هجرة العقول والكفاءات .. رؤية إسلامية وحلول شرعية
https://al-forqan.net/wp-content/upl.../12/فكرة-0.jpg هجرة العقول والكفاءات .. رؤية إسلامية وحلول شرعية
تُعدّ هجرة العقول والكفاءات من أخطر الظواهر التي تؤثر على المجتمعات النامية، ولا سيما الدول الإسلامية التي تعاني نزيفًا مستمرا في مواردها البشرية المؤهلة، ففي ظل المنافسة العالمية على استقطاب العقول المبدعة في العلوم والطب والهندسة والتقنية وغيرها، تصبح الكفاءات العربية والإسلامية معرضة للانتقال نحو بيئات أكثر تقدمًا واستقرارًا، وتزداد أهمية الظاهرة حين ندرك أن الإسلام جعل الإعمار والاستخلاف هدفًا للوجود الإنساني، كما قال -تعالى-: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: 61)، ورفع مكانة العلم والعلماء، فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، ومن هنا تنبعث الحاجة إلى معالجة ظاهرة هجرة العقول من منظور إسلامي يوازن بين حقوق الفرد وواجبات المجتمع، مستعرضًا الأسباب والتداعيات ومقدّمًا حلولًا شرعية وعملية. أولاً: مفهوم هجرة العقول والكفاءات عرفت هيئة الأمم المتحدة هجرة العقول والكفاءات بأنه: نزوح قدر كبير من السكان أصحاب المهارات والكفاءات العلمية والفنيين واتجاههم إلى دول تتيح لهم فرصًا اقتصادية واجتماعية أفضل، وعلى سبيل المثال نزوح الأطباء في دولة نامية لممارسة الطب في دولة متقدمة، كما يعبر عن هجرة الكفاءات بــ «هجرة الأدمغة»، وهو مصطلح صاغته الجمعية الملكية لوصف هجرة «العلماء والتقنيين» إلى أمريكا الشمالية من أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، واستُخدٍمَ هذا المصطلح في الأصل للإشارة إلى عمال التكنولوجيا الذين يغادرون دولة ما، ولكن معناه اتسع إلى «مغادرة الأشخاص المتعلمين أو المحترفين من بلد ما، أو قطاع اقتصادي، أو مجال إلى بلد آخر، عادة بحثًا عن أجور أو ظروف معيشية أفضل». ويصنف المهاجرون العرب والمسلمون إلى الدول الغربية إلى صنفين اثنين:
ثانيًا: موقف الإسلام من الكفاءات والمبدعين الرؤية الإسلامية للكفاءات والعقول المبدعة رؤية متميزة؛ حيث ينظر إليها بوصفها ثروة بشرية لا تقدّر بثمن، واستثمارًا استراتيجيا في نهضة الأمة وارتقائها، فهذه الشريحة تحقق قيمة الإتقان والتجويد في كل عمل، امتثالًا لقوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} (النحل: 90)، وقوله -سبحانه-: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} (التوبة:105)؛ لتؤكد أن التميّز ليس هبة عابرة، بل ثمرة جهدٍ متقن، وروح تدرك قيمة ما تقدّم، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:»إنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه»، وقد جعل الإسلام من العلم والكفاءة معيارًا للتفاضل والتكليف، بعيدًا عن العصبية أو المحسوبيات؛ فالإسلام دين حضارة، يربط بين العبادة والعمران. ويؤكد المنهج الإسلامي أنَّ الاستخلاف في الأرض لا يتحقق إلا بتقدير العقول المتميزة وتوظيفها في خدمة المجتمع، قال -تعالى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، دلالة على أن العلم يرفع صاحبه مكانةً ودرجةً، وفي قصة يوسف -عليه السلام- حين قال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف: 55)، تؤكد أن كفاءة الحفظ والعلم شرط في تولي المسؤوليات، وفي السنة النبويَّة شواهد كثيرة منها حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، يبين خطورة إسناد المسؤوليات لغير الأكفاء، من هنا فقد أسس الإسلام بذلك نموذجًا حضاريًا عالميًا، يقوم على تقدير العقول المتميزة وتوظيفها في خدمة المجتمع، وفي ظل التحديات المعاصرة، فإن استلهام الموقف الإسلامي يمثل ضرورة لإعادة الاعتبار للكفاءات والعقول المبدعة، بعيدًا عن المحسوبيات والاعتبارات الضيقة. ثالثًا: أسباب هجرة العقول والكفاءات تتعدّد العوامل المؤدّية إلى هجرة العقول والكفاءات من أوطانها إلى بلدان أخرى، ويمكن تصنيفها إلى قسمين رئيسين: أولًا: العوامل الدافعة للهجرة، وهي الأسباب المرتبطة ببلدان المنشأ، وتشمل:
عوامل إضافية مؤثرة إلى جانب ما سبق، توجد مجموعة من العوامل التي تسهم في تفاقم تلك الظاهرة، من أبرزها:
رابعًا: تداعيات هجرة العقول والكفاءات تؤثر هجرة العقول والكفاءات على تقدم الدول العربية والإسلامية؛ لما لها من أثر بالغ في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، ويمكن تفصيل أبرز الدوافع وراء هذه الظاهرة على النحو التالي: أولًا: ضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية يؤدي الركود الاقتصادي وضعف التنمية الاجتماعية إلى فقدان المجتمع لكفاءاته المتميزة؛ إذ يفتقر الشباب الموهوبون إلى الفرص المناسبة لتطبيق معارفهم ومهاراتهم، ويشعرون بالإحباط أمام محدودية الموارد والتسهيلات؛ ويترتب على هذا الأمر نزوح العقول المبدعة بحثًا عن بيئات توفر فرصًا أوسع للنمو المهني والابتكار العلمي. ثانيًا: تراجع القدرة التنافسية مع استمرار هجرة الكفاءات، تتراجع قدرة الدول على المنافسة في الأسواق العالمية؛ فغياب الخبرات المحلية يفرض على الدولة الاعتماد على خبرات أجنبية مكلفة؛ ما يزيد من الفجوة التقنية والمعرفية بين الدول المتقدمة والدول النامية، وهذا التراجع يضعف السياسات الوطنية ويحدّ من إمكانية تطوير الصناعات والتقنيات المحلية، ويجعل الوطن أكثر هشاشة أمام التحديات الاقتصادية. ثالثًا: ضعف البحث العلمي المحلي تؤدي الهجرة المستمرة للكفاءات العلمية إلى تقليص الإنتاج البحثي المحلي؛ ما يقلل من مستوى الابتكار وتطوير التقنيات المتقدمة، فالجامعات والمراكز البحثية التي يفقدها الوطن تتأثر قدراتها على تطوير مشاريع علمية رائدة، بينما يزداد الاعتماد على حلول جاهزة ومستوردة من الخارج، بما يحدّ من استقلالية البحث العلمي ويؤخر تحقيق النهضة التكنولوجية. رابعًا: التأثير النفسي والاجتماعي تترسخ ظاهرة هجرة العقول أيضًا في الجانب النفسي والاجتماعي؛ حيث يشعر الشباب الموهوبون بالإحباط نتيجة عدم تقدير مهاراتهم وفرصهم، ويضعف لديهم روح المبادرة والمنافسة، هذا الإحباط لا يؤثر على الأفراد فحسب، بل يمتد ليؤثر في المجتمع بأسره، حيث يقلّ الإبداع الجماعي ويضعف الإحساس بالانتماء والولاء للوطن، ويصبح الاستثمار في الموارد البشرية المحلية أقل جدوى. خامسًا: معالجة هجرة العقول العربية بات لزامًا على الدول والمؤسسات بذل جهود متكاملة لمعالجة هذا النزيف العلمي، وذلك عبر مجموعة من الوسائل والسبل من أبرزها ما يأتي: أولًا: بناء بيئة علمية جاذبة للكفاءات
حلقة مترابطة من الإجراءات إن هجرة العقول تمثل حلقة مترابطة بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والنفسية، وتؤكد أن معالجتها تتطلب سياسات شاملة لتعزيز التنمية، وتوفير بيئات جاذبة للكفاءات، وحماية البحث العلمي المحلي، وتنمية روح الانتماء لدى الشباب، لضمان استمرار بناء القدرات وتحقيق نهضة مستدامة. أرقام وإحصاءات أظهرت بعض الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي أن العالم العربي يسهم في ثُلث هِجرة الكفاءات من البلدان النامية، وأن50 % من الأطباء، و 23 % من المُهندسين، و15 % من مجموع الكفاءات العربية المُتَخَرِجَة يهاجِرون متوجِهين إلى أوروبا والولايات المُتحِدة وكندا، ما يفرز تبعات سلبية على مستقبل التنمية العربية، وذكرت التقارير أن 54 % من الطلاب العرب، الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم، كما يُشكِّل الأطباء العرب في بريطانيا34 % من مجموع الأطباء فيها، ولخصت تقارير الجامعة العربية واليونسكو الأسباب والدوافع الأساسية لهجرة العقول العربية، في عجز الدول العربية والنامية، على استيعاب أصحاب الكفاءات، الذين يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، إضافة إلى ضعف الدخل المادي المخصص لهم، وفقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشاريع التنمية والتطوير. اعداد: وائل رمضان |
| الساعة الآن : 02:40 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour