تنظيم الحدود لا اغلاقها
الكاتب: عبد الباري عطوان
حاولت السلطات المصرية اعادة اغلاق الحدود مع غزة الجمعة مثلما كان متوقعا، ليعود القطاع الي وضعه السابق كمركز اعتقال كبير لمليون ونصف المليون انسان دون كهرباء او غاز او دواء، ولأجل غير محدد. الظاهرة الملفتة للنظر، والتي ربما غابت عن اذهان الكثيرين، ان هؤلاء الجياع المحاصرين عندما اندفعوا بمئات الآلاف بعد كسر بوابة سجنهم، لم يقدموا علي اي اعمال سلب او نهب للمحلات التجارية في الجانب الآخر من الحدود، رغم ظروفهم المعيشية الصعبة، وكمّ الاحباط الهائل داخلهم. ابناء قطاع غزة تصرفوا بطريقة حضارية مسؤولة رغم انهم كانوا يعاملون بطريقة فجة قاسية وغير حضارية علي الاطلاق، ذهبوا الي المحلات المصرية ودفعوا اثمان البضائع التي اشتروها نقدا، رغم ان بعضها تضاعف ثلاث او اربع مرات بسبب الاقبال الشديد وقلة المعروض. مدن كثيرة، عربية وأجنبية، بعضها في عواصم اوروبية متحضرة، شهدت اضطرابات مماثلة، وفلتانا امنيا، ولكن المتظاهرين لم يلتزموا بالقانون، ففي لوس انجليس نهبوا المحلات التجارية امام عدسات التلفزة، وفي ضواحي باريس جري احراق المحلات التجارية والسيارات رغم ان هؤلاء لم يكونوا محاصرين او مجوعين، ويعيشون في ظروف افضل بعشرات المرات من ظروف ابناء قطاع غزة والضفة الغربية. التفسير المنطقي لهذه الظاهرة هو الحب الكبير الذي يكنه ابناء الشعب الفلسطيني لمصر، والحرص الذي يظهرونه في كل مناسبة علي اطيب العلاقات معها، باعتبارها القاطرة الحقيقية للأمة العربية، فهم ينظرون اليها كسند وشقيقة كبري، قدمت لهم، وللعرب الآخرين الكثير من الدعم والتضحيات، قبل ان يغير العصر البترولي الكثير من النفوس والمواقف والمعادلات الاقليمية. ولا بد من التنبيه بان تصرف قوات الامن المصرية علي الحدود الذي اتسم بالمسؤولية وضبط النفس ايضا، ساهم بشكل اساسي في ان يأتي مهرجان الكرامة الغزاوي بالطريقة الحضارية التي رأيناها عبر شاشات التلفزة، ورآها العالم بأسره ايضا. المأمول ان تظل هذه الصورة الناصعة علي حالها دون اي خدوش، فالانباء الواردة من الحدود المصرية ـ الفلسطينية توحي بوجود حالة من التوتر تتصاعد تدريجيا بعد اقدام السلطات المصرية علي اغلاق المعابر، وحدوث اشتباكات مؤسفة بين بعض الراغبين في اجتياز الحدود وقوات الأمن التي تحاول منعهم، وفتح البعض الآخر فجوات جديدة في الجدار الفاصل في تحد مباشر للقرار المصري المذكور. ہپہپہ اعادة تنظيم المرور في المعبر الحدودي، ووضع حد لحال الفوضي التي نشأت بعد اقتحامه امر مشروع لا جدال حوله، ولكن السلطات المصرية اخطأت عندما اوحت بان الاغلاق نهائي، وان الاوضاع ستعود الي ما كانت عليه قبل الاقتحام، اي اعادة ابناء القطاع الي قفص الحصار مجددا، يواجهون الموت جوعا او مرضا او قتلا في الغارات الاسرائيلية المكثفة او الثلاثة معا. ندرك جيدا ان الحكومة المصرية تتعرض لضغوط امريكية واسرائيلية متعاظمة لإحكام اغلاق الحدود، ووضع حد، وبسرعة، لمساحة الحرية التي انتزعها سكان القطاع في سابقة تاريخية، ولكن التجاوب مع هذه الضغوط يجب ان لا يكون مجانيا، ودون شروط. بمعني آخر نقول ان امام حكومة مصر فرصة تاريخية لتصحيح الوضع الخاطئ وغير المقبول علي معبر رفح، من خلال اقناع واشنطن بتعديل الاتفاق الخاص بالعبور الفلسطيني، بحيث لا يكون الفيتو الاسرائيلي هو الآمر الناهي، وصاحب الكلمة الاخيرة في شأن عربي خالص. الادارة الامريكية ارتكبت خطيئة كبري عندما ايدت العقوبات الجماعية التي فرضتها اسرائيل علي ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، ثم ارتكبت خطيئة اكبر عندما اعتقدت ان هذه العقوبات المحرمة دوليا، يمكن ان تعطي ثمارها في تأليب الشعب الفلسطيني ضد حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، وانهاء سيطرتها الحالية علي قطاع غزة. حركة حماس خرجت الكاسب الاكبر من تطورات الايام الثلاثة الماضية، وأثبتت انها لم تفشل في ادارة شؤون القطاع مثلما قال المتحدثون باسم السلطة في رام الله، بل ان المخططات الاسرائيلية هي التي منيت بالفشل، فالذين تدفقوا علي الجدار الفاصل علي الحدود المصرية لتحطيمه واختراقه، وتنسم عبير الحرية، لم يكونوا من انصار حماس فقط، وانما من انصار حركة فتح ايضا. ہپہپہ اسرائيل ضاعفت من شعبية حماس بدلا من تقليصها، ليس في قطاع غزة فقط وانما في الضفة الغربية ايضا ولو الي ما بعد حين، وهذه الشعبية تأتي حتما علي حساب سلطة الرئيس عباس في مدينة رام الله المدعومة امريكيا واسرائيليا ومن قبل بعض الأنظمة العربية المعتدلة. ففي الوقت الذي يفجر فيه المسلحون التابعون لفصائل المقاومة في غزة الجدار الحدودي، ويكسرون الحصار بطريقة شجاعة وجريئة، يتوجه موكب السيد محمود عباس الي القدس المحتلة، متوقفا امام حواجز الذل العسكرية الاسرائيلية، حيث يتراكم المئات من ابناء الضفة الصابرين المحبطين، للقاء ايهود اولمرت، وايهود باراك في مفاوضات عبثية مهينة، ولبحث كيفية تطويق انتصار فصائل المقاومة هذه في قطاع غزة وإفراغه من مضمونه. اعادة ابناء قطاع غزة الي القفص مجددا وحرمانهم من ابسط مقومات الحياة الكريمة، قد يؤديان الي نتائج وخيمة. ليس علي الاسرائيليين فقط، وانما علي النظام العربي الحالي برمته، فحجم التعاطف العربي غير المسبوق مع محنة هؤلاء الذي ظهر من خلال التظاهرات الصاخبة في مختلف المدن والعواصم، يؤكد ان هذه المحنة، اذا ما استمرت، بالصورة السابقة، قد تصبح المفجر لبركان الاحباط العربي المتضخم. الرئيس حسني مبارك الذي قال انه لن يسمح بتجويع اهل غزة مطالب بأن يحول اقواله هذه الي افعال وبأسرع وقت ممكن، والزعامات العربية التي تقيم علاقات وثيقة مع واشنطن وتلبي جميع طلباتها وتشارك في كل حروبها، وتخفض اسعار النفط من اجل انقاذ اقتصادها من الانهيار، مطالبة ايضا بالتحرك، ليس لرفع الحصار عن قطاع غزة فقط، وانما لفرض مبادرة سلامها علي الطرف الاسرائيلي دون اي تعديل. ہپہپہ الرأي العام العربي بدأ يستعيد قواه، ويدخل مرحلة من الصحوة الوطنية رأينا ارهاصاتها بجلاء في شوارع العديد من العواصم، وعبر شاشات التلفزة التي رصدت ردود فعله تجاه احداث غزة الاخيرة. وترتكب اسرائيل والولايات المتحدة ومعها الانظمة العربية حماقة كبيرة، وقصر نظر اكبر، اذا ما استمرت في تجاهل هذه الحقيقة الدامغة. اطفال غزة كسبوا المعركة الاعلامية بشموعهم التي اشعلوها في تحد للظلام الذي فرضته عليهم قوة الجبروت والطغيان الاسرائيلية، واستطاعوا ان يكسبوا تعاطف الرأي العام العالمي، الي جانب كسبهم لكل الاقلام والعدسات الحرة الشريفة في كل عواصم المعمورة. واسرائيل خسرت تسليم بعض الدول بحقها في حماية مواطنيها من صواريخ بالغت في تضخيم اضرارها، عندما مارست اساليب ووسائل ثبت عدم جدواها في غزة، مثلما ثبت عدم جدواها قبل ذلك في لبنان، حيث لم ينفعها العزل السياسي ولا الحصار الاقتصادي ولا التوغلات والغارات الجوية. واصبحت سمعتها اكثر سوءاً من اي وقت مضي. القــــدس العــــــربي |
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،
مرة أخرى ، يُثبت عبدالباري عطوان أنه سياسي فذ من الدرجة الأولى ، استطاع ببساطة تحليل الماضي و الحاضر و المستقبل في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها الامة. لا أخفي إعجابي بحنكته و بعلمه و بصحة توقعاته على الدوام. ربما القادة السياسيون في البلاد العربية يستطيعون إستنباط العبرة من هذا المقال. دمتم بخير. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة .
مشكور كل الشكر أخى / ابو سيف على نقلك لهذا الخبر ولكل الاخبار السابقة ولكن لى تعقيب بسيط على كاتب الموضوع فقد ذكر قصة الأنقلاب فى لوس أنجلوس وما تبعلة لعمليات التخريب والتدمير والنهب من المحلات وقارن بينها وبين تصرف الأحباء من اهالى غزة ..........وله أقول أن كان النوع الاول المذكور تصرفو بهذة الهمجية والعشوائية فهم أنقلبو على حكومتهم وفى بلدهم التى تعرضو للظلم منها وأنما احبابنا من أهالى غزة عندما دخلو الأراضى المصرية فقد دخلو بموافقة من الحكومة المصرية ولسنا فى موضع أنقلاب او اى أعمال تخريبية . وأخير أتفق معة فى أعادة نظر الحكومة المصرية لقرارها بشأن المعبر وكذالك باقى الحكومات العربية عليها أن تأخذ مواقف جادة للمساعدة فى هذة الأزمة ولا تأخذ موقف المشاهد من بعيد للقضية وكأنها لا تمت لة بصلة . وجزاك الله كل الخير على النقل . |
والله اخى لكريم اننا فى فلسطين نحبكم
والله انكم غاليين على قلوبنا وانا شخصيا اتمنى ان اذهب الى مصر وارى احبابى واهلى انتم كنتم املنا بعد الله والحمد لله انكم فتحتم لنا قلوبكم قبل ارضكم وبلادكم بارك الله في اهل مصر الاحباب بارك الله فيك اخى الكريم على نقلك الخبر واخبار فلسطين |
[quote=فتاة التوحيد;455163]
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، حياكم الله أختي فتاة التوحيد و أشكر مداخلتك القيمة بارك الله فيكِ الكاتب أراد ببساطة المقارنة بأفعال من هم في بلاد الديموقراطية المزعومة و كيف تصرفوا في الأزمات .. و هذه المقارنة لازمة في هذا الوقت بالذات لكي يتعرف القاريء على سمو أخلاق الفلسطينيين و كيف أنهم حتى بالأزمات استطاعوا أن يتحكموا بتصرفاتهم بنجاح و فاعلية. جزاكِ الله خيراً. |
[quote=عيون فلسطين;455218]
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، حياكم الله أختي عيون فلسطين و بورك مروركِ الطيب. جزاكِ الله خيراً. |
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
نعم مراقبنا الفاضل ، عبد الباري عطوان هو سياسي فذ ، و لكنه في بعض الأحيان يرى بنظرة متصلة بالغير و هذا النوع من النظرات تكون غير واضحة و مشوشة و يجب أن يكون هناك تحديد موقف حتى لا نشتت المشاهدين أو القراء بحكم أنه محلل سياسي فذ ، و لهذا بالرغم من ذكائه و أسلوبه المحبب في التعاطي بالأمور السياسية إلا أني دوماً أخشى أن أجد نفسي معه في تلك المنطقة الرمادية ( التي لم أكن أعرف معناه قبل أن يشرحها لي إنسان غالي عليَ :)- المهم ) يصل أكثر من مرة بالمشاهدين إلى تلك المنطقة الرمادية حين يتحدث عن الحزب في لبنان أو حين يتحدث عن إيران ، و يحاول أن يصور مقاومة الأول و تطور الثانية في غير مكانه الصحيح الذي نراه أو على الأقل كما نعيشه نحن من نعيش في الواقع الفعلي مع الحزب ، لأن من يعيش الواقع الفعلي غير من يحلل و يناظر من بعيد :icon14: ، أو ربما من يستفيد أو يتضرر من تطور الأخيرة المهم ، في هذا الموضوع ، طبعاً الأهم هو تنظيم الحدود لا إغلاقها , ليس فقط في ظل وقت محدد حين الحصار على غزة ، و لكن بشكل دائم وجب تنظيم الحدود لا أغلاقها فيكفي الإغلاقات الكبيرة في وجه هذا الشعب الذي عانى ما عاني و ما زال يعاني من أجل صفقات من الإغلاقات و الفتوحات حسب الجيوب و إمتلائها أو وجود شاغر لتمتلأ من جديد و هكذا ... أشكرك مراقبنا الفاضل على المقال في أمان الله و حفظه |
جزاك الله كل خير على النقل المفيد
والله ان هذا المشهد العجيب الذى اغاظ المحتل واعوانه ما يحتاج الى تحليل فلو استطلعت اراء المصريين فى هذا اليوم لسمعت عجب عن التعاطف و التوحد....... ولكن عدونا لم يمررها بهذه البساطة فحين شاهد الترحيب الشديد والحب بين الاخوة اثار اعوانه ليبداو العمل فورا لفض التلاحم بدات مجموعة تخوف الناس من احتلالالفلسطنين لمصر واضحك من كل قلبك على الافكار الغريبة فهل اراد الاهل فى فلسطين ان يتركوا بلادهم فعلام الحرب اذن والله لو استشعر اليهود ذلك لاعانوهم على دخول مصر والاستقرار فيها ومجموعة اخرىبدات الضغط على معدومى الدخل برفع اسعار كل شئ وارجاع اللوم على الفلسطينيين وتبرر ذلك بان الفلسطينيين معهم الكثير من الاموال (اغنياء حرب) لانهم مدعومون من دول خارجية اين هذا الدعم والناس تموت جوعا فلما لم تنخفض الاسعار بعد عودة الفلسطينيين وصدق هذه الاكاذيب الكثيرين حتى اذا عاد الفلسطينيين الكرة لا يجدوا نفس الترحاب لكن الاكيد ان الكثيريين يودون اقتسام البيت والعيش مع الاخوان فى فلسطين ودعمهم بالغالى والرخيص لاستعادة الارض ورد العدوان الغاشم اسال الله ان ينر بصائرنا بنور الحق حتى لا يلعب بعقولنا المغرضون اللهم وحد همنا وصفوفنا وكلمتنا ولا تجعل باسنا بيننا شديد |
الساعة الآن : 03:37 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour