من درر العلامة ابن القيم عن الأغذية
من درر العلامة ابن القيم عن الأغذية فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ فالأغذية من المواضيع التي بحثها العلامة ابن القيم رحمه الله في عدد من كتبه، وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره، أسأل الله الكريم أن ينفع به الجميع. [التبيان في أيمان القرآن] لما كان الكافر ليس في قلبه شيء من الإيمان والخير يتغذى به، انصرفت قواه ونهمته كلها إلى الغذاء الحيواني البهيمي..أما المؤمن فإنه إنما يأكل العلقة ليتقوَّى بها على ما أُمِر به... فإذا أخذ ما يغذيه ويقيم صلبه، استغنى قلبه ونفسه وروحه بالغذاء الإيماني عن الاستكثار من الغذاء الحيواني... فإذا قويت مواد الإيمان ومعرفة الله وأسمائه وصفاته، ومحبته ورجائه والشوق إلى لقائه في القلب استغنى بها العبد عن كثير من الغذاء، ووجد لها قوة تزيد على قوة الغذاء الحيواني... وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: ((إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني))، وصدق الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، فإن المقصود من الطعام والشراب التغذية الممسكة، فإذا حصل له أعلى الغذاءين وأشرفهما وأنفعهما، فكيف لا يغينه ذلك عن الغذاء المشترك؟ وإذا كنا نشاهد أن الغذاء الحيواني يغلب على الغذاء القلبي الروحي حتى يصير الحكم له، ويضمحل غذاء القلب والروح بالكلية، فكيف لا يضمحل غذاء البدن عن استيلاء غذاء القلب والروح ويصير الحكم له؟ حكمة الشريعة في تحريم الأغذية الخبيثة: جرت حكمته في شرعه وأمره حيث حرم الأغذية الخبيثة على عباده؛ لأنهم إذا اغتذوا بها صارت جزءًا منهم، فصارت أجزاؤهم مشابهة لأغذيتهم؛ إذ الغاذي شبيه بالمغتذى، بل يستحيل إلى جوهره. الاغتذاء بالدم ولحوم السباع يورث المغتذي بها قوة شيطانية سبعية عادية على الناس؛ فمن محاسن الشريعة تحريم هذه الأغذية وأشباهها، إلا إذا عارضها مصلحة أرجح منها؛ كحالِ الضرورة؛ ولهذا أكلت النصارى لحوم الخنازير فأورثها نوعًا من الغلظة والقسوة، وكذلك من أكل لحوم السباع والكلاب صار فيهم قوة منها... ولما كانت القوة الشيطانية عارضة في الإبل أمر بكسرها بالوضوء لمن أكل منها. [الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب] حضرتُ شيخ الإسلام ابن تيمية مرةً صلَّى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليَّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغذ هذا الغذاء لسقطت قوتي، أو كلامًا قريبًا من ذلك. [إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان] أنفع الأغذية:أنفع الأغذية: غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية: دواء القرآن، وكل منهما فيه الغذاء والدواء. [زاد المعاد إلى هدي خير العباد] الزبيب فيه نفع للحفظ، قال الزُّهْري: من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب. منافع العسل: العسل فيه منافع عظيمة، فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها، محلل للرطوبات أكلًا وطلاءً، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم،...مُغذٍّ ملين للطبيعة، مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة، مُنَقٍّ للكبد والصدر، مُدِر للبول، موافق للسعال الكائن عن البلغم، وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر قتل قمله وصئبانه، وطَوَّل الشعر وحسنه ونعَّمه، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر، وإن استُنَّ به بيَّض الأسنان وصقلها، وحفظ صحتها، وصحة اللَّثة، ويفتح أفواه العروق، ويُدرُّ الطَّمث، ولعقه على الريق يُذهب البلغم، ويفتح سددها، وغسل خمل المعدة، ويدفع الفضلات عنها، ويسخنها تسخينًا معتدلًا، ويفتح سددها، ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة، وهو أقل ضررًا لسُدد الكبد والطحال من كل حلو. وهو مع هذا كله مأمون الغائلة، قليل المضار. وهو غذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطلاء مع الأطلية، ومُفرح مع المُفرحات، فما خُلق لنا شيء في معناه أفضل منه، ولا مثله، ولا قريبًا منه، ولم يكن معول القدماء إلا عليه، وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة، ولا يعرفونه، فإنه حديث العهد حدث قريبًا. وقال ابن جريج: قال الزُّهْري: عليك بالعسل، فإنه جيد للحفظ، وأجوده أصفاه وألينه حدة، وأصدقه حلاوة، وما يؤخذ من الجبال والشجر له فضل على ما يُؤخذ من الخلايا، وهو بحسب مرعى نحله. الثريد: مركب من خبز ولحم، فالخبز أفضل الأقوات، واللحم سيد الإدام، فإذا اجتمعا لم يكن بعدهما غاية. فوائد التمر: التمر غذاء فاضل حافظ للصحة لا سيما لمن اعتاد الغذاء به...وهو من أفضل الأغذية في البلاد الباردة والحارة التي حرارتها في الدرجة الثانية. أهل المدينة... تمر العالية من أجود أصناف تمرهم، فإنه متين الجسم، لذيذ الطعم، صادق الحلاوة. والتمر يدخل في الأغذية والأدوية والفاكهة، وهو يوافق أكثر الأبدان، مقوٍّ للحار الغريزي، ولا يتولد عنه من الفضلات الرديئة ما يتولد عن غيره من الأغذية والفاكهة، بل يمنع لمن اعتاده من تعفن الأخلاط وفسادها. التمر: مقوٍّ للكبد، مُليِّن للطبع، يزيد في الباه، ولا سيما مع حبِّ الصنوبر، ويُبرئ من خشونة الحلق، وأكله على الريق يقتل الدود. اللبن: أجود ما يكون اللبن حين يُحلب، ثم لا يزال تنقص جودتهُ على ممر الساعات...وأجوده ما اشتدَّ بياضه، وطاب ريحه، ولذَّ طعمه، وكان فيه حلاوة يسيرة، ودسومة معتدلة....ولبن البقر..من أعدل الألبان وأفضلها بين لبن الضأن، ولبن المعز في الرقة والغلظ والدسم. الشواء: أنفع الشواء شواء الضأن الحولي، ثم العجل اللطيف السمين،...والمشوي على الجمر خيرٌ من المشوي باللهب، وهو الحنيذ. يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء: في المسند وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنٍ، بحسب ابن آدم لُقيمات يُقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلًا، فثُلُث لطعامه، وثُلُث لِشرابه، وثُلُث لِنفَسه))، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يكفيه لُقيمات يُقمن صلبه، فلا تسقط قوته، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنَّفَس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع، فامتلاءُ البطن من الطعام مُضِرٌّ للقلب والبدن. هذا إذا كان دائمًا أو أكثريًّا، وأما إذا كان في الأحيان فلا بأس به، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن، حتى قال: والذي بعثك بالحق، لا أجد له مسلكًا، وأكل الصحابة بحضرته مرارًا حتى شَبِعوا. والشبع المفرط يُضعف القوى والبدن، وإن أخصبه، وإنما يَقوى البدنُ بحسب ما يقبلُ من الغذاء، لا بحسب كثرته. متى أمكن التداوي بالغذاء فلا يعدل عنه إلى الدواء: اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يُعدل عنه إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدلُ عنه إلى المركب. وقالوا: ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية، فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داءً يُحلِّله، أو وجد داءً لا يوافقه، أو وجد ما يوافقه فزادت كميته عليه، أو كيفيته، تشبَّث بالصحة وعبث بها. |
الساعة الآن : 10:42 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour