رؤية إسلامية قيمية .. المؤشرات والمعايير العالمية ودورها في تحقيق التنمية والتطوير
https://al-forqan.net/wp-content/upl...25/09/تكنو.jpg رؤية إسلامية قيمية .. المؤشرات والمعايير العالمية ودورها في تحقيق التنمية والتطوير
في عالمٍ تتسارع فيه خطى الأمم نحو التقدم والازدهار، تبرز أهمية المؤشرات العالمية أداةً محورية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وإن المتأمل في هدي الإسلام يجد أن الشريعة الإسلامية الغرّاء حثّت على عمارة الأرض وإتقان العمل، قال الله -تعالى-: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، كما حثّ على إخلاص النية والإخلاص في العمل كما في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، ومن هذا المنطلق، تأتي المؤشرات العالمية لتكون بمثابة ميزانٍ عادل ومحكّم يساعد الدول والمؤسسات على تقييم أدائها ومقارنته بالآخرين، بما يضمن توجيه السياسات والموارد تجاه ما يحقق النفع للعباد والبلاد. المؤشرات العالمية لا تقتصر على قياس التنمية البشرية أو الابتكار أو المعرفة، بل تمثل رؤية متكاملة تُعين صناع القرار على تحديد مكامن القوة والضعف، ووضع أهداف قابلة للقياس والمتابعة والتحسين المستمر، وهكذا تسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، وتدعم جهود تحسين جودة الحياة والرفاه الاجتماعي، انسجامًا مع مقاصد الشريعة في تحقيق مصالح الخلق. الإطار المفاهيمي: يمكن تعريف المؤشرات العالمية بأنها مقاييس معيارية - كميّة أو نوعية- تُقاس بطريقة موحّدة عبر البلدان أو المؤسسات؛ لقياس جوانب، مثل: التنمية البشرية، والابتكار، والتنافسية، ورأس المال البشري، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتنبع أهميتها من كونها توفر مرجعية موحَّدة للمقارنة، وتكشف فروق الأداء واللامساواة، وتوفّر بيانات لدعم صنع السياسات والاستثمار. ويمكن توظيف مفاهيم المقاصد الشرعية في قياس الأداء التنموي من خلال الربط بين أهداف التنمية ومقاصد الشريعة التي تستهدف تحقيق مصالح العباد في حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل. فالمقاصد الشرعية تمثل إطاراً قيميا ومنهجياط لتحديد ما إذا كانت السياسات التنموية تحقق المنفعة وتنأى بالمجتمع عن الضرر. أهمية متعددة المحاور: ولا شك أن اعتماد المؤشرات العالمية، وتمثّل قيمها في التخطيط والإدارة والريادة، يسرّع خطى المجتمعات نحو الاقتصاد المعرفي القائم على العلم والابتكار، ويرسّخ التميز الإداري والثقافي، ليكون نتاجه أمة قوية قادرة على التنافس، ومتمسكة في الوقت ذاته بأصالتها وقيمها؛ كما تبرز أهمية المؤشرات العالمية من خلال دورها المحوري في تحقيق التنمية المستدامة والتطوير في مجالات العلم والعمل، والريادة والتميز الإداري والعلمي والثقافي؛ حيث توفر أدوات قياس معيارية تساعد الدول والمؤسسات على تقييم أدائها ومقارنتها دولياً، وتوجيه السياسات لتحقيق أهداف واضحة قابلة للقياس والمتابعة والتحسين المستمر. كما توفر المؤشرات العالمية نظرة شاملة لأداء الدول في مختلف المجالات، مثل: مؤشر التنمية البشرية، ومؤشر الابتكار العالمي، ومؤشر المعرفة. هذه المؤشرات تساعد صناع القرار على تحديد نقاط القوة والضعف، وتوجيه الموارد نحو أولويات التنمية؛ كما تسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة وتدعم جهود تحسين جودة الحياة والرفاه الاجتماعي، وبذلك تمكن تلك المؤشرات صناع القرار من تحويل الأهداف الاستراتيجية إلى سياسات قابلة للقياس؛ حيث تسرِّع من عملية التحول إلى الاقتصاد المعرفي القائم على العلم والابتكار، وتحسّن بيئة العمل، وتعزّز التميّز الإداري والثقافي. ولما كانت المؤشرات تقيس كلا من: المدخلات، والأنشطة، والمخرجات، والنتائج (الآثار المترتبة)؛ فإن الفاعلية التنموية تكون في أفضل حالاتها عندما يتم تحقيق التوازن بين تلك العناصر الأساسية. أهمية المؤشرات العالمية في تحقيق التنمية:
السياسات التنموية والمواءمة المحلية: عند حديثنا عن المؤشرات والمعايير العالمية والدولية، فإنه ينبغي للدول وضع المؤشرات العالمية في إطارها المحلي، وتكييفها لتلائم الواقع المجتمعي والخصوصية الثقافية، مع ضرورة إشراك أصحاب المصلحة في تطوير مؤشرات محلية تناسب البيئة الوطنية وتحقق التنمية المستدامة، كما ينبغي أن تكون تلك المؤشرات أداة إرشادية وليست هدفاً بحد ذاته؛ حتى لا تطغى الاعتبارات التصنيفية على الاحتياجات الحقيقية للمجتمع وتعيق تقدمه. أهم المؤشرات العالمية في التنمية:
أبرز المؤشرات الداعمة:
المنهجية المقترحة لاستخدام المؤشرات بفعالية: 1- اختيار المؤشرات المناسبة: بحيث تكون مزيجا من مؤشرات عالمية (HDI, GII, SDG indicators) ومؤشرات وطنية مكيّفة. 2- تكييف السياق المحلي: ترجمة النتائج لمؤشرات أداء رئيسية (KPIs) قطاعية قابلة للقياس زمنيًا. 3- بناء نظام بيانات وطني موثوق: تحديثات دورية، شفافية، ونشر قواعد بيانات مفتوحة للباحثين والمستثمرين. 4- آليات تقيّم وسياسات تصحيحية: لجان متابعة مستقلة ومؤشرات مبنية على النتائج (outcome-based). 5- التواصل والتفسير: ترجمة النتائج للجمهور وشركاء الأعمال بلغة بسيطة لتعزيز المساءلة. الطريقة المثلى لتوظيف المؤشرات العالمية وفق مقتضيات الشريعة: لا شك أن وضع مؤشرات تنموية قائمة على تحقيق المقاصد أمر يزيدها فاعلية وانسجامًا مع مجتمعاتنا المسلمة، وذلك من خلال تقسيمها إلى مؤشرات تعكس حفظ النفس (الصحة والأمن الغذائي)، وحفظ المال (العدالة الاقتصادية والاستقرار المالي)، وحفظ العقل (التعليم والثقافة)، وحفظ الدين (حماية القيم الشرعية)، وحفظ النسل (رعاية الأسرة والتنمية السكانية). كما يمكن تحليل شمولية تلك السياسات التنموية وفعالياتها، عبر تقييم مدى مساهمة تلك السياسات في تحقيق مصالح المجتمع على ضوء المقاصد الإسلامية، وتحديد الثغرات التي قد تهدد أيا من هذه المصالح، وذلك من خلال تضمين قيم العدالة، والشفافية، وحفظ الحقوق، والرفق في مؤشرات قياس الأداء؛ لضمان عدم خروج مسارات التنمية المنشودة عن الإطار الأخلاقي والشرعي. ويمكن أيضا توجيه الموارد وتنظيم الأولويات التنموية باعتماد مقاصد الشريعة مرجعيةً في التخطيط الاستراتيجي؛ بحيث توجه الجهود نحو المجالات التي تحقق أكبر قدر من المنافع، وتقلل المخاطر والقضايا الاجتماعية. ولعل من أهم آليات التقييم المستدامة إنشاء لجان شرعية مختصة لمراجعة مؤشرات الأداء ودراستها دوريا، بما يضمن توافق التنمية مع الأهداف الشرعية بمرونة تواكب التطورات. أمثلة واقعية على نجاح المؤشرات:
الخلاصة: مما سبق نخلص إلى أن المؤشرات العالمية ليست مجرد أرقام؛ وإنما هي أدوات استراتيجية تسمح بالقياس الموضوعي للمسار التنموي، تحديد فجوات الأداء، وتوجيه الموارد؛ حيث تُحدث فرقًا حقيقيا عند استخدامها بحكمة مع تكييفها للسياق المحلي وبناء أنظمة بيانات قوية ويمكنها تسريع التقدّم في العلم، والعمل، والريادة، والتميز الإداري والثقافي؛ كما إن هنالك علاقة إيجابية وثيقة بين المؤشرات العالمية والتنمية؛ إذ تسهم تلك المؤشرات بشكل فعال في دفع عجلة التطوير العلمي والإداري والريادي والثقافي، وتوفر أطر متابعة تقود المجتمعات نحو تحقيق المزيد من التميز والريادة على المستويين المحلي والدولي، وقبل هذا كله وذاك فإن الإسلام بتعاليمه السمحة، وقيمه السامية، يعزز مثل هذا التوجه لتحقيق الريادة والتميز والارتقاء بمستوى الفرد والمجتمع. اعداد: ذياب أبو سارة |
الساعة الآن : 08:40 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour