك.. لو استحضرنا هذا الحديث، وقمنا بقسمة عُمْرَ من بلغ الستين،وجعلنا له من يومه ما يُقارب سبع ساعاتٍ يأخذها في النوم،فإن ثلث الستين سنة سيكون نوماً قطعاً، وإنما يُعادل سنتين تقريباً سيكون لتناول الطعام لو قلنا بالوجبات الثلاث،وما يقارب الخمسة عشرة سنة يكون سن طفولة وصبوة دون التكليف،وحينئذٍ لا يبقى له حقيقة من الستين إلا ما يقارب ثلاثاً وعشرين سنة،كل ذلك يؤكد للمرء أنه أحوج ما يكون إلى كل مبادرة للعمل الصالح.إن في ضرب المثل غنية وكفاية لمن هو في الفهم والإدراك فحل،فإليكم أمثلة متنوعة،نستطيع من خلال ذكرها أن ندرك -جميعاً- مدى الهوة السحيقة والبون الشاسع بيننا وبين البدار إلى الأعمال الصالحة جاء عند مسلم أن ابن عمر كان يُصلي على الجنازة ثم ينصرف،فلما بلغه حديث أبي هريرة أن النبي قال من تبع جنازةً فله قيراط،قال ابن عمر لقد فرطنا في قراريط كثيرة. ألا فانظروا -يا رعاكم الله- إلى ندم ابن عمر وكيف أسف على تضييعه لهذه القراريط، فإن القيراط الواحد كـجبل أحد وفي الصحيحين أن النبي قال أيعجز أحدكم أن يكسب كل يومٍ ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة،ويحط عنه ألف خطيئة فانظروا -يا رعاكم الله- إلى هذه الحسنات الهائلة،وإلى ما يُقابلها من العمل اليسير،حسنات يعب منها الإنسان عباً،لا غلاء ولا كلفة،غير توفيق الله لمن بادر هذا في الذكر،فما تقولون فيمن حسن خلقه فكف أذاه وخفض جناح رحمته، وزم نفسه عن سفساف الأمور لينال معاليها..فرحم وصدق،وبرَّ وأوفى،وهش في وجه أخيه وبش.. إن ظُلم صبر،وإن أخطأ اعتذر،لا يستنفره الغضب،ولا يستثيره الحمق.. فيه وفي أمثاله يقول النبي ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن،وإن الله ليبغض الفاحش البذيء هذا في حسن الخلق فما تقولون في صيام النوافل وفضلها؟فلقد جاء في أجور صيام النوافل وفضلها ما يعلم المقصر من خلاله أنه كان خلف تفريط صار به من القعدة المفرطين، جاء في الحديث الصحيح يقول النبي عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي أيام البيض إنها كصيام الدهر أي كصيام سنة كاملة. فلو نظرنا -عباد الله- إلى محصلة مجموع الصيامين في السنة لوجدناهما يبلغان، اثنين وأربعين يوماً، فتكون النتيجة أن من صامها كاملةً كان كمن صام سبع مائة وعشرين يوماً فيما سواها،أي أكثر من سبعة عشر ضعفاً، فلا إله إلا الله والله أكبر، كم نحن مفرطون! عباد الله! روى الإمام مالك في الموطأ أن النبي كان يقول في بعض دعائه واقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ..
الحمد لله الذي علا وقهر ,وعز واقتدر وفطر الكائنات بقدرته فظهرت فيها أدلة وحدانية من فطر فسبحانه من اله عظيم لا يماثل ولا يضاهى ولا يدركه بصر وتعالى من قادر محيط لا تنجي منه قوة ولا مفراعملوا أن للتفريط في الأعمال الصالحة أسباباً كثيرة يطول حصرها، غير أن من أهمها الغفلة عن مدى حاجة المرء المسلم إلى تحصيل مثل هذه الأجور المضاعفة..ومن الأسباب ضعف التصور الصحيح،أو تلاشيه وبعده عن حقيقة أجور بعض الأعمال المضاعفة.فإن الاستمساك بالشيء والعض عليه بالنواجذ،إنما هو فرع عن تطوره وإدراكه، يقول ابن الجوزي من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف.ومن الأسباب كذلك توهم البعض من الناس أنهم بلغوا درجةً عُليا من كمال زائفٍ في الجوانب الإيمانية،مما شكَّل حاجزاً منيعاً في الحيلولة دون اغتنام الفرص وزيادة نسبة الإيمان لدى الواحد منهم. ومسك الختام، معشر الإخوة الكرام، ترطيب الأفواه بالصلاة والسلام، على خير الأنام، امتثالاً لأمر الملك القدوس السلام، حيث قال في خير كلام: إِنَّ اللَّهَ ..
|