من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: استحالة استمرار الكذب
من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: استحالةُ استمرارِ الكذِبِ الشيخ عبدالله محمد الطوالة الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فمن طبيعةِ العقولِ السليمةِ أنها لا تُسلِّمُ للدعاوى إلا بحجةٍ بيّنة، ولا تقبلُ رأيًا فيهِ خلافٌ إلا بدليلٍ صحيح، وبرهانٍ قاطعٍ، يورثُ اليقين ويُزيلُ الشك.. وكلما عظُمَت الدعوى، عظمت المطالبةُ بالدليل.. وحين يأتي رجلٌ فيقوُلُ إنه رسولٌ من عندِ الله، وأنه مؤيّدٌ بالوحي، وأن طاعتهُ فريضة، وأنَّ النجاةَ مُعلّقةٌ بتصديقه واتباعه، فللعقل أن يقفَ ليسأل سؤالًا بديهيًا: وما الدليلُ على صحة هذه الدعوى العظيمة؟ وحيثُ إنَّ الأدلةَ التي تثبتُ صدقَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ ومتنوعة، فقد اخترت منها اثنا عشر دليلًا مختلفًا.. أفردتُ كلًّ منها في مقالٍ مستقل، لتشكل في النهاية سلسلةً من المقالات المتآزرة، تشهدُ على صدق الرسولِ صلى الله عليه وسلم شهادةً لا يبقى معها أدنى ريبٍ ولا شك.. (والسلسلةُ كلها منشورةٌ في هذا الموقع المبارك بحمد الله).. وفي هذا المقالِ سأتناولُ الدليلَ العاشرَ منها وهو: استحالةُ استمرارِ الكذب. أيّها القارئُ الكريم: إنَّ من البديهيِّ البيّنِ أنَّ كلَّ من يدَّعي أمرًا (عظيمًا) ويستمرُ عليه زمنًا طويلًا، فلا بدَّ أن يظهرَ صِدقهُ من كذِبه، وعلى رأس ذلك مُدعيّ النّبوة، فهو إمَّا أن يكون: أصدّقَ النّاسِ وأفضلَهم، (لأنّ اللهَ هو الذي أختاره)، وإمّا أنْ يكونَ أكذَبَ النّاسِ وأفجرَهم؛ (لأنَّ الكذبَ على الله هو الأسوأ)، وكلاهما يستحيلُ أن يلتبسَ أمرهُ حتى على أجهل الجاهلين.. وكيف يلتبسُ أفضلَ الخلقِ بأسوئهم، وكيفَ لا يسهُلُ تمييزُ أصدقِ النّاسِ من أكذبهم، خُصوصًا مع انتشارِ الأمرِ، وامتدادِ الفترة، وضخامةِ الحدث، وتنوّعِ الوقائع، وكثرةِ التحديات.. وما من عاقلٍ يستطيعُ أن يُصدِّقَ أنَّ شخصًَا يكذِبُ على الله في الليل والنهار، وهو في نفس الوقتِ ملتزمٌ بأعلى معاييرِ الصدقِ طوالَ حياته، وفي كلّ شئونهِ وأحواله، ومع جميعِ الناس.. وهو من يُلقبُ بين قومهِ بالصادِق الأمين، وهو من يَشهدُ له القاصي والدّاني أنهُ ما كذبَ قطُّ، بل كان يحاربُ الكذِبَ حربًا لا هوادةَ فيها، ويشنعُ على الكاذبين، ويصِفُهم بأشنع الصفات، ويعدُّهم من المنافقين، وينفّرُ من الكذِب ولو كان مِزاحًا.. وهو في نفس الوقتِ من كانت العيونُ ترصدُه وتحفظُ كلَّ حركاتهِ وكلماته، حتى أنَّ ما حُفِظَ وسُجِلَ من تفاصيل حياتِه، وأقوالِه وأفعالِه، لم يحصل لأيّ أحدٍ غيره، لا من قبلهِ ولا من بعده. وإنهُ لأمرٌ لا يقبلهُ عقلٌ ولا منطق، أن يكونَ انسانٌ شديدُ الأنفةِ من الكذِب إلى الدّرجة التي سبقَ بيانها، حتى إذا أكتملَ عقلهُ واستوى، وبلغَ أربعينَ سنةً، تحولَ فجأةً إلى أكبر كذّابٍ، لا يكذبُ على النّاس فقط، بل وعلى ربِّ العالمين، هذا مُحالٌ جدًا ولا يكونُ أبدًا. ثم إنَّ مما لا شكّ فيه، أنّ أيّ مُدعيِّ كذّاب، مهما بلغَ من الفطنة والذّكاء، ومهما تحرَّزَ في العلن والخفاء، فلا بدَّ أن يقعَ في التّناقض والأخطاء.. ولا بدَّ أن تظهرَ عليه أماراتُ الدّجلِ والكذبِ والافتراء.. خُصوصًا مع امتدادِ الوقتِ، وكثرةِ الوقائعِ، وقوةِ التّحدّيات. ومن سنة اللهِ وعنايتهِ بعباده، ألّا يدعَ كذّابًا دعيًّا يتكلمُ باسمه، ويعِيثُ في الأرض فسادًا، دون أن يَفضحَ أمرهُ، ويَهتِكَ سِتره، ويَكشِفَ عَوارهُ.. حدثَ ذلك مع القادياني الكذّاب، ومع مُسيلمةَ الكذّاب، ومع الميرزا الكذّاب، ومع سائر الكذابينَ وما أكثرهم، فجميعهم وقعوا فيما لا يُحصى من التّناقضات الواضحةِ، والأكاذيبِ المكشوفة. فلو أننا أمامَ رجُلٍ دعيٍّ كذَّاب، يُدلِسُ على الناس ويحتال، ويزعمُ أنه رسولٌ من عند الله وهو ليس كذلك.. فما أسهلَ أن ينكشِفَ أمرهُ، وينجلي كذبه، ويُفضحُ تحايله.. أمَّا محمدٌ صلى الله عليه وسلم فرغم أنهُ تكلمَ بآلاف الآياتِ القرآنيةِ الموثَّقة، وبعشرات الآلافِ من الأحاديثِ المحفوظةِ بالسند، والتي تتكلمُ في كلّ شأنٍ من شئونِ الحياة، وعن الدّارِ الآخرة، وعن الجنّةِ والنّار، وأخبارِ الأُممِ السّابقة، وعن أمورِ المستقبل.. ومع كلّ ذلك، ومع مرورِ الوقتِ الطَّويل، ومع حرصِ الأعداءِ الشَّديد، وتفتيشهم الدّقيقِ عن الأخطاءِ والزلات، فلم يجد أحدٌ منهم كذِبةً واحدة، ولم يقعوا على اختلافٍ واحد.. وواللهِ لو كان محمدٌ كذّابًا دعيًّا (وحاشاه) لما استطاعَ أن يحبُكَ ذلك كُله، ولا نكشفَ أمرهُ بكل سهولةٍ.. لكنه كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم:3]. وهكذا يتبيَّنُ لكل منصفٍ أنَّ استحالة الكذب، خصوصًا على الله، برهانٌ من أعظم البراهين القاطعةِ على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه نبيٌّ مرسلٌ ومؤيدٌ من ربه، ومن لم يقنعه هذا، فلن يقنعهُ برهان، ولن يهديه بيان.. ومع ذلك ففي المقال التالي، سنعيشُ مع شاهدٍ آخر من شواهد الصدق النبوي.. فنسألُ اللهَ أن يشرح صدورنا جميعًا للحق، وأن يهدينا سواء السبيل.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. |
| الساعة الآن : 12:28 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour